الجارديان: لماذا تعد بريطانيا وأميركا أكبر الخاسرين من كورونا؟

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة الجارديان البريطانية، إن نتائج فيروس كورونا الكارثية في الولايات المتحدة وبريطانيا، ما هي إلا نتيجة خلل عميق في أنظمتهما السياسية والاقتصادية.

وأضافت الصحيفة في تقرير لها: أنه "من قبيل السخرية المريرة، أن تكون أعلى حصيلة من الوفيات الناجمة عن الإصابة بالفيروس التاجي في العالم من نصيب بلدين وصل زعماؤهما إلى السلطة واعدين باستعادة العظمة والسيطرة".

وتابعت: "لا يمكن لأي منهما أن يزعم أنه أخذ على حين غرة، فقد كان لكلا البلدين أفضلية الاستفادة من الوقت، والتحذيرات العلمية الكافية، والأمثلة الصارخة لما يمكن أن يفعله هذا الوباء، كما في الصين وإيطاليا".

وأوضحت أنه "لا يمكن تجاهل التشابه المذهل بين البلدين، فهنا في المملكة المتحدة، كنا نعزي أنفسنا لأن لدى زعيمنا اليميني المهرج الكثير من الأخطاء، لكنه على الأقل لم يكن مثل دونالد ترامب".

سقوط مدوي

لكن في النهاية، تمكن بوريس جونسون (رئيس الوزراء البريطاني) من التعثر حتى في أدنى مستوى من العقبات. وتبين أن استجابة حكومة المملكة المتحدة للأزمة كانت مستهترة وعلى قدر كبير من عدم الجاهزية، مثل استجابة الولايات المتحدة، وفق التقرير.

وتابعت الصحيفة: "دولتان تفتخران بمركزهما الاقتصادي والتاريخي والسياسي الاستثنائي قد جثتا على ركبتيهما. إن سقوطهما المدوي هو نتيجة ثقافة سياسية معطوبة، وشكل مميز للرأسمالية الأنجلو أميركية".

ويوضح التقرير المسار الذي أوصل إلى هذه النهاية بالقول: "على مدى السنوات الأربع الماضية، تم تبرير القرارات السياسية المتهورة من خلال لي عنق الحقائق وإخضاع الواقع إلى الخطاب الإعلامي السياسي".

ومن قبيل ذلك: "ستكون تكلفة مغادرة الاتحاد الأوروبي معدومة تقريبا، مع اتفاقية للتجارة الحرة التي من المفترض أنها ستكون واحدة من الأسهل في تاريخ البشرية". 

ويقول التقرير: "لقد تم نصب أعداء وهميين، وخوض معارك وهمية، في الوقت الذي ذهب كلا البلدين بعناد نحو قطع علاقاتهما مع الدول الأخرى والمؤسسات الدولية".

وتابع: "ركز الخطاب السياسي على المصطلحات الدعائية المبهمة عن الولادة الجديدة، واستعادة المجد المفقود، وهو الخطاب الذي لا يستند إلى وعود أو أهداف يمكن قياسها، فلا حاجة للنتائج الملموسة".

كل ما كان يتعين على حكومة حزب المحافظين القيام به هو الحصول على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بغض النظر عن مدى عبثية الأمر، ومخالفته للمصلحة البريطانية، وفق التقرير. 

ويقول: "أما في الولايات المتحدة، فإنه كل ما كان على ترامب فعله، للحفاظ على ولاء أنصاره، هو النباح حول جدار حماية الحدود مع المكسيك بين الحين والآخر، وتمرير حظر عنصري للسفر من بعض البلاد، أو مهاجمة شخصيات عامة متنوعة أو نجوم رياضيين بطريقة وحشية".

ويوضح التقرير خطورة تلك النوعية من الخطابات، بالقول: "هذه أمور مسببة للتآكل ليس فقط لجودة النقاش العام، بل وأيضا لنوعية الساسة التي تزدهر في مثل هذه الأجواء السياسية".

فعندما يصبح عمل الحكومة مقتصرا على القطع الشعبوية والخطابات التعبوية، فإنه يتم تطهير صفوفها من الفاعلين وتمتلأ أروقتها بدلا من ذلك بالمنافقين، يقول التقرير.

ويرى أن "هذه هي الطريقة التي أدت بنا في نهاية المطاف، إلى الطاقم الحالي لأعضاء مجلس الوزراء المحافظين، المتخبطين أمام المسؤولية الملقاة على عاتقه، أما في الولايات المتحدة، فقد تلاشت فكرة الإدارة من الأساس". 

ويوضح ذلك أستاذ الصحافة بجامعة نيويورك، جاي روزين، بالقول: "لم يعد هناك وجود للبيت الأبيض، ليس بالمعنى الذي اعتاد أن يستخدمه الصحفيون دائما. لقد أصبح لترامب فقط، والأشخاص الذين يعملون في المبنى".

ونتيجة لما سبق يقول التقرير: "بحلول الوقت الذي ضرب فيه Covid-19 شواطئهما، لم تكن المملكة المتحدة والولايات المتحدة تفتقران إلى الساسة فحسب، بل أيضا إلى النظم الإدارية المطلوبة للاستجابة بفعالية". 

