"أنا وراجلي" و"رامز مجنون رسمي".. كيف تصدرت السادية مقالب رمضان؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عرف علماء النفس "الساديزم" بأنه مرض نفسي حقيقى عندما يصيب شخص ما يجعل غايته ألم الآخرين، لا يشترط أن يتألم الضحية جسديا، بل يكفي المريض بحالة الساديزم أن يرى الآخر يتعذب نفسيا أو اجتماعيا، فهو يهيئ كل الوسائل الممكنة لإذلال الآخر والشعور بألم يخرج من صدره.

أنماط من السادية والكراهية، انتشرت في عالمنا العربي خلال السنوات الأخيرة نتيجة المتغيرات السياسية والاقتصادية، التي خلفت آثارا سلبية على المجتمع.

وفي شهر رمضان المعظم، الذي يتبارى فيه المسلمون إلى فعل الخيرات، كانت الشعوب العربية على موعد مع محتوى صادم قدمته بعض القنوات، في قالب برامج "المقالب"، كان أشهرها برنامج "رامز مجنون رسمي" الذي يقدمه الفنان المصري رامز جلال على قنوات MBC، بالإضافة إلى برنامج جزائري بعنوان "أنا وراجلي".

ورغم أن برامج المقالب عادة دارجة في رمضان، إلا أنها هذه المرة جاءت صادمة، ما دفع هيئات ومؤسسات إلى المطالبة بوقف عرضها ومقاضاة أصحابها، والتحذير من خطورتها على المجتمع والأسرة.

سادية مخيفة

مع انطلاق شهر رمضان الكريم للعام 2020، كعادته قدم الفنان المصري رامز جلال برنامج "مقالب"، وفكرته قائمة على الإيقاع بضحية من المشاهير العرب، سواء كانوا فنانيين، أو رياضيين، أو إعلاميين.

يستدرج رامز ضحاياه هذا العام للمشاركة في برنامج باسم "الحقيقة"، من تقديم الإعلامية أروى، ثم يظهر رامز في البرنامج لاحقا ليوقع ضيفه في مقلب "التعذيب" وجها لوجه، أثناء جلوس الضيف على كرسي وهو مقيد ولا يستطيع الحركة، وفجأة يظهر الاسم الحقيقي للبرنامج "رامز مجنون رسمي"، ويبدأ عرض فقرات المقلب. 

ضمت الفقرات أفعالا قاسية تحتوي على التعذيب، كالتكبيل في كرسي، والصعق بالكهرباء، وتحريك الكرسي في الهواء بشكل متسارع، ثم النزول إلى حوض من المياه التي يزيد منسوبها تدريجيا، ليشعر الضيف بأنه أوشك على الغرق، بالإضافة إلى ظهور أنواع من الأفاعي والحيوانات التي تمثل رعبا للضيوف.

البعض شكك في حقيقة المقلب، معتبرين أنه يجري باتفاق مسبق مع الضيف، لكنه في جميع الأحوال يبث قيما وأخلاقيات غير حميدة في المجتمع.

المحامي المصري عمرو عبدالسلام قد بلاغا رسميا للنائب العام ضد رامز جلال، متهما إياه بالتحريض على العنف بشكل واضح من خلال المقالب التي يمارسها مع ضيوفه.

وفي 27 أبريل/ نيسان 2020، أعلن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، أنه يناقش مخالفات برامج وإعلانات شهر رمضان، بما في ذلك برنامج "رامز مجنون رسمي".

وسبق أن شدد المجلس على ضرورة الالتزام بمعايير الأعمال الدرامية والإعلانات التي وضعها، ومن بينها "الالتزام بالكود الأخلاقى والمعايير المهنية والآداب العامة واحترام عقل المشاهد والحرص على قيم وأخلاقيات المجتمع".

خطر شديد

وفي 28 أبريل/ نيسان 2020 كتب دكتور أحمد عمارة استشاري الصحة النفسية، عبر بيان رسمي على صفحته بفيسبوك، انتقادا شديدا لمحتوى برنامج "رامز مجنون رسمي".

عمارة قال: "أعلن اليوم وبعد مشاهدتي لأكثر من حلقة من برنامج (رامز مجنون رسمي) أن هذا البرنامج يشكل خطرا شديدا أكثر مما يتخيل أحد على صحة من يشاهده نفسيا، وعلى مشاعره اليومية أثناء تعامله في رحلته في الحياة".

