إسرائيل تكثف هجماتها ضد أهداف إيرانية بسوريا.. ما سر الصمت الروسي؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على نحو مستمر، تكثف إسرائيل من هجماتها على سوريا، مستهدفة مواقع عسكرية بمناطق متفرقة من البلاد، مستغلة بذلك عوامل عدة للانقضاض على الوجود الإيراني والمليشيات التابعة لها، في محاولة لتحقيق أهداف بعضها معلن، وآخر تسعى إلى تحقيقه بالمستقبل.

التصعيد الذي بدأته تل أبيب في 27 أبريل/ نيسان 2020، لن يتوقف حسبما أكد وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت، في 5 مايو/ أيار 2020 حتى "رحيل" إيران من سوريا، وذلك بعد ساعات من غارات استهدفت قوات إيرانية ومليشيات عراقية موالية لها في دير الزور وأسفرت عن مقتل 14 مقاتلا.

عوامل مشجعة

تباينت التحليلات العسكرية والسياسية في أسباب الهجمات الإسرائيلية المكثفة على مناطق متفرقة من سوريا، لكنها حددت عوامل مشجعة، دفعتها إلى اختيار هذه التوقيتات دون غيرها في شن غاراتها الجوية.

المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل قال في تحليل نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية في 5 مايو/ أيار 2020: "إسرائيل، وكما يبدو، كثفت هجماتها ضد إيران في سوريا تحت غطاء جائحة فيروس كورونا".

وأشار إلى أن "كل مكونات المحور الشيعي بقيادة إيران - الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الشيعية الأجنبية وحزب الله ووحدات الجيش السوري - أصبحت على خط النار".

وأضاف عاموس هرئيل، قائلا: "يبدو أن فيروس كورونا أحدث تغييرا في الإستراتيجية. ففي آذار/مارس 2020، لم ترد أنباء عن أي هجمات تقريبا. ولكن طوال أبريل/ نيسان 2020، نشرت وسائل إعلام سورية مرة أو مرتين في الأسبوع أخبارا عن هجمات أخرى شرقي الدولة ووسطها وجنوبها".

وحسب الكاتب، فإن إسرائيل تجد أفضلية في هذا التوقيت لأن "الهجمات تجد محور إيران ضعيفا نسبيا، بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني، فيما لا يحظى خليفته إسماعيل قاآني، بنفس المكانة الرفيعة التي راكمها سليماني لنفسه في السنوات الأخيرة، بل يجد صعوبة في بث روح قتالية في الفرق، وكذلك الأخذ في الاعتبار الضغوط الأخيرة على إيران".

وفي عامل آخر شجع على قصف سوريا، رأى أستاذ العلوم السياسية الدكتور أيمن الرقب، في تصريحات صحفية أن "إسرائيل تستغل انشغال حزب الله بما يحدث في لبنان والذي يشكل ضغطا مباشرا على الحزب ومستقبله السياسي، ترى إسرائيل أن هذه فرصة لضرب أي مخزن أسلحة أو مركز أمني لحزب الله وإيران".

إستراتيجية إسرائيلية

لكن في المقابل، هناك من يرى أن الهجمات الإسرائيلية نابعة من إستراتيجية خطتها الأخيرة لنفسها، وليس لها علاقة بردات الفعل ضد إيران أو حلفائها، الهدف منها حماية أمنها وإضعاف الدول المحاذية لها.

وفي هذه النقطة ، يقول خبير الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان بمقال المنشور في 4 مايو/ أيار 2020: "أزمة كورونا من ناحية الجبهة السورية انتهت، وسلسلة الهجمات المنسوبة لإسرائيل بسوريا، في نيسان/أبريل 2020، تظهر كسياسة مرتبة ومخطط لها".

وأضاف: "هي ليست ردود فعل على خطوة إيرانية، بل أعمال مبادر إليها، غايتها اقتلاع مزروعات إيرانية نبتت في الحقل السوري تشمل: نشر مليشيات مؤيدة لإيران في الجولان، استئناف نشاط حزب الله في لبنان، قيادات، مخازن عتاد عسكري وغيرها".

وأشار فيشمان إلى أنه منذ توقف الحرث هناك في شباط/فبراير 2020، توقفت تقريبا التقارير عن نشاط عسكري إسرائيلي، وعزا الأمر لأزمة كورونا التي بلغت ذروتها في إسرائيل في محيط "عيد الفصح".

وبين فيشمان أن "كل هذه الملابسات، تسمح لإسرائيل بأن تمسك بإيران وهي ضعيفة في سوريا، وهذه فرصة إستراتيجية، وذلك حتى لو أرادت إيران أن ترد، فستجد إسرائيل ذريعة لعمل عسكري جذري أكثر ضدها".

واتساقا مع ذلك، اعتبر الباحث والكاتب السياسي سمير حسن، أن "الاستهداف الصاروخي للأراضي السورية، بأنه إستراتيجية إسرائيلية أميركية تعرف بالضربات الجزئية".

ورأى حسن خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "العالم" الإيرانية في 4 مايو/ أيار 2020 أن "الإسرائيلي مع الأميركي كلاهما يقوم بمهمته، مثلا الأخير يتولى فرض العقوبات على المنطقة، والأول يتولى الضربات المتكررة على سوريا والتي امتدت إلى العراق ومحاولة تكريسها في لبنان عندما اخترقت طائرتان إسرائيليتان مسيرتان الضاحية الجنوبية".

