تقرير الحالة العربية: أبريل/ نيسان 2020

قسم البحوث - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

المحتويات
مقدمة
المحور الأول: جائحة كورونا في المنطقة العربية
  • السعودية
  • قطر
  • الإمارات
  • مصر
المحور الثاني: الحالة السياسية
  • الحالة الليبية
  • الحالة اليمنية
  • الحالة السورية
  • الحالة السودانية
  • الحالة المصرية
المحور الثالث: الاقتصاد العربي
  • تداعيات استمرار أزمتي كورونا، وانهيار أسعار النفط على المنطقة العربية
  • مصر والدخول في برنامج جديد مع صندوق النقد
  • تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان
المحور الرابع: الحالة الفكرية
  • التعليم عن بعد في زمن الأزمات والأوبئة
  • عبد الحميد بن باديس الإمام الجزائري المجاهد (في ذكرى رحيله)

مقدمة

تضافرت المشكلات والقضايا السياسية والاقتصادية على المنطقة العربية في أبريل/نيسان 2020، من حيث اقتران أزمتي كورونا وانخفاض أسعار النفط، وما أحدثاه من حالة ارتباك في المشهد السياسي والاقتصادي.

كما أن التداعيات السياسية في ليبيا ولبنان لافتة للنظر، لما شهدته ليبيا من تطورات على الصعيد العسكري، ومحاولات حفتر فرض نفسه على الحكومة الشرعية، عبر قراراته الفردية، تعد بمثابة انقلاب عسكري، يعطي لنفسه حق إدارة ورئاسة البلاد، وهو ما لقي رفضا واسعا على الصعيد الدولي والإقليمي على استحياء، بعد أن فرضت قوات حكومة الوفاق الشرعية نفسها عبر انتصاراتها على أرض الواقع. إلا أن ما حدث في لبنان على صعيد آخر، يعضد من سيناريو تأخر الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة العربية.


المحور الأول: جائحة كورونا في المنطقة العربية

مع انقضاء نحو ما يزيد عن 4 أشهر منذ ظهور فيروسCOVID-19 المعروف باسم فيروس كورونا، ضربت الجائحةُ أكثر من 200 دولة على مستوى العالم، وبلغت عدد الإصابات المكتشفة ما يزيد عن 3 ملايين حالة حول العالم حتى مطلع مايو/ أيار2020، توفي منهم نحو ربع مليون إنسان، كان نصيب العالم العربي من هذه الإصابات 51 ألفا، بنسبة قدرها 1.6% من مجمل الإصابات المكتشفة حول العالم، وبلغت الوفيات في الدول العربية نحو 1326 وفاة، أي بنسبة بلغت 0.6% من إجمالي وفيات العالم جراء هذا الفيروس، (كل الأرقام التي وردت، وسترد، في هذه الورقة، مُستمدة من موقع "Worldometer" الإحصائي العالمي[1]).

هذه الأرقام تعني -نظريا- أن العالم العربي قد تمكن من منع وصول الفيروس إليه، أو أن منظومته الصحية قد استطاعت السيطرة على المرض بشكل كبير. بيد أنه من المعلوم في الإحصاء أن الأرقام والإحصاءات لا تعبر -بالضرورة- وحدها عن الواقع، بل قد تبدو الأرقام -أحيانا- مغايرة لما عليه الواقع، فلا بد من النظر وراء هذه الأرقام حتى نستطيع النظر ما إذا كانت دلائل هذه الأرقام صحيحة أم لا.

ومن المعلوم أن عدد الإصابات -على وجه التحديد- لا يعبر عن نجاح أو فشل الدولة أو المنظومة الصحية في مواجهة الفيروس، بل إنه العامل الأقل أهمية على الإطلاق في التقييم، تتعدد العوامل التي تمثل أهمية أكبر بالنسبة للتقييم، فنسبة الوفيات إلى المفحوصين، عدد الفحوصات اليومية، نسبة الفحوصات المُجراة إلى عدد السكان، الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة قبيل انتشار المرض، الإجراءات التي تتخذها الحكومة بعد انتشار المرض، كذلك نسبة المصابين إلى المفحوصين، كل هذه العوامل وغيرها لا بد أن توضع في الميزان حتى يكون التقييم أكثر انضباطا وواقعية.

تحاول هذه الورقة استكمال ما بدأناه، من رصد وتحليل للأرقام المعلنة من قبل الحكومات العربية حول فيروس كورونا ومدى انتشاره في بلدانهم.

بشكل عام، فإن عدد الإصابات المكتشفة في الدول العربية تضاعف نحو 10 مرات خلال شهر أبريل/نيسان 2020، عنه في مارس/آذار 2020، حيث بلغ عدد الإصابات في مارس/آذار 2020 نحو 6000، إلا أن الرقم تجاوز الـ 50 ألفا خلال أبريل/نيسان 2020.

كما أن الوفيات قد تضاعفت نحو 6 مرات خلال نفس الفترة الزمنية. بلغت نسبة الوفيات إلى المصابين في العالم العربي نحو 3.5% في مارس/آذار 2020، بينما بلغت النسبة في أبريل/نيسان 2020، نحو 2.6%.

خلال أبريل/نيسان 2020، نسبة الوفيات أقل بكثير من نسبة الوفيات العالمية، حيث بلغت 6.9%. وتبدو نسبة الوفيات العربية إيجابية بالنسبة للمعدل العالمي، إلا أنه لا ينبغي إغفال أن عدد الوفيات أو الإصابات قد يتأثر بشكل كبير بعدد فحوصات الـ PCR التي تجريها كل دولة، حيث أن السبيل الوحيد لحساب الإصابات أو الوفيات من هذا الفيروس هو اكتشاف حامليه عن طريق هذا التحليل، ففي حالة عدم إجراء الفحوصات، قد يموت الكثيرون دون معرفة السبب الحقيقي وراء موتهم، سواء كان كورونا أو غيره.

لمحاولة رصد ما وراء هذه الأرقام، سواء كانت إيجابية أو سلبية، سيحاول التقرير البحث في الأرقام الصادرة عن كل دولة على حدة. وسيعتمد التقرير على الترتيب التنازلي من حيث عدد الإصابات.

السعودية:

لا زالت السعودية تحتل المركز الأول عربيا من حيث عدد الإصابات، فقد بلغ عدد الإصابات المكتشفة نحو 20 ألفا، بزيادة قدرها نحو 10 أضعاف عن مارس/آذار 2020، وتضاعفت الوفيات بنفس المعدل تقريبا (152 إجمالي الوفيات، حتى كتابة هذه السطور). أما بالنسبة للفحوصات، التي أجرتها المملكة منذ ظهور الفيروس لديها مطلع مارس/ آذار 2020، فبلغت نحو 200 ألف فحص (5745 فحص لكل مليون نسمة). أما من حيث النسب، فنسبة الوفيات إلى الفحوصات بلغت 0.7%، وهي بلا شك نسبة إيجابية جدا مقارنة بالنسبة العالمية أو العربية، بل إيجابية للغاية. بينما بلغت نسبة المصابين إلى المفحوصين نحو 10%.

يبدو أن الأرقام الإيجابية التي تحرزها المملكة هي نتاج لاستمرار السياسات الاحترازية الباكرة التي اتخذتها في مواجهة الفيروس، سواء قبل وصول الفيروس للحيلولة دون وصوله، أو بعد وصوله للحد من انتشاره وتفشيه، تلك السياسة التي ولدت الإجراءات التي بدأت نهاية فبراير/ شباط 2020، بتعليق الدخول إلى السعودية لأغراض العمرة، وكذلك تعليق الدخول بالتأشيرات السياحية للقادمين من دول بدأ ينتشر فيها الفيروس.

ومع ظهور الحالة الأولى مطلع مارس/ آذار 2020، عُلِّقت العمرة للمواطنين والمقيمين، علاوة على قرارات تعليق الدراسة في المدارس والجامعات، وكذلك قرار فرض حظر التجول على كافة أراضي المملكة من الساعة السابعة مساء حتى السادسة صباحا منذ 23 مارس/ آذار 2020.

كذلك منع الدخول والخروج من المدن الأكثر تضررا من الفيروس، وهي مكة المكرمة والمدينة وجدة والرياض، كما تقدم موعد الحظر في المدن الأربع ليبدأ من الساعة الثالثة عصرا بدلا من السادسة كحال بقية المدن.

كما لا ينبغي بحال من الأحوال إغفال نسبة الوفيات الضئيلة، التي تبرهن على وجود منظومة صحية قوية في المملكة قادرة على استيعاب أعداد المصابين ورعايتهم الرعاية الأمثل.

من واقع تتبع إحصائيات المملكة، وكذلك الإجراءات التي اتخذتها وتتخذها، يمكن القول: إن التوقع الذي انتهت إليه الورقة الماضية لا زال مستمرا بأن السعودية مرجحة لتفادي انتشار الجائحة بشكل كارثي داخل أراضيها. هذا التوقع يظل قائما ما لم تحدث أي مفاجآت غير متوقعة، عن طريق التساهل في تطبيق القرارات الحكومية من قبل الحكومة أو المواطنين سواء بسواء.

قطر:

لا زالت قطر في المركز الثاني عربيا من حيث عدد الإصابات، فقد تضاعفت نسبة الحالات المكتشفة خلال أبريل/نيسان 2020، نحو 12 ضعفا مقارنة بالشهر السابق (12 ألفا و546 إجمالي الإصابات المكتشفة حتى الآن)، وبلغت الوفيات الإجمالية نحو 10 حالات منذ بدء الأزمة، أي بنسبة 0.07% من إجمالي المصابين، وهي بين النسب الأقل في العالم.

وبلغت الفحوصات التي أجرتها الدوحة نحو 88 ألفا بمعدل 30 ألفا و755 فحصا لكل مليون نسمة، وهي نسبة من بين النسب الأعلى في العالم، وأعلى من جميع الدول الأوروبية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. كما بلغت نسبة المصابين إلى المفحوصين 14.2%.

يبدو أن السياسة القطرية التي تعاملت مع الأزمة قبل وصولها إلى داخل البلاد بجدية تامة قد آتت أكلها، وتمخضت عن نتائج إيجابية بشكل عام، السياسة التي اعتمدت منذ البداية إجراء الحجر الصحي الإلزامي الكامل لمدة 14 يوما على كل الوافدين من البلدان الموبوءة، قبيل اكتشاف أي حالة داخل البلاد، علاوة على انتهاجهم سياسة "الترصد الصحي"، وهي سياسة تهدف إلى البحث عن الحالات المشتبه فيها وعدم انتظارها، عن طريق توسيع نطاق التتبع والبحث لأي حالة مكتشفة سواء ظهرت الأعراض أم لم تظهر، كذلك غلق المدارس والجامعات ومنع الجمع والجماعات.

استمرار هذه السياسات ساهم بشكل كبير في ظهور النتائج التي تعد من بين النسب الأعلى إيجابية في العالم، علاوة على قلة عدد السكان، وكذلك أسلوب معيشة السكان الاعتيادي في قطر كان لها دور بارز في هذه النتائج، نظرا لضعف الإقبال على المواصلات العامة، وانتشار السيارات الخاصة.

رغم التصاعد المتدرج لأعداد المصابين في قطر، إلا أنه لا انكسارات حادة أو مفاجآت غير متوقعة في المؤشر القطري[2] (الرسم البياني الذي يوفره موقع منظمة الصحة العالمية لرصد الزيادات في أعداد المصابين في كل قطر).

طبقا للمعطيات الحالية، وفي ظل ثبات العوامل وعدم حدوث مفاجآت، يظل التوقع قائما باستمرار النتائج الإيجابية -أو على الأقل غير السلبية- التي تحققها قطر منذ بداية الفيروس، ومن المستبعد أن يتحول الفيروس في قطر إلى كارثة صحية إنسانية كبيرة.

الإمارات:

بلغ عدد الإصابات المكتشفة في الإمارات 11 ألفا و380، في المركز الثالث عربيا وعدد وفيات بلغ 89، أي بنسبة بلغت نحو 0.8% من إجمالي المصابين، وهي من بين النسب الأقل في العالم كذلك، بينما كان التفوق الإماراتي الأبرز في عدد الفحوصات التي أجرتها على المقيمين على أرضها، فبلغت عدد الفحوصات مليونا و222 ألفا، وهي بلد لا يتجاوز سكانها 10 ملايين نسمة، وهو ما انعكس بالتأكيد على معدل الفحوصات لكل مليون نسمة (113 ألفا و443 فحصا لكل مليون)، وهو المعدل الأعلى على الإطلاق في العالم. كما بلغت نسبة المصابين إلى المفحوصين 0.9%.

اعتمدت السياسة الإماراتية على توسيع الفحص بأقصى صورة ممكنة، بغية التوصل إلى أكبر عدد ممكن من الإصابات الفعلية الموجودة على أرضها، وهذا ما ساعدها في تحقيق تلك النتائج الإيجابية في تعاملها مع الفيروس، علاوة على الإمكانات المادية الضخمة التي تتمتع بها الدولة الإماراتية، واستغلتها في بناء منظومة صحية قوية، استطاعت بفضلها من توسيع نطاق الفحص بهذا الشكل الضخم، بالإضافة إلى استيعاب المصابين والمشتبه فيهم للحصول على الرعاية الأفضل، وهو ما ساهم في تحقيق هذه النسبة الضئيلة من الوفيات.

مصر:

تراجعت مصر إلى المستوى الرابع عربيا من حيث عدد الإصابات، فبلغت الحالات المكتشفة نحو 5000، بزيادة قدرها 6 أضعاف عن مارس/آذار 2020، إلا أنها حافظت على المركز الثاني عربيا من حيث عدد الوفيات، بنسبة بلغت 7.1% من إجمالي المصابين المكتشفين، وهي نسبة من بين الأعلى في العالم، كما أنها تتجاوز المعدل العربي بأكثر من 4%.

ورغم المعدل السلبي للوفيات، إلا أن معدل الفحوصات التي تجريها مصر من بين الأقل في العالم (879 فحصا لكل مليون نسمة)، لم تتجاوز الفحوصات التي أجرتها مصر 90 ألفا رغم أنها من أوائل الدول العربية التي وصل إليها الفيروس، وللعلم، أجرت مصر خلال أبريل/نيسان 2020، 35 ألف فحص فقط. وبلغت نسبة المصابين إلى المفحوصين 5.6%.

لم تختلف السياسة المصرية كثيرا خلال أبريل/نيسان 2020،  عما كانت عليه في الشهر الذي سبقه بخصوص التعامل مع أزمة كورونا، فالإجراءات التي اتخذتها مصر هي في نظر الكثير من المراقبين إجراءات شكلية لا يعول عليها كثيرا في الحد من انتشار الفيروس، نظرا لأن هناك عوامل أخرى تغفلها الإجراءات المصرية.

فرغم منع الجمع والجماعات، وغلق المدارس والجامعات، والعديد من الإجراءات الأخرى، إلا أن الواقع المصري لم يختلف منه الكثير، فوسائل النقل العامة مزدحمة كما هي، والبنوك والمصالح الحكومية على حالها، بل زادت تكدسا على تكدسها.

كما أن الفحوصات التي تجريها وزارة الصحة لا زالت محدودة، بل شحيحة بالمقارنة مع عدد السكان في مصر، ورغم نسبة الوفيات المرتفعة، إلا أن ذلك لم يدفع الحكومة إلى أن تتخذ إجراءات أكثر حزما في التعامل مع الأزمة كما تفعل جميع الدول، سواء عن طريق زيادة عدد الفحوصات، أو توسيع نطاق التتبع والفحص، أو تفعيل إجراءات تباعد اجتماعي متشددة.


