خطة شيوعيي السودان لتعيين الولاة الجدد.. هل تعصف بحكومة حمدوك؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعيين الولاة الجدد تعد من أشرس معارك الفترة الانتقالية في السودان، لما في المنصب من حساسية بالغة، ومهام وأدوار مفصلية تغوص في عمق شؤون  الدولة.

تيار اليسار بقيادة رئيس الحكومة عبدالله حمدوك يسعى لفرض سيطرته على عملية تعيين الولاة الجدد، وهو ما تعارضه قوى ثورية أخرى، ترفض سياسة الإقصاء التي يمارسها نظام حكم ما بعد البشير، بحق باقي التيارات، خاصة الإسلاميين.

معركة الولاة الجدد، تأتي في وقت يزداد فيه التوتر بين الإسلاميين المتجذرين في أركان ومفاصل الدولة والمجتمع السوداني، وبين نظام الحكم الجديد في البلاد، فإلى أين ستسير الأمور؟.

التراتيب الإدارية

في 21 أغسطس/ آب 2019، بدأت السودان مرحلة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى "إعلان الحرية والتغيير".

وفي 11 أبريل/ نيسان 2020، خلال احتفال الثوار بالذكرى الأولى لعزل الرئيس المعزول عمر البشير، اتفق بعض الشركاء على مصفوفة ملزمة لتنفيذ مهام عاجلة منها استكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية، وتعيين الولاة المدنيين الجدد.

نظام الحكم المحلي في السودان، يقسم البلاد إلى 18 ولاية، تتمتع كل منها بسلطات تشريعية وتنفيذية واسعة، ويقتصر دور الحكومة المركزية على التخطيط وإقرار السياسات العامة، وكذلك تعيين الولاة.

هذا التقسيم تم الاتفاق عليه عام 2005، بعد اتفاق السلام الشامل بين الجهة الشمالية للسودان والجهة الجنوبية، حيث تم تقسيمها بناء على الموقع الجغرافي، فهناك ولايات قسمت في المنطقة الشرقية والمنطقة الغربية والمنطقة الجنوبية والمنطقة الوسطى.

قبل انفصال جنوب السودان عن شماله في يوليو/ تموز 2011، كانت الدولة تتكون من 26 ولاية، وتعد الخرطوم، الولاية الأهم باعتبارها العاصمة، ويبلغ عدد سكانها قرابة 5 ملايين نسمة، وتنقسم بين 3 مدن كبرى، هي أم درمان العاصمة الوطنية، والخرطوم العاصمة السياسية، والخرطوم بحري، وهي خليط من كافة قبائل السودان.

أما ثاني الولايات، هي ولاية الجزيرة، وعاصمتها مدني، بعدد سكان يبلغ 3 ملايين نسمة، وهي شبيهة بالخرطوم من حيث السكان، بسبب وجود مشروع الجزيرة الزراعي الذي يعتمد عليه السودان في غذائه.

الولاة العسكريون

مشهد تعيين الولاة كان حاضرا بقوة أواخر أيام البشير، عندما قرر بعد خطابه يوم 22 فبراير/شباط 2019، إصدار مراسيم جمهورية بحل مجلس الوزراء القومي، وإعفاء الولاة، وتعيين 18 واليا ينتمون إلى الجيش والشرطة والأمن، لتسيير أعمال الحكومة.

بعد عزل البشير في 11 أبريل/ نيسان 2019، ، كلف رئيس المجلس العسكري الانتقالي، آنذاك، الفريق أول عبد الفتاح البرهان (رئيس مجلس السيادة حاليا)، قادة الفرق والمناطق العسكرية بتسيير مهام الولاة في ولايات البلاد الـ 18.

وحسب ما أوردته وكالة الأنباء السودانية الرسمية، في 25 سبتمبر/ أيلول 2019، طالب الولاة المكلفون، خلال اجتماعهم مع وزير ديوان الحكم الاتحادي يوسف آدم الضي، بإعفائهم من مناصبهم، واختيار ولاة مدنيين بدلا منهم.

وعلل الولاة العسكريون، على أن تكليفهم ألقى بظلاله على قواعدهم العسكرية، في إشارة إلى كونهم قادة الحاميات العسكرية بالولايات، ما يجعل المسؤولية شاقة ومعقدة، في ظل الأوضاع المتدهورة، والاحتجاجات المستمرة، والاختلافات البينية داخل الحكومة والمجلس السيادي بشأنهم. 

لم يخل عمل الولاة العسكريين من المنغصات، في ظل تربص حكومة حمدوك، الذي قرر في 16 أبريل/ نيسان 2020، إعفاء والي الخرطوم، الفريق أحمد عبدون حماد، من منصبه.

وأفاد بيان صادر عن إعلام مجلس الوزراء، بأن حمدوك، قرر تكليف وزير ديوان الحكم الاتحادي، يوسف آدم الضي، بتسيير مهام والي الخرطوم، إلى حين تعيين وال جديد. ولم يذكر البيان أي تفاصيل حول سبب الإعفاء، لكنه عبر عن حجم الخلافات المحيطة بعمل الولاة.

