تجني الملايين.. هل تلتف إيران على العقوبات من بوابة العراق؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تثير زيارات كبار المسؤولين الإيرانيين إلى العراق، التي وقعت خلالها اتفاقيات عدة بين البلدين، تساؤلات كثيرة حول توقيتها والهدف منها، ولا سيما أنها جاءت بعد فرض واشنطن عقوباتها على إيران.

ولعل التساؤل الأبرز هو، هل تحاول طهران الالتفاف على العقوبات من بوابة العراق؟، لما تعيشه من أزمة اقتصادية خانقة، وصفها نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري بأنها تسببت في "تأثير هائل على البلاد".

وتستهدف عقوبات واشنطن، عمليات شراء النظام الإيراني، للدولار الأمريكي، وكذلك تجارة الذهب والمعادن الثمينة، إضافة للمعاملات التجارية الهامة التي تعتمد على الريال الإيراني بالبيع أو الشراء.

الملايين تذهب لإيران

حققت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق، الاثنين الماضي، تسلمه 200 مليون دولار، دفعة أولى من ديون متراكمة على بغداد عن بيع الطاقة الكهربائية.

وذهبت ملايين الدولارات هذه، إلى البنك المركزي الإيراني، حسبما أعلن مدير مكتب روحاني، محمود واعضي، وأكده أيضا بيان للبنك ذاته.

وتشكل صادرات الغاز والكهرباء إلى العراق 4 مليارات دولار سنويا، من أصل 12 مليار دولار الصادرات السنوية لهذا البلد المجاو، وفقا لوكالة "فارس" الإيرانية.

وعلى صعيد الاتفاقيات، أشار واعظي إلى إبرام 5 اتفاقيات تعاون خلال زيارة الرئيس روحاني إلى بغداد، ومن بينها تتعلق باصدار تأشيرات الدخول دون دفع الرسوم.

وكذلك، توقيع مذكرة تفاهم تتعلق بالتعاون النفطي والغازي، تنص على استعداد إيران رفع صادرات الغاز للعراق وتبادل وجهات النظر بخصوص الانتفاع من حقول مشتركة بين البلدين، بحسب واعظي.

يأتي ذلك، في وقت تضغط فيه الولايات المتحدة الأمريكية على العراق، لإيجاد بديل عن إيران في مجال استيراد الغاز لتشغيل محاطات توليد الطاقة الكهربائية.

ما موقف أمريكا؟

من جهته، قال المبعوث الأمريكي الخاص بإيران براين هوك، في مقابلة مع قناة "الحرة" الأمريكية، إن النظام الإيراني يرى العراق كـ"مخلب في لعبة سياسية كبيرة" و"كممر" للهيمنة على الشرق الأوسط.

وحذر، هوك العراقيين من التفاؤل بنتائج زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق، بالقول إن "النظام الإيراني لا يستثمر في شعبه ذاته، ولا نتوقع أن يدعم العراقيين بأي شكل".

واعتبر المبعوث الأمريكي، أن "إيران لم تنجح في محاولة الالتفاف على العقوبات الأمريكية من بوابة العراق".

وقال هوك، إن واشنطن تتوقع من بغداد الامتثال للعقوبات الأمريكية ضد إيران. واعتبر ذلك "من مصلحة العراق، لأن العقوبات تحرم النظام الإيراني من الدخل الذي يستخدمه في زعزعة استقرار المنطقة".

وذكر بأن الولايات المتحدة منحت العراق استثناء من العقوبات لاستيراد الكهرباء إلى جنوب العراق وذلك "لمصلحة الشعب العراقي"، لكن العوائد يجب أن تذهب إلى صندوق خاص، ولا توفر موردا للعملة الصعبة للنظام الإيراني.

ووصف هوك: العشرات من البنوك الإيرانية بأنها "بنوك قذرة وفاسدة تخدم النظام فقط". وأضاف "النظام المصرفي الإيراني أسود بشكل متعمد وغير شفاف، لأنها تنفق في كل أنحاء الشرق الأوسط لتحقيق طموحات إيران في السيطرة على الشرق الأوسط".

وشدد على أن واشنطن "أوضحت بجلاء للمصارف عبر العالم أننا سنعاقب أي أنشطة. والبنوك العراقية تعرف ذلك. وهناك مصارف تستخدم نظام سويفت أخرجت من الشبكات العالمية لأنها خرقت قواعد نظام سويفت".