مضيفا: "إذ أننا اليوم وبعد العديد من الأبحاث المكثفة لعلماء النفس في العالم وبعد ظهور مئات النتائج التي تؤكد أن التعاطف مع الآخرين هو من أهم عوامل السعادة والصحة النفسية".

وأضاف: "مثل هذا البرنامج يزيد الطين بلة بنشر ثقافة الضحك والتلذذ بمشاهدة معاناة الآخرين وذلهم وآلامهم، سواء كان تمثيلا أو حقيقيا مما يؤسس لجيل جديد لا يلقي بالا للآخر ولا لمعاناته، بل يتلذذ بالمقالب والمعاناة والألم مما يفتح المجال لأعداد أكبر من المعانين المتأثرين نفسيا في المستقبل القريب".

وأوضح الاستشاري النفسي أن "انتشار هذه النوعية من البرامج في عالمنا العربي وبعض الثقافات القريبة من ثقافاتنا يشير إلى زيادة نسبة هؤلاء المعانين نفسيا ويساهم في تفاقمها أكثر وأكثر، وأكد عمارة على مجموعة من النقاط المهمة قائلا:

1- مشاهدتك لهذا البرنامج وشعورك بالتلذذ بمواقف الإهانة والألم حتى وإن كنت ترى أنه تمثيل سوف يؤثر على عقلك اللاواعي سلبا بأقصى مما تتخيل وستجني ثمار ذلك في زيادة نسبة الألم والمعاناة في حياتك القادمة .

2- سيزيد من نسبة تمسكك بالحقد والغل وعدم نسيان أذية الغير لك مما يفاقم من المشاعر السلبية لديك ويجعل مفهوم العفو والتسامح صعبا جدا عليك بل أصعب مما تتخيل.

3- سينشىء حالة من الانفصال المشاعري بين الزوجين، ولن يشعر أحد منهم بالمشاعر الحقيقية للآخر مهما كانت معاناته في العلاقة.

4- ستلاحظ زيادة لديك في الفجر في الخصومة ورد الصاع صاعين لمن يتسبب لك في أي أذى وستكون في قمة الاستمتاع وأنت تراه في صورة مهينة ذليلة.

5- سيعزز مفهوم الانتقام والبلطجة في المجتمع بصورة لا يتخيلها أحد.

6- سيعزز لحالة النرجسية والأنانية والاستغلال للآخرين وظلمهم وعدم إعطاء كل ذي حق حقه.

7- سيعزز الإيجو (حب الذات) لديك وسيزداد الانتصار للذات على حساب الآخرين حتى لو كنت على خطأ وهم على صواب.

8- سيزيد من احتمالية وقوعك في مواقف النصب والاحتيال والظلم وأكل الحق.

9- ستجد صعوبة دائما أثناء السعي لأهدافك في الحياة (ستيسر للعسرى).

10- سيساهم في إنشاء جيل يسعى للتسلق على تدمير الآخرين، جيل يرى في السرقة والغش سبيلا سهلا لتحقيق أحلام الثراء والغنى. 

11- يعتبر النواة والجذر الرئيسي لسلوكيات التنمر وأذية مشاعر الآخر بغرض التسلية والضحك واللعب والتي أصبحت منتشرة بشدة في الأجيال الجديدة بصورة مبالغ فيها لم نكن نعهدها من قبل.

سلوكيات منفرة

الحقوقي المصري هيثم أبو خليل قال "للاستقلال": "بلا شك أن برنامج (رامز مجنون رسمي) يشكل خطرا داهما على الأسرة العربية، ويجعل الناس تتماهى مع التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، وهنا نتساءل عن القيمة التي تضيفها مثل هذه البرامج للمجتمع العربي، فهل أصبح التعذيب شكلا من أشكال الترفيه والضحك".

وأكد أبو خليل: "آلية التعذيب كريهة، وحقيرة، ومكروهة في العالم أجمع، وما حدث في برنامج (رامز مجنون رسمي) عملية تشويه لنفسية المشاهدين وتحويلهم لساديين (يتلذذ بتعذيب الآخر) ومازوخيين (يتلذذ بتعذيب نفسه)، وهو أمر سيء، ولا بد أن يكون هناك عقاب رادع لرامز والمسؤولين عن مثل هذه البرامج التي تنتهك حقوق الإنسان".

وأكد الحقوقي المصري: "هناك سعة للأفكار والبرامج الإيجابية، حتى هذه القناة التي تقدم هذا المحتوى السلبي الآن، سبق وقدمت من قبل برنامج (الصدمة) الذي تفاعل معه ملايين المواطنين في العالم العربي، وكان يحث على فعل الخير والإيجابية، فلماذا إذا لا يتم الاهتمام بهذه البرامج، بدلا من الحالة العبثية القائمة".

