رغم غياب الضغط الدولي.. لماذا ألغت الرياض الجلد وإعدام القُصّر؟

محمود سامي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بصورة مفاجئة وفي أقل من أسبوع، ألغت السلطات السعودية، عقوبة الإعدام لمرتكبي الجرائم من القُصّر، واستبدلتها بالسجن مدة لا تزيد عن 10 سنوات، وذلك بعد أيام قليلة من الكشف عن وثيقة صادرة عن المحكمة العليا تفيد بأن المملكة ألغت الجلد كشكل من أشكال العقاب.

وتزامن ذلك مع وفاة الناشط والمفكر السعودي البارز عبد الله الحامد في محبسه بالمملكة، نهاية أبريل/نيسان 2020، بسبب الإهمال الطبي وفق تقارير حقوقية. وقوبل قرار إلغاء الجلد وإعدام القُصّر، بتحذيرات حقوقية بشأن "ثغرات" خطيرة تخللتهما، في حين اعتبرهما آخرون مساع لـ"التغزل بالغرب".

كما أثيرت تساؤلات حول توقيت ودواعي إلغاء العقوبتين، خاصة أنهما صدرتا بصورة مفاجئة، ولم تكن هناك نقاشات أو ضغوطات حالية على المملكة التي سبق أن تجاهلت الانتقادات الدولية الموجهة إليها في هذا الشأن.

ويقول ناشطون: إن للسعودية واحد من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم، ويعتبرون الإجراءات التي يصفها النظام بـ"الإصلاحية" جنين مشوه بالانتهاكات والقمع.

قرارات مفاجئة

في 26 أبريل/نيسان 2020، أعلنت السعودية عبر هيئة حقوق الإنسان الرسمية، عن إلغاء عقوبة إعدام القُصّر، حيث نقل بيان عن رئيس الهيئة عواد بن صالح العواد قوله: إن "الأمر الملكي يعني أن أي شخص حُكم عليه بالإعدام في جرائم ارتكبها عندما كان قاصرا (أقل من 18 عاما) لم يعد يواجه الإعدام".

وأشار إلى استبدال العقوبة بالسجن مدة لا تزيد على 10 سنوات في منشأة احتجاز للأحداث. كما أكدت الهيئة في اليوم نفسه أن "المحكمة العليا ألغت عقوبة الجلد في قضايا التعزير، وذلك بتوجيه المحاكم بالاكتفاء بعقوبتي السجن أو الغرامة أو بهما معا أو بأي عقوبة بديلة". 

وكانت وكالة رويترز، كشفت في 24 أبريل/ نيسان الجاري، عن إعلان بإلغاء عقوبة الجلد، بحسب وثيقة اطلعت عليها.

وعن إلغاء إعدام القُصّر، قال مايكل بيج نائب مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش: إن "التغييرات غير كافية لحماية الأحداث من العيوب الكبيرة في نظام العدالة الجنائية السعودي سيئ السمعة، بما في ذلك خطر التعذيب، والمحاكمات الجائرة، وعقوبة الإعدام".

وطالب بيج، وفق تقرير للمنظمة الحقوقية الدولية، بأن "تكون هذه التغييرات نقطة انطلاق لإجراء إصلاح شامل وشفاف لنظام العدالة الجنائية في السعودية".

وفي السياق ذاته حذّر المسؤول في "هيومن رايتس ووتش" آدم كوغل، في تصريحات صحفية من أن "إعلان إلغاء عقوبتي الإعدام للقُصر، والجلد، يوحي بوجود ثغرة يمكن أن تؤدي إلى عقوبات أخرى لجرائم معينة".

وهو ما اتفقت معه منظمة "ريبريف" للدفاع عن حقوق الإنسان، بتأكيدها أن الإجراء يتضمن "ثغرات مهمة" تسمح للنيابة العامة بـ"مواصلة المطالبة بعقوبة الإعدام في حق الأطفال".

وأكدت رئيسة المنظمة مايا فوا أن الأمر لا يتعدى كونه "كلمات بلا معنى ما دام هناك أطفال في رواق الموت".

فيما ذكرت منظمة العفو الدولية، في تقرير أن السلطات لم تنشر بعد الأمر الملكي الذي يتضمن الإعلان علنا، ولا تزال لوائحه التنفيذية غير واضحة.  وأشارت إلى أن أسر المحكوم عليهم بالإعدام لم تتلق حتى الآن أي معلومات حول قضايا ذويهم، مؤكدة أن "إصلاح قانون عقوبة الإعدام للقصّر يتسم بالقصور".

وطالبت أن "يُستتبَع القرار بالإلغاء التام" من قبل السعودية التي سبق أن قالت المنظمة الدولية: إنها "من أكثر خمس دول في العالم تنفذ أحكام الإعدام، وترتيبها هو الثالث بعد الصين وإيران".

