في سجون السعودية.. من لم يقتله التعذيب مات بالإهمال الطبي

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

من لم يمت منهم اغتيالا وغدرا، مات تعذيبا أو إهمالا في السجون، نهاية مرسومة ومعروفة ومتوقعة لكل من يرفع صوته أو يجر قلمه ناصحا أو منتقدا، أو معارضا للنظام الحاكم في المملكة العربية السعودية.

آخر حادثة اغتيال على يد النظام الملكي السعودي كانت من نصيب الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية الرياض بإسطنبول في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، حيث تم تقطيع جثته بالمنشار ثم التخلص منها بعد ذلك بشكل لم تفصح عنه السلطات السعودية حتى الآن.

أما آخر واقعة قتل بطيء وممنهج عبر الإهمال الطبي في سجون المملكة فكانت من نصيب الدكتور عبدالله الحامد الناشط والأكاديمي السعودي، سبقه في ذلك الدكتور صالح الضميري والدكتور أحمد العماري، مرورا بالشيوخ تركي الجاسر، سليمان الدويش وفهد القاضي.

آخر المغدورين

كان آخر ضحايا تلك السياسة الممنهجة، الأكاديمي السعودي الدكتور عبدالله الحامد الذي توفي مطلع شهر رمضان الموافق 24 أبريل/نيسان 2020، في معتقله نتيجة تدهور حالته الصحية وإصابته بجلطة، ثم تركه لأكثر من 4 ساعات في غيبوبة قبل نقله للمشفى، الأمر الذي أدى إلى وفاته.

حساب "معتقلي الرأي" الحقوقي على تويتر كتب معلنا أن الدكتور عبدالله الحامد توفي نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، الذي تسبب له بجلطة دماغية أودت بحياته، بعد تركه في غيبوبة لعدة ساعات قبل نقله للمستشفى.

وأضاف: أن "الحامد كان محتاجا منذ عدة شهور لإجراء قسطرة قلبية، غير أن السلطات ماطلت في ذلك حتى أصيب بجلطة دماغية، ثم أهملت إسعافه لساعات في السجن، حتى توفي".

وأكدت منظمة القسط (غير حكومية) في بيان سابق، أن "الحامد أحد أبرز المعتقلين السياسيين في السعودية يعاني من وضع صحي متدهور، منذ أكثر من 3 أشهر، ولم تقبل السلطات الإفراج عنه رغم سنه الذي شارف على الـ70 عاما"

رحلة الحامد مع السجون بدأت عام 1993، اعتقل 6 مرات، أولها في يونيو/حزيران 1993، وآخرها في 9 مارس/آذار 2013.

 

ثمن النصيحة

الداعية السعودي الشيخ فهد القاضي، توفي أيضا داخل السجون السعودية في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، نتيجة الإهمال الطبي بحسب اتهامات عائلة القاضي.

وفاته داخل المعتقلات السعودية أثارت غضبا شعبيا كبيرا ظهر على شكل حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وشاركت حشود كبيرة في تشييعه والصلاة على جنازته بمسجد الراجحي في الرياض.

نجله يوسف القاضي كتب على تويتر: "انتقل إلى رحمة الله الشيخ فهد القاضي من المعتقل السياسي نتيجة إهمال طبي، وأشير إلى أن الشيخ فهد اعتُقل عام 2016 مع عدد من رموز الوطن، من ضمنهم الشيخ عبدالعزيز الطريفي والدكتور إبراهيم السكران والدكتور محمد الحضيف".

ووفق حساب معتقلي الرأي المهتم بالحالة الحقوقية داخل المملكة العربية السعودية، فإن الشيخ القاضي قد اعتقل على خلفية خطاب مناصحة أرسله إلى الديوان الملكي السعودي.

براءة بعد الموت

الشيخ الدكتور أحمد العماري عميد كلية القرآن في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، هو الآخر كان أحد ضحايا النظام السعودي لكن بالتعذيب والإهمال الطبي معا.

فمع أن الدكتور العماري توفي بسبب جلطة دماغية، بعد إهمال حالته الصحية وعدم القيام بإجراء تدخل طبي بشكل عاجل، إلا أن الناشط الحقوقي السعودي ورئيس منظمة "قسط" يحيى العسيري أفاد بأن الشيخ العماري تعرض للضرب والتعذيب والتعليق من القدمين، في سجن ذهبان، بالقرب من مدينة جدة، الأمر الذي أسهم بتدهور حالته النفسية والجسدية.

