رغم تضحياتهم في أزمة كورونا.. لهذا تتصاعد الكراهية ضد مسلمي الغرب

محمد صلاح | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد أن كان يتردد على نحو متقطع في سبعينيات القرن الماضي، أصبح مصطلح "الإسلاموفوبيا" أكثر تداولا في أوساط "اليمين المتطرف" في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على برجي مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك.

ومثلت الهجمات "لحظة فاصلة" ضمن أحداث تاريخية عميقة وممتدة منذ الحروب الصليبية مرورا بالإمبراطورية العثمانية والاستعمار الأوروبي، وصولا إلى حقبة التسعينيات التي شهدت أطروحة "صراع الحضارات" على يد صامويل هنتنغتون عام 1996.

ومنذ ذلك الحين لم تتراجع ظاهرة "الإسلاموفوبيا"، وما يزال المسلمون يتعرضون للترهيب والتمييز وإهانة رموزهم الدينية باستمرار، ويتعمد بعض الساسة الغربيين إظهار الإسلام كدين شرير، وتنشر وسائل الإعلام اليمينية مواد إعلامية تبرر العداء للإسلام.

ويبدو أن جهود الأطباء المسلمين ودفع بعضهم حياته ثمنا لإنقاذ شعوب أوروبية من هجمة فيروس كورونا، لم تشفع لهم عند قوى اليمين المتطرف التي تقود هذه الحملة الشرسة.

وأظهرت جهات رصد مستقلة "أن هناك ارتفاعا في وتيرة جرائم الكراهية ضد المسلمين على الإنترنت في بريطانيا خلال الجائحة"، فيما يخشى عديد من المسلمين من أن تسوء الأمور على مشارف شهر رمضان"، ليبرهن اليمين المتطرف أنه لن يرضى عن المسلمين مهما فعلوا، لأن ثأره التاريخي سيظل مع الإسلام نفسه.

المسلمون في المقدمة 

في أجواء المواجهة مع تفشي كوفيد- 19 في الغرب، تجلت بطولات إسلامية مشرفة، فكان أول خمسة أطباء فقدوا حياتهم بسبب فيروس كورونا في بريطانيا من المسلمين الذين تقدموا الصفوف لصد الوباء.

وهم: البروفيسور المصري سامي شوشة، والطبيب العراقي حبيب زيدي، والطبيبان السودانيان عادل الطيار وأمجد الحوراني، والنيجيري ألفا سعادو. فضلا عن الممرضة الباكستانية أريما نسرين. كما شهدت بقية الدول الأوروبية، لاسيما إيطاليا، فقد عدد من الأطباء العرب حياتهم، وما زال عدد آخر منهم يتلقى العلاج.

ومؤخرا أُعلن في المملكة المتحدة عن وفاة طبيبين ليبيين هما: يونس رمضان التينز، كبير المفتشين الصحيين في مجلس بلدية هارينغاي بشمال لندن، والصادق الهوش، أخصائي جراحة العظام والمفاصل بمدينة ليفربول البريطانية، بعد إصابتهما بفيروس "كورونا".

وقد أظهر فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، موكب توديع مهيب للدكتور الصادق الهوش من قبل تلامذته ومحبيه أثناء خروج جثمانه من المستشفى الذي كان يعمل به.

وهو ما دعا أوساط بريطانية من بينها البروفيسور تود غرين، مستشار وزارة الخارجية السابق لملف "الإسلاموفوبيا"، للإشادة بالأطباء المسلمين على موقع تويتر بالقول: "إنه رغم انتشار الإسلاموفوبيا في بريطانيا، إلا أن الأطباء المسلمين يخاطرون بحياتهم في سبيل إنقاذ الآخرين من كورونا".

كما انفردت المساجد البريطانية بمبادرات غير مسبوقة، حيث تطوع مسجد شمال غرب لندن بتخصيص عدد من غرفه وساحته الكبرى لاستقبال المرضى لتخفيف الضغط على المستشفيات.

هذا إلى جانب مبادرة أطلقها مسجد "فينسبري بارك" لتوزيع وجبات الطعام على العاملين في القطاع الصحي في مختلف المستشفيات في العاصمة لندن. وفقا لقناة الجزيرة.

أما ولاية كونيتيكت الأميركية فقد كانت على موعد مع مسيرة سيارات حاشدة نظمت لتحية الطبيب الأميركي المسلم من أصل باكستاني سعود أنور، الاختصاصي في أمراض الرئة. لاختراعه جهاز تنفس اصطناعي يمكن أن يستخدمه سبعة مرضى في آن واحد.

