فيروس كورونا ينتقل عبر النقود.. هل تزدهر العملات الافتراضية؟

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الأوراق المالية الملوثة بفيروس كورونا قد تنقل العدوى وقد تسهم في تفشيه أكثر في العالم. وقالت المنظمة: "ينبغي على الناس تجنب استخدام العملات الورقية واستعمال طرق دفع لا تتطلب اللمس".

فيما أظهرت دراسات أن الفيروس يعيش على الورق المقوى لمدة تصل إلى 24 ساعة وقد يعيش 3 أيام على البلاستيك والفولاذ المقاوم للصدأ.

الأستاذة في مركز علوم المجتمع الصحي العالمي والمجتمع بجامعة جورج تاون، جولي فيشر، لم تنف وجود الفيروس على ورقة الدولار، لكنها رجحت أن تكون الأجهزة الأخرى المستخدمة للدفع أيضا أحد أسباب انتقال الأمراض.

وقالت: إن بطاقات الائتمان وغيرها من بطاقات الدفع تصنع من البلاستيك والمعدن، وهناك مئات الأشخاص الذين يلمسون أجهزة الصرف المالي يوميا، كما تشير دراسات إلى أن الهواتف الذكية شديدة التلوث بالبكتيريا بسبب استخدامها المستمر.

خدمات التوصيل فعلت عمليات تسليم "دون تلامس"، وجعلت الدفع عن طريق الإنترنت، وأعلنت شركات وأفراد في جميع أنحاء العالم وقف استخدام الأوراق النقدية لسداد قيمة السلعة، خوفا من نشر العدوى وزيادة انتشار فيروس كورونا.

فهل يدفع هذا الوضع إعادة التفكير في اعتماد العملات الافتراضية ورجوعها إلى عالم الاقتصاد بقوة بعد أن واجهت بعض العقبات في السابق؟.

"حجر النقود"

في فبراير/ شباط 2020 أعلن البنك المركزي الصيني عن قرار يقضي بتعقيم الأوراق النقدية المتداولة عبر وضعها في "الحجر".

وقال نائب حاكم البنك المركزي الصيني، فان ييفي: إن المصارف تستخدم الأشعة فوق البنفسجية أو درجات حرارة عالية جدا لتعقيم الأوراق النقدية، قبل عزلها لمدة تتراوح بين 7 و14 يوما. وأشار إلى تعليق التحويلات المالية بين المقاطعات الصينية.

من جهتها أفادت هيئة حماية المستهلك في روسيا أن عدوى "كوفيد-19" يمكن أن تبقى نشيطة على الأوراق النقدية لمدة تتراوح بين 3 إلى 4 أيام. وأوصت بأخذ التدابير المناسبة بعد استخدام النقود بتعقيم اليدين وعدم لمس الوجه قبل التطهير.

ومع ارتفاع الإصابات في الولايات المتحدة تجنب الأميركيون استخدام الأوراق النقدية، أما في كوريا الجنوبية، فسحب البنك المركزي جميع الأوراق النقدية من التداول لمدة أسبوعين، واضطر إلى حرق النقود الورقية في بعض الحالات.

وفي إيران أيضا تجنب المواطنون استخدام الأوراق النقدية، وأعلنت البنوك أنها لن تقبل النقود من العملاء.

ووصل الهوس بالناس إلى حد إتلاف الأوراق النقدية بسبب المبالغة في تعقيمها، وكشف موظف في أحد البنوك الأميركية عن إتلاف أحد عملاء البنك مئات الدولارات بوضعها في الميكروويف من أجل تعقيمها وقتل فيروس كورونا، ثم جاء إلى البنك ليسأل عن إمكانية استبدالها.

يحدث هذا في الوقت الذي يطبع فيه البنك المركزي في أميركا المزيد من الأوراق النقدية لإنقاذ الاقتصاد من الركود.

وقالت الاقتصادية الأميركية المتخصصة في معالجة أزمات المال، تريسي ألواي: "الركود الاقتصادي أصبح محتملا بنسبة كبيرة بل واقعا إن لم نتعامل مع تداعيات أزمة فيروس كورونا بالسرعة المطلوبة".