وكان رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، قد أعلن في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، إنه سيرسل وفدا إلى الولايات المتحدة سعيا للحصول على إعفاء من العقوبات المفروضة على إيران بما يسمح لبغداد بمواصلة استيراد الغاز من طهران.

وذكر عبد المهدي في مؤتمر صحفي أن "موضوع الغاز يتعلق بأمر حساس وهو الكهرباء، والجانب الأمريكي يتفهم هذا الوضع ويحاول التعامل مع العراق لإيجاد طرق تجنب الضغط على العراق. نحاول الوصول إلى رؤى مشتركة".

إدامة أزمة الكهرباء

شكلت أزمة انقطاع التيار الكهربائي في العراق، تحديا للحكومات المتعاقبة من عام 2003 وحتى نهاية 2018، لكنها لم تحل حتى الآن على الرغم من صرف 115 مليار دولار، وفقا للجنة الطاقة البرلمانية.

وقال عضو اللجنة همام التميمي، خلال تصريح له في 9 مارس/آذار الجاري، إن "الأموال المصروفة تُعادل تطوير الكهرباء في أربعة بلدان بحجم العراق".

وأضاف التميمي، أن  "دولة مصر العربية اتفقت مع شركة سيمنس لتطوير الكهرباء، وأنتجت 15 الف ميغا واط خلال سنة و 8 أشهر بقيمة 8 مليار دولار"، مشيرا إلى أن "العراق لا يمتلك حتى الآن سوى 10 ألاف ميغا واط، فيما لا زالت الوزارة تستورد الغاز والكهرباء من بعض دول الجوار".

وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول، قال السياسي العراقي بهاء الأعرجي، في مقابلة تلفزيونية، إنه حين كان نائبا لرئيس الوزراء لشؤون الطاقة لمدة سنة في حكومة حيدر العبادي السابقة، كانت لدينا مشاريع تخص ملف الكهرباء، لو قدر لها أن تكتمل لتحسن وضعها بنسبة 80 بالمائة.

وأكد أن "بعض الأحزاب التي لا تريد لحكومة العبادي النجاح، إضافة إلى موقف كبير من إيران على اعتبار أنها تتضرر من تصدير الغاز والطاقة إلى العراق، وكان موقفها سلبي من هذه المشاريع".

وأوضح الأعرجي: "جاءني السفير الإيراني شخصيا وقال لي أوقف هذه المشاريع، واستطلع عن المشروع الجديد وسأل عنه، لكني لم أعطه مجالا في حينها، وكانت هذه القصة واحدة من الضغوطات التي ساهمت بأن أستقيل من حكومة العبادي".

وأكد القيادي السابق في التيار الصدري أن "إيران تفكر بمصلحتها وهذا شيء طبيعي، ويقولون إنهم في ظل الأزمة الموجود في العراق، نبيع لهم الكهرباء بملايين الدولارات".

وكانت أزمة الكهرباء الشرارة التي أشعلت التظاهرات جنوب العراق، ولاسيما البصرة بعدما قطعت إيران خطوط امداد الكهرباء في آب/ أغسطس الماضي، حيث تجاوزت درجة الحرارة فيها الـ52 مئوية.

أضعاف الأسعار السائدة

وحتى مع تفرد استحواذ إيران على عقود تصدير الغاز إلى العراق، لكنها تضاعف سعره إلى مبلغ يتجاوز أربعة أضعاف الأسعار السائدة عالميا من خلال تواطؤ مسؤولين عراقيين.

ونقلت صحيفة "العربي الجديد" في مارس/ آذار 2017، عن مسؤول كبير في وزارة النفط العراقية قوله إن "سعر الغاز الإيراني الذي تضمنه الاتفاق بين طهران وبغداد، يتخطى نحو 4 أضعاف الأسعار السائدة عالميا، مشيرا إلى تواطؤ مسؤولين في الوزارة ومجلس الوزراء في تمرير الاتفاق".

وأوضح أن "سعر المليون وحده حرارية (وحدة القياس) بالبورصة العالمية يبلغ نحو 2.5 دولار، لكن السعر في الاتفاقية الموقعة بين العراق وإيران يصل إلى أضعاف ذلك".