أسباب الكراهية

طيف واسع جدا من مجموعات اليمين المتطرف يعتمد على حزمة من العقد المتأصلة منها:

1- الفتوحات والمعارك القديمة، وخصوصا مع العثمانيين، فوفقا للبحث المشار إليه سابقا لكل من أديس دوداريجا وحليم راني، فالإسلاموفوبيا "مصطلح جديد لمفهوم قديم" راكمته وجهات نظر سلبية موروثة منذ محاولات الفتح الإسلامي لأوروبا، رسختها بعض الكتابات المسيحية التي يعود تاريخها إلى القرن السابع، وما زالت تظهر في خطابات اليمين المتطرف حتى الآن.

فقبل يومين من تنفيذ هجومه على مسجدين في مدينة كرايست تشيرتش النيوزيلندية، نشر الأسترالي برينتون تارانت بيانا على الإنترنت يتضمن إشارات إلى "معارك قديمة"، وكان شغوفا بزيارة مواقع كمدينة "فيينا" التي اعتبرها خط الدفاع الأول في حرب دارت رحاها بين أوروبا والعالم الإسلامي عام 1683.

2- ترسخ الهاجس بأن المسلمين يشكلون تهديدا للهوية الأوروبية، وبأنهم سيحلون محل السكان الأوروبيين في نهاية المطاف، فقد احتوى بيان تارانت أيضا، على فكرة أطلق عليها اسم "الاستبدال العظيم"، معتبرا أن "الشعوب الأوروبية" قد تُستَبدَل بمسلمين.

وفي كتابها "الإسلام العدو المفضل: جوانب تاريخية وسياسية واجتماعية نفسية للعنصرية ضد المسلمين" قالت الكاتبة الألمانية بيترا فيلد: إنه "عندما بدأ الأوروبيون بتأسيس هويتهم الخاصة بهم في العصور الوسطى، انتشرت لديهم مقولة: أن تكون أوروبيا يعني ألا تكون مسلما".

3- "معدل التكاثر" ومشكلة البطالة، والقلق المتزايد بشأن تزايد عدد السكان المسلمين. لذا استهل تارانت بيانه بهذه العبارة "معدل التكاثر". وبحسب المفكر السوري د. نبيل شبيب، فقد تأسست التربة الاقتصادية لليمين المتطرف على "الربط بين ارتفاع البطالة من جهة، وارتفاع نسبة الوجود البشري الإسلامي في أوروبا من جهة أخرى". 

4- مستوى الجهل أو العداء للإسلام، والذي صنعته المناهج الدراسية ووسائل الإعلام بالدرجة الأولى، وساهم فيه المسلمون في الغرب عموما نتيجة قدر لا بأس به من "الانعزالية" من جانبهم.

هذا الجهل أو العداء، سببته المخاوف التي انتشرت بين السكان عندما أصبحت المظاهر الإسلامية ظاهرة للعيان في الدول الأوروبية. بحسب د. شبيب.

وفي تناولها لصناعة الثقافة والسياسة في الغرب وعلاقتها بتزايد العنصرية ضد المسلمين. تقول بيترا فيلد: "الإسلام يُناقش في الإعلام الغربي ضمن مواضيع محددة مثل، الحجاب وقتل الشرف وزواج الغصب والواعظين الكارهين للغرب". 

5- الخوف، فقد عرّف مجلس حقوق الإنسان التابع للإمم المتحدة "الإسلاموفوبيا" كحالة من "العداء المستند على الخوف من الإسلام، تكون نتيجته الخوف من جميع المسلمين أو غالبيتهم".

وذكر أديس دوداريجا وحليم راني في بحثهما أنه "في عصرنا هذا أصبح الخوف من الإسلام والمسلمين، سببا لجعل دعاة الإسلاموفوبيا "يكرهون" كل ما يرتبط بهذا الدين. ويحولون كراهيتهم إلى مجموعة من الأفعال التي تسيء إلى حقوق المسلمين في أشكال من العنصرية في الحياة اليومية.

6- عُقد أخرى، حيث رصد البحث السابق أسبابا أخرى لهذا العداء، تراكمت منذ ستينيات القرن الماضي، مثل زيادة النفوذ الاقتصادي للدول العربية الإسلامية الغنية بالنفط. وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل الأنظمة القمعية تحت راية الإسلام.

بالإضافة إلى تنامي الأعمال الإرهابية التي ارتكبت باسم الإسلام. إلى جانب الوضع المتدني للمهاجرين مقارنة بالمجتمعات الأوروبية التي يهاجرون إليها، والذي يؤدي إلى تعريضهم للتهميش وأشكال التمييز المختلفة.

