مع بدء تنفيذ "أوبك بلس".. هل تصمد الاتفاقية في وجه التحديات؟

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 1 مايو/آيار 2020، دخلت اتفاقية "أوبك بلس"، حيز التنفيذ، بعد توقيعها في 12 أبريل/نيسان 2020، من قبل الدول الكبرى المنتجة للنفط، في ظل مخاوف من انهيار الاتفاق.

الاتفاق ألزم مجموعة أوبك بلس، بتخفيض إنتاج النفط بمقدار 9.7 ملايين برميل يوميا، أي نسبة 10 % من الإنتاج العالمي، في مسعى لإعادة التوازن لسوق النفط بعد أزمة جائحة فيروس كورونا التي ضربت العالم مؤخرا.

وقضى الاتفاق بأن تبدأ المرحلة الأولى في 1 مايو/آيار 2020، وتستمر لمدة شهرين، وبدءا من 1 يوليو/تموز وحتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2020، يتم زيادة الخفض 8 ملايين برميل يوميا، يتبعه تخفيض قدره 6 ملايين برميل يوميا لمدة 16 شهرا تبدأ من 1 يناير/كانون الثاني 2021 وحتى 30 أبريل/نيسان 2022.

وبموجب الاتفاق، سوف تخفض السعودية حصتها من النفط من 12 مليون برميل يوميا إلى 8.5 ملايين برميل، من إجمالي الكمية المتفق على تخفيضها يوميا خلال شهري مايو ويونيو.

مخاوف كثيرة

ومع أن الدول المنتجة للنفط توصلت لهذا الاتفاق الذي عده البعض تاريخيا، إلا أن مخاوف كثيرة تحيط بالاتفاق خشية انهياره، نظرا للتحديات التي تواجه ذلك الاتفاق والذي قد تحول دون قدرة هذا الاتفاق على الاستمرار، أو حتى قدرته على حل الأزمة في حال استمر العمل به.

من بين تلك التحديات أن إعادة توازن السوق يحتاج إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في تخفيض الإنتاج، وحسب سايمون هندرسون مدير برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، فإن شكوكا كثيرة حول نجاح اتفاق أوبك وقدرته على حل الأزمة، لأن الطلب مازال متراجعا بشكل كبير، وخزانات العالم ممتلئة بالنفط، وحمولات النفط راسية في كل مكان.

وحسب خبراء فإن تخفيض 10 ملايين برميل غير كافية لسحب الفائض من مخزونات الخام، مما يتوجب زيادة كميات التخفيض إلى نحو 30 مليون برميل يوميا، كي تستعيد السوق النفطية توازنها.

يكمن التحدي الثاني في القدرة على الحفاظ على مستويات عليا في التفاهم بين موسكو والرياض، خصوصا أن البلدين شهدا توترا غير مسبوق قضى على أشهر من الدبلوماسية وأسهم بانخفاض مستويات الثقة بين البلدين.

حسب دراسة  صادرة عن المعهد القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب تحت عنوان "لهذا قد ينهار اتفاق أوبك بلس بشأن النفط مجددا"، لا تزال هناك العديد من العوامل التي من الممكن أن تعرض الاتفاقية للخطر، منها أن الثقة بين الطرفين منخفضة، والاتفاقات ليست حازمة، وهناك إغراء كبير للانتهاكات والخفض ليس كافيا، خاصة إذا استمر الطلب في التقلص.

صحيفة ميدل إيست آي البريطانية نقلت أنباء عن مشادة كلامية تعالت فيها الأصوات وانتهت على نحو سيء، بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبيل اجتماع أوبك بلس في 6 مارس/آذار 2020.

التقرير ذكر أن ابن سلمان هدد بوتين بإغراق سوق النفط، إذا لم يوافق بوتين على خفض الإنتاج، وحسب مسؤولين سعوديين صرحوا لميدل إيست آي، فإن الخلاف هدد بإفساد شهور من الانفراج بين البلدين.

من جهته، نفى الكرملين أن يكون هناك حوار غاضب قد جرى بين الرئيس الروسي بوتين وولي العهد السعودي، ونقلت سبوتنيك الروسية عن المتحدث الرسمي باسم  الرئاسة الروسية أن الحديث عن وجود مكالمة غاضبة بين الجانبين هراء ولا صحة له.

اجتماع أوبك بلس في مارس/آذار 2020، شهد إخفاق كبار مصدري النفط في التوصل لاتفاق على صفقة حول تخفيض الإنتاج، قبل أن ينعقد مرة أخرى في  10 أبريل/نيسان 2020.

يتمثل التحدي الثالث في استمرار أمد أزمة كورونا، وفي حال طال أمدها فإن التراجع على الطلب سوف يكون مستمرا، وبالتالي فإن الخطة المزمنة لتخفيض الإنتاج إلى المستويات المتفق عليها لن تكون قادرة على حل الأزمة.