ونوه إلى أن "الإسرائيلي يعتبر أنه في سباق مع الوقت، وهو يدرك تماما أن الحرب على سوريا ستنتهي، ما يعني تعزيز حضور محور المقاومة ونقل المواجهة إلى قرب حدود فلسطين المحتلة".

وإثر الهجمات الأخيرة، نقلت صحيفة "جيروزالم بوست" العبرية عن مصدر دفاعي إسرائيلي بارز، قوله: "للمرة الأولى منذ انخراطها في الحرب السورية، إيران خفضت عددها هناك، وسحبت آلافا من قواتها وقوات المليشيات التابعة لها".

أهداف أخرى

بعيدا عن هدف إسرائيل المعلن بأنها تريد اقتلاع إيران من سوريا فحسب، فثمة رأي آخر يربط أهداف الهجمات العسكرية الأخيرة وحديث المسؤولين الإسرائيليين عن استمرارها، بمستقبل سوريا السياسي والتصعيد في الخليج.

المحلل السياسي والقيادي في حركة "فتح" أيمن الرقب، قال: "تقارير كثيرة تشير إلى تحول دراماتيكي في العلاقة بين رئيس النظام السوري بشار الأسد وحلفائه، وذلك من خلال الاتفاق على الانتقال السلمي للحكم في سوريا بتشكيل حكومة مؤقتة وتعيين رئيس جديد حتى إجراء الانتخابات".

ولفت إلى أن "إسرائيل تستغل هذه الظروف بشكل جيد، وتزيد من هجماتها على سوريا، لتفرض نفسها على طاولة الاتفاق الدولي حول سوريا، ولتكون طرفا فيها وتقرر معهم مستقبل سوريا".

أما الخبير فيشمان، فرأى أن "المواجهة العسكرية المحتملة بين واشنطن وطهران ارتفعت درجة، وإزعاج الأسطول الأميركي في الخليج، أدى لتعليمات واضحة من الرئيس دونالد ترامب، لمهاجمة السفن الإيرانية".

ورجح أن "التوتر المرتفع في الخليج، سيواصل التصاعد كلما اقتربنا من شهر حزيران/يونيو 2020، في الوقت الذي سينشر فيه تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الخروقات الإيرانية في مجال تخزين اليورانيوم المخصب".

وحسب قول فيشمان، فيفترض أنه يوجد بين إسرائيل والولايات المتحدة، تنسيق أو تفاهم بشأن الضغوط على طهران، فتجربة الماضي، تظهر أنه كلما تصاعد التوتر في الخليج، تصاعد التوتر بين "تل أبيب" وطهران في سوريا.

أين روسيا؟

في ظل التصعيد الإسرائيلي، يبقى السؤال الأهم عن أسباب الموقف الروسي الرسمي الذي يلتزم الصمت حتى 6 مايو/ أيار 2020، ما زاد من التكهنات حول تغير سياساتها تجاه إيران في سوريا، والرسائل التي تريد إيصالها إلى رئيس النظام بشار الأسد.

الخبير الإسرائيلي فيشمان، قال: "ما كان يمكن لإسرائيل أن تستأنف بشكل مكثف أعمالها في سوريا دون موافقة روسية صامتة، ففي السنة الخامسة لوجودهم بسوريا، وفي عصر أفول كورونا، يجد الروس أنفسهم في إحباط عميق، فكل التوقعات للبدء واستخلاص المنافع ولا سيما الاقتصادية، من استثمارهم في سوريا لا تتحقق".

ولفت إلى أن "الإيرانيين حلفاء الروس لغرض القتال في سوريا، هم عائق ومنافس في كل ما يتعلق بتنفيذ السياسة الروسية العامة للسيطرة على الدولة ومقدراتها، وعليه، فيبدو أن  روسيا بدأت تتجاهل ضربات منسوبة لإسرائيل للمنافس الإيراني".

وبرأي ألون بن دافيد المعلق العسكري في "القناة 13" العبرية، فإن الأمر الأهم هو "الصمت المدوي لروسيا" على الضربات الإسرائيلية المتصاعدة ضد الوجود الإيراني في سوريا.

واستنادا لأحاديثه مع جهات أمنية، عاد ابن دافيد وكرر موقف إسرائيل مما يجري في سوريا، قائلا: "إنها لا تتنازل عن خطين أحمرين، وهما عدم السماح بتمركز إيران في سوريا، وتحويلها أسلحة دقيقة إلى حزب الله"، مرجحا أن "هناك اتفاقا بين إسرائيل وروسيا حول ذلك".

ورأى عاد بن دافيد أن "هذه رسالة لبشار الأسد من روسيا مفادها أن لديها مصالح وينبغي الحفاظ عليها". وأردف: "شهدنا في الأسبوعين الأخيرين 6 هجمات إسرائيلية في سوريا، ويدلل صمت الكرملين حيال ذلك على نظرتهم وموقفهم من هذه الهجمات".

لكن في المقابل، رأى المحلل العسكري في "معاريف" طال ليف رام، أن "روسيا ما زالت بحاجة للإيرانيين في سوريا"، محذرا من استعجال الفرحة بانسحابهم من هناك رغم تراجع حجم نقليات الأسلحة لحزب الله، وملاحظة تحركات في القواعد الإيرانية.

وأعرب عن اعتقاده بأن الإيرانيين يقومون بـ"الأعمال السوداء" في سوريا، وأن الروس يلعبون لعبة ذكية تفسر هذه الازدواجية في الموقف من إيران، والصمت على استهداف مواقعها.