النفط مقابل الرواتب.. متى تنتهي أزمة كل عام بين بغداد وأربيل؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أجواء من التوتر تسود العلاقة بين الحكومة المركزية ببغداد، وحكومة إقليم كردستان بأربيل شمالي العراق، أفرزت أزمة جديدة تعيد إلى الأذهان ما حصل بعد "استفتاء الاستقلال" الذي نظمه الإقليم الكردي في سبتمبر/ أيلول 2017، وأدى إلى غلق منافذ ومطارات "كردستان".

مع بداية كل عام جديد تبرز مشكلة الصادرات النفطية والإيرادات المالية، بين حكومة الإقليم وبغداد، إلا أنها تأخرت هذا العام حتى مايو/ أيار، بسبب غياب الموازنة السنوية إثر استقالة حكومة عادل عبد المهدي والبحث عن بديل، إضافة إلى تدهور أسعار النفط عالميا.

"حرب الأوراق"

الأزمة الجديدة تفجرت بعدما صدرت وثيقة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي في 25 أبريل/ نيسان 2020 توجه فيها وزارة المالية، التي يديرها الوزير الكردي عضو "الحزب الديمقراطي الكردستاني" فؤاد حسين، بتعليق رواتب إقليم كردستان.

وطالبت وثيقة مجلس الوزراء، بوقف صرف المبالغ المالية المقررة لدفع رواتب موظفي إقليم كردستان منذ كانون الثاني/ يناير 2020، واسترجاع نظيرتها المصروفة منذ مطلع العام.

وأرجعت الوثيقة الحكومية سبب التوقيف إلى "عدم التزام الإقليم بتسديد إيرادات كميات النفط الخام المتفق عليها". إذ توصلت بغداد وأربيل نهاية 2019 إلى اتفاق ينظم التحكم بواردات النفط الصادرة من كردستان العراق.

وحسب تصريحات سابقة لوزير النفط العراقي ثامر الغضبان، فإن الاتفاق مع أربيل، يقضي بتسليم الإقليم نفطه إلى شركة (سومو) الحكومية اعتبارا من مطلع 2020، بواقع 250 ألف برميل يوميا من أصل 450 ألفا منتجة حاليا، مقابل تفاهمات تسمح بوضع حصة للإقليم في موازنة البلاد. وفي مارس/آذار 2020، أكد الغضبان أن الإقليم لم يسلم نفطه وفقا للاتفاق.

وردا على قرار بغداد بإيقاف رواتب الموظفين، أصدر إقليم كردستان ورقة من 10 بنود تطالب فيها السلطات المركزية في العراق بتعويضات مالية عمرها 60 عاما وتقدر بـ 384 مليار دولار.

تلك التعويضات قالت حكومة أربيل: إن "الإقليم لا يزال يأوي أكثر من مليون لاجئ ونازح بما يجعله يتحمل تكاليفهم ودون أدنى مساهمة من الحكومة الاتحادية".

وأرفقت حكومة الإقليم جداول ووثائق مع رسالتها، ومن بينها جدول للأضرار الناتجة عن "جرائم النظام السابق المرتكبة في إقليم كردستان"، بدءا من عام 1963 وصولا إلى عام 2003، والتي بلغت أكثر من 384 مليار دولار.

وأكدت الرسالة في وثيقة أخرى أن حكومة إقليم كردستان صرفت أكثر من 7 مليارات دولار تكاليف لإيواء النازحين ومصاريف تأمين الوقود لتوليد الكهرباء في كركوك للفترة من 2011 إلى 2020.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي أحمد الحاج رشيد: إن "هذه المطالبات لحكومة الإقليم تعمّق الأزمة ولا تحلها، وبالتالي لا تخدم مصلحة الطرفين".

وتساءل النائب عن "الجماعة الإسلامية الكردستانية"، قائلا: "هل السياسيون الحاليون في السلطة من السنة والشيعة، هم وريثو نظام صدام حسين حتى يتحملوا مسؤولية تلك المرحلة؟".

وأكد الحاج رشيد أن "الورقة التي قدمتها حكومة أربيل لا تخدم مصلحة الجميع وخصوصا إقليم كردستان، وبالتالي هي ورقة فاشلة، وإن دلت على شيء فإنها تدل على الإفلاس السياسي، لأن الأوراق الماضية لا بد أن تطوى سجلاتها، وأن الأكراد والشيعة والسنة من غير البعثيين كلهم كانوا معارضين لنظام صدام".

دعوة للوساطة

الأزمة بين بغداد وأربيل، دفعت الأخيرة لتوجيه دعوات لأطراف دولية للتدخل كأطراف وسيطة لحلها وإطلاق رواتب موظفي إقليم كردستان، إذ التقى وفد حكومة الإقليم برئاسة الطالباني مع السفير الأميركي لدى بغداد ماثيو تولر.

وأكد وفد حكومة الإقليم والسفير الأميركي "ضرورة أن تلتزم الولايات المتحدة وبريطانيا، مسألة التهدئة وحل المسائل العالقة بين حكومة الإقليم  والحكومة الاتحادية".

