"خارطة جديدة".. هذه الدول تسعى لتحجيم دور إيران في سوريا

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم الخلافات السياسية العميقة والتي تقترب من الصدامات في بعض الأحيان، تلتقي مصالح دول عدة بشكل مباشر أو غير مباشر في تحقيق هدف واحد، وهو تحجيم دور إيران بسوريا والسعي إلى التقليل من تأثيرها في رسم مستقبل البلاد خلال المرحلة المقبلة.

يجمع هذا الهدف كلا من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وتركيا وإسرائيل والسعودية والإمارات، إذ تشير معطيات كثيرة على أرض الواقع إلى أنهم اتخذوا إجراءات ميدانية وتحركات سياسية خلال مراحل مختلفة، لإضعاف التأثير الإيراني في الملف السوري قدر المستطاع.

"قصف متواصل"

إيران التي ساندت نظام بشار الأسد بقمع الثورة الشعبية التي انطلقت عام 2011، باتت تخشى تنحيتها من المشهد السوري، إذ إن بعض الآراء السياسية في طهران تتهم روسيا بالسماح لإسرائيل باستهداف مواقع إيرانية وأخرى تابعة لموالين لها في سوريا.

ولعل آخر عمليات القصف الإسرائيلي التي استهدفت المواقع الإيرانية والمليشيات التابعة لها في سوريا، كانت في 27 أبريل/ نيسان 2020، وأوقعت 4 قتلى في صفوف القوات التابعة لإيران في ريف دمشق، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وتعليقا على الهجمات، قال وزير الدفاع الإسرائيلي نفتالي بينيت، في تصريحات تناقلتها وسائل إعلام عبرية: إنهم بدؤوا بمرحلة تعاط جديدة مع وجود إيران في سوريا، كاشفا أن المرحلة المقبلة "تتمثل بإخراج هذه القوات من سوريا".

ونقلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية في 27 أبريل/ نيسان 2020 عن بينيت قوله: "إسرائيل انتقلت من مرحلة إيقاف التموضع الإيراني في سوريا، إلى مرحلة إخراجها بشكل كامل".

وأضاف: "ستسمعون وسترون أشياء، فنحن لا نواصل لجم نشاطات التموضع الإيراني في سوريا فحسب، بل انتقلنا بشكل حاد من اللجم إلى الطرد، أقصد طرد إيران من سوريا"، لافتا إلى أن الهدف الأكبر لإسرائيل "هو إنهاء الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وإخراجها مع جميع تشكيلاتها قبيل نهاية العام الجاري 2020".

وأوضح وزير الدفاع الإسرائيلي إلى أنهم سيعملون على تكثيف القصف والغارات على المواقع الإيرانية، مشددا أن "إسرائيل لن تسمح أن يتعرض سكانها للقصف، بينما يعيش قادة إيران حياة هادئة في طهران".

وتعليقا على الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على إيران في سوريا، قال حسام الحفار رئيس مركز "إدراك" للدراسات (سوري معارض): "بشار الأسد في وضع معقد تضغط عليه مختلف الأطراف بما فيها روسيا وإسرائيل لتحجيم إيران في سوريا".

وأضاف الحفار في تغريدة على "تويتر": "الأسد أيضا تضغط عليه إيران لتوسيع نفوذها أكثر فأكثر. إذا فشل في تحجيم ايران فسيستبدلونه بمن يتكفل بهذه المهمة وإذا فشل في الاستجابة لطلبات إيران فلن ترحمه إيران. المهمة المستحيلة".

وبخصوص الموقف الروسي من القصف الإسرائيلي، فلم يصدر عن الأوساط الرسمية، حتى 29 أبريل/ نيسان 2020، أي تعليق، لكن الإعلام الحكومي اكتفى بالحديث عن رواية النظام السوري بأن دفاعاته الجوية تصدت "لاعتداء إسرائيلي".

وربما يكون صمت موسكو أو قد تصدر تصريحات لا تؤثر في وقف هجمات إسرائيل ضد نفوذ إيران، دليلا على رؤية الدبلوماسي الإيراني السابق قاسم محبعلي، بأن روسيا تتنحى جانبا في مثل هذه الضربات.

وقال محبعلي في تصريحات سابقة نشرها موقع "انتخاب" المقرب من الرئيس الإيراني حسن روحاني، في مايو/أيار 2019: "عندما كانت الهجمات الإسرائيلية تضرب أهدافا إيرانية في سوريا، لم يكن للروس أي ردة فعل، وسمح لإسرائيل بالهجوم على المواقع الإيرانية".