وكان الشيخ العماري قد اعتقل في يناير/كانون الثاني 2019 ، قبل 5 أشهر من تصفيته داخل السجون، على خلفية انتقاداته للعائلة الحاكمة وهيئة كبار العلماء.

وسبق للسلطات السعودية أن قامت بفصل الدكتور العماري من الجامعة الإسلامية، الذي كان عميدا لكلية القرآن فيها، ومنعته من السفر، وفرضت عليه حظرا من ممارسة أي أنشطة، بما فيها تدريس العلوم الشرعية.

وعلى إثر دخول العماري في غيبوبة، اتصلت السلطات السعودية بأسرته وأخبرتهم بأنها أسقطت جميع التهم الموجهة له، وحررت أمرا بالإفراج عنه، غير أن العماري كان حينها في حالة موت دماغي، بعد إصابته بالجلطة ونقله في وقت متأخر إلى إحدى مستشفيات المملكة.

عقوبة فريدة

لا يشترط أن تكون معارضا أو منتقدا للنظام السعودي حتى تدخل قائمة المستحقين للموت، فيكفي أن تؤيد معتقلي الرأي، كما هو الحال مع الشيخ صالح الضميري، الذي اعتقلته الرياض عقب تصريحاته المناصرة لمعتقلي الرأي.

دفع الضميري حياته ثمنا لمواقفه، وتوفي بسبب إهمال طبي مع مرضه بالقلب، في سجن الطرفية بمنطقة القصيم (وسطا) في أغسطس/آب 2019.

شملت القائمة أيضا الصحفي السعودي تركي الجاسر، الذي كشفت صحيفة "مترو" البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أنه قتل تحت التعذيب في المعتقلات السعودية، بعد قيام مكتب تويتر في دبي، بكشف هويته الحقيقية للسلطات السعودية.

وقالت الصحيفة: "الصحفي تركي الجاسر اعتقل في السعودية في مارس/آذار 2018 باعتباره صاحب حساب (كشكول)، والذي كان متخصصا في نشر معلومات عن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل أفراد العائلة المالكة ومسؤولين في السعودية، ثم توفي أثناء تعرضه للتعذيب في المعتقل".

وأشارت الصحيفة إلى أن هوية الجاسر الحقيقية سربت من قبل موظفين بمكتب "تويتر" في دبي، الذي تورط في التجسس على حسابات منشقين سعوديين، بحسب الصحفية.

 

تغريدات الموت

الشيخ سليمان الدويش أيضا ممن دفع حياته ثمنا لآرائه، حيث كتب سلسلة تغريدات على تويتر حذر خلالها الملك سلمان، بشكل غير مباشر، من منح الثقة لابنه ولي العهد محمد بن سلمان، الذي وصفه بـ"المراهق والمدلل".

بعد أقل من يوم نشره التغريدات، في أبريل/نيسان 2016، اعترضت الأجهزة الاستخباراتية طريقه خلال زيارته إلى مكة المكرمة، وقامت بإخفائه قسريا لأكثر من 15 شهرا، قبل أن تتلقى العائلة اتصالا وحيدا من الشيخ الدويش.

وفي أغسطس/آب 2018، أعلن حساب "معتقلي الرأي" وفاة الدويش في السجون السعودية جراء التعذيب. وأضاف الحساب: "تأكد لنا خبر وفاة المعتقل الشيخ سليمان الدويش تحت التعذيب في السجن، ويتحفّظ حساب معتقلي الرأي عن ذكر تفاصيل التعذيب الذي تسبب بوفاة الدويش تقديرا لشخصه".

وحسب ما ذكر تقرير للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، في يناير/كانون الثاني 2018، مازالت السجون السعودية تمتلئ بمعتقلي الرأي، وينتظر البعض مصيرا مماثلا، في ظل تواتر أنباء عن اعتزام السلطات السعودية إصدار حكم الإعدام بحق عدد من الدعاة، بينهم الشيوخ سلمان العودة، وعوض القرني، وعلي  العمري، حيث تطالب النيابة العامة بقتل الأول تعزيرا.