من جهته، أكد رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني ضرورة تدخل بعثة الأمم المتحدة في العراق لحل القضية. جاء ذلك خلال استقباله ممثلة الأمين العام جينين بلاسخارت.

ونقل بيان عن البارزاني قوله: "لا يجوز تحويل الرواتب والاستحقاقات المالية لإقليم كردستان إلى مسألة سياسية"، وعد هذه الخطوة من جانب بغداد "إجراء غير دستوري وغير قانوني". وطلب من ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أن "تمارس دورها لحل هذه القضية مع بغداد".

لكن أحزابا مناوئة لحكومة كردستان، أرجعت أسباب الأزمة إلى الحزبين الحاكمين في الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني، بقيادة مشتركة لبافل الطالباني وابن عمه لاهور الطالباني، والذي ينتمي إليه الرئيس العراقي برهم صالح.

وقال رئيس حزب الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد في تغريدة على "تويتر": "4 شركات تابعة للحزبين الحاكمين في إقليم كردستان وحدها تمتلك 32 مليار دولار ما يكفي رواتب الموظفين لمدة 5 سنوات، وعدا هذا يسرقون شهريا 120 مليون دولار من ميزانية الحكومة وينفقوها على الحزبين. هكذا يهدرون أموال الدولة".

حلول مؤقتة

وبعد مد وجزر بين بغداد وأربيل ومفاوضات بين مسؤولي الطرفين دامت لأيام، أعلنت حكومة إقليم كردستان التوصل إلى حل لأزمة الرواتب وعدم استخدامها كورقة ضغط سياسية في المستقبل.

وقال المتحدث باسم حكومة أربيل جوتيار عادل خلال مؤتمر صحفي في 28 أبريل/ نيسان 2020: إن الجانبين اتفقا على "مواصلة التنسيق" بشأن أزمة إيقاف رواتب موظفي الإقليم. وشدد على أن حكومة الإقليم ملتزمة بالاتفاقات المالية والنفطية في إطار ما تمخضت عنه التفاهمات مع الحكومة الاتحادية نهاية عام 2019.

ولم يقدم عادل مزيدا من التفاصيل حول الاتفاق، كما أنه لم يوضح ما إن كان سينهي أزمة قرار الحكومة في بغداد وقف رواتب موظفي الإقليم. كما لم يصدر أي تعليق من السلطات في بغداد حول ما أورده المتحدث باسم حكومة إقليم شمال العراق.

لكن النائب الكردي أحمد الحاج رشيد قال في حديثه لـ"الاستقلال": "المفاوضات وصلت إلى شبه حلول، وذلك بتسليم الإقليم 250 ألف برميل نفط مقابل 453 مليار دينار عراقي (380 مليون دولار) رواتب للموظفين".

وأشار الحاج رشيد إلى أن "هذه الاتفاقية لشهر واحد فقط حتى يتم تشكيل الحكومة الجديدة. وبعدها ستبدأ المفاوضات بين بغداد وأربيل على موضوع صادرات النفط والتخصيصات المالية لإقليم كردستان العراق".

من جهته، قال الخبير القانوني وائل عبد اللطيف في مقابلة تلفزيونية: "المطالب التي جاء بها الأكراد غير قانونية، فهم يستخدمونها ورقة ضغط لإطلاق المبالغ (رواتب الموظفين)، وبالتالي لا يدفعون أموال النفط الخام".

ورأى عبد اللطيف أن "الإقليم لن يدفع أي أموال للحكومة الاتحادية في بغداد، وكلامهم كله لا ينفذ، لأن هناك فقرة في الموازنة العامة تكرر منذ عام 2004 وحتى العام 2020، بأن على حكومة الإقليم أن ترسل أموال صادرات النفط والمنافذ الحدودية إلى بغداد، لكنها لم ترسل شيئا".

وفي 2 مايو/ أيار نشرت حكومة إقليم كردستان، تقرير شركة "ديلويت" العالمية بشأن تصدير النفط واستهلاكه ومصاريفه وعائداته لسنة 2019، مشيرة إلى أن إجمالي الإيرادات بلغت 8.4 مليارات دولار.

واستعرض مجلس إقليم كردستان لشؤون النفط والغاز كافة البيانات والمعلومات الموثقة والدقيقة الصادرة من "ديلويت"، التي تعد واحدة من أكبر 4 شركات في مجال التدقيق، "كجزء من المبادرة الخاصة بالشفافية"، من 1 يناير/كانون الثاني لعام 2019 وحتى 31 من ديسمبر/كانون الأول لعام 2019.

ويعرض البيان تقارير عن كل 3 أشهر من عام 2019 بشكل منفصل، إذ إن إقليم كردستان أنتج خلال عام 2019 (170.977.784 برميل نفط)، تم تصدير (158.512.960) منه عبر الأنابيب النفطية بإيرادات بلغت 8.349.749.733  دولارا، بمعدل 52.76 دولارا لكل برميل.

وخلصت شركة "ديلويت" العالمية في التقرير إلى أن صافي الأرباح من تصدير النفط خلال 2019 في إقليم كردستان العراق بلغ نحو 4 مليارات و500 مليون دولار بعد طرح نفقات الإنتاج.