وقال جواد أوجي، المدير العام للشركة الوطنية الإيرانية للغاز، فإن الاتفاق ينص على تصدير 25 مليون متر مكعب من الغاز يوميا إلى محطتي كهرباء المنصورية وبغداد في العراق.

وكشف في تصريح أخير لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية "إرنا"، أن العوائد المالية من صادرات الغاز إلى المحطتين ستبلغ نحو 10 ملايين دولار يوميا، وبما يتراوح بين 3.5 إلى 3.7 مليارات دولار سنويا.

وتعادل المليون وحدة حرارية نحو 26.4 مترا مكعبا من الغاز، ما يجعل السعر المباع للعراق يبلغ نحو 10.56 دولارات للمليون وحدة حرارية كوحدة قياس عالمية.

وأكد المسؤول العراقي: "الاتفاق تضمن سعرا خياليا بسبب الفساد، الذي تسبب أيضا في إهدار الغاز العراقي وإيقاف الإنتاج من الحقول الغازية، ومن ثم الاستيراد بأسعار أعلى من الأسعار العالمية".

ولفت إلى أنه يمكن للعراق الاستغناء عن الغاز المستورد من خلال الاستفادة من الغاز المصاحب لعملية استخراج النفط العراقي بدلا من حرقه، مشيرا إلى أن تلك العملية تحتاج إلى بناء منظومة خاصة لتجميع ومعالجة وكبس الغاز.

وفي هذا الصدد، كان السفير التركي في العراق فاتح يلدز، قد قال في تغريدة نشرها على "تويتر" في 20 يناير/كانون الأول الماضي، إنه "عندما تذهب من بغداد الى البصرة تشاهد هذه المناظر، يتم حرق الغاز الذي يبلغ قيمته مليارات الدولارات اثناء استخراج النفط، وذلك لعدم إمكانية استغلاله في العراق".

وأضاف: "أرى أن من المهم تقييم إمكانية استثمار الشركات التركية التي تملك خبرة كبيرة في هذا المجال".

وكان وزير النفط العراقي الحالي، ثامر الغضبان، أعلن في 31 أكتوبر/تشرين الأو 2018، أن وزارته ستولي اهتماما كبيرا بتقليص حرق الغاز والاستفادة منه وزيادة استثماره، حيث يعد ضمن المهمات الأساسية لوزارته.

أمريكا تزاحم إيران

في 11 ديسمبر/ كانون الأول، طالب وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري، العراق بفتح الأبواب أمام الشركات الأمريكية لتحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة.

وتحدث بيري أثنار زيارته إلى بغداد، على هامش مؤتمر استمر يومين لأكبر وفد تجاري أمريكي إلى العراق، بمشاركة أكثر من 50 شركة أمريكية عاملة في قطاعي النفط والأمن.

وقال الوزير أمام الحضور في فندق بابل وسط العاصمة العراقية: "بالعمل معا، يمكن للولايات المتحدة والعراق تطوير صناعات النفط والغاز والمياه".

وفي إشارة إلى إيران، العدو اللدود للولايات المتحدة، اعتبر بيري أن "الوقت قد حان كي ينهي العراق اعتماده على دول أقل جدارة بالثقة تسعى إلى الهيمنة والسيطرة".

يستورد العراق ما يصل إلى 28 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي من طهران، كما يشتري بشكل مباشر 1300 ميغاواط من الكهرباء الإيرانية.

وكانت السفارة الأمريكية في بغداد، نشرت تسجيل فيديو الأسبوع الماضي شدد من خلاله على ضرورة أن تكون الولايات المتحدة "شريكا اقتصاديا للعراق".

وأوضح ستيف لوتس من غرفة التجارة الأمريكية التي نظمت المؤتمر في بغداد، أن الهدف هو "أن نظهر للشركات الأمريكية أن العراق مفتوح للأعمال".

ومن المشاركين أيضا، شركة "شيفرون" العملاقة للنفط والغاز، إضافة إلى شركتي "سيمنز" و"جنرال إلكتريك" للطاقة.

ووقع العراق مذكرة تفاهم مع "جنرال إلكتريك" الأمريكية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لإصلاح قطاع الكهرباء، بعد توقيع اتفاقية مماثلة مع "سيمنز".