لوفيجارو: اتفاق السلام مع أميركا سيوصل "طالبان" إلى السلطة

12

طباعة

مشاركة

بعد التوقيع على اتفاق تاريخي بين "طالبان" والولايات المتحدة الأميركية، فإن الحركة الإسلامية، التي تسيطر على معظم البلاد، على وشك استعادة العاصمة كابول. 

تحت هذه الكلمات نشرت صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية تقريرا عن طالبان سلطت فيه الضوء على الحركة التي باتت على وشك العودة من جديد للسلطة.

وأشارت إلى أن الاتفاق الذي وُقع في فبراير/ شباط 2020، نصَّ على انسحاب تدريجي للقوات الأجنبية، 8000 جندي أميركي من أصل 13000 بحلول الصيف المقبل، والآخرون يفترض أن ينسحبوا لاحقا مع ضمانة أن لا يعود البلد إلى "بؤرة إرهاب دولي". 

وعدٌ من المستحيل الوفاء به، كما تقول الصحيفة الفرنسية، وإنما يُرضي واشنطن المستعجلة لوضع نهاية لحرب هي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة.

"سندمر الحكومة"

ونقلت عن الملا عبد المنان نيازي، أحد قادة طالبان القول: "سندمر الحكومة مثلما تخلصنا من نجيب الله!"، في إشارة إلى الرئيس المخلوع محمد نجيب الله، الذي أعدمته طالبان عندما دخلت كابول عام 1996، ونصبت "إماراتها الإسلامية".

وأوضحت أن نيازي أقام مقره في الجبال، حيث حوالي 40 ملجأ تحرسها الرشاشات وقاذفات الصواريخ وبنادق هجومية أخرى، ولكنه رغم ذلك يزور زوجتيه وسبعة أطفال بانتظام في مدينة هرات التي تسيطر عليها الحكومة. ويقول السكان: إنه يعرف ويرى كل شيء، ولا يتردد في القضاء على خصومه الشرسين.

وأضاف القيادي بالحركة: "حتى وأنا أقول هذه الكلمات، فإن الأميركيين يغادرون أراضينا. لقد هزمناهم، تركوا رئيسين فاسدين غير قادرين على السيطرة على البلاد".

ومنذ إعلان إعادة انتخاب الرئيس الحالي أشرف غني في فبراير/ شباط 2020، يرفض منافسه عبد الله عبد الله الاعتراف بنتيجة الانتخابات التي "شابها اتهامات بالتزوير".

وبدلا من قبول الهزيمة، أعلن عبد الله نفسه رئيسا، وهو اللقب الذي يسبغه على نفسه حتى اليوم، على الرغم من أن المجتمع الدولي لا يعترف سوى بغني، وهي معركة بين الجانبين تشل الدولة.

وفي الوقت نفسه، تواصل "لوفيجارو": "تزيد طالبان من هجماتها، وتحرج القوات الأفغانية سواء من خلال الدماء أو المعنويات".

ويقدر محللون أن الحركة تسيطر على نصف الأراضي أو تتنافس عليها، ويخشون، في حال انسحاب أميركا، أن تتولى طالبان تدريجيا الحكم من خلال محادثات مع السلطات الأفغانية، أو بالقوة.

ويشير هؤلاء المحللون إلى أن شبح العودة إلى الحرب الأهلية، كتلك التي مزقت البلاد من 1989-1996، ما زالت عالقة في ذهن الجميع.

وتقول الصحيفة: "إذا كان نيازي يشيد بنجاحات طالبان ضد الجيوش الأجنبية، فهذا ليس له علاقة بوضع الحركة، وإذا استعادوا السلطة، فلن يتمكنوا من النجاح".

وتتابع: "فالمتحدث السابق باسم الملا عمر (زعيم طالبان الشهير والمعروف على وجه الخصوص بقربه من أسامة بن لادن)، كان القائد الأعلى والزعيم الروحي منذ إنشاء الحركة في عام 1994 ولكن بعد وفاته عام 2015، انتقده العديد من الشخصيات البارزة، الذين شكلوا بعد ذلك فصائل متنافسة".

وتنوه "لوفيجارو" بأنه في أفغانستان، نظام العدالة يعد أحد أكثر القطاعات فسادا في جميع المؤسسات الأفغانية، وحتى بدون ذلك، المحاكم مزدحمة للغاية والقضايا تستغرق سنوات، لذا، يتجه المزيد من الناس إلى طالبان، التي يُنظر إليها على أنها أكثر عدالة وسرعة.

منفذو العدالة

ففي التسعينيات، من خلال وضع أنفسهم كمنفذين للعدالة ضد أمراء الحرب المحتالين، فازوا بثقة السكان، ووصلوا إلى السلطة.

