"مداخلة" الجزائر.. لماذا يحبون النظام ويحرمون الاحتجاجات؟

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

في بداية فبراير/ شباط 2019، أطلق عدد من الناشطين الجزائريين حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، داعية للنزول إلى الشوارع؛ رفضا لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لولاية رئاسية خامسة.

الدعوات لقيت تفاعلا كبيرا من الشعب الجزائري، واستجابة على الأرض، فخرجت مسيرات واسعة أجبرت النظام على التراجع عن ترشيح بوتفليقة لرئاسيات أبريل/نيسان 2019، لكن الدعوات قوبلت بحملة مضادة رافضة لها حملت في طياتها معجما دينيا يحرّم الخروج في مظاهرات معارضة للسلطة، واصفا إياها بالفتنة والداعين لها بالخوارج، ما جمع بين هذه المواقف هو انتماء مطلقيها إلى تيار سلفي بات يعرف بالتيار المدخلي.

أصل التسمية

إذا استمعت لأحد الشيوخ يطيل المدح لولاة الأمور ويحذّر من الخروج عليهم أو التظاهر ضدّهم أوحتى انتقادهم بل ونصحهم في العلن، فاعلم أنّك تستمع لخطاب من أشدّ الخطابات الدينية تطرفا وولاء للأنظمة الحاكمة ومعاداة لكل مخالفيها.

يطلق على هذا التيار عدة تسميات لعل أبرزها وأكثرها شهرة المداخلة، أو التيار المدخلي، أو المدخلية، كما يطلق عليهم آخرون تسمية "الجامية" وكل ذلك نسبة إلى أحد أبرز شيوخهم ربيع بن هادي المدخلي المولود بالسعودية عام 1932، ومحمد أمان الجامي الذي أقام طويلا في المملكة، ويعود لأصل إثيوبي وهو أستاذ ربيع المدخلي الذي أصبح بعد وفاته المرجع الأول لهذا التيار حول العالم.

وبحسب متابعين للحركات والتيارات الدينية في العالم الإسلامي، فإنّ نشأة الحركة المدخلية تعود لفترة حرب الخليج الثانية بداية التسعينيات، إذ اعتبرت ردة فعل على رفض مكونات التيار الإسلامي قرار السلطات السعودية الاستعانة بالولايات المتحدة لإخراج القوات العراقية من الكويت، اعتمادا على فتاوى ترفض "الاستعانة بغير المسلم لقتال المسلم".

حينها كتب ربيع المدخلي كتابه الشهير "صد عدوان الملحدين وحكم الاستعانة بغير المسلمين"، وافتتح مسيرة طويلة من تبديع وتكفير جميع مخالفيه؛ مما وافق هوى النظام السعودي الذي فتح له الأبواب ومهّد له للانتشار داخل المملكة وخارجها.

تصدير المشروع

في نفس الفترة التي عاشت فيها دول الخليج صراعا مع العراق وجدلا دينيا وسياسيا حول دخول القوات الأمريكية لمنطقتهم، وما رافقها من معارضة واسعة أودت بقادتها إلى السجون والمعتقلات، كان الوضع في الجزائر يسير في طريق آخر، سلفية مختلفة تماما تكتسح الشارع الجزائري وتعتبر الديمقراطية وأدواتها وسيلة مباحة من وسائل التغيير، فتؤسس حزب "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" وبمجرّد فوزها في الانتخابات قطع الجيش الطريق عليها وعطّل المسار الديمقراطي؛ لتدخل الجزائر في صراع دامٍ وصف بالعشرية السوداء.

في خضم هذه الأحداث الجارية في الخليج وفي الجزائر، بدأت السلطات في السعودية تنتهج توجها في محاربة التيارات الإسلامية الحركية وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين التي عبّرت عن موقف مخالف للتوجه الخليجي حينها.

هيثم رباني وهو أحد خريجي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة أوائل التسعينات قال في حوار مع صحيفة الشروق الجزائرية "عندما كنت في الجامعة وصلتنا أخبار تتعلق بتحليل في الدوائر الأمنية في الخليج يقوم على ما يلي: إذا كانت المواجهة مع تيار الإخوان المسلمين قد فشلت باستعمال الطرقية الصوفية، أليس من الأفضل استعمال تيار شكله سلفي وباطنه طرقي؟"، مضيفا: "وجب ضرب هذا التيار بمعول يشبهه في الشكل ومختلف معه في القوة والاتجاه، وأحسن من قام بهذا الدور هو ربيع المدخلي".

التحييد الفكري للخصوم

في الوقت نفسه ظهر إلى العلن في الجزائر الشيخ "عبد المالك رمضاني"، في مواجهة تيارات الجزأرة والإخوان المسلمين، بدعم وتمويل سعودي واضح حسب ما أكّده رباني، والذي قال في نفس الحوار "لقد جاء التيار الجديد (المدخلي) بفكرة التربية والتصفية كأنّ من سبق في المدارس والجمعيات والزوايا لم يربِ ولم يصفِ، والغاية برأيي من فكرة التربية والتصفية هي ضرب صفوف المخالفين، عبر إظهار البعد عن النهج السلفي السليم؛ للوصول إلى نتيجة التحييد الفكري للخصوم وتعطيلهم عمليا ودعويا وسياسيا" فالعمل السياسي والجمعياتي بدعة لم تكن في الإسلام أصلا".

