فورين بوليسي: كورونا يُشكل تهديدا سياسيا لمستقبل السيسي في مصر

12

طباعة

مشاركة

قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية: إن فيروس كورونا يُشكل تهديدا سياسيا للسلطات المصرية، حيث كشف عورات الحكومة التي أهملت القطاع الصحي لسنوات طويلة.

وذكرت المجلة ذائعة الصيت في تقرير للباحث نائل شمة أنه في السادس عشر من مارس/آذار 2020، بلغ عدد الإصابات بالفيروس 126 حالة، إلا أنه وبحلول منتصف أبريل/نيسان بلغ عدد الحالات 2700، في حين أن تفشي المرض كان قد بدأ للتو.

وكشف الفيروس أن نظام الرعاية الصحية الهش في مصر يعاني بالفعل وكذلك سكانها، حيث أثبت انتشاره أن الاقتصاد الذي يعاني من اضطرابات عديدة وضخمة منذ فترة ليست بالقصيرة لم يستطع تلبية احتياجات القطاع الصحي الذي أهملته الحكومة المصرية.

ولم تعط الحكومة أولوية للإنفاق على الخدمات الصحية مما سكب الزيت على النار التي يحترق بها المصريين، "وهذا يحعلنا نؤكد أنه في حال انتشار سريع للفيروس في مصر، فإن الأزمة الصحية لا شك في أنها ستتحول إلى أزمة سياسية"، تقول المجلة.

ويؤكد التقرير أن الانتشار السريع للإصابات والوفيات نتيجة الإصابة بالفيروس، يؤكد هشاشة النظام الصحي في مصر، حيث وصل عد الحالات المعلن عنها إلى 5000 إصابة و359 وفاة، على الرغم من قلة أعداد الفحوصات التي تجريها الحكومة، "لذا نستطيع التأكيد بأن الأعداد الحقيقية للإصابات أعلى من الأرقام المعلنة بكثير".

وللتدليل على ما ذكره عن هشاشة النظام الصحي، قال التقرير: إن مصر تعاني من نقص في الأطباء والممرضات والأدوية والمستلزمات الطبية والأسرة، مما يجعل نظام الرعاية الصحية غير مجهز للتعامل مع جائحة سريعة الحركة وقاتلة للغاية.

وتابع: "مما لا شك فيه أن الأجور المتدنية وظروف العمل السيئة دفعت العديد من الأطباء لمغادرة البلاد، بما في ذلك حوالي 10000 على مدى السنوات الثلاث الماضية وحدها"، وفقا لتقدير نقابة الأطباء المصرية.

فمن أصل 220 ألف طبيب مسجل، يعمل حوالي 120 ألف خارج مصر، بالإضافة إلى أن المستشفيات العامة تعاني من نقص في عدد العاملين كما يوجد في مصر 1.3 سرير مستشفى لكل 1000 شخص، مقارنة بنحو 13 في اليابان، و8 في ألمانيا، و6 في فرنسا.

ووفقا للمقياس العربي، قال: 31 ٪ فقط من المصريين إنهم راضون عن الأداء العام لخدمات الرعاية الصحية الحكومية في 2018-2019، وهو انخفاض بنسبة 19 نقطة منذ عام 2010.

ونتيجة لهشاشة النظام الصحي في مصر، وقلة أدوات الحماية والتعقيم للأطقم الطبية، فإن 13% من الإصابات بفيروس كوفيد 19 من الأطباء وأطقم التمريض، هي نفس النسبة المسجلة تقريبا في إيطاليا وإسبانيا، الأمر الذي دفع الأطباء وأطقم التمريض للاستغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الرغم من خطر التحدث علنا.

ولزيادة الوعي بظروف العمل وسوء الإدارة ونقص الإمدادات التي يقولون إنها تعرض حياتهم للخطر، نتج عن ذلك شيوع مقاطع الفيديو التي يحتج من خلالها الأطباء والممرضون في أروقة المستشفيات، ومن المؤكد أنه إذا تصاعدت الأزمة، فإن محاولات إسكات أصواتهم لن تُكلل بالنجاح.

أسباب الانهيار

يقول كاتب التقرير: إن الحكومة ظلت تتجاهل الرعاية الصحية، خاصة عند مقارنتها بالحصة الكبيرة من الميزانية الوطنية المخصصة لقوات الأمن، حيث انخفض التمويل الحكومي للصحة من 6.7 ٪ من الميزانية الوطنية في عام 2000 إلى 4.2 ٪ في 2016.

