صمت إماراتي.. لماذا قررت إيران توطين السكان في الجزر الثلاث؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على قدم وساق، تحاول إيران تثبيت واقع جديد في منطقة الخليج العربي، فقررت مؤخرا إسكان مواطنيها في 3 جزر إستراتيجية متنازع عليها مع الإمارات وهي أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، معلنة بذلك عن مجموعة إجراءات اتخذتها، وخطط مستقبلية تنوي تنفيذها في القريب العاجل.

خطط إيران لإحداث تغيير ديمغرافي وتحريف طابع الخليج العربي بجزره وموانئه، بدأت باحتلال الأحواز، ويبدو أنها لم ولن تتوقف في ظل تنامي الطموح الفارسي في المنطقة.

خطوات طهران الجديدة، أثارت تساؤلات عن الموقف العربي منها، لا سيما دولة الإمارات وجامعة الدول العربية التي وقفت صامتة كعادتها تراقب الموقف من بعيد.

"تغيير ديمغرافي"

قرار المرشد الإيراني علي خامنئي في 29 أبريل/ نيسان 2020، لإسكان الإيرانيين في جزر متنازع عليها مع الإمارات، ربطتها تقارير بعمليات التغيير الديمغرافي التي عرف بها التاريخ الإيراني، ولا سيما في إمارة الأحواز العربية التي احتلتها عام 1925.

ونقلت وكالة فارس الإيرانية تصريحات لقائد القوة البحرية للحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنكسيري، قال فيها: "الحرس الثوري بدأ بتنفيذ أوامر خامنئي". وأضاف: "إننا نعتزم إيجاد بنية تحتية في هذه الجزر لتأهيلها من أجل توطين السكان فيها تنفيذا للأمر الصادر عن القائد العام للقوات المسلحة".

وأضاف تنكسيري: "حينما يقول الرجل الأول في الدولة (خامنئي) بأنه يجب توطين السكان في هذه الجزر، فذلك يعني أننا نسعى من أجل أمن المنطقة".

وبخصوص خطط المشروع، أوضح الأدميرال تنكسيري، أنه "سيجري بناء مطارات وكواسر أمواج في الجزر من القوة البحرية للحرس الثوري، تم ذلك بالفعل بالنسبة لبعض الجزر".

وتابع تنكسيري: "قمنا بإنشاء مطار دولي في جزيرة طنب الكبرى كما تم إنشاء مطار في جزيرة طنب الصغرى إضافة إلى أكثر من 50 من كواسر الأمواج للمواطنين".

من جهته، وصف "المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الإستراتيجية" توجهات خامنئي، بأنها "أوامر لتغيير ديمغرافية الخليج عبر إسكان إيرانيين فيه".

وقال المركز في تقرير على موقعه الإلكتروني: "ملكية تلك الجزيرتين (طنب الصغرى وطنب الكبرى) إضافة إلى جزيرة أبو موسى تعود إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، واحتلتهما إيران عام 1971".

وأشار إلى أن بعض الجزر في الخليج العربي مأهولة بالسكان لكن تفتقر لأبسط الإمكانيات المعيشية، إلا أن تنفيذ أوامر خامنئي في إسكان مواطنين في جزر الخليج سيضر بالبيئة ويعرض سلامة المواطنين للخطر.

ووفق المركز، فإن "إيران منذ احتلال الأحواز العربية التي تقع في الضفة الشرقية للخليج بدأت بتغيير طابع الخليج العربي بجزره وموانئه وهجرت آلافا من سكانه العرب واستبدلتهم بمواطنين من العمق الإيراني. طهران قامت بتغيير خريطة المحافظات والأقاليم العربية الواقعة في الضفة الشرقية للخليج".

منح البريطانيون إمارة الأحواز العربية الغنية بالنفط إلى إيران عام 1925 بعد اعتقال الأمير خزعل الكعبي على ظهر طراد (سفينة حربية) بريطاني، ثم إعدامه في السجن الإيراني، وكانت هذه نهاية الدولة الكعبية وعربستان (الأحواز) المستقلة.

ومنذ ذلك الحين اتبعت حكومات إيران المتعاقبة نهجا تمييزيا ضد سكان الأحواز من العرب في كل شيء، وحاولت منذ وقت بعيد فرض اللغة الفارسية على الإقليم، وتوطين آلاف العائلات من المزارعين داخل الأراضي الأحوازية للإخلال بالتركيبة السكانية للإقليم لصالح الإيرانيين.