واقترحت المتخصصة على الحكومة الأميركية توزيع النقود مباشرة على المواطنين والأسر وإجازة حزمة تحفيز ضخمة مثلما فعلت في أيام أزمة المال.

إطلاق "ليبرا"

بالحديث عن العملات الافتراضية، عادت عملة فيسبوك الرقمية "ليبرا" إلى الظهور من جديد. ورغم المعارضة الدولية أعلنت هيئة إدارة العملة في منتصف أبريل/ نيسان المنقضي، عن إطلاق "ليبرا".

وأنها ستكون "عملة مستقرة" مدعومة بعملات رئيسية، بعد أن كانت الخطة الأصلية أن تكون مدعومة بمزيج من العملات وسندات الديون الحكومية، ما أدى إلى تخوف البنوك المركزية من أن يؤدي ذلك إلى زعزعة استقرار السياسة النقدية، وتسهيل غسل الأموال، وتقويض خصوصية المستخدمين.

وقال مسؤولون في هيئة إدارة ليبرا لوكالة "رويترز": إنهم يعتزمون إطلاقها – في حال حازت الموافقات التنظيمية - في الفترة بين منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ونهاية العام، بدلا من نهاية يونيو/حزيران 2020 كما كان مقررا.

وكانت بعض الدول، بما فيها فرنسا وألمانيا، قد قالت إنها ستسعى لمنع إطلاق ليبرا، بينما حاولت هيئات عالمية أخرى وضع قواعد لعملات مستقرة.

 وتخلت شركات "فيزا" و"ماستركارد" و"إي باي" و"سترايب" في أكتوبر/تشرين الأول 2019، عن مشروع "ليبرا" بسبب المعارضة المتزايدة من قبل سلطات تنظيم الأسواق وابتعاد شركائها.

وقالت هيئة إدارتها إنها ستعزز احتياطي عملة ليبرا في حالة "ضائقة السوق الشديدة"، كما ستحتفظ باحتياطي أصول سائلة ذات آجال استحقاق قصيرة ومخاطر ائتمانية منخفضة واحتياط لرأس المال، لم يتقرر بعد حجمه.

كما عدلت ليبرا سياساتها لتعزيز الضمانات المتعلقة بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب. وستسجل لدى شبكة الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأميركية كشركة لخدمات الأموال، وهي خطوة من شأنها أن تتطلب منها جهدا أكبر للإبلاغ عن التحويلات وخاصة الخارجية.

مصداقية دولية

دكتور الاقتصاد مصطفى شاهين أكد بدوره أن سعر البيتكوين، التي تعتبر العملة الرئيسية والأكثر تداولا بين العملات الافتراضية، نزل بنسبة وصلت إلى 14 بالمائة. 

العملات الرقمية إلى حد الآن لا تحظى بأي مصداقية دولية، يفيد المتحدث، وعدد الدول التي اعترفت بها قليل، لكن مازالت لا توجد قوانين منظمة للعمل بها.

وفسر دكتور الاقتصاد، في تصريح لصحيفة "الاستقلال"، أن أي عملة يتم التعامل بها داخل دولة ما يجب أن تخضع للبنك المركزي داخل هذه الدولة، وهو الذي يحافظ على سعر العملة ويقنن تداولها.

وأفاد الدكتور شاهين أن دولا كثيرة تقترض من الخارج، فقط للحفاظ على سعر عملتها، وعندما لا تتمكن الدول من التحكم في العملة فهي لا تستطيع أن تحدد مصدرها ولا مصيرها. وهو ما يسمى في الاقتصاد بـ"عرض النقود" يتحكم فيها البنك المركزي، حتى لا تواجه الدولة تضخما. 

وحسب المتحدث للاستقلال: "هذا هو السبب الذي يجعل مجموعة من الدول تعارض التعامل بهذا النوع من العملات، التي قد تضر باقتصادها. إيمان الأفراد بكل ما هو ملموس خصوصا خلال الأزمات واعتباره أكثر ضمانا، هو ما يفسر نزول قيمة البيتكوين منذ بداية الجائحة".

