هل ينهي "فيتو الجدار" أزمة ترامب والديمقراطيين؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن استخدام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لحق النقض (الفيتو) ضد رفض الكونجرس منحه الموافقة على تمويل بناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك، وإعلان حالة طوارئ وطنية، إلا ترجمة للصراع الشرس بين ترامب ومنافسيه الديمقراطيين، منذ حصلوهم على الأغلبية بمجلس النواب في الانتخابات التي جرت مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وتشير الدلائل إلى أن أزمة الجدار بين ترامب والكونجرس، لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، في ظل قناعة الديمقراطيين بأن الرئيس، لم يكن له حق في البيت الأبيض، مقابل قناعة ترامب بأن الديمقراطيين، خليط غير أمريكي، وضررهم على بلاده أكثر بكثير من نفعهم.

ووفقا لتطورات الأحداث، فإن استخدام ترامب لحق "الفيتو"، ليس معناه المكسب الكامل، حتى لو فشل مجلس النواب في وقف قرار تمويل الجدار، أثناء إعادة مناقشته في 26 مارس/ آذار المقبل، خاصة وأن جعبة الديمقراطيين مازالت تحمل الكثير، لمواجهة شطحات الرئيس.

"فيتو الرئيس"

وحسبما ينص الدستور الأمريكي فإن استخدام الرئيس لحق الفيتو، يمكنه من إعادة مناقشة الإجراء الذي كان محل الخلاف، مرة أخرى في الكونجرس، ويعد "فيتو" ترامب ضد قرار الكونجرس الخاص بالجدار مع المكسيك، هو الأول له منذ فوزه برئاسة الولايات المتحدة نهاية 2016.

و"الفيتو" واحد من أهم أدوات الرئيس الأمريكي لمنع إصدار قانون أو إجراء ما يتبناه الكونجرس، ووفق الفقرة السابعة من المادة الأولى فى الدستور الأمريكي، فإن للرئيس السلطة اللازمة لرفض قانون تم تمريره من الكونجرس، وتشير التجارب السابقة إلى أنه في كثير من الأحيان، فإن مجرد تلويح الرئيس باستخدام الفيتو، كان يؤدي ذلك لإجراء تغيير في محتوى القانون، كما جرى قبل عدة أسابيع عندما لوح ترامب باستخدام "الفيتو" ضد أي قرار يصدر ضد محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بقضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

ويمنح الدستور الرئيس، 10 أيام ليس من بينها العطلات الأسبوعية لاتخاذ موقف من القانون، بعدها يصبح القانون ساريا بشكل تلقائي.

وهناك نوعان من "الفيتو" الرئاسي في الولايات المتحدة، الأول يطلق عليه "الفيتو" العادي، ووفقا له يعيد الرئيس القانون لمجلس النواب خلال فترة الأيام العشرة مع مذكرة رفض أو رسالة "فيتو"، ويمكن أن يسقط الكونجرس "فيتو" الرئيس لو تمت الموافقة على ذلك بأكثر من ثلثى الأصوات.

أما النوع الثاني، فهو "الفيتو" المطلق الذي لا يمكن إسقاطه، ويصبح فعالا عندما لا يوقع الرئيس على مشروع قانون بعد إرجائه من الكونجرس ويصبح غير قادر على رفض "الفيتو".

ويعد فرانكلين روزفلت أكثر من استخدم حق "الفيتو" الرئاسي بين كل رؤساء الولايات المتحدة، حيث استخدمه 635 مرة، وتم رفض تسعة منها من الكونجرس، بينما استخدم بل كلينتون حق الفيتو 37 مرة، تم إبطال اثنين منهما، واستخدم كل من جورج بوش الابن وباراك أوباما حق "الفيتو" 12 مرة فقط.

تطورات الأزمة

وتشير تطورات الأحداث الأخيرة إلى أن أزمة الجدار مع المكسيك، خرجت عن كونها خلافا تنفيذيا بين الرئيس ومجلس النواب، إلى رؤية كل من الطرفين للقضية من منظور الأمن القومي، حيث يعتبر ترامب الجدار ضرورة قصوى لحماية الحدود الجنوبية من المهاجرين الذين يهددون الولايات المتحدة، بينما يرى الديمقراطيون أن الجدار إهدار للمال العام الأمريكي من أجل تحقيق طموحات انتخابية مجنونة للرئيس ترامب، وأمام وجهة نظر كل فريق فإن الوضع مرشح للاشتعال في قضايا أخرى مقبلة.

وتعود الأزمة الأخيرة ليوم الجمعة 15 مارس/ آذار الجاري، عندما استخدام ترامب حق "الفيتو"، ضد قرار الكونجرس بإنهاء حالة الطوارئ التي فرضها الرئيس، لإيجاد تمويل لبناء الجدار على الحدود مع المكسيك، بما يعني إعادة الموضوع مرةً أخرى للكونجرس للتصويت ضده، في 26 من مارس/ آذار الجاري.

وتشير تصريحات نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب وزعيمة الديمقراطيين بالمجلس، إلى أن مجلسها وكتلتها النيابية، سوف تستعد لعرقلة "الفيتو" أثناء مناقشة الموضوع مرة أخري قبل نهاية الشهر الجاري، وحسبما نقلت "رويترز" عن بلوسي فإنها أكدت "عزم مجلس النواب التصرف من أجل حماية الدستور والديمقراطية".

ووفق عدد مقاعد الديمقراطيين في مجلس النواب، فإنهم لن يتمكنوا من عرقلة "فيتو" ترامب الأول، الذي يتطلب موافقة ثلثي أعضاء المجلس، وهو ما لا يتوفر في الحالة الراهنة للديمقراطيين.

