مجلة فرنسية: لهذا يزداد التحالف الصيني الخليجي هشاشة رغم التعاون

12

طباعة

مشاركة

توقعت مجلة فرنسية بأن يكشف عام 2020 عن هشاشة التحالف الذي سعت دول الخليج إلى تقويته مع الصين في السنوات الأخيرة، وذلك على خلفية فيروس كورونا وحرب أسعار النفط والتصعيد مع إيران.

وقالت مجلة "أوريان 21" الفرنسية: "على مدى السنوات الخمس الماضية، سعت دول الخليج بنشاط إلى الاقتراب من قوى جديدة مثل الصين من أجل تنويع علاقاتها خاصة الاقتصادية". 

وأضافت: "في الوقت الذي تُظهر فيه الولايات المتحدة، الحليف الرئيسي، علامات متزايدة على فك الارتباط، تسعى هذه البلدان إلى علاقات إستراتيجية، حيث تحولت دول الخليج نحو آسيا، ويظهر ذلك من خلال الزيارات الرسمية والاتفاقيات الاقتصادية والإعلانات السياسية".

التطلع إلى الشرق

وأكدت أن السياسة النشطة للغاية لدول الخليج تجاه الصين أثارت أيضا مخاوف واشنطن، التي تلاحظ بريبة النفوذ المتزايد لبكين في الشرق الأوسط.

 وكعلامة على حقبة جديدة، فشلت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، في إقناع حلفائها الخليجيين بالابتعاد عن العملاق الصيني هواوي بشأن شبكة 5G، رغم التحذيرات المتكررة.

ورأت المجلة أن الجولة الآسيوية التي نظمها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (MBS) في فبراير/ شباط 2019 بمثابة ازدراء لحلفائه الغربيين، في الوقت الذي كانوا يضغطون فيه على الرياض لإنهاء الحرب في اليمن والمرونة بفضيحة مقتل الصحفي جمال خاشقجي.

واعتبر البعض هذا الاهتمام الخليجي المتزايد في آسيا علامة على نظام عالمي جديد.

ومع ذلك، ترى المجلة أن "عام 2020 يمكن أن يكون لحظة مهمة حول الطبيعة الحقيقية لهذه العلاقات، إذ يبدو أن أزمة  كوفيد-19 قد عززتها".

وأظهرت الإمارات على وجه الخصوص مشاعر تضامنية مع الصين، وقد يكون انخفاض أسعار النفط فرصة لدول الخليج للحصول على حصتها السوقية في آسيا". 

في المقابل، قدمت الصين نفسها كقوة عالمية مسؤولة، وأرسلت فرقا ومعدات طبية إلى البلدان المتضررة في المنطقة، بما في ذلك إيران والعراق وعمان والكويت.

إحياء طريق الحرير

ولكن خلف هذه التدفقات من التضامن، تقول المجلة: قد يكون هناك تأثير طويل الأمد لهذه الأزمة يقلل من حضور الصين في الشرق الأوسط، إذ تكشف الجهود التي تبذلها دول الخليج لجذب انتباه بكين عن انعدام أمن عميق حول قدرتهم في الحفاظ على علاقة ما زالوا يشعرون بهشاشتها.

وكشفت "أوريان 21" أنه بالفعل، "في نهاية عام 2019، ذكّر رد الصين الخجول للغاية على التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، دول الخليج أنه على الرغم من تزايد المصالح الاقتصادية، فإن بكين ليست مستعدة للعب دور سياسي وأمني أكبر في المنطقة".

وأشارت إلى أنه عند سؤالهم عن هذا الموضوع، يصر الخبراء والمسؤولون الصينيون على أن بلادهم لا تزال تعتبر الشرق الأوسط منطقة معقدة وخطيرة وهامشية نسبيا فيما يتعلق بأولوياتهم الإستراتيجية.  

ففي أواخر عام 2019، حيث هددت التوترات مع إيران بعرقلة تجارة النفط وطرق الشحن، كان بعض المسؤولين الخليجيين قلقين من أن عدم الاستقرار هذا قد يثني الصين عن تعميق العلاقات مع المنطقة، والآن تطرح أزمة الفيروس التاجي تحديا جديدا لهذه العلاقات الاقتصادية.

وتابعت: "قد لا توقف أزمة كوفيد-19 نمو الصين، لكنها تكشف عن ضعف قوتها الاقتصادية، ففي عام 2019، سجلت البلاد أدنى مستوى للنمو الاقتصادي في ثلاثين عاما، من 14.2٪ عام 2007 إلى 6.1٪ في 2019".

ورغم أنها لا تزال مرتفعة، لكن بداية التباطؤ هذه، وكذلك مشاكل الديون والحرب الاقتصادية الشديدة مع الولايات المتحدة بدأت في التأثير على قدرة الصين الحفاظ على مستوى الاستثمار في دول العالم. 

وبينت "أوريان 21" أنه منذ ما يقرب من عامين، توقعت عدة تقارير بدء تراجع الطموحات الصينية تجاه طريق الحرير الجديد، ومن المرجح أن تؤدي أزمة فيروس كورونا إلى تسريع هذا الاتجاه.

