جانب مشرق من كورونا.. كيف حول الفيروس بيوت المسلمين إلى مساجد؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كورونا ليست كلها شر، فبفضل الفيروس تحولت البيوت إلى مساجد صغيرة، مزينة بالمنارات الورقية، وبعض القصاصات والزخارف والنقوش الإسلامية، تقام فيها الصلوات ويتلى فيها القرآن ليلا ونهارا.

ظاهرة جديدة برزت في بعض المنازل بعد أن اضطرت السلطات في أغلب دول العالم لإغلاق المساجد، خوفا من تفشي فيروس كورونا، الذي غير كثيرا من أنماط الحياة العامة.

مجيء رمضان بالتزامن مع أزمة كورونا، عزز من فكرة تخصيص مساحات في المنازل، كمصلاة صغيرة تؤدى فيها العبادات في ليالي رمضان، كصلاة التراويح والتهجد وقراءة أوراد القرآن وتلاوة الأذكار والأدعية.

اعتكاف وعبادة

لم يقتصر بعض الأشخاص على أداء الصلاة في مسجد المنزل، بل نوى عدد منهم الاعتكاف أيضا، والانقطاع للصلاة والعبادة وقراءة القرآن في العشر الأواخر من رمضان.

أبوصهيب قايد، من أبناء محافظة تعز اليمنية، قال لـ"الاستقلال": "أنا أعتكف كل عام في العشر الأواخر من كل موسم، وأنقطع فيها للعبادة، ومع هذه الغمة، التي نسأل الله أن يفرجها عنا جميعا، نويت في هذا الموسم أن أعتكف في مسجد منزلي، الذي خصصته منذ بداية شهر رمضان للعبادة".

يضيف أبو صهيب: "نويت الاعتكاف والبقاء في مسجد منزلي، وممارسة العبادة والصلوات وقراءة القرآن، تماما كما كنت أفعل في المسجد في السنوات السابقة، وأنا على ثقة بأن الله سيكتب لي أجر الاعتكاف".

يتابع أبو صهيب: "نصلي في هذا المسجد أنا وأولادي، وأخطب فيهم يوم الجمعة، وأحيانا أجعل ولدي الأكبر خطيبا كي يتعود على الإلقاء والخطابة، ويكون لديه جرأة للحديث مع العامة، كما أجعله أحيانا إماما لنا في صلاة الجمعة، كي أمنحه بعضا من الثقة والشعور بالمسؤولية".

كان الأمين العام لـ"الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، علي محيي الدين القره داغي، قد أفتى بجواز الاعتكاف داخل البيوت في البلاد التي تكون جوامعها ومساجدها مغلقة، في ظل جائحة فيروس كورونا، حسب وكالة الأناضول.

وردا على أسئلة وردته حول الاعتكاف داخل البيوت، قال القره داغي، في بيان: "الاعتكاف من السنن المؤكدة المصاحبة لصيام الشهر الفضيل (رمضان)، ويتشوق إليها المسلمون"، والاعتكاف "أكثر تأكيدا في العشر الأواخر منه (رمضان)، حيث واظب عليه الرسول  صلوات الله عليه".

اتصال روحي

مثل المسجد بالنسبة للبعض بديلا روحيا، ودل على حجم التعلق والاتصال الروحي بالمساجد، وبالنسبة للبعض فإن المسجد ليس مكانا لأداء الصلاة فحسب، بل جزءا من نمط الحياة اليومي، وجزءا من تكوينهم الروحي.

اهتم البعض بوضع لمسات وزخارف ونقوش إسلامية على مسجد المنزل، لتعزيز فكرة روحانية هذه المساحة في أذهان الأولاد، وإقناعهم بضرورة  الانضباط في أداء الصلاة كما هو الحال في مسجد الحي.  

هذا ما أكده أحمد ناصر، وهو مواطن يمني مقيم في صنعاء حيث قال لـ"الاستقلال": "لم يكن من السهل على أنفسنا إغلاق المساجد، لهذا فقد لجأنا لإنشاء مسجد في البيت، حتى يكشف الله هذا البلاء وتفتح المساجد وتعود الحياة لطبيعتها".

يضيف ناصر: "كانت فكرة إنشاء مسجد في البيت فكرة جديدة وجميلة في نفس الوقت، وهي فرصة لخوض تجربة روحية جديدة لي وللأولاد الذين لم أرد أن ينقطعوا عن أداء الصلاة في المسجد".

وعن فكرة تقبل الأولاد للفكرة وموقفهم منها، قال ناصر: "لقد احتفى الأولاد بالفكرة، واستقبلوها بفرحة كبيرة، وأشعر بأنه سوف يكون لها أثر إيجابي على أنفسهم على المدى البعيد".

وتابع: "قامت أم الأولاد بزخرفة المسجد وإضفاء طابع روحي عليه بالنقوش والزخارف ليقتنع الأولاد بأن هذه ليس مجرد مساحة عادية، بل مسجد له آدابه، ومسجد يجب أداء الصلوات فيه جماعة مع كل وقت للصلاة".

وعن استمرار المسجد حتى ما بعد انتهاء أزمة كورونا، يقول ناصر: "بالتأكيد سوف يستمر حتى ما بعد رمضان، وحتى يتم افتتاح المساجد من جديد، لكني لا أعتقد أنه سيبقى في البيت بعد افتتاح المساجد وعودة الحياة لطبيعتها، لأني أخشى أن يفرض نفسه كبديل عن المسجد في الحي، وبالتالي يتكاسل الأولاد عن الذهاب للمسجد".

الملاحظ أن هذه الفكرة لاقت قبولا في عدد من المجتمعات، حيث طبق هذه الفكرة كثير من الناس، في عموم البلدان العربية والإسلامية، وحتى الدول الغربية.

يقول الإعلامي اليمني عبدالله الحرازي المقيم في هولندا: إنه طبق هذه الفكرة وخصص مساحة في منزله كمسجد يؤدي فيه الصلاة والعبادة هو وأولاده.

هوية دينية

لا تمثل المساجد للمسلمين، بما فيها من رمزية، مكانا للعبادة فحسب، بل هي جزء من هويتهم الدينية التي أصبحت أقرب إلى التقليد الاجتماعي الذي يصعب التخلي عنه.

غدت بعض العبادات والشعائر الدينية، لممارستها منذ مئات السنوات، جزءا من عادات المسلمين اليومية في رمضان وتقاليدهم الاجتماعية، كالصلاة وقراءة القرآن بشكل جماعي وتبادل أطباق الإفطار وإقامة موائد الإفطار الجماعي والاحتفال بليالي رمضان، ومثلت للبعض بما فيها من تفاصيل ذكريات الطفولة والصبا، كثيرا ما يحن إليها ويشتاق لها.

المؤكد رغم ذلك أن إغلاق المساجد بسبب جائحة فيروس كورونا تسبب بحزن الكثيرين حتى لأولئك الذين لم يعتادوا الذهاب إلى المساجد أو الصلاة فيها.