إدارة الدولة بالفضائح الجنسية.. كيف يسير السيسي على خطى صلاح نصر؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 23 أكتوبر/تشرين الأول 1956، استدعى الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر رفيقه صلاح نصر وطلب منه أن يذهب إلى جهاز المخابرات العامة ليصبح نائبا للمدير.

كان المدير وقتها هو علي صبري، وبعد عدة أشهر أصبح علي صبري وزير دولة، وتولى صلاح نصر رئاسة الجهاز في 13 مايو/أيار 1957.

اعتمد صلاح نصر في عمله بالمخابرات على أسلوب الفضائح الجنسية، ونسج شباك الرذيلة حول ضحاياه من رجال السلطة والسياسة والفنانيين والمعارضين.

الكتاب والأدباء تباروا إلى نسج القصص، وتدوين "شهادات على العصر" لتلك الحقبة المأساوية في تاريخ مصر الحديث، والتي انتهت بنكسة يونيو/حزيران 1967 المروعة واحتلال إسرائيل لسيناء.

ورغم النهاية المأساوية للجيش المصري وقتها ولجهاز المخابرات العامة ومديره صلاح نصر الذي أصيب بشلل عقب النكسة، إلا أن الجنرال عبد الفتاح السيسي الذي وصل للحكم بانقلاب عسكري في 3 يوليو/تموز 2013، جاء بعد 56 عاما ليستنسخ طريقة صلاح نصر في إدارة مصر كلها وليس فقط جهاز المخابرات.

أجهزة السيسي الأمنية والمخابراتية تتربص بالمعارضين، وتتجسس على الجميع، وتكشف عن فضائح جنسية لمن يخالفها في الرأي، فهل تنتظر مصر نكسة أخرى جديدة على غرار ما وقع في 1967؟.

سلاح قديم

اشتهرت الحقبة الناصرية باستخدام سلاح الفضائح الجنسية ضد المعارضين، وكان رائد هذه المدرسة صلاح نصر، حسب ما كشفه المهندس حلمي السعيد، الذي اختاره عبد الناصر، للتحقيق في القضية المشهورة، والمعروفة إعلاميا بـ  "انحراف جهاز المخابرات".

السعيد ذكر في كتابه "مذكراتي للأجيال"، أنه "في 28 أغسطس/ آب 1967، بدأ التحقيق في القضية، وكان يشاركه المهمة رجل المخابرات الشهير، محمد نسيم، وكان التحقيق يدور حول سوء استعمال النساء والأموال السرية في الجهاز.

ووفق السعيد "كان من الضروري استدعاء 44 سيدة وفنانة، و9 أفراد من خارج الجهاز بخلاف 14 من قوة الجهاز، وكانت صورة من التحقيقات تُرسل إلى سامي شرف، مدير مكتب عبد الناصر، وصورة أخرى لأمين هويدي، رئيس الجهاز، الذي حل محل صلاح نصر".

وفي حواره مع قناة العربية في فبراير/ شباط 2015، اعترف الفنان الراحل عمر الشريف، بأن المخابرات في عهد صلاح نصر، كلّفته بعملية "قذرة"، تبدأ بإقامة علاقة مع فنانة شهيرة، تمهيدا للوصول إلى والدها وتصفيته، لأنه كان من خصوم الدولة الناصرية.

اعتماد خورشيد 

الطريقة التي اعتمدها نظام السيسي في تتبع المعارضين، وبعض كبار رجال الدولة، جاءت على غرار ما كشفته اعتماد خورشيد في كتابها المشهور "شاهدة على انحرافات صلاح نصر"، والذي نشرته عام 1989. 

أخطر ما أوردته المنتجة السينمائية المصرية، ليس ما يتعلق بصلاح نصر فقط، بل بوزير الإعلام السابق صفوت الشريف، التي قالت عنه: إنه كان "يبيع النساء".

خورشيد، خلال الفيديو الذي أعيد نشره كجزء من حوارها مع برنامج "أنا والعسل"، على قناة الحياة، والذي يعود إلى أواخر عام 2012، أكدت أن الشريف كان "يسيطر على حسني مبارك (الرئيس الراحل) من خلال أشرطة جنسية تدينه".

وكشفت اعتماد خورشيد أن "نشاط صفوت الشريف لم يقتصر على مبارك فحسب، بل امتد لينجح بالسيطرة على العديد من الشخصيات البارزة التي شغلت مناصب حساسة في الدولة".

معركة الدستور

وعلى نهج صلاح نصر وتلميذه صفوت الشريف (ضابط في الجيش وأحد ضباط المخابرات المصرية في فترة الستينيات) يسير السيسي (رئيس سابق لجهاز المخابرات العسكرية) في التعامل مع معارضيه ومنتقديه.