المحور الثاني: الحالة السياسية

لم تفلح أزمة كورونا التي عصفت بالعالم وقلبته رأسا على عقب أن تغير من اللغة السياسية المتبعة في العالم العربي حتى الآن. فلا زالت القوة العسكرية هي اللهجة المتسيدة في حسم الخلافات والنزاعات في الوطن العربي.

فالأزمة الليبية في طريقها لتصعيد النزاع العسكري بشكل أكبر في الفترة المقبلة، فحفتر قد أعلن انقلابا على حلفائه أوصد فيه كل الأبواب التي يمكن الولوج منها نحو حل سياسي. كما أن الحكومة الشرعية حققت انتصارات نوعية كبيرة بفضل التقدم النوعي في سلاح الجو الذي قدمته لها تركيا، وجعلها شبه مهيمنة على السماء الشرقية لليبيا.

واليمن المتنازع عليه بين 3 فرق مسلحة لم تستجب أي منها لأي من دعوات وقف إطلاق النار خشية من تفشي أزمة كورونا، فشهد شهر أبريل/نيسان 2020، تصعيدا كبيرا بين الحوثيين وقوات التحالف العربي بقيادة السعودية، كما لم تتوقف المناوشات والاشتباكات بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، حتى آلت الأمور إلى إعلان المجلس عدم شرعية الحكومة الشرعية، علاوة على تطبيق "الحكم الذاتي" على المحافظات الجنوبية وفرض حالة الطوارئ فيها.

ورغم اتفاق إطلاق النار الذي عقدته تركيا وروسيا في سوريا، إلا أن الواقع فيه من المناوشات والمخالفات ما ينبئ أن هذه الهدنة قد لا تدوم طويلا.

والسودان بين مسارين متناقضين لتحقيق السلام، مسار تتقدم فيه خطوات إلى الأمام، وآخر تقف فيه عاجزة دون أدنى تقدم. إضافة إلى نذر تصدع داخل "إعلان قوى الحرية والتغيير".

وما زالت مصر لم تقدم جديدا يُذكر بخصوص الأزمة التي تعصف بأمنها ومستقبل أبنائها، سد النهضة.

الحالة الليبية:

  • الحكومة الشرعية.. من الدفاع إلى الهجوم

لم تبرح حكومة الوفاق -المعترف بها دوليا- موقعها الدفاعي المتأزمة فيه منذ بداية الحملة (أبريل/ نيسان 2019) التي شنها الجنرال المتقاعد، خليفة حفتر، إلا قبيل مطلع أبريل/ نيسان 2020 حين أعلنت عن حملة عسكرية جديدة أسمتها "عاصفة السلام".

فمنذ أعلن الجنرال عن حملته للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس في 4 أبريل/ نيسان 2019، وقوات الحكومة الشرعية في موقف دفاعي شبه ضعيف، نظرا للدعم المادي والعسكري الضخم الذي تتلقاه قوات حفتر من حلفائها الإقليميين والدوليين، وعلى رأسهم فرنسا والإمارات ومصر، وكذلك الدعم البشري الذي يأتي إليها تشاد والسودان وروسيا.

ورغم الهدنة الإنسانية المتفق عليها نظريا بين طرفي النزاع في ليبيا خوفا من تفشي فيروس كورونا في بلد نظامها الصحي منهار بالأساس، إلا أنه عمليا لم تتوقف الخروقات من قبل قوات حفتر، والتي تحدث بشكل شبه يومي، وتستهدف المدنيين أكثر مما تستهدف خصومها العسكريين، وبإقرار تقرير الخبراء في الأمم المتحدة، فإن نحو 60% من ضحايا الهجمات التي تطلقها قوات حفتر هم من المدنيين.

وعليه، فقد قررت حكومة الوفاق أن تطلق حملتها العسكرية "عاصفة السلام" لترد على الاعتداءات المستمرة من قبل قوات حفتر[3]، ومجرد الإعلان عن الحملة كان بمثابة تحول نظري في موقف الحكومة من الدفاع إلى الهجوم، إلا أن مجريات الأحداث على أرض الواقع برهنت كذلك بما لا يدع مجالا للشك أن موازين القوى لم تعد كسابق عهدها.

فمن حيث القوة على الأرض، فقد تمكن جيش الحكومة الشرعية من السيطرة الكاملة على مدن الساحل الغربي الليبي[4]، ابتداء من مدينة صبراتة ومرورا بصرمان والعجيلات والجميل ورقدالين وزلطن، علاوة على منطقة ملتة النفطية، ووصولا إلى الأراضي التونسية، وبهذا استطاعت الحكومة أن تسيطر على الطريق الساحلي الغربي بالكامل وتُؤمّن حدودها الغربية بعد أن كانت مصدر تهديد كبير للعاصمة الليبية، طرابلس. كما تمددت الحكومة شرقا، حتى تمكنت من استعادة السيطرة على بلدة أبي قرين، غرب سرت، بعد نحو شهرين من سيطرة قوات حفتر عليها[5]. علاوة على تقدم قوات الوفاق في محور "المشروع" جنوب طرابلس[6].

ومن حيث القوة العسكرية، أحرزت الحكومة عدة انتصارات نوعية في عمليتها، فاقتحام قاعدة "الوطية" الجوية بشكل مباغت، وأسر 27 من قادتها وتقنييها، وكذلك عدد من المرتزقة الأفارقة الموجودين فيها، رغم التحصينات المشددة في القاعدة وجوارها التي حالت دون وصول أي قوة لها منذ سيطر عليها حفتر عام 2014، مثل ذلك نقلة نوعية للقدرة العسكرية للحكومة، خاصة أنها كانت الافتتاحية التي أُعلن إثرها عن عملية "عاصفة السلام".

وفي محاولة لاستثمار الانتصارات العسكرية التي حققتها الوفاق، تقدمت القوات صوب بلدة "ترهونة" في 19 أبريل/ نيسان[7]  2020، وتعد هذه البلدة آخر معاقل حفتر في الغرب الليبي، كما أنها من أهم المعاقل التي تنطلق منها الهجمات على طرابلس، وفرضت القوات الحكومية حصارا على البلدة لقطع الإمدادات عن الميليشيات الموجودة بداخلها، كما تمكنت من أسر أكثر من 100 من العناصر التابعة لحفتر في اليوم الأول الذي أطلقت فيه العملية[8].

  • سلاح الجو.. غَيَّرَ وجه المعركة

يمكن القول: إن كلمة السر في إحراز هذه الانتصارات تكمن في سلاح الجو الذي كانت تتفوق به ميليشيات حفتر، بيد أن دخول سلاح الجو التركي على الخط إلى جانب الوفاق غَيَّرَ موازين القوى وقلب السماء لصالح الحكومة الشرعية، أو يمكن القول: إنها -على الأقل- وازنت القوى بين الحكومة الشرعية وقوات حفتر.

منذ إطلاق حملة حفتر على طرابلس في أبريل/ نيسان 2019، وكان الجو نقطة الضعف الرئيسية في معسكر الحكومة، لدرجة أن طائرات الوفاق كادت تختفي من السماء الليبية في الفترة ما بين سبتمبر/ أيلول، إلى ديسمبر/ كانون الأول 2019، وكانت طائرات حفتر تهيمن على الجو وتقصف طرابلس وتعود دون أدنى مشكلة، إلا أن الاتفاق الأمني الذي عقدته الوفاق مع تركيا في نوفمبر/تشرين الأول 2019، سمح لها بتنصيب منظومات دفاع جوي متطورة في كل من طرابلس ومصراتة، وهو ما مثل تهديدا للقوات الجوية التابعة لحفتر، وساهم ذلك بدوره في توازن القوى في الميدان الجوي في الثلاثة أشهر الأولى من 2020.

ورغم استمرار الدعم الإماراتي لقوات حفتر، إلا أنه وفي ظل الخسائر التي لحقت به، فإنه يحتاج إلى دعم إضافي، سواء كان دعما ماديا أو عسكريا أو لوجستيا، وفي ظل الأزمة المالية التي تعصف بالدول النفطية الداعمة له تبعا لانهيار أسعار النفط العالمية، أو بسبب الركود الذي أحدثته جائحة كورونا، فإنه من الممكن أن يتأثر هذا الدعم سلبا حال طال أمد الأزمة.

تبالغ بعض التحليلات في استشراف مآلات الانتصارات التي أحرزتها حكومة الوفاق، زاعمة أن حفتر الآن في مأزق صعب قد يطيح به وبقواته بشكل كامل، لكن يمكن القول: إنه ورغم التحول النوعي في المعركة، إلا أنه لا زال باكرا، وباكرا جدا، أن يُتحدث عن انتصار كامل أو هزيمة كاملة، فلا زال داعمو حفتر الدوليون والإقليميون يقفون وراءه بكل قوة، علاوة أنه لا يزال يملك الرقعة الجغرافية الأعظم من الأرض الليبية، وما أُسقط منه -على أهميته- نذر يسير لا يمكن الحكم على أساسه حتى نشهد ما تحمله الأيام المقبلة، خاصة في ظل التحول النسبي للموقف الأوروبي بإطلاق عملية "إيريني". 

  • "إيريني".. هل هي محاولة لتقويض "الوفاق"؟

 بعد نحو أسبوع من إطلاق حكومة الوفاق لعملية "عاصفة السلام"، ورغم بوادر التقدم والانتصارات التي حققتها الحكومة، أعلن الاتحاد الأوروبي إطلاق عملية "إيريني"[9]، وهي كلمة يونانية (Ειρήνη) تعني "السلام"، وبحسب جوزيب بوريل، المنسق الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فإن الهدف من العملية هو "مراقبة حظر الأسلحة على ليبيا".

العملية رحبت بها قوات حفتر[10] رغم أنه من المفترض -نظريا- أن تكون هي المتضرر الأكبر من حظر كهذا، وفي نفس الوقت تحفظت عليها ورفضتها حكومة الوفاق[11] رغم أنها الحكومة الشرعية التي يعترف بها الاتحاد الأوروبي ذاته.

بمعرفة الآلية التي ستنفذ بها عملية "إيريني"، لا يمكن أن يُستغرب ترحيب حفتر، ولا رفض الوفاق. فالعملية سيكون مسرحها البحر المتوسط، وستُفتش السفن التي تصل إلى الحدود الليبية لمراقبة ما إذا كانت تحمل سلاحا أم لا، ومن المعلوم أن الدولة الوحيدة التي تنقل السلاح لليبيا عن طريق البحر هي تركيا، وتنقلها بموجب اتفاق تُقره المواثيق الدولية مع حكومة معترف بها من قبل الهيئات الدولية كذلك، وعليه، فإن ضررا كبيرا سيلحق بحكومة الوفاق إذا ما تم قطع الطريق على الإمدادات التركية، التي ينسب لها الفضل في تعزيز القدرة العسكرية للوفاق في الأشهر الأخيرة.

وعلى الجانب الآخر، فإن طرق إمداد السلاح لحفتر مفتوحة على مصراعيها لم تتضرر، فالحدود البرية الشرقية مع مصر مفتوحة تستقبل منها الإمدادات بشكل متواصل، وكذلك البرية الجنوبية مع تشاد تستجلب منها مرتزقة للقتال في صفوفها، والمجال الجوي مفتوح للطائرات الإماراتية تصل لقوات حفتر بدون أي مشكلة، وعليه، فإن الواقع يقول: إن التنفيذ الجاد لهذه العملية لن يضر حفتر في شيء، بل على العكس من ذلك، سيستفيد حفتر من تقليص الدعم الذي يمكن أن يصل إلى حكومة الوفاق عن طريق المنافذ البحرية.

سواء كان هذا القرار الأوروبي تغييرا لموقف الاتحاد من الحكومة الشرعية أم لا، فالمؤكد أن آلية تنفيذ هذا القرار ستضر بالوفاق بلا شك، وعليه، فلا بد أن تحاول الوفاق ومن ورائها الحليفة تركيا في البحث عن سبل ووسائل للتعامل مع الواقع الجديد -إن تُقرِّر تنفيذ القرار بشكل كامل.

قد يكون البديل هو الاعتماد على المجال الجوي كما تفعل الإمارات؟ من المرجح. قد يكون الحل في استغلال الحدود البرية مع تونس التي يبدو أن رئيسها لا يريد أن يدخل بشكل واضح في أي صراع إقليمي من أي نوع أو أن يُحسب على طرف من الأطراف الإقليمية؟ ربما.

  • حفتر يطلب تفويضًا من الشعب

رغم هذه الهزائم التي مني بها حفتر على مدار الشهر، إلا أنه اختفي عن الأنظار نحو شهر كامل، ولم يظهر إلا في 25 أبريل/نيسان 2020، مطالبا الشعب "بتفويض من هو أهل لقيادة المرحلة"، وبإسقاط "الاتفاق السياسي"[12]، في إشارة إلى اتفاق "الصخيرات" الذي انعقد في 2015 وانبث عنه المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، وكذلك مجلس النواب المؤيد لحفتر والذي يعطي له شرعية وواجهة سياسية.

يبدو أن حفتر كان يستهدف من خطابه أمرين: الأول هو تصدير أن له ظهيرا شعبيا، وخصوصا من تلك القبائل القلقة على أبنائها الذين يقاتلون في صف اللواء المتقاعد، وهو ما ظهر جليا في الحملة الإعلامية التي أعقبت خطابه، حيث أذاعت وسائل الإعلام الليبية التابعة له كلمات مصورة لبعض قادة القبائل الداعمين له، ويفوضونه فيها بإدارة المرحلة المقبلة. والثاني خلخلة البناء السياسي والقانوني للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق من خلال الدعوة لإسقاط الاتفاق السياسي الذي وصلت بمقتضاه حكومة الوفاق لأن تكون حكومة شرعية، خاصة وأن الدعم العسكري التركي الذي غيَّر الموازين على الأرض قائم على أن حكومة الوفاق حكومة شرعية معترف بها دوليا، وبالتالي فهو قد يحاول نزع صفة الشرعية عن الحكومة عن طريق إسقاط الاتفاق السياسي الذي يشرعن الوفاق.

  • حفتر يقبل التفويض المزيف.. وينقلب على حلفائه

يبدو أن الواقع لم يترك المجال فسيحا للتحليلات، فقد باغت حفتر الجميع بعد يومين فقط من طلبه التفويض، معلنا في 27 أبريل/ نيسان 2020 قبول القيادة العامة للقوات المسلحة واستجابتها لإرادة الشعب، وإسقاط الاتفاق السياسي "الذي دمر البلاد وقادها إلى منزلقات خطيرة"، حسب قوله[13].

جاء الإعلان متجاهلا القيادة المدنية "الاسمية" للشرق الليبي، سواء رئيس الحكومة المؤقتة شرق البلاد، عبدالله الثني، أو رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الداعم السياسي الأكبر لحفتر.

يبدو أن هذا التجاهل يشير إلى ما وراءه من خلافات بين حفتر وصالح، حيث إنه لا يمكن الفصل بين سياق المبادرة التي أعلن عنها صالح قبل ساعات معدودة من بيان حفتر، فصالح يدعو في مبادرته إلى تنحية العمل العسكري جانبا، والتوجه مرة أخرى إلى انتخابات برلمانية ورئاسية يختار فيها الشعب من يشاء وتراقبها الأمم المتحدة والهيئات الدولية، مشيرا إلى أن الحوار السياسي الليبي فشل "فشلا ذريعا"، فالبرلمان والمجلس الأعلى للدولة "لم ولن يتفقا"[14].