وثمة أمر أشارت إليه هيومن رايتس ووتش، يتمثل في أن ما نشره الإعلام السعودي بشأن قرار إلغاء إعدام القُصّر، "يفصّل قانونا أُقر في 2018 (نظام الأحداث) الذي يوفر بعض الحماية للأطفال ضمن نظام العدالة الجنائية".

ويحدد القانون - بحسب المنظمة - الحد الأقصى للسجن لأي شخص أدين بارتكاب جريمة قبل أن يبلغ 18 عاما في مدة لا تزيد عن عشر سنوات، لكن هذا القيد لا ينطبق على قضايا القصاص والحدود.

وسيسمح المرسوم الجديد بتطبيق أحكام قانون 2018 بأثر رجعي، ما يعني أن المدّعين ملزمون بمراجعة قضايا الأحداث المدانين ووقف العقوبات لأولئك الذين قضوا عشر سنوات بالفعل. ومع ذلك، يبدو أن التعليمات الجديدة ستستبعد المدانين بجرائم تتعلق بالإرهاب، وفق رايتس ووتش.

تحويل للأنظار

وعن دواعي إلغاء عقوبة الجلد، توقع المحامي والحقوقي السعودي طه الحاجي، أن "يكون محاولة للتغطية على وفاة الحامد في السجن بسبب الإهمال الصحي رغم تقدمه في السن".

وقال الحاجي في تصريح لموقع "دويتشه فيله" الألماني، في 28 أبريل/نيسان: إن "الرياض تحاول شغل العالم بإنجازات ابن سلمان (ولي العهد السعودي) عوض التركيز على فضيحة وفاة مناضل سعودي معروف"، مضيفا أن "طريقة إعلان الأمر تؤكد أن القرار محاولة للتغزل بالغرب". 

وفسر ذلك، بأن "الأمر الملكي لم ينشر بطريقة رسمية كالعادة ولم يضج الإعلام الرسمي له بل تم بداية تسريب الخطاب وبعد يومين تناولته هيئة حقوق الإنسان السعودية كأول جهة رسمية تتحدث عن الموضوع وذلك عبر حسابها الناطق بالإنجليزية في تويتر وليس الصفحة العربية وهذا وحده يوضح الكثير".

وفيما يخص إلغاء عقوبة إعدام القُصّر، أكد الحاجي أن "القرار الملكي لم يأت بجديد فكل ما ذكره موجود في قانون الأحداث، لكن النيابة العامة والقضاء السعودي يتجاهلان هذا القانون ومازالت النيابة العامة تطالب بإعدام القاصرين رغم أن القانون حدد لهم عقوبات خاصة ليس من ضمنها القتل".

كما حذر المحامي السعودي، من ثغرة في القرار، وهي استثناء تهمة الإرهاب، وهو ما يعني أن إعدام القُصّر بتهمة الإرهاب سيستمر، "والإرهاب في السعودية مفهوم واسع جدا جدا، فالدولة قد تحاكم أي طرف يعارض قراراتها أو ينتقدها بتهمة الإرهاب"، وفق قوله.

وكانت هيئة حقوق الإنسان، أوضحت أن "الأمر الملكي يشمل الأحداث الصادر بحقهم أحكام نهائية في قضايا الإرهاب".

وبالتزامن مع الإعلان عن تلك المستجدات، أعلن عن وفاة عبد الله الحامد في سجون السعودية، وهو أحد أبرز المناضلين من أجل الإصلاح السياسي والحقوقي السلمي، والذي دفع حياته ثمنا لمواقفه ومبادئه عقب إصابته بجلطة. 

وفي 2009، شارك الحامد وأكاديميون وحقوقيون آخرون في تأسيس جمعية "الحقوق المدنية والسياسية السعودية" (حسم)؛ ردا على الوضع المتدهور لحقوق الإنسان في المملكة، والتي أوصت بخلق نظام ملكي دستوري فيه برلمان مُنتخب ومؤسسات قانونية شفافة تخضع للمساءلة. 

ويؤكد مراقبون أن الإصلاح الذي كان يطالب به الحامد وزملاؤه "لا يمت للإصلاح الذي يروج له ابن سلمان بصلة".

وتعليقا على رحيله، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": إن الحامد أمضى الأعوام السبعة الأخيرة من حياته في السجن، بعد إدانته في مارس/آذار 2013 بسبب نشاطه السياسي والحقوقي السلمي. 

وأكدت في تقرير في 24 أبريل/ نيسان 2020، أنه "لا يزال عشرات المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة محتجزين فقط لنشاطهم السلمي، وغالبا ما يخضعون لمحاكمات ظالمة، مطالبة السلطات السعودية، بـ"إطلاق سراحهم جميعا فورا بدون شروط".