اضطهاد ابن سلمان لقبائل السعودية.. ما تداعياته على مستقبل المملكة؟

سلطان العنزي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في مجتمع كالسعودية، يعتبر الحديث عن القبائل أمرا شائكا، فأهمية القبيلة هناك نابع من الدور الذي لعبته في دعم التحولات السياسية على نحو انتهى إلى قيام كيان قوي في المملكة.

فهي كانت أحد ثلاثة أطراف وقع عليها عبء تشكيل الدولة الحديثة: رجال المذهب الوهابي، والعائلة الحاكمة، والقبائل.

ولأن الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود أدرك أهمية القبائل وخطورتها في آن واحد، فقد حرص على الإقرار بدورها الفاعل، وأعطاها امتيازات كثيرة، مقابل الولاء للدولة المركزية، فهو والملوك من بعده أدركوا أن القوة التي ساهمت في بناء الدولة واستقرارها تستطيع بلا شك هدمها أو خلخلتها على أقل تقدير.

لكن مع صعود الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، بدأت أسس العلاقات بين الدولة والقبائل تتآكل بشكل متسارع. ويمكن القول: إن الفاصلة بين القبائل السعودية والعائلة الحاكمة لم تكن أبعد منها اليوم من أي وقت مضى، الأمر الذي يهدد بانحدار البلد نحو الفوضى.

فكيف غيّر ولي العهد الشاب من سياسات الدولة تجاه القبائل، وكيف رد شيوخ هذه القبائل وأبناؤها على هذه السياسة الجديدة، وهل سيطيح تهور ابن سلمان بعائلته من العرش؟

حرب شرسة

في أكتوبر/تشرين الأول 2018، كشف موقع "إنتليجنس أونلاين" الفرنسي المعني بشؤون الاستخبارات، عن صراع شرس بين محمد بن سلمان والقبائل التي يشغل أبناؤها الرتب العليا في الحرس الوطني، مما استدعى تدخل الملك لمحاولة نزع فتيل التوتر.

ووفقا للموقع فإن الحرب التي خاضها ابن سلمان ضد الحرس الوطني تهدف إلى "كنس" هذه الوزارة المهمة وإخضاعها بشكل تام، خشية أن تتحول إلى معقل لمعارضيه، في حال نشب صراع على السلطة وقرر عناصر الحرس منح ولائهم لعضو آخر من العائلة الحاكمة.

هذه المؤسسة العسكرية شعرت بأنها باتت تحت الحصار منذ صعود النجل المدلل للملك إلى السلطة، بعد أن ظلت لما يقرب من خمسين عاما، ساحة نفوذ خاصة بالملك الراحل عبد الله، ونجله الأمير متعب الذي اعتُقل في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وأقيل من قيادة الحرس.

ويعد الحرس الوطني أحد أهم أفرع القوات العسكرية السعودية، وتشكَّل من قبائل وسط البلاد التي تعرف بولائها للعائلة الحاكمة منذ تأسيس المملكة، وظل لسنوات عديدة مؤسسة شبه مستقلة عن الجهاز الأمني في الرياض.

حملة ابن سلمان ضد الحرس الوطني أثارت غضب القبائل التي تشكل العمود الفقري للحرس، والتي تعتبر الدعامة الرئيسية للنظام الحاكم في السعودية، منها: عتيبة، وعنزة، ومطير، وغامد، والبوعينين، وبني هلال، وبني غزان، وبني هلال.

ووصلت شكوى هذه القبائل إلى القصر الملكي، ما استدعى تدخل الملك سلمان شخصيا لتهدئة التوتر ونزع فتيل الأزمة، سيما وأن الملك البالغ نحو 84 عاما يدرك جيدا أن تأمين التوازن بين مختلف القبائل في المملكة هو إحدى الضروريات الرئيسة لتوطيد أركان حكمه.

وفي الفترة القليلة الماضية، نوقشت بالديوان الملكي فكرة حل الحرس الوطني، أو دمج وحداته في الجيش. لكن بالرغم من تراجع ولي العهد عن ذلك، فإنه مايزال مصرا على كبح جماح القبائل وإخضاعها. 