المناخ والمستقبل 

يقول د. نبيل شبيب: إن "أوروبا بشكل عام تميل إلى اليمين بصورة مطردة تضاعفت بعد سقوط الشيوعية، وانعكس ذلك في السياسات الرسمية التي وفرت مناخا عاما أسهم في انتشار التطرف اليميني".

وأضاف: أن "المصدر الأشد خطورة على مستقبل العرب والمسلمين في أوروبا، يتمثل في التوجه السياسي الرسمي إلى تبني دعوات اليمين المتطرف ذاته، من خلال تقنين ممارسات تعود بالأضرار على المسلمين هناك على وجه التحديد، مما يعطيها صبغة عنصرية تتناقض مع المبادئ المعلنة لأنظمة الحكم الأوروبية".

وهو ما يؤدي إلى "انتشار التطرف اليميني المقترن باستخدام العنف انتشارا واسعا، وتحول الخطاب في قمم الأطلسي من شعار (صراع الحضارات) إلى شعار (مكافحة الأصولية) لتجنب ذكر (الإسلام) لنصل في خاتمة المطاف إلى (الحرب على الإرهاب)".

والأهم من النقاط السابقة "أن جميع هذه التطورات السلبية كانت تجد ما يعززها بقوة في المناخ الرسمي المعادي للإسلام نفسه، ومستوى الكتب المدرسية والكنسية ووسائل الإعلام والترفيه، إلى أعلى أجهزة صناعة القرار الغربي في القطاعات الأمنية والسياسية والفكرية".

كما تشير بيترا فيلد في كتابها إلى "وجود عنصرية ضد المسلمين في مؤسسات الدولة، تساعد الحكومات الغربية لتتهرب من مسؤولياتها الحقيقة من خلال وضع وزر الفشل الناتج عن سياسات الليبرالية الجديدة والأزمات والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المسلمين". 

في حديثه عن التحرك الإسلامي المضاد يقول د. شبيب: "إن موجة الاعتداءات العنصرية، وارتفاع نسبة المسلمين من أهل البلاد الأصليين أو المواليد من الجيل الثاني والثالث للوافدين، ساهما إلى جانب عوامل أخرى في تطور ملحوظ في أوساط العمل الإسلامي".

كان من نتائج ذلك المباشرة تذويب كثير من الاختلافات القديمة، وازدياد نسبة التنسيق والتنظيم المشترك عبر الحدود والفواصل الجغرافية والانتماءات العرقية والحزبية، وظهور مرجعيات شاملة للمسلمين في أوروبا على أكثر من صعيد.

هذا إضافة إلى تمثيل أكبر وأشد فعالية لمصالح المسلمين في حياتهم اليومية المعيشية داخل المجتمع الأوروبي وما يرتبط بذلك من ازدياد التواصل مع الجهات الرسمية والشعبية ذات العلاقة".

كما أصبح هناك إقبال أكبر مما مضى على اقتناء ترجمات معاني القرآن الكريم، وسائر الكتب التي تتحدث عن الإسلام والمسلمين، ومزيد من التردد على المساجد والإقبال على النشاطات المحلية للمسلمين أكثر مما مضى. فضلا عن ارتفاع نسبة اعتناق الإسلام على مستوى الشباب.

ورغم المخاوف من توجيه ضربات محتملة إلى مكامن قوة الوجود الإسلامي في الغرب، بهدف إحداث نكسة لما تحقق من تقدم ملموس في صفوف العمل الإسلامي، بالإضافة إلى انفتاحه على المجتمع من حوله، وظهور البوادر الأولى لتأثيره على صناعة الرأي العام وصناعة القرار، فإنه من المستبعد أن يصبح مستقبل الوجود الإسلامي في الغرب "مظلما" على المدى المتوسط أو البعيد، لأسباب عديدة,

في مقدمتها ما يمكن وصفه بالمناعة الذاتية، وهي من العوامل الرئيسية التي سبق وحافظت على وجود المسلمين ورسخت هويتهم إبان الحرب العالمية الثانية والوقت الحاضر.

وإلى جانب المناعة الذاتية نجد أن القوى الكنسية نفسها بدأت تتجه نحو الحوار والتعاون المدروس مع الجهات الإسلامية، بعد أن وصلت الحملة "العلمانية الأصولية" في الغرب إلى البقية الباقية من مواقع القوى الكنسية في مناهج التدريس.

بالإضافة إلى أن نسبة جهل عامة الغربيين بالإسلام بدأت تتضاءل عاما بعد عام، سواء تحت تأثير الاحتكاك المباشر أو بتأثير مفعول الصحوة الإسلامية في بلاد المسلمين وفي الغرب، أو نتيجة تطور وسائل الاتصال ونقل المعلومات. بحسب د. شبيب.