لوموند: كيف يسعى صقور واشنطن لدفن اتفاق إيران النووي للأبد؟

12

طباعة

مشاركة

تسعى الولايات المتحدة الأميركية، لإجهاض المحاولات التي تبذلها باريس وبرلين ولندن من أجل إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015، حيث باتت تصعد حملتها ضد طهران.

وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير لها: "الوقت يمر" تهديد مبطن، أدلى به وزير الخارجية مايك بومبيو على تويتر في 18 أبريل/ نيسان 2020، يوضح الهوس الجديد للإدارة الأميركية تجاه الملف الإيراني، في إشارة إلى انتهاء الحظر على بيع الأسلحة التقليدية لإيران في أكتوبر/ تشرين الأول هذا العام. 

ومن المقرر بحسب الاتفاق النووي الذي صادق عليه مجلس الأمن الدولي في العام 2015 أن يتم رفع حظر بيع الأسلحة التقليدية لإيران تدريجيا اعتبارا من أكتوبر/ تشرين الأول، إلا أن مايك بومبيو أعلن في أبريل/نيسان 2020 أنه سيطلب من مجلس الأمن الدولي تمديد الحظر.

ورغم انسحابها رسميا منه في 2018، تعتزم واشنطن استخدام حجة قانونية تستند إلى تفسير للقرار 2231 مفادها أنها لا تزال "مشاركة" في الاتفاق النووي، الأمر الذي يمكنها من تمديد حظر الأسلحة المفروض على طهران أو فرض عقوبات أكثر صرامة.

وأوضحت الصحيفة أن واشنطن تظهر من جديد ازدراءها لحلفائها الأوربيين، إذ عقدت العزم على تمديد هذا الحظر وإحباط بشكل نهائي محاولات فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة لإنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPoA) لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني.

وتوضح أن هذه المحاولات باتت معقدة بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، التي تحول دون الاجتماعات الرسمية أو السرية.

وأشارت إلى أنه يمكن تقديم قرار أميركي بتجديد الحظر إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في مايو/ أيار 2020، حيث أطلق بومبيو حملة عامة حقيقية حول هذا الموضوع، مع الأوروبيين. 

وقال يوم 29 أبريل/نيسان 2020: "إذا لم نتمكن من دفع بقية العالم للتحرك، فإن الولايات المتحدة تدرس جميع الخيارات"، لكن "لوموند" تؤكد أن "الخطر الذي يمثله انتهاء الحظر منخفض". 

وبين دبلوماسي فرنسي أن "الحصار الأوروبي المفروض على إيران لا يزال ساريا حتى عام 2023"، وكذلك لا يزال الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على السلع والتكنولوجيا البالستية ساري المفعول.

وأوضحت الصحيفة الفرنسية أنه "من خلال الضغط من أجل تمديد الحصار، يأمل بومبيو في تهيئة الظروف بشكل غير مباشر لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة تلقائيا على إيران قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر/ تشرين ثاني 2020، ولهذه الغاية، يمكنه استغلال ثغرة قانونية في نص القرار 2231، الذي أعقب توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة".

وأكدت أنه على الرغم من انسحابها من الاتفاقية منذ مايو/ أيار 2018، لا تزال الولايات المتحدة مذكورة كموقع على هذا القرار، والذي لم يتم تعديله منذ ذلك الحين، ولذلك يمكنهم شجب الانتهاكات الإيرانية لخطة العمل الشاملة المشتركة وأن يتسببوا من جانب واحد في إعادة العقوبات تلقائيا. 

ولكن من خلال القيام بذلك، فإنهم سيعرضون أنفسهم للسخرية بسبب التخلي عن اتفاقية كان لها مزايا في نهاية المطاف، كما تشير السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن.

الرجوع للوراء

ويهدد مايك بومبيو باستخدام هذا الثغرة إذا عرقل أعضاء مجلس الأمن القرار الأميركي المحتمل الذي يطيل الحصار.