لكن على الرغم من ذلك، تبين الصحيفة أن الحركة ليست متماسكة، فهي ما بين جماعة منشقة، وفصيل، ومليشيا، وربما يرجع ذلك إلى أن طالبان تغيرت منذ عشرين عاما. 

وتابعت: "توجد القيادات العسكرية في كويتا وبيشاور، لكن على الجانب الآخر، هناك طالبان دبلوماسية في قطر (الدولة التي توصلت أميركا والحركة فيها إلى اتفاق السلام).

وأردفت: "هناك مدنيون لم يحملوا السلاح لكنهم وجدوا أنفسهم في أيديولوجية الحركة، كما أن المقاتلين الذين ظلوا تحت راية طالبان، لا يلتزمون بالضرورة بالخيارات السياسية لقادتهم".

وأكدت أنه "هذا هو الحال مع سيالكوت، الذي يقود حوالي 60 رجلا في جميع أنحاء البلاد، حيث انضم هذا المزارع السابق في ريف ننكرهار، على بعد بضعة كيلومترات من باكستان، إلى طالبان قبل أربع سنوات فقط، عندما أدرك أن الأجانب الذين رحبنا بهم كحلفاء، يجلبون لنا ضررا أكثر من الخير".

وفي ذلك إشارة إلى انتشار الضربات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة والغارات الليلية التي تشنها المليشيات التي تقودها وكالة المخابرات المركزية، والتي أدت إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين، وهي اليوم بمعدلات قياسية. 

لكن سيالكوت لا يفهم إستراتيجية قادته "الذين وقعوا اتفاقية مع الغزاة ويأمروننا بمواصلة قتل إخواننا الأفغان في الجيش الحكومي".

وبحسب قوله: "لقد أنهى الأميركيون حربا كانوا يخسرونها. يأمل قادة طالبان الكبار أنه بمجرد مغادرة الأجانب، سوف يسقطون الحكومة أو يتلاعبون بها كما يحلو لهم. ولكن ماذا سنجني".

ويضيف شاب عابس، يجلس بجانبه يدعى حميد الله 31 عاما: "ستكون هناك حرب مرة أخرى"، فهذا الشاب انضم إلى رجال حرب العصابات قبل ست سنوات ويعمل كحارس شخصي لسيالكوت. 

هذا الجندي السابق في الجيش الحكومي يقول: إنه "لا يكره الأجانب ويحلم بالذهاب إلى فرنسا "بلد البطل زيدان (لاعب الكرة الشهير)".

ولكن عندما قتلت الغارات الجوية عشرات المدنيين، في حفل زفاف أولا ثم في جنازة خارج قريته، طالبته عائلته بالانضمام إلى طالبان، إذ يتذكر ذلك قائلا: "أمي توسلت لي باكية أن أنتقم لهؤلاء الأبرياء".

ووفقا للصحيفة الفرنسية، فإن استمرار هذه الأخطاء الأميركية بجميع أنحاء البلاد، أدى إلى تضخم صفوف طالبان، ولكن منذ توقيع اتفاق السلام مع واشنطن، ازداد الانشقاق في ننكرهار وفي مقاطعات أخرى من البلاد. 

وفي هرات، أكد حاكم المقاطعة عبد القيوم رحيمي: أن "عددا كبيرا من مقاتلي طالبان انشقوا منذ توقيع الاتفاق، وأحيانا ينضمون إلى جماعات إجرامية أو إلى المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية (HCEI)".

ويقول أندرو واتكينز، الباحث في مجموعة الأزمات الدولية: "في السنوات الأخيرة، تمكنت طالبان من الحفاظ على الوحدة، بما في ذلك القضاء على جميع المجموعات التي انقسمت منذ عام 2015"، لكن المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية هو الوحيد الذي لم يهزم، ربما بفضل موقعه، في أقصى غرب البلاد، وكونه أقل رمزية وتهديدا.

ويتابع المحلل: "لكن نيازي يمثل نوع الشخصية التي تظهر عندما يكون هناك فراغ في السلطة. ومع ذلك، إذا كان رحيل القوات الأجنبية سيولد فراغا في السلطة، فقد يظهر نيازي آخرين في جميع أنحاء البلاد" .

ويتابع: "الفوضى سيكون لها تداعيات على وسط وجنوب آسيا"، فروسيا وإيران والهند وباكستان والصين، الذين يتمتعون بخبرة في النفوذ والحروب بالوكالة، يراقبون الوضع في "مقبرة الإمبراطوريات"، عن كثب، حيث العودة المحتملة لطالبان.