تقديرات مغلوطة

وفق متابعين، ابن سلمان سبق وهدد بإغراق السوق بالنفط، ودفع فلاديمير بوتين للاستسلام،  لكن تلك التقديرات خانته، فقد لجأ مؤخرا للموافقة على تخفيض إنتاج النفط بنسبة 35% من الإنتاج اليومي، بعد أن واجه عدة إشكالات وضغوط دولية.

إغراق الأسواق بالنفط تسبب في تراجع الأسعار على نحو غير متوقع، ما جعل ولي العهد السعودي يعيد النظر في تلك السياسة.

علاوة على ذلك، فإن أسعار النفط الأميركي الخام قد شهدت انهيارا تاريخيا غير مسبوق بشكل أثر على مؤشرات الأسواق في الخليج عموما وفي السعودية على وجه الخصوص.

انخفضت تعاملات سوق "تداول" في السعودية بنسبة 2.1%، كما انخفضت سوق أسهم أرامكو بأكثر من 1.8 بالمائة، وهو الأمر الذي تسبب بنقص في الإيرادات وعجز إضافي، قد يدفع  السعودية إلى تأجيل مشاريعها الضخمة أو إعادة جدولتها على مدار السنوات اللاحقة، وقد تلجأ في وقت لاحق إلى فرض ضرائب جديدة.

تقرير لصندوق النقد الدولي، نشرته صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، أشار إلى أن دول الخليج تنفق أكثر بكثير مما تسمح به أسعار النفط المنخفضة، ما سيؤدي إلى نفاد الاحتياطي النقدي في غضون 15 عاما.  

ورغم حديث البعض بأن ذلك الانهيار لا ينعكس على السوق الخليجية بشكل مباشر، إلا أن محللين رأوا أن صناعة النفط العالمية مرتبطة ببعضها البعض، وذلك ما تجلى في انخفاض مؤشرات الأسواق في السعودية ودبي وأبوظبي وقطر والكويت.

نواب جمهوريون، هددوا السعودية بالضغط على إدارة ترامب لسحب الأنظمة الدفاعية والجنود الأميركيين من السعودية الذين يسهمون بتأمين الدفاع الجوي لها ضد هجمات "الحوثي"، حال لم يوافق ابن سلمان على مطالبهم بتخفيض إنتاج النفط.

العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ دان سوليفان، والسيناتور كيفن كريمر صرحا بأنهما وآخرين يعملون على مشروع قانون، ينص على سحب جميع القوات الأميركية وأنظمة الدفاع الصاروخية من السعودية، ما لم تعد الرياض الاستقرار لأسواق النفط.

وتضررت شركات النفط الأميركية بشكل بالغ بسبب هبوط أسعار النفط، بسبب توجه الشركات لشراء النفط السعودي الرخيص، وعزوفهم عن شراء النفط الأميركي.

ونقل موقع "أويل برايس" الأميركي عن مصادر مقربة من البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب يبحث جميع الخيارات المتاحة لجعل السعوديين يدفعون ثمن حرب أسعار الطاقة، ومن بينها طرح قانون يسمح بمقاضاة أرامكو والوصول إلى أموالها.

الموقع المختص في الشؤون الاقتصادية، يشير إلى أن الكثير من المستشارين المقربين من ترامب يدفعون باتجاه تغريم السعودية الثمن، خاصة مع اقتراب الانتخابات وانهيار سوق المال والاقتصاد.

أعباء مضاعفة

عقب سياسة الإغراق التي انتهجتها، اضطرت السعودية إلى خفض ميزانيتها السنوية بنسبة 13 مليار دولار، من إجمالي الميزانية التي كانت قد أقرتها بداية العام المالي 2020، والذي كان مقرا بنحو بنحو 1.02 تريليون ريال (نحو 272 مليار دولار).

الرياض كانت قد أقرت تلك الميزانية بناء على سعر برميل النفط الذي كان يصل وقتها لنحو 60 دولارا، قبل أن ينخفض ويفقد أكثر من نصف قيمته عقب التوترات الروسية السعودية.

وضاعفت أزمة كورونا من الأعباء السعودية فأعلنت عن حزمة تدابير أخرى بقيمة 32 مليار دولار، علاوة على ذلك، أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان، أن الحكومة تسعى لأخذ موافقة الملك سلمان بن عبدالعزيز على استخدام مصادر مختلفة، مثل زيادة سقف الدين العام، والاحتياطات الحكومية، من أجل التعامل مع التحديات المستجدة.

وأعلن الوزير السعودي، عقب ذلك، أن الحكومة حصلت على موافقة العاهل السعودي، بزيادة سقف الدين العام من 30%  إلى 50% من إجمالي الناتج المحلي، أي إلى 100 مليار ريال (نحو 27 مليار دولار) هذا العام.

وأضاف الوزير أن السعودية قررت زيادة اقتراضها هذا العام، لتمويل عجز الموازنة الذي لن يزيد 9 بالمئة بنهاية العام، رغم توقعات سابقة بأن العجز لهذا العام لن يزيد على  6.4 بالمئة.