جدير بالذكر أن حملة ابن سلمان على الحرس الوطني والقبائل المكونة له، يقودها الفريق أول عبد العزيز بن محمد الهويريني، رئيس جهاز أمن الدولة، الذي كان أبرز مساعدي ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، قبل أن يتحول إلى معسكر ابن سلمان.  

اعتقال وتهديد

وتماما كما حصل للدعاة والناشطين وكذلك المسؤولين ورجال الأعمال الذين سجنوا في فندق ريتز كارلتون في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تعرض أيضا شيوخ القبائل للاعتقال، وحُذروا من مغبة معارضة الخط السياسي لولي العهد.

من بينهم فيصل بن سلطان بن جهجاه، شيخ قبيلة عتيبة، الذي اعتُقل في أكتوبر/تشرين الأول 2019. كما ضغطت الرياض على الكويت لتسليم الأمير نواف طلال الرشيد، الذي يحمل الجنسيتين السعودية والقطرية، وهو أحد أمراء قبيلة شمّر، وأسرة “آل رشيد” المنافسة تاريخيا للأسرة السعودية الحاكمة.

أيضا، عمد ابن سلمان بعد وصوله إلى كرسي ولاية العهد منتصف العام 2017، إلى إيقاف المنح والعطايا التي كان الديوان الملكي يمنحها بشكل سنوي لأمراء وشيوخ القبائل، والتي تسمى محليا بـ”الشرهات”. 

هذا الأمر زاد من حدة الحنق على الأمير الشاب بين شيوخ القبائل الذين يرون أنفسهم كصمام أمان للبلاد، ووقود لحروب التأسيس الأولى، سيما وأنهم يؤكدون أن هذه المنح لا تذهب إلى جيوبهم، بل إلى فقراء القبائل في القرى الريفية البعيدة التي تعاني من الإهمال والنقص الحاد في الخدمات، ما يعني أن قطع “الشرهات” يتسبب بأزمة كبيرة لشرائح كاملة داخل البلاد. 

سياسة التهجير

حرب محمد بن سلمان على القبائل وشيوخها لم تتوقف عند هذا الحد، فقد انتهج سياسة “التهجير القسري” ضد أبنائها في بعض مناطق المملكة، والاستيلاء على أراضيهم بالقوة.

ففي أبريل/نيسان 2020، شرعت السلطات السعودية بعملية تهجير ممنهجة وقسرية لنحو 20 ألف مواطن من أبناء قبيلة الحويطات في منطقة “الخريبة” بمنطقة تبوك، بهدف تغيير ديموغرافية تلك المنطقة ومعالمها بشكل كامل.

ويريد ابن سلمان تأسيس مشروع “نيوم” الذي يمثل حلم ابن سلمان في تلك المنطقة، لتنويع اقتصاد بلاده، بتكلفة تقدر بـ500 مليار دولار.

وبعد رفض أبناء القبيلة التنازل عن أرضهم اقتحمت قوة أمنية القرية، واعتقلت عددا من أبنائها، فيما قُتل عبدالرحيم الحويطي إثر رفضه الخروج من بيته بشكل تعسفي، وهي الحادثة التي أثارت غضبا واسعا داخل المملكة.

 

قبيلة الحويطات ليست الوحيدة التي تعرضت للتهجير القسري، ففي يوليو/تموز 2017، أقدمت السلطات السعودية على هدم قرية “عمق” التي تبعد عن مكة المكرمة قرابة 30 كيلومترا، ويسكنها قرابة 15 ألف نسمة، في 3 آلاف منزل، على مساحة 9 آلاف متر.

عملية الإزالة جرت بحماية من قوة أمنية كبيرة، متذرعة بأن هذه الأرض تملكها جهات حكومية تريد القيام بمشاريع تنموية على أرضها. وتخلل العملية اعتقال عشرات المواطنين، فضلا إطلاق نار بشكل كثيف لإرهاب سكانها وإجبارهم على مغادرة منازلهم. فيما لم يحصلوا على تعويضات مادية رغم الوعود الحكومية.

وعلى مقربة من قرية “عمق”، كشف موقع "ميدل إيست مونيتور" البريطاني، في 1 يناير/كانون الثاني 2020، أن السلطات السعودية تعتزم إزالة قرية “شرائع النخيل”، التي يسكنها أكثر من 10 آلاف مواطن.