وأشارت التقارير إلى أن ما ساهم في التغيير اكتشاف النفط في المنطقة، الأمر الذي دفع طهران إلى زج المزيد من السكان الإيرانيين لتوطينهم لتغيير التركيبة السكانية.

وكشفت تقارير حقوقية أحوازية عن استغلال طهران للكثير من الأزمات ومعظمها مفتعلة لتهجير السكان من مناطقهم العربية، محاولة إجبار الأحواز داخل بعض المدن مثل الحويزة والبسيتين والخفاجية والرفيع وغيرهم على مغادرة منازلهم بسبب الفيضانات، وقدر هؤلاء بما يزيد على 300 ألف مواطن.

صمت عربي

في وقت أصدرت فيه الإمارات بيانا عبّرت فيه عن "قلقها البالغ" من دعم تركيا لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا، وتصفه أبوظبي بأنه "تدخل في الشؤون العربية الداخلية"، لكنها التزمت الصمت حيال جزرها التي تجري إيران عمليات توطين فيها، ولم تنبس ببنت شفة.

واتساقا مع الصمت الإماراتي، فإن جامعة الدول العربية هي الأخرى لم يصدر عنها أي قرار أو تعليق يدين تحركات إيران في جزر الخليج العربي، رغم حديث طهران الصريح عن خططها الاستيطانية.

الباحث والمحلل السياسي الإيراني مهدي شكيبائي قال: "الجزر الإيرانية في مياه الخليج تتمتع بأهمية إستراتيجية على الصعد العسكرية والأمنية والاقتصادية، وبلاده تعتمد بشكل كبير على المياه الخليجية لتصدير نفطها للخارج، ما يرفع من أهمية هذه الجزر بالنسبة لطهران".

شكيبائي أضاف خلال تصريحات صحفية مطلع مايو/ أيار 2020: "جزيرتا قشم وكيش تشكلان نموذجا ناجحا لتوفير البنى التحتية اللازمة للتوطين في سائر الجزر الإيرانية" مؤكدا أن قرار طهران بتأهيل الجزر للتوطين يشمل عددا كبيرا من الجزر الإيرانية في المياه الخليجية.

واستبعد المحلل الإيراني أن "يقابل قرار طهران بمعارضة من الدول العربية، لا سيما وأن طهران لم تنشئ جزرا صناعية على غرار بعض جاراتها الجنوبية، وإنما هذه جزرها ولها الحق في تأهيلها".

ورفض شكيبائي القول بأن هذه الجزر متنازع عليها، لافتا إلى أن "إيران تمد يد الصداقة إلى جميع جاراتها الجنوبية طيلة 40 عاما، وتؤكد ضرورة مشاركتها في إحلال الأمن والاستقرار بالمنطقة لقطع الطريق على التدخلات الأجنبية".

وحسب الباحث الإيراني، فإن من شأن هذا القرار أن يعزز أمن المنطقة لا سيما أمن الدول العربية المطلة على الشواطئ الجنوبية لمياه الخليج، وبالتالي "سينعكس إيجابا على الاستقرار الإقليمي".

آخر تصريح للإمارات حول الجزر الثلاث، في 4 مارس/ آذار 2019، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تغريدات على "تويتر" أثارت سخرية الناشطين.

قرقاش غرد قائلا: "الحساسية الإيرانية المفرطة حول احتلالها لجزر الإمارات، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى غير مفهومة، طهران تحرج نفسها في كل منتدى دولي لأن احتلالها يبقى غير قانوني وغير شرعي، وغير معترف به".

آخر تصريح إماراتي حول الجزر الثلاث، في 4 مارس/ آذار 2019، على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تغريدات على "تويتر" أثار سخرية الناشطين.

قرقاش غرد قائلا: "الحساسية الإيرانية المفرطة حول احتلالها لجزر الإمارات، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى غير مفهومة، طهران تحرج نفسها في كل منتدى دولي لأن احتلالها يبقى غير قانوني وغير شرعي، وغير معترف به".

