مها الخطيب.. إعلامية سورية حملت لواء الثورة وماتت بعيدة عن الديار

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إعادة اكتشاف الوطن في الثورة، كان من أسمى معاني الربيع العربي، إذ عرف الذين حملوا لواء التغيير أن الوطن يعيش بداخلهم، أكثر مما يعيشون على أرضه. 

ربما تمثل هذا في الإعلامية السورية الراحلة مها الخطيب، ابنة مدينة حلب المنكوبة، التي رحلت من بلد إلى آخر جراء الحرب الناجمة عن قمع نظام الأسد في سوريا.

وغادرت الخطيب منذ سنوات إلى تركيا، ثم إلى ألمانيا، وكان الرحيل الأخير والمستقر النهائي لها يوم 12 مايو/ أيار 2020، عندما قضت نحبها بعد معاناة مع مرض السرطان، بعيدة عن ديارها، حيث واراها التراب، وبقيت سيرتها، وكلمات الحق التي أطلقتها في وجه حرب غادرة على بلادها. 

بداية الرحلة 

ولدت مها الخطيب عام 1975 في مدينة حلب السورية، ودرست الحقوق في جامعة بيروت والعلاقات الدولية في جامعة حلب، وهي متزوجة وأم لطفلين. 

عملت في التلفزيون السوري عام 2003، وقدمت العديد من الأفلام الوثائقية، قبل أن تنتقل إلى قطاع الأخبار، وفي عام 2007 بدأت عملها كمذيعة في قناة "شام" الفضائية.  

وكانت محطة مها الخطيب البارزة في مسيرتها المهنية، والإنسانية عندما ضحت بعملها في قناة "العالم" الإيرانية، مع اندلاع الثورة السورية، حيث قدمت استقالتها اعتراضا على النهج الإيراني، وسياسة القناة المعادية لانتفاضة السوريين، ثم انحازت إلى الثورة انحيازا كاملا. 

وجاء ذلك في توقيت صعب، حيث كان نظام بشار الأسد، مازال في عنفوانه، ويعصف بالمعارضين له من سائر طبقات الشعب السوري.

غادرت مها الخطيب سوريا، بعد اشتعال المعارك بين قوات النظام، والثوار، إلى دولة الجوار في تركيا، حيث مدينة إسطنبول، وهناك عملت مذيعة في عدد من القنوات الإعلامية العربية، كصوت للثورة، ومعبرة عن مآسي ونكبات أبناء وطنها في القتال المستعر بالداخل. 

وعملت في شبكة قنوات "أورينت"، وقناة "الفلوجة" العراقية، قبل أن تترك الإعلام وتلتفت إلى التنمية الذاتية، كما كتبت على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، عبارة محددة قالت فيها: "أغواني الإعلام فعملت به ك‏‏‏مذيعة لفترة.. وحاليا مهتمة بالتنمية الذاتية".

من مآثرها الإعلامية، عندما قالت ديباجة مؤثرة، في برنامجها على قناة "الفلوجة"، إثر سقوط مدينتها حلب في ديسمبر/ كانون الأول 2016.

ومما أوردته: "حلب هل سقطت أم أسقطت؟ هل بيعت ومن باعها؟ هل خذلت ولماذا خذلوها؟ وإن كان ما قبل حلب، ليس كما بعده.. فما الذي ينتظر الثورة السورية؟.. ولكن قبل الإجابة على هذه الأسئلة، سنقف مطولا مع الوجع الحلبي". 

وكانت تلك المدينة تعاني من الفظائع الوحشية التي ارتكبتها القوات النظامية السورية، حتى أنها شبهت بـ "ستالينغراد" نتيجة الدمار الذي لحق بها. 

تغريدات مؤثرة

تركت مها الخطيب، أثرها، عبر مواقفها، وانفعالاتها الحياتية، من خلال موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" الذي كانت تنشط عليه، بالتغريد المستمر، وقد تأثرت في الآونة الأخيرة بمرضها، وأزمة كورونا العالمية، فغلبت على تدويناتها الطابع الروحاني، وزرع الأمل. 