مصفوفة منقوصة

في 16 أبريل/ نيسان 2020، أعلنت الآلية المشتركة للسلطة الانتقالية في السودان، تواصل الحكومة مع وساطة مفاوضات السلام، لإخطارها بتعيين ولاة في البلاد مؤقتا إلى حين توقيع اتفاق السلام.

وتشمل مفاوضات السلام 5 مسارات هي: إقليم دارفور (غربا)، ولايتا جنوب كردفان (جنوبا) والنيل الأزرق (جنوب شرق)، وشرق السودان وشمال السودان، ووسط السودان.

ووفق بيان صادر عن الآلية المشتركة لمتابعة تنفيذ مصفوفة استكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية، أكد أنه "لضمان تكليف الولاة المدنيين بصورة مؤقتة إلى حين توقيع اتفاق السلام، اتصلت الحكومة بالوساطة والجبهة الثورية (تضم حركات مسلحة) لتخطرها بهذا، وشرح حيثيات وضرورات هذه الخطوة".

كما نشر مجلس السيادة المصفوفة، التي تضمن تواريخ لتنفيذ مهام في 7 محاور وهي: "الشراكة، والسلام، والأزمة الاقتصادية، وتفكيك التمكين، وإصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية، والعدالة، والعلاقات الخارجية".

وفي 20 أبريل/ نيسان 2020، أعلن تجمع المهنيين السودانيين، والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، تأييدهما لإعلان الولاة المدنيين في ولايات السودان فورا.

إلا أن الجبهة الثورية ردت على الحكومة السودانية بخطاب رسمي عبر الوساطة، أكدت فيه أن قرار تعيين الولاة والمجلس التشريعي تم بناء على المصفوفة التي اتفق عليها شركاء الوثيقة الدستورية دون مشاورة الجبهة الثورية، مطالبة بضرورة إعادة المصفوفة إلى طاولة الرسم، لتشارك في تعديلها تجنبا لاتخاذ القرارات المحورية التي تمس القضايا الوطنية الحيوية.

وخلال مؤتمر صحفي عقده جبريل إبراهيم، الأمين العام للجبهة الثورية، اقترحت الجبهة، تشكيل آلية مشتركة تضم إلى جانبها، مجلسيْ السيادة والوزراء، وقوى إعلان الحرية والتغيير، لمراجعة الجدول الزمني لاستكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية، والبت في تعيين الولاة المدنيين.

فيما أعلن حزب الأمة القومي في السودان، بقيادة الصادق المهدي، في 23 أبريل/ نيسان 2020، تجميد أنشطته في كافة هياكل ائتلاف قوى "إعلان الحرية والتغيير"، ودعا إلى مؤتمر تأسيسي لقوى الثورة لإصلاح هياكل الفترة الانتقالية.

وقال الحزب، في بيان: "هناك عيوب أساسية ظهرت في أداء مهام الحكم الانتقالي في السودان، منها اضطراب مواقف القيادة السياسية لقوى الحرية والتغيير، واختلاف في اختصاصات مؤسسات الانتقال. وتجاوز الوثيقة الدستورية، التي تقف عليها كل ترتيبات الفترة الانتقالية".

محاولات الهيمنة

وسائل إعلام عربية نقلت تصريحا للقيادي في "التجمع الاتحادي السوداني" حاتم عابدين، قال خلاله: "الحزب الشيوعي إذا كانت لديه معركة ليدخلها بوضوح، وعليه عدم الاختباء بواجهاته الحزبية". 

فيما يبدو أن عابدين كان يلمح لمعركة تعيين الولاة المدنيين، التي تسعى حكومة حمدوك صاحبة التوجه اليساري، لفرض أسماء بعينها في هذا الملف الأبرز.

من مهام تعيين الولاة المكلفين، حسب مصفوفة استكمال بناء هياكل السلطة الانتقالية، تكوين المجلس التشريعي وإكمال التفاوض مع الجبهة الثورية وعقد مؤتمر للسلام، وتشكيل لجنة طوارئ اقتصادية لمجابهة الأزمة. 

وهو ما ظهرت تجلياته، عندما قام وزير الحكم الاتحادي ووالي الخرطوم المكلف، يوسف الضي، بإصدار قرار أنهى بموجبه عمل معتمدي الولاية الثمانية إلى جانب 183 معتمدا في ولايات السودان المختلفة، والمعتمدية هي الوحدة الإدارية الأقل من الولاية وتدير شؤون المواطنين بشكل مباشر.

وفي 20 أبريل/ نيسان 2020، رفض تجمع "سودان الغد" خطوة تعيين الولاة، من قبل حكومة حمدوك، ومباركة تجمع المهنيين، دون تشاور موسع حولها وتجاوزها لاتفاق سابق.

وقال التجمع في تعميم صحفي: "نتابع عن كثب ما يتم داخل الحاضنة السياسية لحكومة الثورة، التي تم اختزالها في أحزاب سياسية محددة ومحدودة التكوين والعضوية"، مستنكرا "عدم اتساع صدرها للقوى الوطنية الأخرى".

وأضاف: أن "قحت (قوى إعلان الحرية والتغيير) تمارس الإقصاء والشلليات والمحاصصة المسيئة للثورة السودانية ولأرواح الشهداء وتمارس التعيين باسم الثورة".