فقد حاول ترامب مرارا وتكرارا، قبل الأزمة، إلغاء تمويل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC). وهو الأمر المشابه لما أرادت حكومة حزب المحافظين، في المملكة المتحدة، فعله مع جهاز الخدمة المدنية الخاص، قبل أن يتسبب الوباء في إنهاء هذا النزاع.

وخلاصة القول: إنه قد تم تخريب البنية التحتية الفكرية والعملية للتعامل مع الحقائق.

رأسمالية مختلفة

ويوضح التقرير أن للأمر أسباب أكثر عمقا، بالقول: "هناك تاريخ أطول يتخطى الفعل، جعل كلا البلدين غير قادرين على الاستجابة الكافية للوباء".

فالعلاقة الخاصة بين البلدين ليست علاقة تقارب لغوي وثقافي فحسب، بل هي شراكة أيديولوجية تم تشكيلها في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. 

لقد أدت الرأسمالية الأنجلو-أميركية، التي تتبعها أحزاب اليمين واليسار الوسط، والمعتمدة على دور أصغر للحكومة مقابل دور متغول للقطاع الخاص وسياسات السوق الحر، إلى تفكيك مفهوم الدولة وتفريغه من محتواه، وفق التقرير.

ويتابع التقرير: "ولم يكن من الممكن أن يعيد أي إشعار أو تحذير تشكيل آلية الحكم بسرعة كافية لإنقاذ الأرواح".

فالنموذج الاقتصادي والسياسي الذي يعتمد على الخصخصة والتحرير وسحب حقوق العمال، أوجد نظاما معرضا للأزمات بانتظام، بغض النظر عن المحاولات المستميتة للإيحاء بأنها استثنائية.

وقالت الجارديان: "تم تعزيز المقاربة الاقتصادية والتنظيمية من خلال تحويل القطاع المالي البريطاني الجذاب والتجاري إلى نسخة طبق الأصل من الأسواق العدوانية الأميركية، لقد لحقت المدينة بوول ستريت".

ويوضح التقرير أيضا أن السياسة الخارجية التدخلية - الأخلاقية في العلن والمتهكمة في الباطن - أعطت هذا النموذج ميزة توسعية، الأمر الذي ساعد كلا البلدين على إظهار القوة في الخارج والدفاع عن مصالحهما المالية والسياسية.

ويستدرك التقرير: "لكن الحروب أدت إلى مستنقعات من الخسائر المتراكمة، والتوسع السريع في القطاعات المالية أدى إلى نتائج اقتصادية كارثية".

كل ذلك، لم يتسبب في إعادة التفكير بشكل جدي في أن هناك مشكلة ما في هذا النموذج الرأسمالي.

وبحسب التقرير، فإنه بعد الأزمة المالية لعام 2008، عندما أوشك هذا النظام على الانهيار في غضون 48 ساعة فقط، اختار زعيما يسار الوسط، باراك أوباما وجوردون براون، دعم البنية التحتية التي جلبت اقتصاداتهما إلى حافة الهاوية.

وجرى ذلك من خلال إعادة رسملة البنوك وتنشيط الأسواق، واختيار المزيد من التنظيم بدلا من الإصلاح الأساسي.

ويتابع التقرير: "تماما كما تم التعامل مع الانهيار المالي على أنه خلل في جزء معين غير خاضع للرقابة في النظام بدلا من كونه سمة من سماته، فإنه يتم النظر إلى الفشل في التعامل مع الوباء الذي يعتبر كحدث خارجي غير متوقع وليس كنتيجة لأيديولوجية تمكن الدولة من الدفع بموارد غير مسبوقة لإنقاذ البنوك، وليس الأرواح".

وفي لهجة تهكمية يقول التقرير: "سترتدي الممرضة كيسا أسود لسلة المهملات كمعدات الوقاية الشخصية في الولايات المتحدة، ولكن لا يمكن أن يظل البنك الفاشل بدون تمويل".

إن التشدقات الجوفاء، حول جعل أميركا عظيمة مرة أخرى واستعادة بريطانيا سيطرتها، تزداد احتمالية في مثل هذا النظام، وفق التقرير. ويتابع: "فبدون تحدي الرأسمالية الأنجلو أميركية بشكل جذري، ليس لديهم شيء آخر يقدمونه للناخبين".

ولذا تعين عليهم، للخروج من هذه الأزمة، فصل المعاناة الاقتصادية عن السياسة، ومحاولة إلقاء اللوم على المهاجرين والغرباء. 

ويمكن أيضا إلقاء اللوم على بلدان ومؤسسات دولية أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي، ومنظمة الصحة العالمية، وحلف شمال الأطلسي، لتوجيه مشاعر العجز التي يعاني منها مواطنوهم في اتجاه آخر، وفق التقرير.

ويرى التقرير أن التباهي وإظهار الثقة هي مجرد واجهة، تخفي خلفها مشهدا وطنيا متعفنا.

وبينما تتراكم الجثث، فإن فشل كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة سوف يتحول بطريقة أو بأخرى إلى انتصار؛ هذا مؤكد. والسؤال الوحيد الآن هو كم عدد الذين سيواصلون تصديق ذلك، يتساءل التقرير.