الدولة تعوّل عليه.. لماذا يعارض حزب الله تقنين زراعة الحشيش في لبنان؟

بيروت - الاستقلال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مرّر البرلمان اللبناني قانونا جديدا يسمح بزراعة القنب الهندي (الحشيش)، بغرض الاستخدام الطبي والصناعي، حيث تعتزم الحكومة اللبنانية تصدير النبتة لدعم اقتصاد البلاد الذي يعاني من أزمة مالية هي الأسوأ في تاريخه.

ووصل مشروع القانون إلى التشريع في 21 أبريل/ نيسان 2020 بعدما أقرته اللجان النيابية، في فبراير/ شباط 2020، وسط تحذيرات من الفوضى التي قد ترافق تطبيق القانون الجديد، في الفترة السياسية الحرجة التي يعيشها لبنان.

لم يثر إقرار القانون الاستغراب داخل لبنان، باعتباره كان مطروحا للنقاش منذ وقت طويل. وبالرغم من أن زراعة القنب كانت غير قانونية هناك، إلا أن النبتة كانت تُزرع بشكل علني في سهل البقاع الخصب.

لكن في الوقت نفسه خرجت بعض الأصوات المعارضة لتشريع القانون، من داخل الوسط السياسي، وأبرزها "حزب الله"، الذي يتهم بالاستفادة من زراعته.

مليار دولار سنويا

في الجلسة نفسها، وافق مجلس النواب على إعادة تخصيص 40 مليون دولار من قرض البنك الدولي من أجل المساعدة في محاربة فيروس كورونا.

القرض يأتي بعد 4 أشهر لتحذيرات مركز كارنيغي للشرق الأوسط، من أزمة في ميزان المدفوعات والعملة. وتوقع مركز الأبحاث المستقل في دراسة أجراها في يناير/ كانون الثاني 2020، أن تصل الفجوة بين عرض الدولار الأميركي والطلب عليه إلى 8 مليارات دولار في العام نفسه. 

وفي حال عدم ردم هذه الفجوة، سيواجه الاقتصاد صعوبة في سداد الدين الخارجي ونقصا في السلع المستوردة، وتراجعا في قيمة الليرة اللبنانية، وانكماشا اقتصاديا.

الدراسة أوضحت أنه بعد بلوغ العجز 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2019، بدأت الإيرادات الحكومية بالانهيار تحت وطأة الركود والأزمة المصرفية، كما يتهاوى الإنفاق -المعدل الحقيقي- (أي الإنفاق المحسوب بعد التضخم).

وتوقع المركز أن تكون البلاد أمام عجز أساسي يصل إلى 3 مليارات دولار (باستثناء مدفوعات الفوائد) في العام 2020. وخلصت المؤسسة البحثية إلى أنه: "في ظل الوضع الراهن، سيصعب تمويل هذا العجز". 

وأفادت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن الصراع الدائر في سوريا أدى إلى تفاقم الوضع الاقتصادي اللبناني.

التحدي الذي تحدث عنه المركز في خلاصته، كان هو الرهان الذي لجأ إليه وزير الزراعة اللبناني، عباس مرتضى، وهو يدافع عن تشريع القانون، قائلا: إن دراسة دولية أوصت بتشريع الحشيش.

الدراسة أجرتها شركة الاستشارات العالمية "ماكنزي آند كومباني"، مقرها نيويورك، لتنويع موارد الاقتصاد بهدف التغلب على الأزمة، بعد أن استعانت بها الحكومة في 2018.

الخطة كانت تحقيق "مكاسب سريعة" مُحتملة من الانخراط في جهود إعادة الإعمار في العراق وسوريا اللتين يمزقهما الصراع، والاستثمار في قطاع السياحة، وإضفاء الشرعية على مزارع القنب غير المشروعة في لبنان، كـ"صادرات طبية".

"ماكنزي" قدرت مداخيل القنب بمليار دولار سنويا لخزينة الدولة، وهو ما استندت عليه الأغلبية الساحقة من النواب اللبنانيين الذين صوتوا لصالح مشروع القانون.

وشددوا على أنه من الممكن تحقيق مردود اقتصادي وجدوى هائلة للبلد جراء هذه الزراعة، كما يرون أنها ستساعد على قمع المخالفات غير الشرعية من أجل زراعة الحشيش.

لعب تحت الطاولة

أيّد كل من رئيس البرلمان، نبيه بري، وكتلة الحزب التقدمي الاشتراكي (9 نواب)، وتكتل لبنان القوي (29 نائبا يترأسهم جبران باسيل)، تقنين زراعة "القنب الهندي".

موقف "حزب الله" من تشريع زراعة "القنب" كان واضحا منذ بداية طرحه، ففي فبراير/ شباط 2020 خلال اجتماع اللجان النيابية، خرج  ليعلن تحفظه على التشريع  تحت أي داع.

واعتبر نواب الحزب أن "لا جدوى اقتصادية من  التشريع"، مبررين رفضهم بأن "أحدا من النواب المشاركين خلال جلسات اللجنة الفرعية لم يقدم أرقاما محددة، وأن اقتراح القانون لم يأت مرفقا بأي دراسة".

وتفرض الحكومة قيودا على مزارع القنب في وادي البقاع، وهو إقليم يقع شرقا على الحدود مع سوريا، ويخضع إلى حد كبير لسيطرة حزب الله.

لكن ينفي الحزب دائما علاقته بصناعة المخدرات المزدهرة في المنطقة، في حين ما زال هناك مزارعون مستقلون مسلحين بشكل جيد، لا سيما مع استفادتهم من غياب القانون في المنطقة نتيجة تواصل الصراع في سوريا.