يبدو أن الطرفين (عقيلة وحفتر) قد تجاهلا بعضهما في الإجراءات الأخيرة، بل وقد تجاوز كل منهما الآخر، فحفتر اختار الحل العسكري غير عابئ بشرعية مجلس النواب أو غيره، ومبادرة صالح أقصت العمل العسكري تماما ورجحت الحل السياسي.

وبما أن التاريخ والحاضر يخبران أن الواقع لا يعبأ إلا بمن يملك القوة، والقوة حتى الآن في يد حفتر، وبالتالي فإن الطرف الحاسم في الشرق الليبي -حتى اللحظة- هو حفتر بلا منازع، أما مبادرة صالح، فغالب الظن أنها لن تغير من الواقع شيئا، إلا أن تنحاز لها إحدى القوى الفاعلة، أو أن ينحاز صالح نفسه لإحدى القوى.

جاءت الردود الرسمية الأولية رافضة لبيان حفتر، وأعلن كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وكذلك روسيا رفضهم للإجراءات التي اتخذها حفتر، فالولايات المتحدة ذكرت أن "التغييرات في الهيكل السياسي الليبي لا يمكن فرضها من خلال إعلان أحادي الجانب"[15]، كذلك أعربت روسيا، وهي من البلاد الداعمة لحفتر، عن أن الخطوة التي اتخذها حفتر كانت "مفاجئة" للجانب الروسي[16].

وباستحضار المشهد المصري في 3 يوليو/ تموز 2013، لا يمكن التعويل كثيرا على البيانات التي تصدرها القوى الدولية ما لم تكن مصحوبة بإجراءات فعلية على الأرض لتُترجم البيانات إلى واقع، إلا أن هذا لم يحدث حتى الآن، وليس من المرجح حدوثه على المدى القريب، إذ إن الدول الكبرى لا تغير مواقفها بسبب تغير الآليات أو الوسائل فقط، فالقوى التي تدعم حفتر لن تغير موقفها بمجرد أن حفتر اتخذ آلية أو وسيلة مخالفة، ما دام أنه ظل محافظا على مصالحها ونفوذها، وهو ما لم يتغير حتى اللحظة، علاوة على أن الداعمين الإقليميين لحفتر (الإمارات في المقام الأول) غير مستعدين لأن يتنازلوا عن حليفهم في ليبيا بهذه السهولة، حيث إن البديل سيكون حكومة الوفاق المحسوبة على "الربيع العربي"، وهو ما يتقاطع بشكل إستراتيجي مع السياسات الإماراتية.

التخوف الأكبر الذي يصاحب تنصيب حفتر لنفسه رئيسا وإسقاطه للاتفاق السياسي، هو أن يؤول ذلك في نهايته إلى تقسيم فعلي للدولة الليبية إلى دولتين (شرقا وغربا)، فإعلان حفتر يعد بمثابة إغلاق لكافة الطرق السياسية التي كان من الممكن الولوج فيها نحو حل سياسي، حتى أنه استغنى عن الواجهة السياسية التي كان يستخدمها طيلة السنوات الماضية (مجلس النواب).

وبالتالي، فالمسار الأوحد الذي يؤول إليه إعلان حفتر هو المسار العسكري الذي يعلن فيه كل من امتلك قطعة أرض بالسلاح أنه حاكم هذه الأرض، وفي حالة أنه لا حسم لأحد الطرفين، وهو الخيار الأرجح الذي تؤيده الشواهد والمعطيات الحالية، فآنذاك قد يؤدي إلى انقسام البلاد إلى شرق وجنوب.

هذا التخوف أبداه مسؤولون رسميون في الحكومة الليبية، حذر عضو المجلس الرئاسي الليبي، محمد عماري، من دور إماراتي تخريبي لتقسيم بلاده عن طريق انقلاب حفتر الذي أغلق بموجبه كل الأبواب السياسية[17].

وعليه، فإنه من المتوقع أن تتصاعد الصراعات والنزاعات في الداخل الليبي بين أطراف النزاع في الفترة المقبلة، وسيحاول كل طرف أن يحقق أقصى ما يمكن تحقيقه من انتصارات على الأرض، فالأطراف جميعها تدرك الآن أنه لم يعد هناك مجال للحديث عن حل سياسي، خصوصا على المدى القريب والمتوسط، وبقدر ما يستطيع كل طرف أن يحرز في الفترة القادمة، بقدر ما سيتمكن من أن يجد لنفسه ورؤيته موطئ قدم على المدى البعيد في المشهد الليبي.

الحالة اليمنية

  • هدنة لم يَجْن منها اليمنيون إلا اسمَها

بعد مطالبات عدة من الأمم المتحدة ودول عدة للأطراف المتنازعة في اليمن بوقف إطلاق النار خوفا من انتشار كورونا بين الشعب اليمني المتهالك نظامه الصحي من الأساس، أعلن التحالف العربي (السعودي-الإماراتي) وقفا شاملا لإطلاق النار في 8 أبريل/ نيسان 2020 من جانب واحد، ولمدة أسبوعين من تاريخه[18]، على أن تبدأ الهدنة بشكل فعلي من ظهر اليوم الذي يليه، إلا أن الهدنة لم تكن فعليا سوى حبر على ورق.

فجماعة "الحوثي" بقيادة عبدالملك الحوثي رأوا أن الهدنة لمدة أسبوعين حيلة لا فائدة منها، إذ ما الفائدة من وقف إطلاق النار مع استمرار الحصار البري والجوي لليمنيين، ورأوا أن هذا الإعلان لا يتخطى كونه مناورة سياسية من قوات التحالف هدفها "التدليس وتضليل العالم"[19]، بحسب المتحدث الرسمي للحوثيين، محمد عبدالسلام، كما ذكر كذلك أنهم قدموا رؤية شاملة للأمم المتحدة تتضمن نهاية الحرب والحصار المفروض على اليمن، وأن مقترحهم سيضع الأسس الخاصة بإجراء حوار سياسي وتسيير فترة انتقالية[20].

وعليه، فإن الحوثيين رفضوا الهدنة بشكل كامل ما لم يصاحب ذلك إجراءات أخرى لفك الحصار البري والجوي المفروض عليهم. وجدير بالذكر أن حركة "الحوثي" تسيطر على العاصمة اليمنية، صنعاء، ومعظم الشمال اليمني منذ عام 2014، وهي واحدة من أهم الأذرع الإيرانية في المنطقة العربية.

إلا أن اللافت للنظر أن التحالف ذاته لم يلتزم هو الآخر بالهدنة التي أعلنها، فبعد ساعات فقط من إعلانه وقف إطلاق النار، أعلن الإعلام الحوثي أن ضربات للتحالف أصابت محافظتي حجة وصعدة[21]،  وبعد مرور 3 أيام فقط، اتهم الحوثيون التحالف بشن نحو 100 غارة جوية وأكثر من 12 زحفا جويا[22]، بحسب تغريدة نشرها المتحدث الرسمي باسم القوات العسكرية التابعة للحوثيين، يحيى سريع. وهي الأنباء التي لم ينفها التحالف أو أي من الدول المكونة له.

الحقيقة أن دائرة المعارك في اليمن قبيل سريان وقف إطلاق النار كانت متركزة في محافظتي مأرب والجوف فقط، إلا أنها بعد سويعات معدودة من الإعلان، تمددت الاشتباكات وطالت مناطق أخرى (مديرية صرواح "غرب مأرب"، مناطق قانية والزاهر في البيضاء، جبهات غرب تعز، منطقة الملاحيظ التابعة لمحافظة صعدة قرب الحدود اليمنية السعودية).

وعليه، فإن مطالبات الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في اليمن لم تجد لها صدى في أرض الواقع، بل كانت ارتدادات إعلان وقف إطلاق النار عكسية ساهمت في تصعيد الحرب وتوسيع نطاق النزاع، رغم الأزمة الصحية والاقتصادية التي تعصف بالعالم جراء كورونا.

وبين الحوثيين والتحالف، يبقى الشعب اليمني تحت وطأة الحرب والفقر، لا يدري أي البلاءيْن إليه أقرب.

  • حلفاء الإمارات ينقلبون على "الشرعية"

بعد تصعيد عسكري وإعلامي كبير طيلة الشهر بين الحكومة الشرعية برئاسة عبدربه هادي منصور من ناحية، وبين المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس قاسم الزبيدي من ناحية أخرى، أعلن المجلس الانتقالي مساء 25 أبريل/ نيسان 2020، حالة الطوارئ في العاصمة المؤقتة، عدن، وباقي المحافظات الجنوبية، كما أعلن تطبيق نظام "الحكم الذاتي" لهذه المناطق بعيدا عن إدارة الحكومة الشرعية[23].

جدير بالذكر أن المجلس (المدعوم إماراتيا) له مطالب انفصالية يطلقها بين الفينة والأخرى.

جاءت تلك القرارات عقب يومين من إصدار المجلس بيانا أسقط فيه شرعية الحكومة[24]، وكان بمثابة تمهيد للقرارات التي أعقبته، وساق المجلس في بيانه المطول مسوغات ودوافع اعتبار الحكومة فاقدة للشرعية، حيث ذكر أن حكومات الشرعية المتعاقبة أذاقت "الشعب الجنوبي" ويلات، واتبعت معهم سياسات عقابية ممنهجة وكذلك، سياسات تجويع وإقصاء.

كما وصف الحكومات بالفساد، متهما إياها بنهب موارد البلاد والعباد، علاوة على أن الحكومة لم تف بما اتُّفق عليه في اتفاق الرياض (في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بين المجلس الانتقالي الجنوبي وبين الحكومة الشرعية)، لا سيما فيما يتعلق بتوفير الخدمات وصرف المرتبات والأجور، رغم أن المجلس سلّم لهم الموارد الحكومية كاملة.

واتهم المجلس الانتقالي الحكومة بالتخاذل في اتخاذ إجراءات عقب الكارثة الإنسانية التي أصابت عدن (الفيضانات)، إضافة إلى استمرار التحشيد العسكري من قبل "ميليشيات" الإخوان "المسيطرة" على الحكومة باتجاه شبوة وأبين وعدن، حسب البيان.

وعليه، اعتبر المجلس الحكومة فاقدة للشرعية، داعيا إلى تطبيق "الشق السياسي" من اتفاق الرياض، والذي -بحسب البيان- سعت الحكومة مرارا إلى عرقلة تطبيقه، ويقضي الشق السياسي من الاتفاق بتشكيل حكومة كفاءات ذات 24 حقيبة وزارية بالمناصفة بين الشمال والجنوب.

بدورها، رفضت 6 محافظات جنوبية (شبوة، سقطرى، أبين، حضرموت، المهرة) القرارات التي اتخذها المجلس، واعتبرتها انقلابا على "الشرعية" وعلى اتفاق الرياض، بينما أيدتها 3 محافظات أخرى (عدن، لحج، الضالع).

ورغم أن بيان "الانتقالي" يعد تمردا أو انقلابا على السلطة الشرعية، إلا أنه لا ينبغي إغفال عدة نقاط وردت كرسائل ضمنية في بيانات المجلس، أما الرسالة الأولى، فرغم أن المجلس دعا مرارا وتكرارا إلى فكرة الانفصال، إلا أن البيان لم يذكر على الإطلاق مطلب الانفصال، رغم أنه أعلن "الحكم الذاتي" لتلك المناطق.

كذلك لم يعلن المجلس إدارة بديلة لتلك التي عينتها الحكومة الشرعية في المحافظات الجنوبية، بل أبقى على الإدارات كما هي دون تغيير. كذلك فإن لهجة البيان تجاه السعودية (الضامن الأول لاتفاق الرياض والداعم الرئيس للحكمة الشرعية) لم تكن تصعيدية أو تصادمية، بل كانت لهجة هادئة دعتها فيها إلى إعمال الشق السياسي لاتفاق الرياض، واصفة إياها بالشقيقة وبأنها الضامن لاتفاق الرياض.

هذه الرسائل ربما تدعم التحليلات التي تفيد أن المجلس لا يريد أن ينقلب بالكلية على التحالف السعودي أو اتفاق الرياض، أو أن يذهب إلى أبعد من ذلك بإعلان انفصال الجنوب أو ما شابه (على الأقل في الوقت الحالي)، وإنما هي محاولة للضغط والتحسين، للضغط في اتجاه الإسراع بتنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض بتشكيل الحكومة، ولتحسين ظروف التفاوض بالنسبة لها في تشكيل هذه الحكومة المرتقبة.

لا يمكن فصل هذه القرارات عن السياق العام للعلاقات السعودية الإماراتية، والتي يسودها الفتور في العام الأخير، نظرا لتخفيض الأخيرة من وجودها في التحالف العربي وترك السعودية وحيدة تتحمل أعباء الحرب التي بدأها البلدان سويا، مما ضاعف من فاتورة هذه الحرب على السعودية بشكل بالغ، خصوصا في ظل عدم قدرة أي من أطراف الصراع في اليمن على الحسم العسكري بشكل كامل، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمملكة نظرا للركود الاقتصادي وتدهور أسعار النفط بشكل كبير إثر أزمة كورونا.

بالتأكيد،  باتت حرب اليمن عبئا ثقيلا على السعودية، وربما تسعى الرياض إلى الانسحاب التدريجي بشكل أو آخر من المشهد اليمني، مخلفة وراءها نحو 100 ألف قتيل يمني، إضافة إلى دولة ممزقة تتقاسمها المذاهب والعرقيات.

الحالة السـورية

  • اشتباكات مستمرة.. ومحاولة إحياء أستانة

رغم مضي نحو 60 يوما على توقيع الاتفاق الروسي-التركي لوقف إطلاق النار في مناطق خفض التصعيد في إدلب، بعد قمة عقدت بين الرئيسين، بوتين وأردوغان، في العاصمة الروسية، موسكو، في 5 مارس/ آذار 2020، إلا أن الخروقات والمناوشات المسلحة بين أطراف النزاع لم تتوقف على الأرض بشكل فعلي حتى الآن.

بالتأكيد، تلاشت الاشتباكات المباشرة وهدأ التصعيد، ولكن الخروقات ظلت مستمرة لم تتوقف على مدار الشهرين الماضيين. فبشكل شبه يومي، تندلع اشتباكات بين قوات النظام والميليشيات الإيرانية الداعمة له، وبين فصائل المعارضة السورية، ومن خلفها القوات التركية الداعمة لها.

بل إن الأمر هذا الشهر تجاوز فكرة المناوشات أو التحرشات البسيطة، حيث وقع ضحايا من الجانبين إثر تصاعد هذه الاشتباكات في فترات زمنية متقطعة خلال الشهر.

مطلع أبريل/نيسان 2020، صرِع عنصران للنظام السوري جراء قصف القوات التركية والمعارضة السورية لبعض المناطق في ريفي الحسكة وحلب[25]، وهي المناطق التي تُتقاسم فيها السيطرة بين قوات النظام وبين قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وفي 16 أبريل/ نيسان 2020، أُعلن عن قتل 3 عناصر من "الجبهة الوطنية" التابعة للجيش السوري الحر المعارض[26]، وفي 18 من الشهر ذاته قُتل عدد من ضباط النظام السوري وقوات (قسد) في هجمات مسلحة متفرقة عن طريق تفجيرات أو عمليات إطلاق نار مباشر[27].