ورغم الدعم الذي يتلقاه أنصار هذا التيار من جهات خارجية، إلا أنهم لم يستطيعوا جذب شرائح واسعة من المجتمع الجزائري، إذ أنّ مداخلة الجزائر كغيرهم من المداخلة في باقي العالم الإسلامي والغربي أيضا، فهم لا يعيرون اهتماما لعلماء بلدهم، ولا للمؤسسات الدينية الرسمية أو الأهلية، بل إنهم يدخلون في صراعات عميقة تتصادم مع أهل البلد ومرجعياته الدينية المستقرة منذ قرون.

فتاوى مثيرة

فتوى للشيخ محمد علي فركوس أثارت جدلا واسعا بعد أن أخرج بها أقطابا وتيارات إسلامية عديدة من أهل السنة والجماعة، فالجزائر كعموم المغرب العربي يدين غالبيتهم بالمذهب المالكي فقها والأشعري عقيدة، كما تنتشر في ربوعه العشرات من الطرق الصوفية، إلا أن هذا التيار له ارتباط وثيق ببعض الأفراد في الحجاز لا يحظون بالقبول بتاتا في بلدهم.

لم تكن فتوى الشيخ فركوس الوحيدة التي أثارت الرأي العام في الجزائر، حيث تلتها فتوى الشيخ لزهر سنيقرة، المشرف على موقع التربية والتصفية، والإمام السابق حول حملة مقاطعة السيارات والتي اشتهرت بحملة "خليها تصدّي"، حيث أثار سنيقرة غضب الجزائريين ومن بينهم وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى الذي اعتبر أن التوجّه المدخلي في الجزائر لا يمثل اختيارا فكريا ولا نهجا دينيا.

الوزير أكد أن أجهزة الدولة رصدت هذا التيار كتنظيم متشدّد يخضع لإملاءات أجنبية لا تتوافق مع المرجعية الدينية الوطنية، في إشارة إلى رسالة وجهها شيخ المدخلية السعودي محمد بن هادي بن علي المدخلي إلى أتباعه في الجزائر، يزكّي من خلالها 3 مشايخ محسوبين على التيار لقيادته في الجزائر.

رد وزير الشؤون الدينية محمد عيسى 

ضد الحراك

وعلى نفس النسق الفكري الذي يتحرك فيه هذا التيار ووفق الأجندة المرسومة له في معاداة كل حركات التغيير في المنطقة العربية، وقف هذا التيار بشكل حاد في مواجهة الدعوات للحراك في الجزائر الذي انطلق يوم 22 فبراير/شباط 2019، إذ تجند مناصروه على مواقع التواصل الإجتماعي بشكل مشابه للجان الإلكترونية لبعض الأنظمة أو ما بات يوصف بـ "الذباب الإلكتروني".

واستندت حججهم على فتاوى بتحريم المظاهرات ووصفها بالفتنة والتذكير بأحداث التسعينات في الجزائر، وتداول جلهم فتوى للشيخ محمد علي فركوس يقول فيها: "المظاهرات والمسيرات والاعتصامات بالساحات ـ بغض النظر عن صفتها عنفية كانت أو سلمية، فليست من عملنا  نحن المسلمين، ولا من دعوتنا، ولا هي من وسائل النهي عن المنكر"، ولم يعتبر جل المتابعين موقف التيار غريبا؛ إذ يعتبر الموقف نفسه في جميع الدول التي شهدت ثورات منذ العام 2011.

حكم المظاهرات لمحمد فركوس

عدوّ الربيع العربي

مع انطلاق ثورات الربيع العربي في العام 2011، ظهر على سطح الخطاب الديني في جل البلاد التي شهدت تحركات شعبية أسماء جديدة لدعاة على منابر المساجد أو عبر شاشات التلفاز أو منصات التواصل الاجتماعي، اختلف دورها من بلد إلى آخر لكنها أجمعت في الوقت نفسه على رفض الحرية والديمقراطية وما أفرزته الثورات من وضع جديد في المنطقة، ولعل من أبرز هذه الأسماء الداعية المصري محمد سعيد رسلان الذي سارع بمساندة الانقلاب العسكري في مصر في 3 يوليو/تموز 2013.

محمد سعيد رسلان: لا يجوز منافسة السيسي في الانتخابات

وفي اليمن لعبت دولة الإمارات خلال السنوات الماضية دورا بارزا في التحكم بهذا التيار، وشكلت كتائب موالية لها، يقودها هاني بن بريك، الداعي بشكل صريح إلى انفصال جنوب اليمن. وفي ليبيا استعان اللواء المتقاعد خليفة حفتر بهذا التيار في حربه ضد الثوار الليبيين، رغم أن حفتر لا توجد لديه أي خلفية دينية، وتورط أحد أبرز رموز هذا التيار في جرائم حرب، حيث عرف محمود الورفلي المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية بقرار من مجلس الأمن الدولي، بضابط الإعدامات بعد ظهوره في أكثر من مقطع مصوّر خلال قيامه بإعدامات ميدانية لأسرى ومدنيين في مدينة بنغازي شرقي ليبيا.