نوم في الشوارع وأكل الخبز العفن.. حال الوافدين في السعودية مع كورونا

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كان لأزمة كورونا انعكاساتها السلبية على عدة قطاعات وفئات، لكن أبرز الفئات التي تأثرت بالأزمة هم الوافدون والمغتربون الذين يعملون بالأجرة اليومية في دول الخليج خاصة السعودية، حيث تسببت الأزمة بما رافقها من إجراءات الحظر الصحي وإغلاق المحلات والمتاجر، بمضاعفة مشاكلهم.

اقتصار جهود هذه الدول على مواطنيها، وتنصلها من واجباتها تجاه العمالة الوافدة، ضاعف من مشاكل هذه العمالة، وهو ما كشفته صحيفة "ميدل آيست آي"،  البريطانية في تقريرها المنشور مطلع مايو/آيار 2020 عن العمالة الأردنية التي علقت في السعودية.

تقول الصحيفة، نقلا عن ناشطين أردنيين في السعودية: إن نحو 420 عاملا أردنيا من بين 4 آلاف أردني يعملون في السعودية فقدوا وظائفهم بشكل دائم، في حين أجبر نحو 700 عامل على أخذ إجازة غير مدفوعة لمدة 3 أشهر .

تضيف الصحيفة: "هناك أردنيون اضطروا للعيش في الشوارع بعد أن فقدوا وظائفهم، من بينهم 3 أردنيين اضطر أحد المغتربين الأردنيين إلى استئجار شقة لهم على حسابه الشخصي".

نحو 400 عامل من بين من فقدوا أعمالهم وأجبروا على أخذ إجازة غير مدفوعة، واجهوا صعوبة إلى مستوى أنهم بالكاد باقون على قيد الحياة بفضل مساعدة أردنيين آخرين، بحسب الصحيفة.

الصحيفة تابعت: "تلك المعاناة دفعت الأردنيين إلى تدشين حملة تحت شعار (راحتي بين أهلي) طالبوا من خلالها الرياض السماح لهم بالعودة إلى بلدهم، لإيقاف معاناتهم، كما طالبوا عمان بمساعدتهم في قرار العودة".

وحسب "هيومن رايتس ووتش" فإن "العمال الأجانب في الخليج يوجدون بالفعل في موقف سيئ بموجب نظام إدارة العمل الذي يمنح أصحاب العمل سلطات واسعة على العمال المهاجرين ويؤدي إلى إساءة معاملتهم واستغلالهم".

تضيف المنظمة: "يتوجب على دول الخليج أن تذهب إلى أبعد من مجرد فرض إجراءات للحد من انتشار الفيروس في مساكن العمال وأماكن احتجازهم".

تنصل حكومي

الأردنيون ليسوا وحدهم من تقطعت بهم السبل في السعودية ووجدوا أنفسهم فجأة في العراء غير قادرين على إعالة أنفسهم، جراء تلك الأزمة، في ظل تنصل الحكومة السعودية عن واجباتها تجاههم.

كثيرون فقدوا أعمالهم وخسروا وظائفهم، وعجزوا عن تأمين لقمة عيشهم، أو دفع إيجار سكنهم، من غير أي تدخل حكومي لتخفيف معاناتهم، أو أي خطط أو برامج لتأجيل واجباتهم المالية.

كانت العمالة اليمنية من أشد الجاليات تأثرا بتلك الأزمة، حيث فقد الكثيرون أعمالهم وخسروا وظائفهم، وضاعف من معاناتهم تجاهل الرياض لوضعهم، وتكليفهم بدفع ما عليهم من مستحقات مالية، دون الالتفات لوضعهم الاقتصادي المتردي جراء الأزمة الصحية والاقتصادية.

يقول ناشط يمني في المجال الإغاثي والإنساني مقيم في إحدى المدن السعودية، (طلب عدم الكشف عن اسمه): "وضع العمالة اليمنية مزر للغاية، آلاف الأشخاص ممن كانوا يعملون بمرتب شهري وصلوا إلى مستوى عال من اليأس والإحباط وانعدام الحيلة، وخاصة العائلات التي تعيش مع عائلاتها".

ويضيف في حديث لـ"الاستقلال": "وصلت بعض الأسر إلى أكل الخبز العفن، وبعض الأسر لم تجد حتى الخبز العفن، وآلاف الأسر وصلت إلى مستويات قاسية يصعب وصفها".

يتابع الناشط: "مع كل الأسف، لا توجد أي خطط أو برامج حكومية سعودية لاستيعاب مثل هذه الحالات، للتخفيف من معاناتهم، أو تراعي آدميتهم حتى في حدودها الدنيا، كما لا يوجد أي تشريع أو قرار حكومي بتأجيل دفع الإيجارات أو الأقساط أو المستحقات المالية".