كذلك لم تتوقف عمليات الحشد والتعبئة على المناطق الحدودية للطرفين، فقوات النظام والميليشيات الداعمة لها والمدعومة إيرانيا عززوا من وجودهم على المناطق القريبة من إدلب، وكذلك لم تتوقف الإمدادات والتعزيزات التركية منذ مطلع فبراير/ شباط 2020، حتى وصلت عدد النقاط العسكرية التركية في الداخل السوري نحو 60 نقطة.

كل هذه التعزيزات والمناوشات تُخبر بشكل واضح أن هناك معركة أخرى في طريقها للتشكل، وأن هناك أطرافا تسعى لنقض الاتفاق الروسي التركي، غالب الظن أن النظام السوري والإيراني يسعيان بشكل واضح لإشعال المعارك مرة أخرى، فإيران الطامحة لدور إقليمي متزايد ترى نفسها متجاهَلة في الاتفاق الروسي التركي، والنظام يجد نفسه خارج المعادلة، وبالتالي فإن الاتفاق لا يروق لهم، وسيسعون لإفساده ما لم تُؤمّن مصالحهم بشكل أو بآخر.

ويبقى الأمل من هذه الناحية في مدى قدرة الجانبين -التركي والروسي- على جعل الاتفاق المبرم بينهما صامدا أطول فترة ممكنة.

وفي محاولة من الأطراف لتهدئة الأجواء، اجتمع وزراء خارجية الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة (تركيا – روسيا – إيران) في 22 أبريل/ نيسان 2020[28]، للتباحث حول إحياء اتفاق أستانة مرة أخرى، والذي يدعم حلا سلميا دستوريا للأزمة السورية، ويضغط فيه الجانب التركي على قضية عودة النازحين.

  •  تصدعات داخل معسكر الثورة

وفي تصعيد جديد بين الجيش التركي الموجود في الشمال السوري وبين بعض العناصر من المعارضة السورية المسلحة، أعلنت مواقع إخبارية سورية يوم 26 أبريل/ نيسان 2020، سقوط قتيلين وعدة جرحى في محاولة الجيش التركي لفض اعتصام المحتجين على الطريق الدولي M4[29]، وذكرت مواقع أخرى أن العدد وصل إلى 4 ضحايا[30].

يبدو أنه في قدر الثورة السورية أن تعاني الأَمرَّين، ما بين المعارك مع النظام وداعميه الإقليميين، وبين المعارك الداخلية التي تنخر في جسد الثورة كلما هَمَّ الثوار بتنفس الصعداء.

فرغم الضعف الشديد الذي تعاني منه الفصائل المعارضة السورية، إلا أن ذلك لم يدفعها -حتى اللحظة- لتنحية خلافاتها جانبا والتوافق على رؤية إستراتيجية موحدة للمحافظة على الوضع الحالي كما هو، أو -على الأقل- الحد من الخسائر التي تنتظرهم حال استمرار نزاعاتهم.

أبرز مظاهر النزاع هو ما يحدث من عرقلة للاتفاق الروسي-التركي الذي يقضي بتسيير دوريات عسكرية مشتركة بين الطرفين على الطريق الدولي M4 ابتداء من 15 مارس/ آذار 2020، فبعض مقاتلي المعارضة ومن ورائهم بعض المدنيين يرفضون تسيير دوريات روسية على الطريق، وهو ما حدا بهم إلى الاعتصام على الطريق لقطع الطريق على الدوريات.

ففي 45 يوما، أخفقت القوات التركية الروسية المشتركة من تسيير دورياتها المشتركة نحو 5 مرات، وأفلحت في 4 مرات. هذا الإخفاق يضع الجانب التركي -بلا شك- في موقف حرج أمام الطرف الروسي الذي يصر على ضرورة أن تفصل تركيا بين من تسميهم موسكو "الإرهابيين"، وبين "المعارضة المعتدلة"، وهو ما ذكرته الخارجية الروسية في بيانها الأخير الذي أصدرته عقب اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة.

البيان أشار إلى ذلك بقوله: "رغم أن هيئة تحرير الشام عرقلت اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب، إلا أننا متمسكون بالاتفاق"[31].

وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) ليست هي المسؤول الرئيس عن هذه العرقلة، بل على العكس من ذلك، سلكت الهيئة طريقا فيه نوع من التفاهم بينها وبين الجانب التركي حول الاتفاق التركي الروسي حول إدلب، وظهرت تبعات ذلك جلية في إعلان بعض قادة التنظيم النافذين انشقاقهم عن الهيئة بسبب رفضهم للتفاهمات التي تحدث بين قيادة الهيئة والجانب التركي[32].

الإشكالية الأبرز تكمن في تيار داخل الهيئة لا يقبل بالحلول السياسية والتفاهمات مع الجانب التركي، وهو التيار الذي انسحب عدد من كبار قادته من الهيئة احتجاجا على سياستها، هذا التيار يجد حاضنة له في حركة "حراس الدين" التابعة لتنظيم القاعدة، وهي حركة تضم خليطا من فلول داعش وبعض المنشقين من هيئة تحرير الشام وغيرهم.

تصاعد هذه الخلافات داخل الفصائل المسلحة يضعها ويضع تركيا أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تقبل هذه الحركات أن تندمج -ولو بشكل شكلي- في الجيش الحر والفصائل المعارضة المدعومة من تركيا، وهي بذلك تحفظ نفسها من الحل والاجتثاث، وتقوي كذلك الجبهة المعارضة، أو أنها لن تقبل الاندماج وترفض التفاهمات، فلن يكون هناك خيار حينها إلا المواجهة والاجتثاث، وتندلع حرب داخلية طرفاها تركيا والجيش الحر والفصائل المعارضة، والطرف الآخر "حراس الدين" و"الحزب الإسلامي الكردستاني"، وهو ما سيضعف بالتأكيد جبهة الثورة، وقد يكون ذلك مقدمة لتدهور الأوضاع -أكثر مما هي عليه الآن- في إدلب والمناطق القليلة الخارجة عن سيطرة النظام أو قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

قد يمثل ذلك ذريعة لتدخل الروس في تلك المناطق إذا ما أخفقت تركيا في احتواء تلك الحركات ودمجها أو القضاء عليها.

الحالة السودانية

  •  مفاوضات السلام.. بين مسارين متناقضين

لا زالت مفاوضات السلام بين الحكومة الانتقالية السودانية والحركات المسلحة من أبرز معالم ومحددات المشهد السياسي السوداني، فالتقدم فيها إلى الأمام يعني إحكام قبضة النظام السوداني الحالي على المشهد السياسي الداخلي بصورة أعمق من ذي قبل، والرجوع إلى الخلف يعني احتمالية نشوب حرب أهلية أخرى في الداخل السوداني قد تضاهي في تبعاتها أزمة تقسيم السودان وتحولها إلى شمال وجنوب.

لم يختلف الحال كثيرا في هذا الشهر عن سابقه، فلا زال التقدم جاريا حتى اللحظة في المسار التفاوضي بين الحكومة الانتقالية وبين الجبهة الثورية، وهي تحالف يضم عددا من الفصائل المسلحة في إقليم دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، وتضم هذه الجبهة عدة حركات، منها، حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان بزعامة مني أركو ميناوي، والحركة الشعبية لتحرير السودان (قطاع الشمال)، الفصيل التابع لمالك عقار.

وما زالت الطرق مسدودة -على حالها- في المسار التفاوضي الآخر الذي يقف فيه طرفا النزاع متباعديْن متنازعيْن يصر كل منهما على موقفه، ويمثل الطرف المقابل للحكومة السودانية في هذا المسار الجزء الآخر من الحركة الشعبية لتحرير السودان -وبالمناسبة، فهو الأكبر والأكثر قدرة وتأثيرا من الطرف الآخر، وهو الفصيل التابع لعبد العزيز الحلو، وحسب توت قلواك، رئيس لجنة الوساطة الجنوب سودانية، فإن السبب الرئيس لتأخر الوصول لاتفاق مع حركة الحلو هو تمسكها بعلمانية الدولة.

بالنسبة للمسار التفاوضي الأول، أي مسار الجبهة الثورية، فكان من المفترض أن يُنتهى من مفاوضاته في 9 أبريل/نيسان 2020، إلا أن الأقدار البحتة حالت دون استكمال المفاوضات، فقد علقت المفاوضات إثر وفاة وزير الدفاع السوداني ورئيس فريق الترتيبات الأمنية، جمال عمر، نهاية مارس/آذار 2020، كما كان لكورونا أثرها في تعليق المفاوضات كذلك، ولم تستأنف المفاوضات مرة أخرى إلا ابتداء من 19 أبريل/ نيسان2020[33]، وعليه تُقرِّر مد فترة التفاوض حتى 9 مايو/ أيار 2020.

وبروح مماثلة لتلك التي سيطرت على أجواء المفاوضات طيلة الأشهر الماضية، والتي خلفت اتفاقا على معظم بنود السلام، استؤنفت المفاوضات مرة أخرى للتفاوض حول البنود العالقة هذا الشهر، وأهمها بنود ورقة الترتيبات الأمنية، حيث أكد الفريق مهندس ركن خالد عابدين، رئيس الجانب الحكومي بلجنة الترتيبات الأمنية، أن المفاوضات بدأت وستظل بذات الروح التي قاد بها وزير الدفاع السابق عملية التفاوض بهدف الوصول إلى اتفاق يفضي إلى سلام يحقق الاستقرار والازدهار والتنمية للسودان وشعبه، بحسب قوله[34].

هذه الروح التي يتحلى بها الطرفان -على الأقل فيما يبدو- تذلل الصعاب التي تعترض طريقهما نحو إنهاء المفاوضات، فقد أنجز الطرفان هذا الشهر العديد من القضايا الشائكة، وأعلنا اقتراب توصلهما إلى اتفاق حول المبالغ المخصصة لدعم عملية السلام في دارفور وإعادة الإعمار، وكذلك حول توزيع الموارد المعدنية والنفطية ونصيب إقليم دارفور منها[35].

التفاوض هذه المرة مختلف تماما عما كان يجري في عهد الرئيس المعزول عمر حسن البشير، ففي فترةٍ وجيزة أُنجزت أكثر من 3 وثائق كنتيجة للتفاوض بين الطرفين الحاليين، في الوقت الذي لم يُتمكن فيه من الوصول لأي نتيجة في 17 جولة مفاوضات دارت بين نظام البشير والحركات المسلحة على مدار 7 سنوات، بحسب مالك عقار[36]. وهو ما يدلل على اختلاف ظروف ومآلات هذا التفاوض عن سابقيه من مفاوضات استمرت لعقدين من الزمان.

يبدو أن هذا المسار في طريقه إلى الانتهاء عاجلا أو آجلا، حيث إن معظم القضايا الشائكة العالقة بين الأطراف المعنية قد حُلت أو في طريقها للحل، وطبقا لمعطيات الواقع في الشهور الماضية، فإنه من المرجح أن يؤول المسار في نهايته إلى اتفاق إيجابي بين أطرافه المتنازعة سابقا، الساعية للتوافق حاليا.

ولأن الطريق ليس مفروشا بالورود، فإن الحكومة الانتقالية السودانية، وكذلك الحركات المسلحة المنخرطة في المسار التفاوضي الأول، أمام عقبة كؤود قد تفسد عليهم جهود المصالحة برمتها، هذه العقبة تتمثل في الفصيل التابع لعبدالعزيز الحلو، وتكمن عقبة هذا الفصيل في أنه الفصيل الأكبر قدرة وتأثيرا في إقليم دارفور، وبحسب الحكومة الانتقالية السودانية، فإنها تعزو فشل المفاوضات إلى إصرار الحركة الشعبية على علمانية الدول، وهو الأمر الذي تؤكده قياداتُ الحركة الشعبية كذلك، فالحركة تصر على أن تنص وثيقة المبادئ الدستورية على أن "العلمانية أساس الحكم"،  والحكومة تقول من جانبها إنه ليس من حقها أن تأخذ هذا القرار بمنأى عن المكونات الوطنية السودانية الأخرى، فأساس الحكم يحدده السودانيون جميعا، وقرار كهذا ليس من حقهم ولا من حق مجموعة مسلحة في إقليم من الأقاليم أن تفرضه على الدولة بأكملها، ويشاطر الحكومة في هذا الرأي الجناح المنشق عن الحركة الشعبية (فصيل مالك عقار) وجميع الهيئات والحركات المنخرطة في المسار التفاوضي الأول.

وتقترح الحكومة لحل هذا الإشكال أن تحال قضية العلمانية إلى المؤتمر الدستوري للبت في المسألة، وهو ما ترفضه الحركة الشعبية (فصيل الحلو) على الإطلاق، حيث يرون أن الأحزاب المشتركة في المؤتمر الدستوري ما هم إلا نتاج عهد الرئيس المعزول (عمر البشير)، ويحملون أيديولوجيات مشتركة تمكنهم من تشكيل أغلبية زائفة في المؤتمر، وعليه، فإنهم يرفضون أن تحل هذه المسألة عن طريق المؤتمر[37].

الإشكالية الأكبر هي أن جناح الحلو يتبنى -في حالة رفض الإقرار بمبدأ العلمانية- فكرة إعطاء الإقليم حق تقرير المصير، وهو ما يعني بوادر انقسام للسودان -المقسمة سلفا- مرة أخرى.

ظهرت بوادر تصاعد أزمة بين الطرفين هذا الشهر، حيث أصدرت الحركة الشعبية في 14 أبريل/ نيسان 2020 بيانا[38] أشارت فيه إلى توترات أمنية وتحركات عسكرية في منطقتي النزاع، متهمة الحكومة بالقيام بعدد من الاعتداءات والتحرشات، كما ذكر البيان أن الحركة الشعبية حرصت على الحل السلمي بتمديدها والتزامها بوقف العدائيات من طرف واحد لعدة مرات، لإتاحة الفرصة لتقدم ونجاح العملية السلمية، وفي الوقت الذي تبذل فيه جهودها للوصول إلى تسوية سياسية سلمية، تأكد لها عدم جدية الحكومة في مساعي السلام، بحسب بيان الحركة.

وبما أن الخلافات جوهرية، فهي متعلقة بالنظام الأساسي للحكم وبوحدة الدولة، وبما أن كلا الطرفين مصر على موقفه، فإنه لا يبدو أن هناك سبيلا للحل والاتفاق على المدى القريب، ويبقى إعلاء صوت الحكمة ومصلحة وحدة السودان هو الضامن الأوحد لإبقاء الوضع على ما هو عليه، حتى لا تتصاعد الأحداث بشكل يضر جميع الأطراف، وحينها سيكون الخاسر الأكبر هو السودان وشعب السودان.

بيد أن هناك متغيرا هاما قد يساهم في تغيير المشهد برمته، هو أن فكرة علمانية الدولة باتت مقبولة عند كثير من أطياف المشهد السياسي السوداني الحالي، وهذا مرجعه إلى عوامل عدة، أبرزها أن النظام السابق كان متوسدا بردة إسلامية يخاطب بها الشعب المقهور، كما أن معظم الهيئات الفاعلة في الائتلاف الحاكم الحالي تدعم علمانية الدولة من حيث المبدأ، علاوة على أن المجلس السيادي، بقيادة البرهان وحميدتي، بات لا يخفي علاقاته الجديدة مع تل أبيب ومع حلفائه الإقليميين، مصر والسعودية والإمارات، وهم من أشد الدول التي تحارب ما يسمونه "الإسلام السياسي" أو إدخال الدين في نظام الحكم.