وحسب قرقاش: "الإمارات ومنذ اليوم الأول تدعو لحل القضية سلميا وعبر الحوار والتحكيم. قضية جزر الإمارات المحتلة مثال واضح على أن منطق الاحتلال والقوة والأمر الواقع لا يصنع شرعية دولية، ولا يقنن الاحتلال، ورفض دعوات الإمارات السلمية لحل هذه القضية يضع إيران في خانة حرجة".

وأضاف: "تعامل إيران مع هذه القضية، يرسل رسالة أشمل حول توجهها في منطقة الخليج العربي. هناك العديد من الخلافات الدولية حول جزر متنازع عليها، وتتعامل معها الدول ضمن إطار التوجه الإماراتي السلمي والقانوني والعقلاني، بالمقابل، الموقف الإيراني وللأسف، غير منطقي لأن أساسه احتلال بالقوة يسعى لفرض الأمر الواقع ولا يدعمه سند قانوني أو تاريخي".

تغريدات قرقاش، أثارت سخرية الناشطين، الذين قالوا إنه بينما يرسل تهديدات مباشرة وغير مباشرة إلى الجارة قطر، فإنه "يستجدي" إيران لإنهاء ملف الجزر المحتلة عبر الحوار.

وأوضح ناشطون أن الحديث الإيراني المتكرر عن الجزر، مقابل الصمت الإماراتي، يشير إلى موقف القوة لدى طهران، رغم أنها الدولة المحتلة للجزر.

"خليج فارس"

تمثل الجزر الثلاث المتنازع عليها، أهمية إستراتيجية كبيرة في الخليج العربي، فجزيرة "أبو موسى" تقع عند مدخل مضيق هرمز جنوب الخليج العربي، وتبعد 60 كيلو مترا عن إمارة الشارقة، بمساحة 12.8 كيلومترا مربعا.

ودفع موقعها الإستراتيجي وغناها بالمعادن، إيران للسيطرة عليها عام 1971، قبل أن تنال الإمارات استقلالها عن بريطانيا بيومين فقط. وتتبع الجزيرة حاليا محافظة هرمزغان الإيرانية، ويشكل الإيرانيون نصف سكانها، والنصف الآخر من الإماراتيين العرب (نحو 2000 نسمة).

عام 1992، نصبت إيران في الجزيرة، صواريخ مضادة للسفن وأقامت قاعدة للحرس الثوري، وقاعدة بحرية، وبنت في عام 1999 مطارا يربط الجزيرة بمدينة بندر عباس الإيرانية. وفي عام 2012 أقامت إيران محافظة جديدة وسمتها "خليج فارس"، وجعلت من جزيرة أبو موسى مركزا لها.

أما جزيرة "طنب الكبرى" فتتبع أيضا لذات المحافظة الإيرانية، وتبلغ مساحتها ما يقرب من 9 كيلومترات مربعة، وتقع شرقي الخليج العربي قرب مضيق هرمز، وتبعد نحو 30 كيلومترا عن إمارة رأس الخيمة، ويبلغ عدد سكانها قرابة 700 نسمة.

وقبل تأسيس دولة الإمارات كانت الجزيرة لإمارة رأس الخيمة، إلا أنها خضعت أيضا للسيطرة الإيرانية قبل أيام من حصول الاستقلال الإماراتي عن بريطانيا.

وتعد الجزيرة غنية بالثروة السمكية، وتمتاز بسطحها المنبسط، وفي عام 1930 سعت إيران إلى شراء جزيرتي "طنب الكبرى والصغرى" من حاكم رأس الخيمة الشيخ سلطان القاسمي، إلا أنه رفض ذلك مطلقا.

وبخصوص الجزيرة الثالثة "طنب الصغرى" فهي تبعد نحو 12.8 كيلومترا عن جزيرة طنب الكبرى غربا، ومساحتها 2 كيلومتر مربع فقط، تتميز هذه الجزيرة بتربتها الرملية والصخرية، ولا تتوفر فيها المياه الصالحة للشرب.

الجزيرة كانت تتبع لإمارة رأس الخيمة، ويلجأ لها الصيادون عند اشتداد الرياح وعلو الأمواج. وتكثر فيها الطيور البرية والبحرية، ولعدم وجود الماء فيها لا يسكنها أحد من البشر، لكنها كانت بمنزلة مستودع ومخزن للمعدات والأمتعة.