ويضيف الناشط اليمني: "الأشخاص الذين عجزوا عن دفع مستحقاتهم كإيجار السكن والأقساط الشهرية، يتم استدعاؤهم من قبل الشرطة وإعطاؤهم مهلة قصيرة لدفع الإيجار أو إخلاء العين المؤجرة، في تجاهل تام لوضعهم المعيشي".

يتابع: "كثيرون قالت لهم الشرطة السعودية: يجب أن تدفعوا ما عليكم من إيجارات وأقساط، وإلا ستحالون إلى المحكمة وتطبق عليكم العقوبة والغرامة المالية". 

يضيف: "حتى المؤسسات الخيرية لا توزع معونات على العامل الوافد، بل تستهدف المواطنين السعوديين فقط، ويحتاج الوافد لمراسلة الجمعية لأكثر من أسبوعين، ليحصل في نهاية الأمر بعد النزول والتأكد من وضعه، على كيس أرز 10 كيلو، وجالون زيت، لا يكفيه لمدة أسبوع، وهذا أمر نادر الحصول للغاية".

ويختم الحديث بقوله: "أنشأت مبادرة شخصية وعملت كمنسق بين محتاجين وآخرين ميسوري الحال، واستفاد منها حوالي 1000 شخص، لكن ذلك لا يكفي فالعدد كبير، والأزمة لا تزال ممتدة والاحتياج مستمر، ولا بد من تدخل حكومي لاستيعاب مشكلة هؤلاء".

اضطهاد مركّب

تكمن المعضلة الأساسية في السعودية هو عدم وجود تشريع يضمن حقوق العمالة الوافدة، الأمر الذي جعل الوافد مسلوب الحقوق محروما من أدنى الاحتياجات المستحقة، وضاعف من هذا الاضطهاد عدم أوامر من السلطات يحمي هذه العمالة خلال أزمة كورونا، ويتفهم المشكلة التي يعيشونها.

في حديث للاستقلال يقول الناشط الحقوقي محمد الأحمدي: "قضية العمالة الأجنبية في دول الخليج عموما والسعودية على وجه التحديد واحدة من المآخذ الكبيرة على حالة حقوق الإنسان في هذه المنطقة، حيث تواجه العمالة الأجنبية العديد من المشكلات، حتى قبل كورونا، لكنها تضاعفت مع كورونا حيث زادت حدة الانتهاكات بحق العمالة الوافدة".

يضيف الأحمدي: "أعتقد أن السبب يعود إلى أمرين: الأول، غياب تشريع قانوني في معظم دول الخليج، يحمي حقوق العمالة في هذه البلدان، والأمر الثاني، طبيعة النظام القمعي في السعودية تحديدا، وعزوفه عن أي نوايا لتحسين حالة حقوق الإنسان بشكل عام، سواء للمواطنين أو المقيمين أو العمالة الوافدة".

ويتابع الناشط الحقوقي: "في كثير من بلدان العالم، لاحظنا أن الحكومات عملت على إصدار تشريعات وقرارات وقوانين جديدة تسعى من خلالها إلى حماية حقوق العمال بسبب الحظر وبسبب إغلاق الكثير من العمال وتوقف حركة النشاط الاقتصادي".

مضيفا: "أما في السعودية فلا يوجد أي شيء من هذا القبيل، وبالتالي فأعتقد أن الانتهاك فادح بحق العمالة، وذلك بتركهم لمصير مجهول وجشع أرباب العمل وغياب الحماية القانونية لهم".

ويختم الأحمدي: "الأمر الآخر أيضا هو أن قرارات السعودة لقطاع الأعمال في المملكة، ألقت بانعكاسات سلبية على أوضاع العمالة الأجنبية في البلاد، ويبدو أن النظام هناك والسلطات السعودية تحاول استغلال جائحة كورونا لمزيد من التضييق على العمالة الأجنبية وهدر حقوقها على هذا النحو، وتركها دون أي حماية  أو جهود للحد من ضياع حقوقها".

كثير من الوافدين في السعودية اضطروا للخروج من منازلهم بعد أن عجزوا عن دفع الإيجارات، في ظل تهديد الشرطة لهم بضرورة الإخلاء أو رفع قضاياهم للمحكمة، ليجدوا أنفسهم فجأة مقيمين في الشوارع والأرصفة، ولولا تعاون أبناء جاليتهم في تسكينهم في شقق مشتركة، لاستمرت إقامتهم على تلك الأرصفة.

ومع أن تسكينهم في شقق مزدحمة يضاعف من فرص الإصابة بفيروس كورونا، ولا يحقق شرط التباعد الاجتماعي إلا أنه كان الحل المتاح لدى أولئك الذين عجزوا عن فعل أي شيء.