على سبيل المثال، أبدى تجمع المهنيين دعما لمقترح علمانية الدولة دون الرجوع للمؤتمر الدستوري، وعلت بعض الأصوات في القوى المدنية حاليا تنادي أن الحل الوحيد لأزمة السودان هو القبول بمقترح الحركة الشعبية.

  •  نذر تصدع في قوى الحرية والتغيير

يبدو أن أزمة تلوح في الأفق بين مكونات الائتلاف المدني الحاكم (أو الشريك في الحكم) في السودان، فقد أعلن حزب "الأمة القومي" تجميد أنشطته بقوى "الحرية والتغيير"[39]، ورأى الحزب أن المحاصصات الحزبية أتت بنتائج "فاشلة ومستفزة" خلال الفترة الانتقالية، وعزا البيان القرار إلى اضطراب موقف القيادة السياسية لقوى الحرية والتغيير بصورة مخلة، حسب البيان، كما أنه وجه الاتهام إلى بعض القوى الثورية -دون تسميتها- بأنها سادرة في مواقف حزبية، وأن بعضا منها يتفاوض خلسة مع المجلس السيادي دون إعلام أو تنسيق مع بقية قوى الحرية والتغيير. ووضع فترة زمنية أقصاها أسبوعين للموافقة على الطرح الذي قدمه الحزب بخصوص الدعوة إلى مؤتمر تأسيسي لقوى الحرية والتغيير.

إن لم تستطع القوى المدنية أن تتفق وتتحد على رؤية إسراتيجية لإدارة المشهد في الفترة الانتقالية مع المجلس العسكري السوداني، فإننا على الأغلب سنكون أمام حلقة معادة للمشهد المصري بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، حيث مضى المجلس العسكري قدما في تثبيت حكمه وأركانه داخل الدولة، في الوقت الذي تفرق فيه رفقاء الميدان بين رؤى وأفكار كل منهم في إدارة المرحلة الانتقالية، وتركوا المكون العسكري يتفرد وحيدا بالسلطة دون منازع. ولا يخفى أن المشهد السوداني الراهن يحمل الكثير من المشتركات التي تدعم احتمالية أن يؤول المشهد في نهايته إلى المشهد المصري.

الحالة المصرية

  •  سد النهضة.. مَحَلَّك سِرْ

مذ وقّعت مصر على إعلان الخرطوم في 23 مارس/ آذار 2015، والذي أقرت فيه بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة، والسياستان -المصرية والإثيوبية- لم تتغيرا في أي جولة من جولات النزاع، فالسياسة المصرية قائمة منذ ذلك الحين على غياب الشفافية الداخلية ومحاولة استجلاب التعاطف الدولي مع موقفها، والسياسة الإثيوبية لا تبرح إلا أن تدخل في المفاوضات حتى تخرج منها بـ "اللا شيء"، رغبة منها في إطالة أمد النزاع والتفاوض، وهي في ذات الوقت لم تتوقف لحظة من اللحظات عن استكمال مشروعها الوطني، بل وأعلنت كذلك أنها ستبدأ في تخزين المياه بداية من يوليو/ تموز 2020.

لم يختلف الموقف كثيرا بعد جولة التفاوض الأخيرة التي رعتها الولايات المتحدة، فقد وقعت مصر بالأحرف الأولى نهاية فبراير/ شباط 2020 على الوثيقة النهائية التي انبثقت عن المباحثات، بيد أن إثيوبيا -كعادتها- رفضت الحضور في الجلسة الأخيرة ولم توقع على الوثيقة، وبهذا ضمنت إثيوبيا كسب الوقت دون أن يعود ذلك عليها بأي مغرم، بل غنمت الوقت لاستكمال بناء السد.

لم يكن الرد المصري سوى عدة تصريحات للشجب والاستنكار، وجولات خارجية طيلة الشهر المنصرم رجعت مصر منها بخفي حنين، حتى أنها ما استطاعت -حتى اللحظة- أن تسحب إلى جانبها القوى الدولية بشكل حقيقي وفعال، ولا حتى استطاعت أن تحظى بدعم شقيقتها وجارتها الأولى، السودان، رغم المحاولات الحثيثة من القاهرة لاستمالة الخرطوم.

بعد 4 تواصلات معلنة بين الجانبين المصري والسوداني خلال مارس/ آذار 2020، لم تسفر عن أي تقدم أو نجاح للدبلوماسية المصرية، فلم يُعلن حتى في البيانات المنبثقة عن هذه التواصلات أي ذكر لقضية "سد النهضة".

يبدو أنه لا جديد يذكر عن السياسة المصرية تجاه ملف السد، حتى أن البيانات المصرية ذاتها بدأت تتلاشى الحديث الصريح عن سد النهضة، ففي مطلع أبريل/ نيسان 2020، اجتمع السيسي مع مسؤولي ملف سد النهضة في مصر، إلا أن البيان المنبثق عن الاجتماع والصادر من رئاسة الجمهورية لم يتطرق إلى قضية سد النهضة على الإطلاق[40]، كذلك تلقى عبدالفتاح البرهان، رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني، اتصالا من السيسي في 23 أبريل/ نيسان 2020، ولم يذكر بيان الرئاسة سوى أنهما تباحثا حول بعض القضايا الإقليمية وبحثا سبل التعاون الثنائي المشترك[41]، ولم تُذكر البتة القضية الأهم في العلاقات بين البلدين في الوقت الراهن (سد النهضة)، والتي تتعلق بالأمن المائي لحياة المصريين.

سبق ذلك زيارة لرئيس المخابرات العامة، عباس كامل، ووزير الموارد المائية والري، محمد عبد المعطي، للسودان، وكما الحال في كل اللقاءات الأخيرة، لم يتطرق البيان إلى قضية سد النهضة[42].

وحسب "العربي الجديد"، فإن الاجتماع الذي عقد في الخرطوم بين مدير المخابرات المصرية ووزير الري مع رئيس الوزراء السوداني، عبدالله حمدوك، تباحث فيه الجانبان إمكانية وساطة السودان في قضية السد بين مصر وإثيوبيا[43].

الجانب السوداني لم يذكر أي تفاصيل جديدة بخصوص موقفه من ملف السد سوى موقف واحد بدت فيه اللهجةُ السودانية أكثر حدة وحسما من ذي قبل، فجاء التعقيب على لسان عمر قمر الدين، وزير الدولة بالخارجية السودانية، حينما قال: إن بلاده ترفض محاولات "الاستقطاب" من طرفي الأزمة، وأنهم "ليسو كورسا يرقص على الموسيقى المصرية أو الإثيوبية"، بل إن الجديد هذه المرة أن الوزير مَوْقع بلاده في الخندق الإثيوبي، حين ذكر "نحن شركاء في إدارة السد مع الجانب الإثيوبي"، "ومن موقعنا هذا، فإن واجبنا هو (ضمان) حق مصر"[44]، من الواضح أن الوزير يريد إيصال رسالة مفادها أن موقعه ليس مع الجانب المصري، وأن مكانه مع الجانب الإثيوبي في إدارة السد، وسيحاول من هذا الموقع أن يضمن مصالح مصر.

صدرت بعض التقارير تفيد أن الخارجية المصرية تحاول عرقلة أو إبطاء عمليات بناء السد، وذلك عن طريق الضغط الدبلوماسي على الدول التي تتبعها شركات تعمل في بناء السد، بغية كسب مزيد من الوقت لمحاولة التوصل إلى حل ما مع السودان أو إثيوبيا قبل أن تشرع بالفعل في ملء الخزان بدءا من يوليو/ تموز 2020.

وحسب التقرير الصادر عن "العربي الجديد"، فإن المساعدات الطبية الرمزية التي قدمتها مصر لعدد من الدول مثل الصين وإيطاليا والولايات المتحدة، وإظهار الدعم لحكوماتها في أزمة  كورونا، كانت بمثابة طرق أبواب للتمهيد للمطالب الخاصة بأزمة السد.

ورغم أن الحكومات تجاوبت مع المطالب المصرية على المستوى الرسمي الدبلوماسي، إلا أن الشركات التي تحمل جنسيات تلك الدول رفضت مطالب التأخير والتباطؤ رفضا قاطعا، لأنها مرتبطة بعقود مع أديس أبابا تقتضي أن تُسَلّم الأعمال في مواعيد محددة، بحسب مصادر "العربي الجديد"[45].

بعد أكثر من شهرين على تخلف إثيوبيا عن التوقيع في واشنطن، وبعد ما يربو على عقد من الزمان من المفاوضات بين الجانبين، يبدو أن القاهرة لم يعد لديها جديدا تقدمه وتعلنه للشعب بخصوص ملف سد النهضة، فهي كمن يدور في الفراغ دون أي حلول تذكر، لا على المستوى المحلي، ولا على المستوى الدولي أو الإقليمي.

  •  مقتل ضابط أمن وطني في القاهرة

أعلنت وزارة الداخلية المصرية في 14 أبريل/ نيسان 2020، حدوث تبادل لإطلاق النار في منطقة الأميرية شرقي العاصمة المصرية، القاهرة، وأسفر إطلاق النار عن مصرع 7 مسلحين، ومقتل ضابط شرطة من قطاع الأمن الوطني (المقدم/ محمد الحوفي)، وإصابة 3 أفراد آخرين من القوة المصاحبة للضابط المقتول[46].

في ذات الوقت شهد أهالي المنطقة وقتا عصيبا طيلة فترة الاشتباكات التي دامت نحو 4 ساعات، وأهابت الداخلية بأهالي المنطقة عن طريق مكبرات الصوت الاختباء داخل منازلهم وعدم الاقتراب من النوافذ والأبواب[47].

عدة عوامل تجعل من هذه الحادثة غريبة بعض الشيء، فهذه الحادثة تعتبر من الحوادث النادرة التي يتم فيها قتل مباشر لقوات الأمن المصري في العاصمة، وكذلك في الأقاليم، فمعظم حوادث القتل والاستهداف لعناصر الأمن تحدث في سيناء أو في الصحاري مثل حادثة الواحات.

الأمر الآخر، وقد يكون الأكثر غرابة وتفردا، هو أن الداخلية قد منيت بخسائر في صفوف أفرادها على غير العادة في حوادث مثل هذه، فعلى مدار سنوات ماضية، أعلنت الداخلية عن عشرات الحوادث التي وقع فيها اشتباكات بين "مسلحين إرهابيين" وبين عناصر الأمن، والتي دائما ما تنتهي بمقتل "الإرهابيين" دون وقوع أي إصابات في صفوف الأمن. بيد أن الحادث الذي نحن بصدده وقعت الخسائر فيه من الطرفين كما هو البديهي في أي تبادل لإطلاق الرصاص، كما أن الأهالي رأوا الحادثة بأعينهم وحدثت جلبة حقيقة في المنطقة، واستمرت المعركة نحو 4 ساعات كاملة حتى تمكنت الداخلية من القضاء على المسلحين السبعة. كل هذه المؤشرات تفتح الطريق أمام التساؤل عن مدى صحة مزاعم الداخلية المصرية حول حوادث الاشتباكات التي تعلن عنها بين الفينة والأخرى.

وفي الساعات الأخيرة من أبريل/نيسان 2020، وقع حادث اعتداء في منطقة بئر العبد شمال سيناء، أوقع 10 قتلى بين رجال الجيش، بينهم ضابط وصف ضابط (رتبة أقل من ضابط) و8 جنود[48]، وذلك عن طريق تفجير عبوة ناسفة في أحد المدرعات.

وتعتبر شمال سيناء (شمال شرق)، هي محافظة المواجهات على مدار السنوات الماضية بين الجيش والشرطة في مصر من جهة، وجماعات العنف من جهة أخرى.. ولم تنجح الوعود المتكررة على مدار السنوات الماضية، من قبل القيادة السياسية بالقضاء على الإرهاب في شمال سيناء.


المحور الثالث: الاقتصاد العربي

لم تكن الاقتصاديات العربية قبل أزمة كورونا، تتمتع بحالة قوية وجيدة، بل كانت تعاني من أزمات هيكلية، وأتت كورونا وما تبعها من أزمة النفط، لتحقق أمرين: الأول تعميق الأزمات الاقتصادية للدول العربية، والثاني تكشف حالة الضعف الاقتصادي، وهشاشة ما سمي ببرامج الإصلاح الاقتصادي، التي اتبعتها غالبية الدول العربية.

ويتابع المحور الاقتصادي للحالة العربية في هذا الشهر، تداعيات أزمتي كورونا والنفط على الدول العربية، كما يشير إلى تداعيات ما تم من إعلان مصر الدخول في مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي، وكذلك تطورات الأزمة الاقتصادية في لبنان.


تداعيات استمرار أزمتي كورونا، وانهيار أسعار النفط على المنطقة العربية

مع بدء أزمة كورونا في نهاية 2019، اتجهت أسعار النفط للانخفاض، وكان النصف الثاني من مارس/آذار 2020، قد شهد العاصفة التي قسمت ظهور الدول النفطية العربية، من خلال ما عرف بحرب أسعار النفط التي اشتعلت جذوتها بين المملكة العربية السعودية وروسيا، لينخفض سعر برميل النفط لما دون الـ 30 دولارا للبرميل.

وفي 20 أبريل/نيسان 2020، كانت الموجة الجديدة التي عمقت من انهيار أسعار النفط في السوق الدولية، بعد انهيار أسعار الخام الأميركي إلى معدلات سالبة بلغت 37 دولارا للبرميل[49].

وثمة تقديرات تذهب إلى أنه مع كل انخفاض قدره 10 دولارات في سعر برميل النفط، سوف تخسر دول الخليج نحو 72 مليار دولار[50]، وبطبيعة الحال سوف تمتد هذه الخسائر إلى الدول العربية النفطية الأخرى (العراق، وليبيا، والجزائر)، وهو ما يعني مزيدا من الأزمات المالية التي سوف تمر بها الدول النفطية العربية خلال 2020 وما بعدها، إذا ما استمرت أسعار النفط عند هذه الأسعار المنخفضة.

ولا تتوقف التوقعات السلبية حول أداء الاقتصاد الخليجي عند مجرد البعد المالي، لكنها تمتد لتصل إلى معدلات النمو الاقتصادي، حيث يتوقع أن يتحول معدل النمو من 2.9% في 2020، إلى سالب 3.7%، وذلك بسبب التداعيات السلبية الناتجة عن تراجع الطلب على النفط جراء أزمة كورونا، وكذلك انخفاض أسعار النفط بمعدلات كبيرة.

وهو ما يثير الكثير من علامات الاستفهام، حول المشروعات الكبرى في المملكة العربية السعودية، وغيرها من المشروعات الاستثمارية في باقي دول الخليج، بل وفي المنطقة العربية[51]. وأدت أزمة انهيار أسعار النفط إلى إغلاق بعض محطات تخزين النفط لامتلائها، كما حدث في إمارة الفجيرة بدولة الإمارات، حيث تم رفض طلب التجار والمصافي بتخزين المنتجات الخام والمكررة[52].

وبلا شك أن العوائد النفطية العربية سوف تتأثر بشكل كبير، نتيجة انهيار أسعار النفط، وقد يكون المخرج لمعالجة جزء من هذه المشكلة فرض ضرائب جديدة، في الدول النفطية العربية، ولكن قد يتم التريث في هذه الخطوة، أو تأجيلها في ظل استمرار التداعيات السلبية لجائحة كورونا.