وبحسب الموقع البريطاني، فإن الحكومة منحت إحدى الشركات ملكية أكثر من 4 ملايين متر على كامل قرية “شرائع النخيل”، بذريعة تطوير منطقة مكة المكرمة.

فيما زعمت السلطات تشكيل لجنة من عدة جهات حكومية للنظر في شهادات الملكية لدى الشركة، والبحث في طرق لحل المشكلات المتداخلة.

وإلى محافظة “الداير” في منطقة جيزان أقصى جنوب غربي المملكة، تعرض الآلاف من أبناء قبائل آل زيدان وآل مالك، لعملية تهجير قسري من قراهم المتاخمة للحدود مع اليمن. واشتكى أبناء هذه القبائل من ممارسات عنيفة تعرضوا لها على يد قوات الأمن، لرفضهم قرار التهجير. 

براميل بارود

إصرار الحاكم الفعلي للمملكة على زيادة الاختراقات داخل القبائل ومحاولة إخضاعها، نابع من إدراكه الكبير بأنها تشكل قوة اجتماعية في مواجهة سطوته، سيما وأن سياساته وخططه “المتحررة” لم تنل رضا شرائح واسعة من مجتمعه المحافظ.

لكن يرى مراقبون أن ما لا يدركه الحاكم الفعلي للمملكة أن الإطاحة بالتوازن القبلي الذي شكَّل أساس استقرار البلد لعقود، ستكون نتائجه وخيمة ليس على مستقبله السياسي فحسب، بل ربما على عائلته الحاكمة بأكملها.

فالإطاحة بهذا التوازن قد يؤدي إلى اختلال سياسي جديد، خصوصا وأنه فقد دعم أمراء أسرته، ورجال الأعمال، والعلماء، الذين شن عليهم حربا شرسة، وملأ السجون والمعتقلات بهم. 

يمكن القول: إن الخلافات بين الدولة والقبيلة لم تكن أكبر منها اليوم من أي وقت مضى، فالعلاقة اتخذت شكلا يمكن وصفه بأنه “استعلائي” من طرف ابن سلمان الذي استهان بها، معتقدا أن قوتها قد ضَمُرَتْ منذ زمن بعيد.

هذا التباعد والنفور المتصاعد بين الطرفين ينذر بدق أسفين في سياسة الاحتواء التي مورست تجاه القبائل طيلة العقود الماضية، الأمر الذي من الممكن أن يطلق سراحها لتعود إلى ممارسة دور أكثر استقلالية عن نظام الحكم؛ إن لم يكن ضده.

المعارض السعودي الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، قال في حديث مع صحيفة “الاستقلال”: إن ابن سلمان يعتمد أسلوب الترغيب والتهديد في آن واحد، ضد شيوخ القبائل في المملكة، بهدف استقطابهم وإخضاعهم لسطوته.

ولفت الغامدي إلى أن ولي العهد يحاول تفتيت قوة القبيلة من خلال زرع بذور الخلاف داخلها، أو تأليب القبائل بعضها ضد بعض، من خلال الشيلات والعزوات والمزايين والثارات القديمة، مؤكدا أن محصلة ذلك هي “تعبئة براميل بارود ستنفجر عند حدوث أي اضطراب”.

بدوره رأى الناشط السعودي تركي الشلهوب، أن محاولات محمد بن سلمان إنهاء دور القبيلة، وإخضاع شيوخها وأبنائها “مغامرة عبثية” أخرى تضاف إلى سياساته غير محسوبة العواقب، والتي تهدد استقرار البلد ووحدته. 

وأكد الشلهوب لـ“الاستقلال” أن القبيلة ظلت رقما صعبا بالتاريخ الاجتماعي والسياسي في السعودية، ولم تستطع مختلف التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أن تزيلها، بل على العكس نجحت القبيلة بالتأقلم معها مع الاحتفاظ بقوتها وتأثيرها.

وختم الناشط السعودي حديثه قائلا: “الحرب التي يشنها ابن سلمان على القبائل لا تهدد مستقبله السياسي فحسب، وإنما قد تطيح بعائلته من العرش الذي حافظت عليه لعقود طويلة. فسياساته المتهورة لا تقيم وزنا لأحد، وتدفع أبناء القبائل دفعا نحو المواجهة المباشرة مع الدولة”.