وأردف: "قد يحدث هذا هنا أيضا (في إيران)، في حال تطورت الأزمة الحالية مع الولايات المتحدة، لذلك ليس فقط لا يعمل الروس شيئا لحلفائهم بل سيصطادون بالماء العكر" على حد تعبيره.

"خارطة جديدة"

وفي تطور لافت في الملف السوري أيضا، فإن الهدنة التي جرت في إدلب باتفاق روسي تركي في 5 مارس/ آذار 2020، لم تشارك فيه إيران، وجاء بالتزامن مع دعوة الرئيس حسن روحاني نظيره التركي رجب طيب أردوغان لعقد اجتماع ثنائي يبحث موضوع إدلب.

إبعاد إيران عن "هدنة إدلب" دفعها إلى محاولة خرقها بتحشيد مليشيات شيعية عند نقاط التماس مع الجيش التركي، الأمر الذي حذرت منه أنقرة طهران رسميا على لسان وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو.

وقالت صحيفة "حرييت" التركية في تقرير لها: إن تركيا وجهت تحذيرا إلى إيران بسبب انتهاك مليشياتها وقف إطلاق النار بإدلب، وذلك خلال المباحثات التي عقدت في 22 أبريل/ نيسان 2020 بين الدول الضامنة الثلاث عن بعد.

وأوضحت أن مولود تشاووش أوغلو، تحدث في اجتماع مع نظيريه الروسي سيرغي لافروف، والإيراني محمد جواد ظريف، عن انتهاكات المليشيات الإيرانية الداعمة للنظام السوري، في إدلب، محذرا الجانب الإيراني من استمرارها.

وفي مقال للكاتب التركي، فهيم تاشتكين في موقع "دوفار" أشار إلى "خارطة طريق جديدة" تسير عليها روسيا في سوريا تشمل تنحية الأسد، ليحل مكانه علي مملوك رئيس الأمن الوطني، مع رفع العزلة الدبلوماسية والعقوبات عن سوريا، وبدء عملية إعادة البناء.

وأشار تاشتكين خلال مقاله الذي نشره في 23 أبريل/ نيسان 2020 إلى أن خارطة الطريق تحمل في ثناياها إبعاد إيران من سوريا، ولهذا السبب هرول ظريف إلى دمشق ليؤكد للأسد عدم تخلي بلاده عنه.

وبخصوص زيارة ظريف المفاجئة إلى دمشق ولقائه الأسد في 20 أبريل/ نيسان 2020، رأى الكاتب ماجد العزام أن "الرسائل والأهداف السياسية من زيارة ظريف تضمنت تأكيد الحضور في القضية السورية ردا على التهميش الذي تعرضت له إيران خلال الفترة الماضية وإقصائها عن ملفات عدة بما فيها الوضع في محافظة إدلب مع إمساك روسيا وتركيا بالملف".

وأضاف العزام في مقال نشره موقع "تلفزيون سوريا" المعارض في 25 أبريل/ نيسان 2020: أن التهميش لإيران هذا يأتي "تأكيدا لحقيقة أن عملية أستانا هي في الحقيقة عبارة عن اثنين زائد واحد وليست 3 أطراف ندية متساوية".

وحسب قوله، فإن "بند أستانا كان أحد أسباب زيارة ظريف السياسية لدمشق، حيث تم اتخاذ قرار روسي تركي بتنشيط اللجنة الدستورية ضمن جهد دبلوماسي عام من أجل حل سياسي للقضية السورية مع ضغط روسي على النظام لوقف عرقلة عمل اللجنة، ووضع العصي في دواليبها".

وتابع الكاتب، قائلا: "لذلك سعى ظريف لإبلاغ الأسد بالقرار كي لا يجري إبلاغه به عبر موسكو، وبالتالي تأكيد فكرة أنها وليست طهران الراعية الأساسية لنظام الأسد".

وخلال مقال للكاتب الإسرائيلي تسفي برئيل "هآرتس" العبرية نشرته في يونيو/ حزيران 2019، أشار إلى أن إيران تلقت "صفعتين مؤلمتين" من روسيا، الأولى عندما رفضت موسكو طلب إيران الحصول على صواريخ "إس – 400" المضادة للطائرات، والثانية عندما سمحت لإسرائيل بقصف أهداف إيرانية في سوريا.