ومن شأن استمرار أزمة انهيار أسعار النفط، أن تؤثر على مجموعة من المؤشرات الاقتصادية العربية، فقد توقع البنك الدولي، أن تتأثر تحويلات العاملين على مستوى العالم بنحو 20%، وأن نفس النسبة سوف تتأثر بها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بعد أن شهدت التحويلات بها زيادة نسبتها 2.6% في عام [53]2019، ومن شأن تراجع تحويلات العاملين العرب بدول الخليج، أن تؤثر سلبا على أسرهم، وتراجع مستوى معيشتهم.

ومن ناحية أخرى، سوف تتأثر معدلات التجارة البينية العربية، وكذلك الاستثمارات البينية العربية المباشرة، فتراجع الإيرادات العربية، من شأنه أن يؤثر سلبيا في العديد من القرارات الاقتصادية، وبخاصة الخارجية منها، فكل دولة عربية، ستكون معنية بشكل رئيس بالتركيز على الوفاء باحتياجاتها الداخلية، وعبور أزمتي كورونا وانهيار أسعار النفط بأقل خسائر ممكنة.

وفي مجموعة تقارير حديثة لمنظمة الإسكوا، ذهبت التقديرات، أن هناك تأثيرات سلبية لأزمة كورونا على المنطقة العربية، والتي تتجلى في:

  • تضيف أزمة كورونا نحو 1.7 مليون عاطل بنهاية 2020 إلى صفوف العاطلين العرب. وهو ما يعني إضافة نسبة 1.2% إلى نسبة العاطلين الحالية[54].
  • يهدد وباء كورونا نحو 55 مليون إنسان من مستحقي المساعدات في المنطقة العربية (تتمثل هذه المساعدات في الغذاء، والماء، والصرف الصحي الآمن، والرعاية الصحية)، من بين هؤلاء المستحقين للمساعدات، نحو 24 مليون إنسان، إما لاجئين أو نازحين داخليا[55].
  • أن ينضم نحو 8.5 مليون فرد في المنطقة العربية، إلى شريحة الفقراء (عدد الفقراء في المنطقة العربية يقدر بنحو 101 مليون فرد، وهم يعادلون نسبة 24.3% من عدد السكان البالغ 411 مليون بنهاية 2018)، كما يتوقع أن يعاني 1.9 مليون فرد إضافي إلى من يعانون من نقص الغذاء في العالم العربي، والذين يقدر عددهم قبل الجائحة بنحو 50 مليون فرد[56].
  • من المتوقع أن تؤدي اعتبارات الصحة والسلامة للنظافة الشخصية، من خلال غسل اليدين، لمكافحة كورونا، إلى زيادة استهلاك الأسر العربية بنسبة 5% من المياه، وسيكون لهذا الطلب المتزايد على المياه بالمنطقة العربية، تكلفة مالية تقدر بنحو 150 مليون دولار – 250 مليون دولار شهريا. وذلك في ظل وجود نحو 74 مليون فرد بالمنطقة لا تتوفر لهم المرافق اللازمة لغسل اليدين، مما يزيد من فرصة إصابتهم بكورونا، وهناك نحو 87 مليون فرد[57]، لا تتوفر لهم مصادر آمنة لمياه الشرب الصالحة للاستخدام الآدمي في أماكن إقامتهم، مما يجعلهم معرضين لخطر الإصابة بفيروس كورونا.
  • أن تفقد الصادرات العربية نحو 88 مليار دولار، وأن تتراجع الصادرات البينية العربية بنحو 14 مليار دولار (علما بأن الصادرات العربية في عام 2019 كانت بحدود تريليون دولار)، كما تذهب تقديرات نفس السيناريو لأن تفقد الواردات العربية نحو 111 مليار دولار (علما بأن قيمة الواردات العربية في عام 2019 كانت بحدود 828 مليار دولار)[58].

مصر والدخول في برنامج جديد مع صندوق النقد

ما بين الحفاظ على الإنجازات الحالية التي حققتها مصر، واتخاذها خطوات استباقية لمواجهة أزمة كورونا برر مصطفى مدبولي رئيس وزراء مصر، لجوء حكومته إلى الدخول في اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، للحصول على مساعدات لمواجهة أزمة كورونا، من خلال برنامجين: الأول الخاص بأداة التمويل السريع، والذي يخص معالجة الاختلالات في ميزان المدفوعات، والناتجة عن التداعيات السلبية لأزمة كورونا، والبرنامج الثاني المسمى الاستعداد الائتماني، المعني بمساندات السياسات الكلية[59].

ورغم أن الإعلان من قبل الحكومة المصرية لم يتضمن أية تفاصيل عن القيمة الخاصة بالاتفاق مع الصندوق، إلا أن الخبراء يتوقعون أن تكون بحدود 50% - 100% من حصة مصر في رأس مال  صندوق النقد الدولي، والتي تقترب من 3 مليارات دولار.

كما أن قيمة المساعدة المنتظر أن تحصل عليها مصر من الصندوق، سوف تتوقف على 3 عوامل، هي: حجم مديونية مصر لصندوق النقد الدولي، ومدى قدرتها على سداد القرض، وأيضا مدى الخلل الحادث في الموازنة العامة لمصر، بسبب التداعيات السلبية لأزمة كورونا[60].  

كانت مصر قد تضررت بسبب أزمة كورونا بشكل كبيرة، فعلى سبيل المثال توقف قطاع السياحة تماما مع توقف حركة الطيران والسفر على مستوى العالم، مما أدى إلى توقف العمل بكافة المؤسسات التابعة لقطاع السياحة، فضلا عن الأنشطة الاقتصادية الأخرى المرتبطة بقطاع السياحة، مثل الزراعة والغذاء والنقل والعقارات والصناعة وغيرها، وكانت عوائد السياحة قد حققت 12.5 مليار دولار خلال عام 2018/2019، وكانت مصر تأمل في أن تزيد هذه الإيرادات في عام 2019/2020، لكن كورونا عصفت بهذه الآمال.

وحسب بيانات النصف الأول من عام 2019/2020، حقق نشاط السياحة بمصر إيرادات بنحو 7.2  مليار دولار، مقارنة بـ 6.7 مليار دولار عن الفترة المناظرة من عام 2018/2019، وبزيادة قدرها نحو 500 مليون دولار[61].

ولم يتوقف الأمر على قطاع السياحة فقط، بل هناك أنشطة أخرى تضررت وبخاصة تلك المرتبطة بالقطاع غير المنظم، من مقاهي وصالات رياضية ومطاعم، وغيرها من المؤسسات المرتبطة بقطاع الخدمات، وكذلك العمالة في القطاع غير المنظم، وكذلك قطاع الصناعة، والصادرات السلعية، وأيضا إيرادات قناة السويس، التي تأثرت بتراجع التجارة العالمية بسبب أزمة كورونا، إلا أن المؤشر الأبرز للتأثر السلبي لأزمة كورونا على الاقتصاد المصري، تمثل في تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بنهاية مارس/آذار 2020 بنحو 5.4 مليار دولار، وبنسبة تصل لأكثر من 11% عما كان عليه في فبراير/شباط 2020.

وحول توظيف المساعدات المنتظرة لمصر من صندوق النقد الدولي، يرى خبراء، أن سد عجز الموازنة العامة للدولة، سيكون له الأولوية[62]، نظرا لاعتبارات أعباء المديونية العامة، حيث تقدر أعباء فوائد الديون من أقساط وفوائد في موازنة 2020/2021 بنحو 1.12 تريليون جنيه[63] (71 مليار دولار).

وثمة مخاوف من أن يعود الاتفاق الجديد بين مصر والصندوق بأعباء جديدة على المواطنين، في ظل ما يتكبدونه من مضار في ظل أزمة كورونا، ومحدودية الدعم الذي قدمته الحكومة، وبخاصة للفئات الضعيفة والمهمشة، حيث قدمت الحكومة المصرية 500 جنيه (31 دولار تقريبا) لأسرة العاملين بالقطاع غير الرسمي، تصرف لمرة واحدة.

والملمح المهم لعدم جدوى قرض صندوق النقد الجديد لمصر، أنه لا يساهم في عمليات أو مشاريع إنتاجية، وإنما يذهب يتم في إطار إنفاق جاري، ليفاقم من أعباء الموازنة بشكل خاص والاقتصاد المصري بشكل عام[64]، فتوجيه القروض للمشروعات الاستثمارية، يطلق عليه القاعدة الذهبية للموازنة.


تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان

انطلقت شرارة الأزمة الاقتصادية في لبنان خلال أكتوبر/تشرين الأول 2019، واستمرت مع عجز البنوك عن سداد مستحقات الأفراد المتعلقة بودائعهم الدولارية، وتصاعدت مع امتناع لبنان عن سداد ديونها الخارجية مطلع مارس/آذار 2020، بنحو 1.2 مليار دولار.

إلا أن الأحداث الأخيرة، في لبنان أعطت الأزمة الاقتصادية أبعادا جديدة، مع التداعيات السلبية لأزمة كورونا، حيث زادت معدلات البطالة، واستمر معدل التضخم في الارتفاع، أما المشكلة الأكبر، فتمثلت في انخفاض قيمة العملة، مما عقد موقف المصارف اللبنانية في صرف مستحقات العملاء، وتجاوز سعر صرف الدولار 4200 ليرة لبنانية في السوق السوداء، بينما السعر في السوق الرسمية، بحدود 3200 في مؤسسة الصرافة في تاريخ 27/4/2020[65].

وبعد أن واجه المواطنون مشكلات في صرف مستحقاتهم، شهدت منطقة طرابلس شمال لبنان احتجاجات كبيرة، تعرضت فيها المصارف لأعمال الحرق وتكسير الواجهات، وراح ضحيتها أحد الأفراد، كما عمت أنحاء لبنان اعتراضات على أعمال المصارف، وقدرت خسائر المصارف اللبنانية منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 بنحو 83 مليار دولار[66].

وتحاول الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب، التوصل إلى تنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، حتى يمكنها الوصول لقروض وعدت بها من قبل من مانحين دوليين، ولكن التداعيات السلبية للأزمة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، تحول دون وصول حكومة دياب لذلك.

إلا أن الساحة اللبنانية شهدت مشاحنات معلنة بين رئيس الحكومة حسن دياب ورياض سلامة حاكم البنك المركزي اللبناني، حيث ألقى كل منهما باللائمة على الآخر، فيما آلت إليه أزمة انخفاض سعر صرف الليرة، حيث اتهم دياب حاكم البنك المركزي بأن سياسته النقدية هي التي أدت إلى ما تعانيه البلاد من مشكلات اقتصادية واحتجاجات اجتماعية، بينما ألقى سلامة باللوم على الحكومة في عدم تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، وأكد على صحة السياسة النقدية للبنك المركزي، وأنه قدم الدعم اللازم للاقتصاد من خلال تمويل واردات البلاد من القمح والدواء بالسعر الرسمي، مؤكدا رفضه أي تدخل من قبل الحكومة في السياسات النقدية للبنك المركزي[67].  

ويرى دياب أن المخرج لبلاده من الأزمة الخانقة التي يعيشها لبنان الآن، هي الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، عبر الخطة الاقتصادية التي أقرها مجلس الوزراء، ويأمل دياب في الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، والذي سيفرض إصلاحات تجعل البلاد تمر بفترة صعبة لنحو 3 – 4 سنوات، ويحدد الحزمة التمويلية التي يتطلع إليها بعد توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي بنحو 21 مليار دولار، منها 11 مليار دولار تعهد بها مانحون من قبل لبلاده، لكنهم اشترطوا إجراء إصلاحات اقتصادية، ونحو 10 مليارات دولار من مؤسسات خارجية أخرى، وتتضمن خطة الإصلاح الاقتصادي تنفيذ مشاريع بنية أساسية على نطاق واسع بالبلاد[68]، كما تتضمن الخطة تنفيذ سعر صرف مرن للعملة المحلية لتصل إلى 4297 ليرة للدولار الواحد في عام 2024، وأن ينكمش الاقتصاد بنسبة 13.8% عام 2020، وينمو إيجابيا بنسبة 4.4% في عام 2021، ونحو 3.1% عام 2024.


المحور الرابع: الحالة الفكرية

يتناول المحور الفكري لشهر أبريل/نيسان 2020 موضوعين، الأول التعليم عن بعد في زمن الأزمات وانتشار الأوبئة: الدافع إلى تناول هذا الموضوع، هو ما يعيشه العالم في ظل جائحة كورونا، وانعكاس ذلك على مسار الحياة كلها، بما في ذلك التعليم. فكيف سيكون التعليم عن بعد بديلا مناسبا للتعليم التقليدي، حتى يستعيد العالم عافيته؟.

الموضوع الثاني عن ذكرى رحيل الإمام الجزائري المجاهد عبد الحميد بن باديس: وهو أحد رواد الحركة الإصلاحية بالجزائر، وقد عرضنا لنشأته، ورحلاته، ومساره الإصلاحي، والمسيرة العلمية والتنويرية التي قادها خلال فترة الاستعمار الفرنسي.


أولا: التعليم عن بعد في زمن الأزمات والأوبئة

قد تفرض الظروف نفسها في بعض الأوقات، وتدفعنا إلى الانقطاع عن النموذج المعتمد في التعليم، وتضطر الدول إلى إغلاق المؤسسات التعليمية، درءا لمفسدة محققة. وهذا يكون في أوقات الأزمات، كالحروب وما شابهها، وكذلك في زمان انتشار وباء في بعض البلدان. والحالة التي نحن بصدد الحديث عنها تمثل صورة من هذه الصور، أعني التعليم في ظل جائحة كورونا، الذي لم ينتشر في بلد واحدة، وإنما عمت البلوى العالم كله. فما البدائل المطروحة للتعليم في ظل تلك الظروف؟ ليس هناك إلا التعليم عن بعد.

  • مفهوم التعليم عن بعد:

يعني هذا النظام بصفة عامة : نقل التعلم إلى المتعلم في موقع إقامته أو عمله، بدلا من انتقال المتعلم إلى المؤسسة التعليمية ذاتها[69].

  • التطور التاريخي للتعليم عن بعد:

بدأ التعليم عن بعد Distance education في القرن التاسع عشر، عام 1840 م، فيما عرف التعليم بالمراسلة، حيث كان الهدف منه ربحيا[70] .

وفي عام 1883، في نيويورك، قامت كلية Chautauqua College of Liberal Art  بإعداد درجات علمية عن طريق التعليم بالمراسلة.

وفي سنة 1892، بدأت جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة الأميركية البحث عن طريقة لإيصال الدروس التعليمية بالمراسلة إلى جميع الطلبة، وبذلك صارت الجامعة الأولى عالميا التي تعتمد التعليم عن بعد.

وفي 1970 بدأت الجامعة المفتوحة في استخدام التقنية في التعليم عن بعد، كالتليفزيون والراديو وأشرطة الفيديو. 

وفي أوروبا تأسست في العقدين الأخيرين 4 جامعات وأكثر من 20 جامعة حول العالم تطبق تقنية التعليم عن بعد[71].

ومع نهاية التسعينيات وبداية ثورة الإنترنت، ودخوله لجوانب متعددة من حياة الأفراد، وجدت البرامج التعليمية مكانها الجديد. وشهد نظام التعلم عن بُعد عام 2008 نقلة نوعية بإطلاق أول مساق مفتوح عبر الإنترنت، جمع آلاف الطلاب في تجربة حماسية، مهدت الطريق لتأسيس العديد من المواقع الإلكترونية التعليمية التي تعتمد على الطرق التفاعلية والأساليب التعليمية المتقدمة[72].