وقال خبير الاقتصاد: "الناس عبر العالم يعيشون حالة من الهلع والخوف، خصوصا وأن الوضع الاقتصادي غير مستقر، وهو ما يدفعهم إلى امتلاك النقود أو الذهب، ويجعلهم لا يفضلون صرف أموالهم في عملات غير مضمونة". 

أما بخصوص ليبرا، فأوضح الدكتور شاهين أنها وسيلة للتحويلات المالية، ورغم أن إدارة فيسبوك تطلق عليها "عملة جديدة" إلا أنها لن تكون كذلك. ليبرا لا يمكن أن تكون عملة دولية، إلا في حال استطاعت الدول السيطرة عليها.

سقوط البيتكوين

قد يساعدك تحويل ثروتك إلى بيتكوين إذا كنت ترغب في نقل أموالك من بلد غير مستقر اقتصاديا أو سياسيا دون دفع الضرائب أو قيود العملة، هذا هو الدافع الذي اعتبرت صحيفة "نيويورك" أنه وراء إقبال الناس على شراء العملة الافتراضية التي انتشرت في السنوات القليلة الماضية، لكن ماذا والعالم بأسره غير مستقر؟.

أصبحت البيتكوين في الفترة الأخيرة بمثابة ملاذ آمن يلجأ إليه المستثمرون لحماية أموالهم ضد التقلبات الحادة في حركة السعر في أسواق المال العالمية.

في الأسبوع الأول من مايو/ آيار 2020، تراجعت مكافآت التعدين في البيتكوين إلى النصف، وهو الحدث الذي تشهده العملة للمرة الثالثة منذ إطلاقها منذ حوالي 11 سنة.

وخُفضت مكافآت التعدين في العملات المشفرة إلى 6.25 بيتكوين لكل كتلة تُضاف إلى شبكات البلوكتشاين مقابل 12.5 بيتكوين لكل كتلة، وهو ما يعني انخفاض في عائدات العاملين في قطاع التعدين بالبيتكوين.

ويتوقع المحللون أن تتراجع البيتكوين إلى مستويات قريبة من 6000 دولار للوحدة بعد وصولها إلى 10 آلاف و500 دولار للوحدة بعد خفض مكافآت التعدين.

وعلى عكس العملات مثل الدولار أو الجنيه أو اليورو ليس لدى العملات الرقمية بنوك مركزية لتنظيم إمداداتها.

ويرى مؤيدو العملة المشفرة، بحسب موقع "بي بي سي" البريطاني، أن هذه الندرة هي جزء مما يدعم قيمة العملة ويجعلها ملاذا آمنا محتملا ضد العملات المعرضة لانخفاض قيمة العملة خلال أوقات الأزمة الاقتصادية.

وأفاد التقرير أن العملة الرقمية اكتسبت أكثر من 20 ٪ منذ بداية هذا العام، إذ بلغت 10 آلاف دولار، بعد قرار مدير صندوق التحوط بول تيودور جونز دعم العملة المشفرة كضمان ضد التضخم.

ومع ذلك، أبرز بعض المستثمرين أن وصول قيمة التنقيب عنها للنصف قد يجعلها أقل جاذبية لعمال المناجم. وقال الاقتصادي ستيفن إينس للموقع: "من المحتمل أن يتحول عمال المناجم إلى عملات رقمية أكثر ربحا".

الخبير كليم تشامبرز أكد في مقال له على المجلة الاقتصادية "فوربس"، أن الأسهم ستنخفض بشكل كبير قريبا جدا.

وفي حين كان من المنتظر أن تكون البيتكوين عملة افتراضية مستقلة عن الأسواق والبورصات، وأن يكون التعامل بها فقط بين الأفراد، من الملحوظ أن قيمتها ارتبطت بالبورصة، لكن تشامبرز يعتبر هذه العلاقة ترابطية وليست سببية.

هذا الارتباط حدده المتحدث، خلال الجائحة التي يمر بها العالم حاليا، في التضخم الذي سببه الاحتياطي الفدرالي بتحويل الأسهم إلى نقود، وبين الأزمة التي تعيشها البيتكوين. أفاد الخبير الاقتصادي أنها قد تصبح بلا قيمة في المستقبل.