"تعويم الأسد"

لم تخف الولايات المتحدة الأميركية موقفها من ضرورة إخراج إيران من سوريا، إذ أعلنت ذلك في أكثر من مناسبة على لسان مسؤوليها، وشدد وزير الخارجية مايك بومبيو في تصريحات سابقة أن "جزءا من إستراتيجية بلاده الشاملة في الشرق الأوسط تهدف لإخراج إيران وأذرعها من سوريا".

وفي كلمة له خلال جلسة للكونجرس الأميركي، في مارس/ آذار 2019، طمأن بومبيو قلق أعضاء المجلس بشأن انسحاب واشنطن من سوريا والذي من شأنه أن يعزز نفوذ طهران هناك.

وقال بومبيو: "إستراتيجية الإدارة الأميركية صممت بشكل يمنع تموضع إيران في سوريا"، لافتا إلى أنهم ينسقون مع جميع الحلفاء لكي لا تؤدي الأمور في سوريا إلى تقوية إيران وروسيا هناك.

وفي هذه النقطة تحديدا، رأى الكاتب التركي فهيم تاشكين، أن الولايات المتحدة غير مستعدة للانسحاب من حقول النفط شرق الفرات، أو قاعدة التنف والتي تهدف لتقويض نشاطات إيران في سوريا.

مثل ذلك التوجه ربما يساور السعودية والإمارات، وخصوصا أنهما تحاولان تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، حيث سرب موقع "المصدر" الإخباري المقرب من النظام السوري، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2018 معلومات تفيد أن الرياض ودمشق تعملان "من خلال قنوات خلفية" عبر أبوظبي للتوصل إلى مصالحة سياسية.

وكتب دبلوماسي هندي مخضرم -خدم في كبريات الدول العربية المؤثرة وله علاقات جيدة مع السعودية - في أبريل/نيسان 2020، عن رسائل إيجابية بعث بها ولي العهد محمد بن سلمان إلى الأسد في عدد من المقابلات، داعيا علنا إلى الاعتراف بانتصار الأسد وقبول الرياض حكمه في مقابل إخراج إيران من المشهد السوري.

هذه الرسائل "الإيجابية" من ابن سلمان تتنافى ومواقف الرياض السابقة التي اعتبرت أن أي حل في سوريا - سواء كان سياسيا أو عسكريا- يجب أن يؤدي لرحيل الأسد.

مساعي التقارب العربي مع نظام الأسد ليست حكرا فقط على أبوظبي والرياض، حيث انخرطت مصر ودول خليجية أخرى في مساعي كسب ود النظام السوري والسعي لجعل سوريا "قضية عربية" مجددا.

ووفق محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس" العبرية تسفي برئيل، فإن روسيا تعمل على استعادة النظام السوري السيطرة على كل أراضي سوريا، باعتباره رافعة وأداة لتعميق حضورها في الشرق الأوسط في إطار عملية شاملة تتضمن تعويم النظام، وإعادة علاقاته مع السعودية والإمارات ومصر، كمخرج من العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية التي فرضت عليه.

وأضاف برئيل في تقرير نشرته الصحيفة العبرية في يونيو/ حزيران 2019: أن "الرؤية الروسية تتعارض فعليا مع مصالح طهران التي ترى في سوريا موقعا إستراتيجيا يعزز دورها الإقليمي في مواجهة السعودية، ومن خلالها تضمن نفوذها وتواصلها مع لبنان على البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي تستكمل خط تحالفاتها في المنطقة".

وبخصوص ردة الفعل الإيرانية من محاولة أطراف عدة تحجيم دورها في سوريا، خلص الكاتب ماجد العزام إلى أن "النظام الإيراني يسعى يائسا إلى إخفاء أزماته الداخلية ونكساته في سوريا والمنطقة بشكل عام، واضطر لإرسال قناعه السياسي الدبلوماسي جواد ظريف إلى سوريا بقناعه الطبي لإيصال رسالة بعكس ذلك".

وزاد العزام قائلا: إن صورة لقاء ظريف والأسد تكاد تختصر المشهد كله، إيران خسرت في مواجهة جائحة كورونا "التي ستنحسر بيولوجيا من تلقاء نفسها" وستخسر بالتأكيد معركتها اليائسة لحماية وبقاء جائحة بشار الأسد.