ويوضح التقرير أن أي انتشار سريع لفيروس كوفيد 19 في مصر سيذكر القائمين على إدارة البلاد بأن التهديدات ليست كلها ذات طبيعة عسكرية، فمنذ أن أصبح عبد الفتاح السيسي رئيسا للنظام في عام 2014، شدد على تهديد الإرهاب والتضحيات التي قدمها الجيش والشرطة لكبح جماحه.

إلا أن ذلك جاء على حساب مخاطر أخرى، وهذا لأن الجيش هو أقوى مؤسسة سياسية واقتصادية وأمنية في مصر، فمنذ عام 1952، لعبت المؤسسة العسكرية دورا حيويا وبارزا في النظام السياسي والاقتصادي والمجتمع وانخرطت بشدة في محاربة "المتشددين" في سيناء على مدى السنوات السبع الماضية.

ويؤكد التقرير أن الفساد المستشري وسوء توزيع موارد الدولة أدى إلى تفاقم الإحباط العام، مما فجر احتجاجات نادرة ضد السيسي في سبتمبر/أيلول 2019 بعد أن نشر محمد علي، المقاول السابق بالجيش، والذي يعيش في منفاه الاختياري، مقاطع فيديو اتهم فيها كبار القادة بالفساد.

وهذا الأمر دفع السيسي للتأكيد بأن القصور الرئاسية التي انتقد محمد علي بناءها كانت من أجل الصالح العام (الضروري لبناء دولة جديدة). في غضون ذلك، تواصل الحكومة المصرية بناء عاصمة جديدة شرق القاهرة، تقدر تكلفتها بـ 58 مليار دولار.

ويُشير التقرير إلى أن بناء عاصمة إدارية جديدة بمثل هذه التكلفة يزعج المصريين الذين لا يزالون يعانون من آثار تعويم الجنيه في عام 2016 مما أدى إلى فقدان الجنيه نصف قيمته مقابل الدولار الأميركي وارتفاع معدل الفقر في البلاد في عام 2018 ليصل إلى 32.5 %  بزيادة 5 نقاط مئوية عن عامين سابقين.

هذا بالإضافة إلى الركود الذي أصاب الاقتصاد المصري، لدرجة أن النشاط الاقتصادي الخاص غير النفطي في مصر تقلص في يناير/كانون الثاني 2020، إلى أدنى مستوى له منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.

ومما يزيد الأمور صعوبة علي الاقتصاد المصري هو أن الإغلاق العالمي الناجم عن الفيروس التاجي، سيتسبب في انخفاض حاد في المصادر الرئيسية للعملة الصعبة التي تشتد الحاجة إليها في البلاد، حيث تمثل الإيرادات من السياحة 12 % من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى تراجع رسوم الشحن عبر قناة السويس، والاستثمار الأجنبي والتحويلات المالية من العمال في الخارج.

وبالإشارة إلى تبعات الركود الإقتصادي الذي سينتج عن فيروس كورونا، يؤكد التقرير أن معدلات البطالة ستتفاقم جراء الإغلاق العالمي والمحلي، وستكون القوة العاملة المؤقتة في مصر، التي تقدر بين 5 ملايين و12 مليون هي الأكثر تضررا.

ومن بينهم 1.5 مليون عامل فقط سيحصلون على مساعدة من وزارة القوى العاملة - بدل 1500 جنيه مصري (حوالي 95 دولارا) على ثلاثة أقساط، والباقي لن يتلقوا مدفوعات لأنهم غير مسجلين في الوزارة، ولا يوجد لديهم تأمين اجتماعي أو أجر منتظم، مما يشكل قنبلة موقوتة.

يعود التقرير ليؤكد أنه مع استمرار انهيار القطاع الصحي تحت وطأة الوباء، ستجد الحكومة أنه من المستحيل الاستمرار في تبرير نفقاتها الضخمة على المدن، والقصور الرئاسية، والأجهزة الأمنية المتضخمة، مما سيدفع السيسي إلى تخفيف وطأة الغضب العارم خلال الفترة القادمة من خلال تكريم الأطقم الطبية وكافة العاملين بالصحة.

ويُشير التقرير إلى أن خطة السيسي للتغطية على انهيار القطاع الصحي وتذمر العاملين به والتي تقضي بتكريم الأطباء والفرق الطبية، قد بدأت بالفعل حيث تسارع وسائل الإعلام التي يسطر عليها النظام بإطلاق مصطلح الجيش الأبيض عليهم، بالإضافة إلى ضخ المزيد من الموارد في القطاع الصحي، كما عملت على فتح مراكز إضافية لإجراء اختبارات كورونا، وأنهتها برفع رواتب الأطباء.

وفيما يتعلق بتقليل آثار انتشار فيروس كورونا على القطاعات خارج القطاع الطبي، قررت الحكومة خفض سعر الغاز الطبيعي والكهرباء المقدم للمصانع وتأخير الضرائب العقارية لمدة ثلاثة أشهر.