ففي فبراير/ شباط 2020، عرضت صورة من داخل جامع الفاتح بإسطنبول، وكتبت "أن تذكره ...أن تعبدَه ....أن تدعوَه .....والأجمل الأجمل أن تصِلَه فتستشعره نورا في قلبك .... ترنو إليه مطمئنا لتدبيره ....واثقا بترتيبه .. إنه الحب الإلهي". 

وكتبت إزاء جائحة كورونا من خلال رصدها لما يحدث: " فجأة اختفى التافهون ومطربو المهرجانات، وممثلو السخافات، والرياضيون ذوو الشهرة من غير إنجاز وبقي: معلم يسهر ليتواصل مع طلابه.. طبيب لايخاف العدوى ويعالج مرضاه.. جندي يرابط على الحدود.. عامل يفني نفسه لاستمرار الخدمات.. فأعيدوا ترتيب المجتمع الذي أصبح مقلوبا بكل المقاييس".

وكتبت عن المشكلات المزمنة التي تواجه العالم، قائلة: "لماذا لا نفكر بشكل جماعي بمشاكل الفقر والاحتباس الحراري والأمراض المزمنة بدل الحروب والقتل والثأر والانتقام؟ لماذا نزعة الشر في الإنسان تقودنا بشكل جماعي لما يريده البعض من الاستبداد الحروب ودائرة الانتقام لماذا لا يكون نحن الأكثرية صوتنا أعلى؟". 

الرحلة الأخيرة 

غادرت مها الخطيب تركيا إلى ألمانيا، وتوجهت تحديدا نحو مدينة همبورغ، التي مثلت محطتها الأخيرة، بعد إصابتها بالسرطان، ورحيلها في 12 مايو/ آيار 2020. وقد نعاها عدد من الإعلاميين، والسياسيين في مختلف أرجاء العالم العربي. 

وقال الإعلامي السوري موسى العمر: "وفاة الزميلة والأخت المذيعة الشابة مها الخطيب بنت حلب التي وقفت بجانب شعبها ، في مدينة هامبورغ بألمانيا بعد معاناتها مع السرطان، قهرته لوقت طويل، إلى أن سلمت الروح لبارئها هذا الصباح، عزائي لزوجها وعائلتها وأخواتها جميعا، وإنا لله وإنا إليه راجعون". 

وغرد الشاعر ياسر الأطرش: "كانت مها الخطيب (كلمة حق في وجه سلطان جائر).. لذا نضرع إلى الله أن (يظلها في ظله، يوم لا ظل إلا ظله).. رحلت مها اليوم في هامبورغ بعد صراع مع مرض السرطان، بعيدا عن مدينتها حلب.. ماتت غريبة كريمة نبيلة. وداعا الإعلامية السورية النبيلة". 

ودونت الإعلامية الجزائرية أمال عراب: "نخشى على حياتنا و ننتظر الدواء لفيروس مستجد، بينما تعيث الأمراض والعلل بين أجساد البشر، أمام عجز الطب والعلم عن تقديم الترياق أو ربما لأسباب أخرى! السرطان يخطف وردة أخرى من أمامنا، حاربته كثيرا، لكنه نال منها ومن كثيرين و لا يزال! رحمك الله مها الخطيب".

وكتب مهنا الحبيل، الباحث العربي، ومدير المركز الكندي للدراسات والفكر "تعازينا ومواساتنا لذوي الفقيدة الإعلامية السورية الراحلة مها الخطيب،تغمدها الله بواسع رحمته، كانت حسب شهادات عديدة مميزة في صفوف الكفاح الإعلامي لإيصال صوت الثورة وأنين المضطهدين، الذين رابطوا عند أمل الشعب وقلوب المحرومين".