ومع وجود حق النقض من جانب روسيا وحتى الصين، وهو شيء شبه المؤكد، فإن إستراتيجية واشنطن ذات الزناد المزدوج ستؤدي منطقيا إلى "snapback" أو الرجوع للوراء، وبالتالي التدمير النهائي للاتفاق النووي الإيراني. 

ونقلت "لوموند" عن ريتشارد جونسون، العضو السابق في فريق التفاوض النووي الأميركي عندما كان باراك أوباما رئيسا القول: "هدف بومبيو هو إنهاء خطة العمل الشاملة المشتركة قبل الانتخابات الرئاسية".

ووفقا لهذا الدبلوماسي السابق، الموجود حاليا في مركز أبحاث مبادرة التهديد النووي (NTI)، وهي منظمة تعمل على منع الهجمات والحوادث الكارثية بأسلحة الدمار الشامل، فإن "صقور" واشنطن – أحد الشخصيات البارزة فيهم- يسعون إلى ضمان ألا يتمكن جو بايدن أو دونالد ترامب، في حالة انتخابه ثانية، العودة إلى نهج أكثر تصالحية تجاه طهران. 

وينوه إلى أنه "في هذه الحالة، لا يزال بإمكان الأوروبيين الذين يريدون الحفاظ على الاتفاق، محاولة استغلال الوقت بحلول هذا الموعد النهائي، لكن جهود بومبيو فاجأتهم".

وفي 14 يناير/ كانون ثاني 2020، أطلقت باريس ولندن وبرلين، التي تشكل ما يسمى بمجموعة "E3"، آلية تسوية المنازعات المنصوص عليها في خطة العمل الشاملة المشتركة، حيث كان الهدف المعلن هو الحفاظ على الخيط الضعيف للحوار، بيد أن الهجوم الأميركي الجديد يسرع من الانهيار. 

وفي مواجهة إدارة ترامب، تطمئن دول E3 إيران، من خلال اعتبار أن واشنطن لا يمكن أن تكون داخل وخارج الاتفاق، غير أن خطر حدوث أزمة خطيرة في مجلس الأمن الدولي يبدو حقيقيا.

"المسار الثالث"

ويقول إيلي جيرانمايه، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي: "هذا موقف صعب للغاية، ولكن يمكن للأوروبيين محاولة إقناع الولايات المتحدة بالسماح بانتهاء الحظر ومن ثم الموافقة، ضمن مجلس الأمن الدولي، على مجموعة جديدة من القيود على صادرات الأسلحة إلى إيران".

وتابع: "هذا يمكن أن يسد الفجوة بين الولايات المتحدة وروسيا وتجنب ضربة للاتفاق النووي"، مبينا أن هذا "المسار الثالث" يتطلب مشاورات سياسية بين القادة الأوروبيين مع طهران وواشنطن.

لكن ليس هناك ما يشير إلى أن دوائر السلطة في الجمهورية الإسلامية ستقبل بذلك، خاصة بعد أن فقد أنصار الدبلوماسية مصداقيتهم لصالح المحافظين، وحركت أزمة كوفيد 19 (فيروس كورونا) هذه التنافسات الداخلية.

ففي 22 أبريل/ نيسان 2020، كان إطلاق قمر صناعي عسكري رسالة واضحة من جهاز الأمن الإيراني، كما ساعد على توضيح إتقانه للتقنيات اللازمة لتصنيع الصواريخ العابرة للقارات.

ويعتقد كليمنت ثيرمي، المتخصص والباحث الإيراني في ساينس بو أنه "فيما يتعلق بالطاقة النووية، لا يتمتع الصوت الأوروبي بمصداقية داخل طهران، فمن وجهة نظر الجمهورية الإسلامية، الفرنسيون والبريطانيون والألمان متناغمون جوهريا مع واشنطن، على الرغم من الخلافات حول خطة العمل الشاملة المشتركة، وليس لديهم استقلالية حقيقية للعمل تجاه على هذه القضية".