أما الصحفي المصري محمد كمال فقال لـ"الاستقلال": "هناك إشكالية ضخمة بين قيمة المحتوى، وجاذبيته والترويج له، لذلك فإن تلك البرامج المثيرة تحقق مشاهدات عالية، ويتابعها ملايين المشاهدين في العالم العربي، وبرامج مقالب رامز جلال، تصدرت المشاهدات لسنوات طويلة". 

وأضاف كمال: "ومع الانتقادات التي توجه إلى رامز، كان لا بد من معالجة طبيعة البرنامج، لا أن يتمادى في السلوكيات المنفرة، فمسألة استخدام الصعق بالكهرباء تحديدا في ترهيب الضيوف، لا يمكن قبولها، أو الترويج لها، خاصة وأن هناك أطفالا وشبابا يشاهدون البرنامج، ويحاولون تقليده في بعض الأحيان، ما يمثل خطورة بالغة". 

واختتم كمال حديثه: "مجتمعاتنا التي تعاني الفرقة والعنف والكراهية، في حاجة ماسة إلى رسالة إعلامية مختلفة، تدفعها للترابط، ونشر التسامح، والنهضة والإنتاج، خاصة في شهر رمضان الفضيل، فأين البرامج الدينية والتوعوية؟ وأين الاهتمام بها كما كان في السابق؟".

"أنا وراجلي"

برنامج المقالب "أنا وراجلي"، الذي يعرض على قناة "نيوميديا" التلفزيونية الخاصة بالجزائر، أثار أيضا غضب الجزائريين، لما حمله من فكرة استغلال فقر المواطن ومظهره العام في الإيقاع به عبر خدعة إعجاب إحدى الفتيات به، وبعد التلاعب بمشاعره، يتبين في النهاية أنه مجرد مقلب. 

أحد المشاهدين دون على فيسبوك، قائلا: "لكم أن تتخيلوا أن يؤتى بشخص في 39 من العمر أعزب وفقير لدرجة لا يتصورها الإنسان، ويوهمونه بزوجة جميلة ولديها منزل ومال.. وبالفعل تأتي هذه الزوجة (لا أدري كيف قبلت هذا الدور) وتجلس أمامه وتوهمه بأنها أُعجبت به، ويُضحكون به الناس".

مضيفا: "والله لا أدري أي قلوب تملكون في صدوركم! ما هذا الانحطاط، وما هذه النذالة! كيف سمح لكم ضميركم بفعل هذا التصرف الشنيع ناهيك عن السُفل وسوء الأخلاق لتلك المرأة التي شاركت.. متى جعلتم من الفقر أضحوكة وتُشهرون به في التلفاز في شهر مبارك. قاطعوا قنوات العار والله إنها تغرس مبادئ وقيما خطيرة جدا سيكون لها عواقب جد وخيمة على الجيل الصاعد".

وإثر تصاعد موجة الغضب ضد البرنامج، وجهت سلطة "الضبط السمعي البصري"، وهي هيئة حكومية جزائرية، تراقب عمل القنوات الخاصة، إنذارا لقناة "نوميديا" التلفزيونية، في 27 أبريل/ نيسان 2020، لعرضها برنامجا لـ"الكاميرا الخفية" اعتبر منتقدون أنه "مهين ومسيء لقيم المجتمع الجزائري"، ما اضطر القناة إلى الاعتذار ووقف بث البرنامج.

وقالت الهيئة الحكومية، في بيانها: "برنامج أنا وراجلي، الذي بثته قناة نوميديا، تضمن مخالفات جسيمة مست بقواعد المهنة وأخلاقياتها وأخلت بمبادئ وقواعد النظام العام". 

وفور صدور الإنذار، قالت القناة، في بيان: إنها "تتقدم باعتذارها عما ورد في برنامج الكاميرا الخفية (أنا وراجلي)، وتعتبر بث الحلقات خطأ معزولا وسوء تقدير".

واعتبرت أن ما حدث "لا يعكس تماما حرص القناة على خدمة العائلة الجزائرية وتقديم محتوى يتماشى ومقدسات المجتمع، خاصة في شهر رمضان". وأعلنت  "سحب البرنامج، الذي ينتجه فريق عمل مستقل من شبكتها البرامجية الرمضانية، واتخاذ إجراءات عقابية تفاديا لتكرار هذا الخطأ".