من أفدح حوادث التسريبات الجنسية التي اعتمدها نظام السيسي، تسريب فيديوهات مخلة للمخرج السينمائي والبرلماني خالد يوسف، الذي أبدى رفضه للتعديلات الدستورية، التي تمنح السيسي حق البقاء في الحكم حتى عام 2033.

وفي 10 مارس/ آذار 2019، خلال لقاء مع الإعلامية نوران سلام، مقدمة برنامج بلا قيود على قناة "بي بي سي" عربية، قال خالد يوسف: "التعديلات الدستورية، تعد انقضاضا على كل ما ثار المصريون من أجله في ثورة 25 يناير".

وأضاف: "التعديلات المطروحة تشوه الدستور ولا تتفق مع قيم الدولة المدنية الديمقراطية. هل كان الواقع الحالي في مصر يعكس الدعوة إلى تأسيس حكم الفرد أو تأسيس نظام مستبد؟".

بعدها فوجئ الرأي العام بتسريب فيديوهات جنسية للمخرج السينمائي، مع فنانتين صاعدتين، ظهرتا في الفيديو المسرب، وتم اتهامهما بنشر الفجور وممارسة الرذيلة.

وعلق خالد يوسف على الأمر، قائلا: "هناك فجور أو رذيلة مورست في غرفة مغلقة، أيا كان الفاعل أنا أو غيري من تورط بها، فمن صدّر هذه الرذيلة للعامة هو الجاني"، مؤكدا أن النظام تعمد "تشويه صورته".

صورة مفبركة

بعد شهادتيهما أمام الكونغرس الأميركي بشأن واقع الحريات المتردي في مصر، وبسبب معارضتهما لنظام عبد الفتاح السيسي، نشرت مجلة "حريتي"، وهي إحدى إصدارات "دار التحرير للطبع والنشر" الحكومية في مصر، صورة مفبركة تجمع الممثل خالد أبو النجا والممثل عمرو واكد كما لو كانا في مسبح متعانقين، ونشرتها على غلافها في نيسان/أبريل 2019 مع عنوان: "عملاء وأشياء أخرى".

وأوردت الصحيفة في تقريرها "الانبطاح ليس أمرا جديدا على الممثل خالد أبو النجا أو الممثل الأصفر كما يُطلق عليه في الوسط الفني، لتأييده المثلية الجنسية، والمثليين في جميع فعالياتهم حتى أصبح معروفا بينهم".

امتدت التسريبات الفاضحة أيضا إلى النائب هيثم الحريري عضو تكتل "25- 30" المعارض، داخل البرلمان، فبعد ساعات من عقد التكتل، مؤتمرا صحفيا، أعلن فيه رفضه للتعديلات الدستورية، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، تسريبا لمكالمة هاتفية، زعم مسربها أنها تخص النائب خلال حديثه مع إحدى السيدات المتزوجات.

وتحت عنوان "فعل فاضح للنائب هيثم الحريري" تم تسريب المقطع على مواقع التواصل، بعدها أقام سمير صبري المحامي دعوى مستعجلة أمام محكمة القضاء الإداري لإلزام رئيس البرلمان بدعوة لجنة القيم في المجلس لإسقاط عضوية الحريري.

شفيق والقضاة 

مع إعلان الفريق أحمد شفيق، ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2018، ضد السيسي، بدأت ضده حملة تشويه وهجوم ضارية، ونشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في تقرير له أنه "حصل على معلومات خاصة عن ملابسات عودة الفريق أحمد شفيق عن قراره بالترشح للانتخابات الرئاسية المصرية"، والتي أرجعها إلى أنه "سيتعرض لحملة تشويه مبنية على ادعاءات بسوء السلوك الجنسي والفساد".

وذكر الموقع البريطاني أن "شفيق تلقى التهديدات، بعد عودته من الإمارات مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2017"، وبحسب الصحيفة التي نشرت المعلومات عن لسان مصادر رفضت الإفصاح عن هويتها، فإن هذه التهديدات تتمثل في "أشرطة فيديو تتضمن سوء سلوك جنسي". 

وفي إطار سعي السيسي إلى الهيمنة الكاملة على المؤسسة القضائية، استخدم سلاحا متداولا في يد السلطة، عبر إثارة العديد من قضايا الفساد، والرشى الجنسية التي لاحقت القضاة وأعضاء النيابة.

الأمر تكرر مع القاضي شريف حافظ (من أنصار تيار استقلال القضاء)، الذي خفّف الحكم بحق الفتيات في قضية (حركة 7 الصبح)، إلى الحبس سنة مع إيقاف التنفيذ في ديسمبر/ كانون الأول 2013.

الحكم المخفف أغضب السيسي، بعدها تم اتهام حافظ في قضية رشوة جنسية في يونيو/ حزيران 2016، ورفعت عنه الحصانة القضائية، وأحيل لمجلس التأديب، ليحكم ببراءته في يوليو/ تموز 2016، لكن بعد أن تلوثت سمعته.