وتقول الصحيفة: إن المحادثات مستمرة، ولكن وفقا لمعلوماتنا، اقترحت فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا مؤخرا نوعا من الصيغة الدبلوماسية الوسيطة لإيران، من أجل الخروج من الوضع الحالي بسبب السياق الجديد الذي أحدثه الوباء. 

وبحسب مصدر مطلع، اعتبر الجانب الإيراني أن التنازلات التي كان يجب على الجمهورية الإسلامية تقديمها في هذا السياق غير مقبولة.

لا يوجد تطورات

وقال أحد المشاركين في وزارة الخارجية الفرنسية: لا نرى أي تطورات رئيسية مع الإيرانيين في الأشهر الأخيرة تجاه مناقشة الطاقة النووية، لكنها مستمرة. 

كما أدت آلية التبادل Instex، التي صممها الأوروبيون للالتفاف على العقوبات الأميركية، إلى ظهور أولى نتائجها في مارس/ آذار 2020، بعد أكثر من عام على تنفيذها. فيما دعمت دول E3 والاتحاد الأوروبي حملة طهران للمطالبة بقرض من صندوق النقد الدولي في سياق وباء كوفيد- 19.

ولفتت "لوموند" أن الاجتماع الأخير للجنة المشتركة لخطة العمل الشاملة عقد في 26 فبراير/ شباط 2020. وقال السفير الصيني وانغ قن، بعد اختتام الاجتماع: إن الدول الموقعة تبحث عن "صيغة محددة في عدة مراحل تقوم على المعاملة بالمثل" لإنقاذ الاتفاقية. 

ومنذ مايو/ أيار 2019، أعلنت إيران عن خمس خطوات تشكل انتهاكا للاتفاقية: "تجاوز حد الـ 300 كجم من اليورانيوم منخفض التخصيب، والتخصيب إلى ما دون عتبة 3.67٪، انتهاك الحدود المفروضة على البحث والتطوير". 

كما أنه في نوفمبر/ تشرين ثاني 2019، أكدت طهران استئناف تخصيب اليورانيوم في موقع فوردو. وأخيرا، في أوائل يناير/ كانون الثاني 2020، قررت طهران عدم قبول حد تشغيلي لبرنامجها النووي. ومع ذلك، لا تزال بعثات التحقق التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية مستمرة.

غير أن الصحيفة الفرنسية رأت أن عودة عقوبات الأمم المتحدة، وهي نتيجة محتملة لتحركات مايك بومبيو، ستفجر الوضع.

وترى أنه "يمكن لإيران الرد على ذلك من خلال طرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتخصيب اليورانيوم بما يتجاوز 20٪، بل وحتى الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهو تهديد متوخى في كثير من الأحيان، من شأنه أن يحول البلاد إلى دولة منبوذة مثل كوريا الشمالية".

وفيما تبدو الظروف غير مواتية للغاية، تشير لوموند إلى أن فرنسا لا تتخلى عن فرضية نهج أوسع للملف الإيراني.

هذه الفرضية تتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة وحدها، وفقا لسيناريو تم تجربته بالفعل دون نجاح في خريف 2019 من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو تشجيع الولايات المتحدة وإيران على قبول فكرة إطار شامل للحوار يشمل البرنامج الباليستي الإيراني والدعم العسكري لحلفائها الإقليميين، من اليمن إلى العراق، مرورا لبنان. 

وتدرك فرنسا أنها لا تستطيع الاعتماد فقط على الدبلوماسية، فالوجود العسكري على الأرض ذو أهمية، فلا سيما في مواجهة الطموحات الإقليمية لروسيا وتركيا، من الضروري الحفاظ على مشاركة فرنسا في الائتلاف الدولي في العراق، وهو حاليا في حالة تراجع وقيد المراجعة.