لماذا الجدار؟

ويسعى ترامب من خلال فرض حالة طوارئ وطنية، للحصول على مبلغ 8.6 مليار دولار من موازنة 2020، تمكنه من إنشاء جدار حدودي مع المكسيك، لمنع تدفق المهاجرين من أمريكا الوسطى إلى الولايات المتحدة، ويصر ترامب على بناء الجدار، باعتباره واحدا من أهم وعوده الانتخابية التي وافق عليها الأمريكيون، وبالتالي فإنهم سوف يتفهمون أهمية جمع المبلغ، الذي يعترض عليه الديمقراطيين.

وهو ما أكدته بالفعل وكالة "رويترز" التي نقلت عن أحد المسؤولين بإدارة ترامب، قوله: "طلب ترامب بشأن الميزانية، يمنح الرئيس القدرة على القول إنّه أوفى بوعده بالسيطرة على الحدود الجنوبية الغربية"، بما يعني أن ترامب يريد استباق الانتخابات الرئاسية المقبلة بتنفيذ أحد أبرز وعوده الانتخابية وهو الجدار العازل مع المكسيك.

وبسبب هذا الصدام بين ترامب والديمقراطيين، شهدت الولايات المتحدة أطول فترة إغلاق حكومي جزئي في تاريخها والذي بدأ في 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما دفع ترامب لاتخاذ قرار منتصف فبراير/ شباط الماضي، بفرض حالة طوارئ وطنية، كي يتمكن من الحصول على تمويل الجدار الحدودي، دون اللجوء إلى القنوات الشرعية، المتمثلة في الكونجرس، للحصول على هذا التمويل.

ويعتمد ترامب في تحركاته على تشريع قانوني صدر عام 1976، يمكن رئيس الولايات المتحدة من إعادة توجيه أموال الحكومة دون موافقة الكونجرس، كما يسمح له بتمرير بعض القوانين في أثناء العمل بحالة الطوارئ، وهي الحالة التي يعبرها ترامب قائمة بسبب تدفق المهاجرين من الحدود مع المكسيك.

وتعتبر الحدود المكسيكية معضلة تسببت بكثير من التحديات للولايات المتحدة الأمريكية، والتي أحدثت انقساما واضحا بين الجمهوريين والديمقراطيين، إذ يبلغ طولها 3 آلاف كيلومتر، و1100 كيلومتر منها بها سياج وجدار وأسلاك شائكة، والقسم الأخير يشوبه فتحات تتم من خلالها عمليات التهريب والتسلل.

توترات سابقة

وتشهد العلاقة بين ترامب والديمقراطيين توترا متزايد منذ انتهاء الانتخابات النصفية للكونجرس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وحصول الديمقراطيين علي الأغلبية بمجلس النواب، وهي الأغلبية التي لم يمض عليها سوى ساعات، حتى كانت سببا في أول أزمة بين الطرفين، عندما انتقد الديمقراطيون تعامل ترامب في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده باسطنبول مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، واتهام الديمقراطيين لترامب بالتستر على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المتورط الأساسي في الجريمة.

وأمام محاولات ترامب الدفاع عن ابن سلمان وعدم تحميله مسؤولية مقتل خاشقجي، أصدر مجلس الشيوخ قرارا حمّل فيه ولي العهد المسؤولية عن مقتل خاشقجي، وشدد على ضرورة أن تحاسب المملكة المسؤولين عن مقتله، وجاءت كلمات أعضاء المجلس في الجلسة المخصصة لمناقشة القرار، لتعبر عن فشل الخطط التي صنعها ترامب طوال السنوات التي قضاها في الحكم من أجل الترويج لابن سلمان؛ ليكون على عرش المملكة بعد رحيل والده الملك سلمان.

وحسب وصف السيناتور المستقل بيرني ساندرز، فإن الحكومة السعودية مستبدة، وأن نواب الكونجرس يقولون لها أن أمريكا لن تكون جزءا من مغامراتها العسكرية، في إشارة للحرب الدائرة باليمن، أما السيناتور الجمهوري بوب كروكر، فقد صرح لقناة "أم. أس. أن. سي" الأمريكية:إنه "إذا مثل ولي العهد السعودي أمام هيئة محلفين بأمريكا، فإنه سيدان خلال نصف ساعة".

أما السيناتور الديمقراطي بوب ميننديز، فقد أكد لصحيفة "بيزنس إنسايدر" أن "ترامب ينتهك القانون بعدم تقديمه تقريرا لمجلس الشيوخ، عن نتائج تحقيقات المخابرات الأمريكية حول الحادث"، بينما طالب السيناتور الديمقراطي كريس كونز، مجلس الشيوخ باتخاذ الإجراءات المطلوبة لمحاسبة الجناة وعدم التساهل مع جرائم قتل الصحفيين.

وأمام تحركات ترامب، طالب عدد من نواب الكونجرس، بتفعيل قانون ماغنيتسكي لمحاسبة ولي العهد السعودي، وهو القانون الذي يسمح للسلطات الأمريكية فرض عقوبات على أي أجنبي متورط في عملية قتل أو تعذيب أو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان المعترف بها دوليا لممارسته حقه في حرية التعبير، وفقا لقانون ماغنيتسكي، حيث يلزم هذا القانون الرئيس الأمريكي بفتح تحقيق بعد تلقيه طلبا من أعضاء في مجلس الشيوخ، اذا ما كان المسؤول عن الانتهاك أجنبيا وليس أمريكا.