أما على الخارطة العربية، فبدأت مؤسسة "رواق" أعمالها في عام 2013 كمنصة تعليمية حديثة، ثم أرسى موقع "إدراك" التعليمي أسسا جديدة للتعليم الإلكتروني عام 2014 بالتعاون مع مجموعة كبيرة من الخبراء والأكاديميين[73].

  • أثر جائحة كوفيد -19 في الطالب والمعلم:

تقول الإحصائيات الواردة عن منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (يونسكو)، بأن عدد الطلاب الذين اضطرتهم "كورونا" إلى الانقطاع عن المدارس مليار و344 مليون، و914 ألف طالب وطالبة في 138 دولة حول العالم بنسبة 82.2٪ من الطلاب المقيدين في مدارس، منهم نحو 83 مليون طالب مدرسي في الدول العربية (بالإضافة إلى أعداد المتسربين من التعليم والمتوقفين عنه بفعل الحروب والصراعات الدائرة رحاها). 

وفي تقرير آخر لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة (يونسكو)، قالت: إن قرابة 63 مليون معلم للمرحلتين الابتدائية والثانوية في جميع أنحاء العالم تأثر بإغلاق المدارس في 165 بلدا بسبب جائحة كوفيد-19 [74].

وإذن، ففي ظل هذه الجائحة تأثر الطالب والمعلم، وإذا كان المعلم قد تأثر بسبب الجانب المادي، فإن تأثر الطلاب متعلق بمستقبلهم، الأمر الذي جعل التعلم عن بعد ضرورة بالنسبة لهم، رغم الجوانب السلبية التي قد تترتب عليه، أعني ما يتعلق بمناخ العملية التعليمية، وبخاصة الجوانب التربوية.

وهب أن التعلم عن بعد قد سد الفجوة، وحقق التعليم بنسبة معقولة، فأين الجوانب التربوية التي كان يتلقاها الطالب نتيجة ذهابه إلى المدرسة، والذي يكسبه خبرة متولدة من الاحتكاك، والتوجيه.

المدرسة ببعدها المكاني والاعتباري، تأخذ حيزا تربويا كبيرا في حياة الأبناء، فهي المكان الذي يتعامل فيه الطفل مع أقران يشبهونه في العمر والاهتمامات والثقافة والسلوكيات، وكل هذه عوامل مؤثرة وصانعة في شخصية الطفل، إضافة إلى تعامل الطفل مع المعلم كمصدر للمعلومة أو ميسر الوصول إليه، كل هذا يترك أثره في شخصية الطفل.

جميع ما سبق أمور مدرسية غير متاحة في المنزل، وجزء كبير منها لا يعتبر من الوظائف التي على المنزل أن يؤديها ابتداء، فلو سلمنا بأن التعليم الإلكتروني هو البديل المنطقي للتعليم العام، فأين التربية؟[75].

  • المهارات التي يحتاجها الطالب حتى يكون قادرا على التعلم عن بعد:

أصبح من الضروري لكل طالب أن يتقن عددا من المهارات التي لا بد منها، حتى يمكنه أن يتعامل مع وسائل التعلم عن بعد بسهولة. وعلى الأسرة أن توفر له هذه المهارات:

  •  المهارات الأساسية لاستخدام الأجهزة الرقمية.
  • مهارات البحث عبر شبكات المعلومات الرقمية (الإنترنت).
  •  مهارات التعلم الذاتي.
  • مهارات حل المشكلات، وبخاصة غير العادية.
  •  مهارات مواجهة الأزمات[76].

دور الأسرة في مساعدة أبنائها في التعليم عن بعد: على الأسرة يقع عبء كبير في هذا الشأن، وعليها أن تبذل جهدا في عدة جوانب، منها:

  • وضع  خطة لضبط أوقات التعلم، ومساعدة الأبناء على الالتزام بها.
  • تصميم الأنشطة التعليمية حسب الفئات العمرية التي تتناسب مع الاحتياجات النفسية والعقلية، ولتكن من خلال مراجعة ما تم دراسته في العام الدراسي مع إيجاد بعض التطبيقات الحية وممارستها في الحياة اليومية.
  • استخدام إستراتيجيات التعلم النشط، لتسهيل تصميم الأنشطة وتوزيعها على المواد، مثل تطبيق أدوات العصف الذهني، وحل المشكلات في حالة كان عدد الأطفال صغيرا، وفي حالة كان الأطفال مجموعة فيمكن إضافة أدوات العمل الجماعي والتعلم الذاتي، كما يمكن الاستعانة ببرامج التفكير الإبداعي كبرنامج الذكاءات المتعددة وبرنامج سكامبر لحل المشكلات والذي يساعد كثيرا في تصميم الأنشطة التفاعلية اليومية.
  • تخصيص وقت هادئ للمشاركة والتفاعل مع الأطفال في تطبيق الأنشطة من قبل الآباء دون استخدام الأجهزة اللوحية والهاتف النقال، وإحداث جو من التوتر داخل المنزل.
  • التواصل مع المدرسة والمدرسين، وتخصيص وقت للتحدث معهم ومشاورتهم، والمتابعة والتقييم من خلالهم.
  • مساعدة الطلاب على الاسترخاء، وعدم التسبب لهم في الشعور بالذعر والخوف مما يحدث حولهم؛ والتركيز على التفكير الإيجابي وإمدادهم بالخبرات اللازمة لتعلم مهارات حل المشكلات وإدارة الأزمات[77].

ومن شأن أزمة كورونا أن تؤدي إلى تغيير في الطريقة التي ينظر بها العالم إلى التعليم، فرغم مساوئه التي يرى مراقبون أنها مؤقتة فقط وسيتم التغلب عليها مستقبلا، يبقى التعليم عن بعد بديلا للتعليم التقليدي في الحالات الحرجة[78].


ثانيا: عبد الحميد بن باديس الإمام الجزائري المجاهد (في ذكرى رحيله)

(1307 -1359هـ =1889-1940م)

كان من أولويات الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة (1246هـ/1830م) محو عروبة الجزائر وإسلامها، فشنت حربا لا هوادة فيها على الثقافة العربية الإسلامية، وعملت على هدم صروح الثقافة المزدهرة في الجزائر.

ورافق ذلك على امتداد سنوات الاحتلال الفرنسي للجزائر (1246-1382هـ= 1830-1962) كل صنوف الإبادة والتشريد والتنكيل الجماعي، وإلقاء آلاف الأحرار والمقاومين الجزائريين في السجون[79]. "وقد ظهر حقده الصليبي في إصراره على تحطيم مقومات الأمة، وفي مقدمتها الدين الإسلامي واللغة العربية"[80].

في هذه الأجواء المكفهرة، ظهر ابن باديس، ليكون بلسما على قلوب الجزائريين، ويعيد الأمل إلى نفوسهم بمستقبلهم، ويبدد الظلام من حولهم بنور دعوته الإصلاحية النهضوية التي يرى فيها أن الجهود الفردية لا تدحر الاحتلال[81].

يعد الإمام عبد الحميد بن باديس من رجالات الإصلاح في الوطن العربي، ورائد النهضة الإسلامية في الجزائر، ومؤسس جمعية العلماء الجزائريين[82]. وقد ارتبط اسمه لدى الجزائريين بالعلم، لذلك يحتفلون في 16 أبريل/نيسان 2020 من كل عام بيوم العلم تخليدا لذكراه[83] .

  • المولد والنشأة

ولد عبد الحميد بن باديس- رحمه الله - بمدينة قسنطينة بالجزائر في شهر ربيع الثاني من سنة 1308هـ (ديسمبر 1889م)، فكان الولد البكر لأبويه. وأسرته في قسنطينة مشهورة بالعلم والثراء والجاه، وكانت منذ القدم ذات نفوذ، ومسيِّرة للسياسة والحكم في المغرب الإسلامي.

نشأ ابن باديس في أحضان هذه الأسرة، حيث حفظ القرآن وهو صغير، فشب على حبه والتخلق به، ثم تعلم المبادئ الأساسية للدين واللغة والأخلاق في مسقط رأسه[84].

  • رحلته في طلب العلم

كانت رحلته الأولى في طلب العلم باتجاه جامع الزيتونة بتونس، وهناك التقى بالكثير من طلبة العلم واحتك ببعض الشخصيات والرموز العلمية والإصلاحية، وعرف بالجد والنشاط.

أخذ يتلقى الثقافة الإسلامية عن جماعة من أكابر علماء الزيتونة، أثروا في تكوينه العلمي ومسيرته الإصلاحية، منهم محمد النخلي القيرواني (ت1342هـ-1924م)، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، زعيما النهضة الفكرية والإصلاحية في الحاضرة التونسية، واللذان كانا قد تأثرا بآراء جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده الإصلاحية[85].

لما عاد الشيخ ابن باديس إلى بلاده، وبدأ يعطي الدروس في الجامع الكبير، تربص خصوم الإصلاح بنشاطه، وتحركوا لمنعه من أداء مهمته.

وبعد ذلك قرر القيام برحلة ثانية قادته هذه المرة إلى زيارة بعض أقطار المشرق العربي، فكان أن استهل زيارته بزيارة البقاع المقدسة لأداء فريضة الحج عام 1913، وبعد استكماله هذه الشعيرة وزيارته المدينة المنورة التي مكث فيها مدة 3 أشهر، شرع هناك في إلقاء الدروس بالمسجد النبوي، لكنه أخذ بنصيحة الشيخ حسين أحمد الهندي بضرورة العودة للجزائر خدمة للدين واللغة العربية.

تعرف بالشيخ البشير الإبراهيمي الذي تحادث معه وتدارسا سويا موضوع الإصلاح في الجزائر، واتفقا في ذلك على خطة واضحة عند عودتهما إلى أرض الوطن[86]. واتفق الإمامان على أهداف الخطة لنهضة الجزائر، والتي تمت بالمدينة بينهما ، وتركزت في الآتي[87]:

  1. نشر اللغة العربية، لعلمهم أن من أكبر أهداف الاستعمار تبديل الهوية من جهة اللغة.
  2. تربية الناس على العقيدة الصافية.
  3. نشر العلم الشرعي في أوساط المجتمع.
  4. نقد الطرق الصوفية المنحرفة وبيان ضلالهم، وفضح عمالة زعمائهم للفرنسيين.
  5. زرع معاداة المستعمر في قلوب الناس.
  6. محاربة الجهل بالعلم والجوع وبالدعوة للعمل، وتحرير النفوس من قيود الخرافات والشعوذة.
  7. الدعوة والمناداة للعبودية لله الواحد القهار.
  8. توحيد الشعب الجزائري تحت راية الإسلام، وإبطال مخططات فرنسا في تفريق الأمة إلى أشلاء.
  • مساره الإصلاحي

الحركة الإصلاحية لدى الشيخ ابن باديس استوعبت في منطلقاتها ومناهجها وأهدافها أصول الحركات الإصلاحية السلفية القديمة والمعاصرة، فأخذت من أفكار ابن تيمية في مجال فهمها لحقيقة الدين وأصول الشريعة، وتأثرت بالحركة الوهابية في بعض مواقفها تجاه البدع والخرافات التي لحقت بجوهر العقيدة، واقتدت بالحركة السنوسية في ربط الدين بالدنيا والأخلاق بالسياسة واعتبار محاربة الاستعمار جزءا من الدين[88] .

الشيخ ابن باديس من المدرسة التي ترى أن الإصلاح الاجتماعي يقوم على أساس أن الأخلاق تنبع من الداخل، وأن الوسيلة هي تطهير القلوب وتغيير النفوس، وهذا يؤدي إلى تغيير المؤسسات الاجتماعية[89].

وشرط النهضة عنده إنما هو إيجاد هذه الجماعة القائدة المفكرة التي تقود المجتمع إلى الحضارة، وعمله التربوي يهدف إلى إعداد هؤلاء الرجال. يقول: " فإننا نربي- والحمد لله – تلامذتنا على القرآن، ونوجه نفوسهم إلى القرآن من أول يوم وفي كل يوم، وغايتنا التي ستتحقق أن يكوِّن القرآن منهم رجالا كرجال سلفهم، وعلى هؤلاء الرجال القرآنيين تعلق هذه الأمة آمالها، وفي سبيل تكوينهم تلتقي جهودنا وجهودهم"[90].

يمكن القول بأن ابن باديس اتخذ التربية وسيلة للإصلاح الثقافي والاجتماعي والسياسي، لأن الأهداف التربوية عنده تشمل ذلك كله[91].

رزق عبد الحميد هذا القلق الثائر الذي لايستقر حتى يستقيم الأمر لأهله، فأخذ على عاتقه القيام بالدعوة إلى الإسلام في وطن مستضعف، يتكالب عليه الباطل بخيله ورجله، ورأى أن الدعوة إلى الإسلام لا تفترق عن الدعوة إلى العربية، فهما قطبا الدائرة في مناوءة الاستعمار[92]. بن باديس بتاريخ 06 أبريل/نيسان 2018

رأى عبد الحميد بن باديس الاستعمار يحارب اللغة العربية في مدارسه، فأنشأ مدارس إسلامية عربية أهلية، وأعد لها أبناءها من المعلمين، ووضع برامج الدراسة الإسلامية، لقد أولى التربية والتعليم اهتماما بالغا في نشاطه الإصلاحي، وتوج ذلك بتأسيس مكتب للتعليم الابتدائي العربي عام 1926، انبثقت عنه في عام 1930 مدرسة جمعية التربية والتعليم الإسلامية، وهي الجمعية التي أصبح لها نحو 170 فرعا في مختلف مناطق الجزائر.

استعمل الصحافة لنشر فكره الإصلاحي من خلال إصدار جريدة المنتقد عام 1925، التي تولى رئاسة تحريرها، ثم جريدة الشهاب في نفس السنة.

أنشأ رفقة 72 عالما من شتى الاتجاهات الدينية جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (1931)، وانتخب رئيسا لها، وجعل شعارها:  "الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا"[93].

ومنذئذ دخل في مرحلة نوعية أخرى من العمل الإصلاحي، وبدأ النضال من أجل استرجاع الشخصية الجزائرية بكل أبعادها ومقوماتها، وكان مبدأ الجمعية في إصلاح المجتمع الجزائري منذ تأسيسها مبنيا على الآية الكريمة {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد:11). لذلك اعتبرت الحركة الإصلاحية التي قادتها جمعية العلماء الباعث الحقيقي والعامل الرئيسي للنهضة الجزائرية، لأنها جاءت بإصلاح شؤون الفرد في المعتقد والسلوك من جهة، وإصلاح الأسرة والمجتمع من جهة أخرى[94].

أسهم – كذلك - بمواقفه وآرائه في إثراء الفكر السياسي بالحديث عن قضايا الأمة، ففي عام 1936 دعا لعقد مؤتمر إسلامي بالجزائر، لإفشال فكرة اندماج الجزائر مع فرنسا، كما شارك ضمن وفد المؤتمر الإسلامي المنعقد بباريس في يوليو/تموز 1936.

حاور لجنة البحث في البرلمان الفرنسي في أبريل/نيسان 1937، ودعا النواب لمقاطعة المجالس النيابية في أغسطس/آب سنة 1937، كما دعا لمقاطعة احتفالات فرنسية بمناسبة مرور قرن على استعمار الجزائر في 1937 [95].

كما ركز في مجال التعليم على إعداد الأم المسلمة للقيام بوظيفة تربية الأجيال وفي هذا الشأن يقول: "إذا أردنا أن نكون رجالا، فعلينا أن نكوِّن أمهات، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتعليم البنات تعليما إسلاميا، وتربيتهن تربية إسلامية"[96].