كما خفضت الحكومة الضرائب على الأسهم، وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بنسبة 3 % وأرجأ ستة أشهر على تواريخ الاستحقاق للأعمال الصغيرة والقروض الاستهلاكية، لدعم القطاع الصناعي وتعزيز الاستثمار، إلا أن هذه الجهود ربما لا تكون كافية لتجنب الغضب الشعبي العارم.

احتمالية التغيير

ويقول التقرير: "يدرك مراقبو السياسة المصرية الحديثة مدى السرعة التي يمكن بها لدعوات للتغيير أن تتضخم في أوقات الأزمات، حيث بات من الواضح أنه إذا لم تتخذ الحكومة خطوات جذرية - خاصة لدعم القطاع الصحي - يمكن توقع موسم جديد من السخط".

ويضرب التقرير مثالا على ما حدث في يناير 2011 حين اختفت قوة الشرطة المصرية بأكملها، حيث أنهكتها ثلاثة أيام من الاحتجاجات والاشتباكات، وشجع الانسحاب المفاجئ الثوريين وأدى في النهاية إلى استقالة الرئيس حسني مبارك بعد 30 عاما من الحكم.

وأضاف: "يخبرنا التاريخ أيضا أن الهزيمة العسكرية الضخمة التي تلقتها مصر من إسرائيل في يونيو/حزيران 1967 دفعت زعيمها الكاريزمي جمال عبد الناصر إلى الاستقالة، لكن الهزيمة حطمت صورة مصر في العالم العربي".

على نفس المنوال، بلغت الأحداث المحمومة عام 1981، التي يطلق عليها في مصر "خريف الغضب"، ذروتها باغتيال الرئيس أنور السادات، والتي بدورها، أثارت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن ومسلحين.

ويؤكد كاتب التقرير: أن الأزمة الحالية أثبتت أنه "بدون شرعية حقيقية، لا يمكن للحكومة أن تواجه سيل الغضب العارم أو ترمم الشروخ التي أظهرتها الأزمة الصحية الحالية".

ففي حين يعاني القطاع الصحي المصري حالة انهيار شبه تام، فإن الجماهير تتابع بغضب جولات وزيرة الصحة المصرية إلي الدول المختلفة على متن طائرات عسكرية محملة بأدوات طبية لعدد من تلك الدول في الوقت الذي يموت فيه الأطباء بسبب عدم توفر أدوات الوقاية والتعقيم، مما أثار موجة غضب عارمة ضد الوزيرة علي مواقع التواصل الاجتماعي.

ويؤكد التقرير أن الأزمة الحالية ربما تؤدي إلى موجة جديدة من التغيير في مصر، فمنذ أن حكم السيسي، أصبح يستخدم القانون والخطاب العام ووسائل الإعلام الحكومية والتعليم والسينما والبرامج التلفزيونية للتأكيد على أن البطولة تأتي حصريا في زي موحد وأن الرجل القوي الذي يتولى القيادة هو العلاج الوحيد لأمراض البلاد.

واختلط الأمر ليصبح مزيج القومية والعسكرة نوعا من أيديولوجية الدولة، لكن الأطباء والممرضات هم الآن في الخط الأمامي للدفاع ضد الفيروس القاتل مع القليل من الدعم، حيث أصبح الزي الأبيض يطيح بالكاكي جانبا، فمواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالفعل بالثناء على الأطباء والشكاوى حول ظروف العمل السيئة التي يعانون منها.

ويختتم الباحث تقريره في مجلة فورين بوليسي باستشهاده بالتاريخ ليدلل على احتمالية التغيير في مصر جراء تفشي كوفيد 19.

وقال: إن "هناك سابقة تاريخية هامة، ففي عام 1918، دمرت الإنفلونزا الإسبانية مصر، مما أسفر عن مقتل 138 ألف شخص، أي حوالي 1 في المائة من السكان، معظمهم في ريفها الفقير".

ويشير المؤرخ كريستوفر روز الذي درس التأثير السياسي للوباء، إلى أن الاحتياجات العسكرية حلت محل احتياجات المدنيين، وجرى اجتياح المستشفيات بسرعة، وتوقف الإنتاج الزراعي حيث اجتاح الفيروس الريف، ودفعت الكارثة، التي جاءت في أعقاب الحرب العالمية الأولى المصريين إلى حافة الهاوية.

وفي عام 1919، أثارت الاحتجاجات الجماهيرية ضد الحكم البريطاني الأمة، حيث قُتل مئات الأشخاص، لكن الثورة كانت ناجحة، ففي غضون ثلاث سنوات، حصلت مصر على استقلالها.