وفي السنوات الماضية، اتهمت الإدارة الأميركية حزب الله أكثر من مرة بالاستفادة ماليا من زراعة الحشيش في البقاع، لكن الحزب نفى على لسان أمينه العام حسن نصر الله الاتهام معتبرا أن "هذه افتراءات واتهامات ظالمة".

وذكرت منظمة "دي اي اي" الأميركية لمكافحة المخدرات أن "نحو 70% من الحشيش المتداول داخل البلد تنتجه لبنان محليا، في المناطق البقاعية وفي مناطق الجنوب المحظور دخولها على قوى الأمن اللبنانية".

وكشفت المنظمة أنه يجري تكريرها في مصاف يديرها عناصر من  حزب الله الذين يؤمنون عمليات توزيع 50 % منها في لبنان, والباقي يحاولون نقله إلى بعض الدول العربية والأوروبية وخصوصا إلى إسرائيل لينقل منها إلى الخارج".

وصنفت الأمم المتحدة لبنان كثالث مصدر رئيسي للحشيش في العالم لعام 2018 بعد أفغانستان والمغرب.

وأشارت تقارير صحفية إلى أن زراعة الحشيش استفحلت في بيروت بشكل غير مسبوق بعد حرب يولي/تموز 2006، حيث عمل الحزب على ترويج المخدرات في مدينة طرابلس شمال لبنان، لتدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية في آخر معقل للسنة في البلاد. 

قمع المخالفات غير الشرعية، هو أحد الأسباب التي رفعها النواب المؤيدون لتشريع القانون، معتبرين أن تطبيقه سيقنن الزراعة وينظمها، إذ سيتم تصدير المحصول بغرض استخدامه في قطاع المنسوجات وصناعة الأدوية، فيما قد يستفيد الحزب الشيعي من الفوضى التي تشوب زراعة القنب في لبنان.

كما يخشى مزارعون لبنانيون من أن الشرعية القانونية قد تضرب الأرباح والعائدات من حقول القنب ذات الإنتاج المربح في لبنان.

مخاوف متقدة

وإن كان القانون اللبناني يعاقب على زراعة الحشيش أو الاتجار فيه تتركز زراعته في سهول منطقة البقاع الخصبة والفقيرة في الوقت نفسه. وتمتد المنطقة الواقعة شرق البلاد على 120 كلم من الشمال إلى الجنوب، وتعود هذه الزراعة في لبنان إلى عدة قرون.

يؤكد وزير الزراعة أن الحديث عن الموقوفين على خلفية الحشيش وقانون العفو، له "حساباته الخاصة" التي قد يعاد طرحها بعد إقرار قانون زراعة الحشيش في مجلس النواب.

واعتبر وزير الزراعة عباس مرتضى، في شهر فبراير/ شباط - خلال نقاش مقترح القانون في البرلمان - أن "سهل البقاع يعتبر من أفضل الأراضي لزراعة القنب الذي يصنف ضمن أجود الأنواع في العالم وهو لا يحتوي على أكثر من 1 في المائة من المادة المخدرة".

وتفيد التقديرات بأن كل ألف متر مزروع ينتج 250 كيلو من نبتة القنب.

ويقول الوزير: إذا عمدنا في لبنان إلى بيع الكيلو منها من دون تصنيع، بخمسين دولارا، نكون قد دعمنا المزارع اللبناني وأمّنا مردودا كبيرا للدولة.

ويتابع: "أما إذا ذهبنا باتجاه إنشاء المعامل ومصانع الأدوية، فعندها ستتضاعف الأرباح، إضافة إلى إمكانية أن يؤدي هذا القانون إلى قدوم شركات أجنبية للاستثمار في لبنان بهدف تصنيع الأدوية".

وتقدر مساحة الأراضي المزروعة في البقاع بحوالي ثلاثة أو أربعة آلاف هكتار، وهي مرجحة للزيادة بشكل كبير مع تشريع الزراعة، ويقدر مردود كل ألف متر مربع منها بنحو 20 ألف دولار، أي أضعاف مردود أي زراعة أخرى.

ويقدّر دخل المزارعين، بحسب الباحث في المجال، محمد شمس الدين، بنحو 600 مليون دولار بينما قد يصل بالنسبة إلى التجار إلى مليارين أو أكثر.

وارتكز القانون الذي يرمي إلى تنظيم زراعة القنب للاستخدام الطبي، على إنشاء "الهيئة المنظمة لزراعة القنب للاستخدام الطبي والعلمي"، وتكون سلطة الوصاية عليها لمجلس الوزراء. 

وتتولى هذه الهيئة مهمة منح التراخيص لاستيراد البذور والشتول وإنشاء المشاتل والزرع والحصاد ضمن مساحة مضبوطة، إضافة إلى التصنيع والبيع والتوزيع وإنشاء مراكز الأبحاث والمختبرات، وفق معايير وشروط محددة ترتكز على الاستخدام الطبي والصناعي، كما عملية المراقبة لمنع الاحتكار وإغراق السوق وعلى عملية الاستيراد والتصدير.

الإستراتيجية التي وضعتها الحكومة قبل إقرار القانون لم تسكت الأصوات التي تعبر عن مخاوفها من التشريع داخل دولة مهترئة لا تطبق القوانين، ما قد يؤدي إلى تجاوزات تتخطى أهدافه الطبية إلى أخرى تجارية من بعض المستشفيات والجهات الطبية، إضافة إلى احتكار تصديرها.