ويرى مالك بن نبي: "أن الشيخ عبد الحميد بن باديس قد قام بتلك الثورة الفكرية على أحسن وجه، وبدد ما كان مخيما على الجزائر من تقاليد ثقيلة تتمثل في تلك الطرق الجامدة المخدرة للشعب"[97].

  • وفاته

توفي عبد الحميد بن باديس مساء الثلاثاء 9 ربيع الأول 1359، الموافق 16 أبريل/نيسان 1940 بمسقط رأسه قسنطينة، وحمل طلبة الجامع الأخضر جثمانه عصر اليوم التالي، وشيعوه في جنازة شارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص الذين توافدوا من كافة مناطق الجزائر[98].


المصادر:
[1] Worldometer.
https://www.worldometers.info/coronavirus/
[2]  منظمة الصحة العالمية، الإحصائيات الخاصة بفيروس كورونا في قطر، تحديث حتى 29 أبريل/نيسان/نيسان 2020.
https://covid19.who.int/region/emro/country/qa
[3]  جريدة ديلي صباح التركية، حكومة الوفاق الليبية تطلق عملية "عاصفة السلام" رداً على اعتداءات حفتر، 26 مارس 2020.
https://bit.ly/2yKlRGX
[4] الصفحة الرسمية لعملية بركان الغضب على الفيسبوك، بيان صحفي من المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي، 13 أبريل 2020.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2558089251133888&id=2256994411243375
[5]  العربي الجديد، قوات "الوفاق" الليبية تستعيد أبوقرين وتسقط 3 طائرات لحفتر، 12 أبريل  2020.
https://bit.ly/3bJVZt8
[6] المصدر السابق، قوات "الوفاق" الليبية تتقدم في محور "المشروع" جنوب طرابلس،  16 أبريل 2020.
https://bit.ly/2SckmYF
[7]  رويترز، القوات الموالية لحكومة طرابلس تحاول استثمار مكاسبها العسكرية وتزحف صوب ترهونة، 19 أبريل 2020.
https://bit.ly/2S7mWzl
[8]  الجزيرة، ليبيا: قوات الوفاق تأسر 102 من مليشيا حفتر وتتقدم نحو "ترهونة"، 19 أبريل 2020.
https://bit.ly/35bBIKG
[9]  صحيفة الشرق الأوسط، «الأوروبي» يطلق مهمة متوسطية لفرض حظر الأسلحة على ليبيا، 1 أبريل 2020.
https://bit.ly/2KJRZwN 
[10]  وكالة سبوتنيك الروسية، الجيش الليبي يرحب بقرار الاتحاد الأوروبي إطلاق عملية "إيريني" لمنع توريد السلاح إلى ليبي، 31 مارس 2020.
https://bit.ly/3eSqDCG
[11]  المصدر السابق، حكومة الوفاق تعلن رفضها المهمة العسكرية الأوروبية في ليبيا، 1 أبريل 2020.
https://bit.ly/3aHHp44
[12]  جريدة الرأي العام الليبية، بعد فشله في دخول طرابلس عسكريًا: حفتر يطلب تفويضًا لتولي السلطة، 25 أبريل 2020.
https://bit.ly/2W2auC6
[13]  بيان خليفة حفتر، 27 أبريل 2020.
https://www.youtube.com/watch?v=8V-8bW0gHB4
[14] العربية، عقيلة صالح يطرح مبادرة لحل الأزمة تفشي إلى انتخابات، 24 أبريل 2020.
https://bit.ly/2yRp7jP
[15]  الشبكة العربية، بعد فشل اقتحام طرابلس.. "حفتر" يعلن نفسه رئيسًا وأمريكا ترفض، 27 أبريل 2020.
https://bit.ly/2zEH4Cy
[16] الأناضول، موسكو "متفاجئة" من تنصيب حفتر نفسه حاكما لليبيا، 28 أبريل 2020.
https://bit.ly/2yP7u40
[17]  المصدر السابق، عضو بالرئاسي الليبي يحذر من سعي إماراتي لتقسيم بلاده، 28 أبريل 2020.
https://bit.ly/2YdfqXn
[18]  رويترز، التحالف بقيادة السعودية يعلن وقف إطلاق النار في اليمن، 8 أبريل 2020؟
https://bit.ly/3aQ7Lkl
[19]  حساب المتحدث الرسمي للحوثيين على تويتر، 12 أبريل 2020.
https://twitter.com/abdusalamsalah/status/1249302064288669696?s=20
[20]  المصدر السابق، 8 أبريل 2020.
https://twitter.com/abdusalamsalah/status/1247948665706221568?s=20
[21]  رويترز، التحالف بقيادة السعودية يعلن وقف إطلاق النار في اليمن، 8 أبريل 2020.
https://bit.ly/35cyyXb
[22] حساب المتحدث الرسمي للقوات المسلحة التابعة للحوثيين، 12 أبريل 2020.
https://twitter.com/army21ye/status/1249385179476561924?s=20
[23]  رويترز، المجلس الانتقالي يعلن الإدارة الذاتية لجنوب اليمن ويعقد جهود السلام، 26 أبريل 2020.
https://bit.ly/2zA4Z5T
[24] الموقع الرسمي للمجلس الانتقالي الليبي، المجلس الانتقالي الجنوبي يصدر بياناً هاماً، 23 أبريل 2020.
https://stcaden.com/news/11783
[25]  العربي الجديد، مقتل عنصرين للنظام السوري بقصف للقوات التركية وفصائل المعارضة بريف الحسكة، 2 أبريل 2020.
https://bit.ly/3cMHogM
[26]  المصدر السابق، قتلى للمعارضة السورية بحماة بأول قصف جوي منذ وقف إطلاق النار، 16 أبريل 2020.
https://bit.ly/3aG0UKu
[27] المصدر السابق، مقتل ضباط من قوات النظام جنوبيّ وشرقيّ سورية، 18 أبريل 2020.
https://bit.ly/2x8Al2H
[28]  صحيفة الشرق الأوسط، الاجتماع الوزاري لـ«مجموعة أستانة» بحث أوضاع إدلب وشرق الفرات والتسوية، 23 أبريل 2020.
https://bit.ly/3cNMjhn
[29] شبكة بلدي الإعلامية، شهيدان وجرحى بمحاولة تركية ل فض الاعتصام على الطريق الدولي M4، 26 أبريل 2020.
https://bit.ly/3bHv7dx
[30] العربي الجديد، 4 قتلى وجرحى بمحاولة الجيش التركي فض اعتصام على طريق "إم4" بإدلب، 26 أبريل 2020.
https://bit.ly/3eXhNU3
[31]  قاسيون، متهمة "هيئة تحرير الشام" بعرقلة اتفاق وقف إطلاق النار ..روسيا تنشر بياناً حول اجتماع وزراء خارجية الدول الضامنة لـ "إستانا"، 23 أبريل 2020.
https://bit.ly/2KCX61P
[32]  وكالات، خلافات وانشقاقات داخل هيئة تحرير الشام تهدد مصيرها، 25 أبريل 2020.
https://bit.ly/3bEc6IF
[33]  الصفحة الرسمية لمجلس السيادة الانتقالي السوداني على موقع الفيسبوك، استمرار التفاوض مع حركات الكفاح المسلح عبر الفيديو كونفرس ابتداءً من الأحد القادم، 16 أبريل 2020.
https://bit.ly/3aAclmM
[34]  المصدر السابق، وفدا الحكومة والحركة الشعبية (شمال) يستأنفان التفاوض حول ملف الترتيبات الأمنية، 21 أبريل 2020.
https://bit.ly/2VThkcY
[35] المصدر السابق، وفدا الحكومة والحركات المسلحة يستأنفان النقاش حول مسار دارفور، 23 أبريل 2020.
https://bit.ly/3524ahY
[36]  صحيفة الشرق الأوسط، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان: حق تقرير المصير لمناطق النزاع لن يأتي بسلام، 28 ديسمبر 2019.
https://bit.ly/2W1g2Nj
[37]  صحيفة القدس العربي، «الحركة الشعبية» جناح الحلو: علمانية الدولة السودانية أو تقرير المصير في جنوب كردفان والنيل الأزرق، 22 أكتوبر 2019.
https://bit.ly/3596kfJ
[38] العربي الجديد، السودان: نذر مواجهة بين الحكومة وحركة متمردة، 14 أبريل 2020.
https://bit.ly/3eOTQ1p
[39] الصفحة الرسمية لحزب الأمة القومي على موقع فيسبوك، بيان صحفي، 22 أبريل 2020.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2268636996776307&id=1503793896593958
[40] صفحة المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية، بيان صحفي، 1 أبريل 2020.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=850440402142008&id=153405978512124
[41]  المصدر السابق، بيان صحفي، 23 أبريل 2020.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=850440402142008&id=153405978512124
[42]  الصفحة الرسمية لمجلس السيادة الانتقالي السوداني، بيان صحفي، 9 أبريل 2020.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=236102997765231&id=104316004277265
[43]  العربي الجديد، مصر: مدير المخابرات ووزير الري يبحثان وساطة السودان في سد النهضة، 9 أبريل 2020.
https://bit.ly/2KzLpZP
[44]  الأناضول، السودان عن سد "النهضة": نرفض محاولات الاستقطاب من طرفي الأزمة، 15 أبريل 2020.
https://bit.ly/2S61qLp
[45] العربي الجديد، ضغط مصري لإبطاء أعمال البناء في سد النهضة، 18 أبريل 2020.
https://bit.ly/3bIBGMQ
[46]  الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية المصرية، بيان صحفي، 15 أبريل 2020.
https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=2945393042171006&id=181662475210757
[47] سكاي نيوز عربية، عملية الأميرية.. تفاصيل 4 ساعات في مواجهة الإرهاب بالقاهرة، 15 أبريل 2020.
https://bit.ly/2KzEgsy
[48] رويترز، متحدث: مقتل وإصابة 10 من أفراد الجيش المصري في انفجار عبوة ناسفة في سيناء، 30/4/2020.
[49] رويترز، أسعار النفط الأميركي تنهار، وتغلق سلبية لأول مرة  في التاريخ، 20/4/2020.
[50] الجزيرة نت، مذكرة بحثية: دول الخليج ستخسر 72 مليار دولار، 27/4/2020.
[51] DW، انهيار أسعار النفط الأميركي..أي تأثير على السعودية والخليج؟ 22/4/2020.
[52] الجزيرة نت، بلومبرج: إغلاق محطة  الفجيرة لتخزين النفط نتيجة امتلاء خزاناتها، 26/4/2020.
[53] الحرة، التحويلات النقدية بالشرق الأوسط قد تشهد اكبر تراجع في التاريخ الحديث، 26/4/2020.
[54] الاسكوا، فيروس كورونا، التخفيف من اثر الوباء على الفقر وانعدام الامن الغذائي في المنطقة العربية، ص 2.
[55] الاسكوا، فيروس كورونا، التخفيف من اثر الوباء على الفقر وانعدام الامن الغذائي في المنطقة العربية، ص 2.
[56] المصدر السابق.
[57] الاسكوا، آثار جائحة كوفيد – 19، على المنطقة العربية الشحيحة بالمياه، ص 2.
[58] الاسكوا، ىآار جائحة كوفيد – 19، على الاقتصاديات العربية، التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، ص 2. 
[59]  روسيا اليوم، الحكومة المصرية: القرض الجديد مع صندوق النقد الدولي خطوة استباقية لمواجهة فيروس كورونا، 29/4/2020.
[60]  مصراوي، لن تتعدى 3 مليارات دولار.. الفقي: 3 عوامل تحدد قيمة قرض صندوق النقد لمصر، 27/4/2020.
[61] البنك المركزي المصري، بيان صحفي عن بيانات ميزان المدفوعات عن النصف الأول من عام 2019/2020،
https://bit.ly/3d6oyBp
[62]  رويترز، رئيس الوزراء: مصر تطلب دعمًا من صندوق النقد خلال أزمة كورونا، 26/4/2020.
[63] وزارة المالية المصرية، البيان التمهيدي لموازنة 2020/2021، ص 30 و31.
[64]  عبدالحافظ الصاوي، بعدما لجأت مجددا لصندوق النقد.. هل كشف كورونا هشاشة الاقتصاد المصري؟، الجزيرة نت، 29/4/2020.
[65] رويترز، مدن لبنانية تنتفض على المصاعب الاقتصادية، ومقتل محتج في طرابلس، 28/4/2020.
[66]  المصدر السابق.
[67]  رويترز، حاكم مصرف لبنان لا يرى ضرورة لخفض الودائع ويرفض انتقادات رئيس الوزراء، 29/4/2020.
[68] رويترز، لبنان يهدف لمساعدة من صندوق النقد بعد الموافقة على خطة أزمة، 30/4/2020
[69] د. ناهدة عبد زيد الدليمي . التعلُّم عن بُعد:مفهومه وتطوُّره وفلسفته . https://www.edutrapedia.com/
[70] https://www.marefa.org/
[71] https://ar.wikipedia.org/wiki/
[72] https://www.marefa.org/
[73] نظرة سريعة في تاريخ التعليم عن بعد. 20 أكتوبر 2015 https://www.tech-wd.com/ 
[74] د. جمال نصار. تعليم عن بعد في زمن كورونا. ترك برس . 10 أبريل/نيسان/نيسان 2020.
[75]  https://www.aljazeera.net  أحمد عبد الله. نجحنا في التعليم عن بعد .. فأين التربية؟.4/4/2020
[76]  هل ينجح التعليم عن بعد في مواجهة أزمة كورونا؟. عبد الرحمن أبو سارة. عربي بوست. 20/3/2020.
[77]  دينا عصام. التعليم عن بعد في زمن الكورونا.17/3/2020   https://www.aljazeera.net
[78]  هل تنجح دول عربية في إنقاذ التعليم من كورونا عبر الإنترنت؟   https://www.dw.com
[79] د. فهمي توفيق محمد مقبل. مرجع سابق.
[80]  مصطفى محمد حميداتو. عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية . كتاب الأمة. العدد 57. المحرم 1418.ص48.
[81] د. فهمي توفيق محمد مقبل. مرجع سابق.
[82]  د. فهمي توفيق محمد مقبل. عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح والنهضة في تاريخ الجزائر الحديث. ص1-2.
[83]  موسوعة الجزيرة . عبد الحميد بن باديس.
[84] آثار ابن باديس. عمار الطالبي . ص 74.
[85] آثار بن باديس. مرجع سابق.ص 75.
[86]  موسوعة الجزيرة. عبد الحميد بن باديس.
[87]  د. علي الصلابي. كفاح الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي . سيرة عبد الحميد بن باديس رائد النهضة العلمية والإصلاحية. ص 107.
[88]  د. علي الصلابي . النهضة الإصلاحية والشيخ عبد الحميد بن باديس. ترك برس.  6 أبريل/نيسان 2018.
[89]  آثار بن باديس. مرجع سابق. ص 101.
[90]  المرجع نفسه. ص 107.
[91] آثار بن باديس. مرجع سابق. ص 99.
[92] د. محمد رجب البيومي. النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين. ص 84.
[93]  موسوعة الجزيرة . عبد الحميد بن باديس.
[94]    عبد الحميد بن باديس https://www.ikhwanwiki.com/
[95]  موسوعة الجزيرة . عبد الحميد بن باديس.
[96]  عبد الحميد بن باديس https://www.ikhwanwiki.com/
[97]  آثار ابن باديس . عمار طالبي . ص 5.
[98]  موسوعة الجزيرة. عبد الحميد بن باديس.

الكلمات المفتاحية