التضامن مع بكين

ورأت أنه بالنسبة لدول الخليج، التي تمددت علاقاتها مع الاقتصاد الصيني خلال العقد الماضي، هناك خوف كبير من أن تعيد بكين تركيز أولوياتها على الجوار القريب، وردا على ذلك، بذلت دول الخليج جهودا كبيرة لجذب انتباه بكين. 

ففي وقت مبكر من يناير/كانون الثاني 2020، أكد ولي عهد الإمارات محمد بن زايد أن بلاده مستعدة لدعم الصين في حربها ضد الفيروس، وعرضت الدولة العلم الصيني على العديد من المعالم الوطنية في إطار تضامنها.

والأهم من ذلك، حافظت حكومة الإمارات على استمرار الرحلات الجوية إلى بكين لفترة أطول من معظم دول المنطقة، على الرغم من مخاوف العدوى.

 وقد مكّن ذلك الشتات الصيني في الإمارات من تنسيق جمع وشحن الإمدادات الطبية إلى البلاد، كما تسهل الشركات الإماراتية مثل "مجموعة 42" تنسيق الجهود بين الحكومتين وتركز على شحن آلاف الوحدات من المعدات الطبية. 

وفي أواخر مارس/ آذار 2020، تعاونت مجموعة 42 أيضا مع (BGI)، شركة عالمية في علم الجينوم مقرها في شنتشن (جنوب شرق الصين)، لفتح أكبر مركز للكشف عن  كوفيد-19 خارج الدولة الآسيوية. 

في الوقت نفسه، استثمرت السعودية وقطر والكويت في جهود مماثلة لإرسال معدات بداية الأزمة. كما أظهرت إيران تنافسا إقليميا مع الرياض وأبوظبي، دعما للصين، على الرغم من مواردها المحدودة.

وقد قوبلت مشاعر التضامن هذه بإيجابية من قبل بكين وتناولتها على نطاق واسع وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية الصينية. 

وفي الوقت الذي يبدو فيه أن الصين تخرج ببطء من الأزمة، ردت حكومتها الجميل عن طريق إرسال الإمدادات الطبية إلى عمان وقطر، وتنظيم ندوات افتراضية مع المسؤولين الخليجيين لتقديم المشورة لهم في معركتهم ضد الوباء.

وبالمثل، بينما كانت الصين تنسق إرسال المعدات إلى العديد من البلدان حول العالم منذ عدة أسابيع، لا سيما في إفريقيا وأميركا اللاتينية، تسعى دبي للاستفادة من بنيتها التحتية اللوجستية وعلاقتها مع بكين لوضع نفسها في مركز لتخزين وإعادة توزيع المعدات الطبية إلى بقية العالم.

تأثير أزمة النفط

وتؤكد "أوريان 21" أن التضامن خلال كوفيد -19 ليس المجال الوحيد الذي تسعى فيه دول الخليج إلى تسجيل نقاط في علاقتها مع الصين، التي اعتبرت أن حرب أسعار النفط التي اندلعت بين السعودية وروسيا في فبراير/ شباط 2020 فرصة لاستعادة حصتها السوقية في آسيا خاصة بكين، حيث هناك تكافؤ بين الرياض وموسكو بمبيعات النفط. 

وعلى الرغم من أنه تم التوصل إلى اتفاق في 12 أبريل/ نيسان 2020 لإنهاء حرب الأسعار المفتوحة هذا، إلا أن ذلك لم ينه هجوم دول الخليج لإغراء الأسواق الآسيوية، إذ أعلنت السعودية عن تخفيض الأسعار في مايو/ أيار 2020 للدول الآسيوية بعد فترة وجيزة من الاتفاقية.

ومع ذلك، قد لا تحقق هذه الإستراتيجية النجاح المتوقع، بحسب المجلة الفرنسية، التي أشارت إلى أن الصين اتبعت بدقة إستراتيجية تنويع مصادر الطاقة لمدة تقارب العشر سنوات.

وبينما قد تميل بكين إلى تخزين بعض النفط السعودي الرخيص، إلا أنه من غير المرجح أن تغير سياستها جذريا على المدى الطويل.

وأكدت أنه بشكل عام، الصين أقل اعتمادا على النفط السعودي من القوى الآسيوية الأخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية، إذ يشكل 19٪ من إجمالي استهلاك الصين للطاقة. 

وفي السنوات العشر الماضية، خفضت الصين أيضا حصة السعودية من وارداتها للطاقة من 20.7٪ إلى 10.7٪ ، وذلك في إطار تطوير وارداتها من دول مثل روسيا أو البرازيل أو أنجولا.

ومن غير المحتمل، بحسب المجلة، أن تتأثر هذه الإستراتيجية بشكل أساسي بالأسعار التنافسية للغاية التي تقدمها السعودية، بل على العكس من ذلك، إذا كان على الصين أن تتذكر شيئا واحدا من هذه الأزمات المتتالية، فهي الأهمية الإستراتيجية لتنويع مصادر الطاقة والاستثمار في إنتاجها المحلي.

وبعيدا عن التضامن المتبادل، يبدو أن دول الخليج أكثر حماسا لجذب الصين في أوقات الأزمات. كما أن جهود بكين لإرسال الدعم الطبي للعالم هي وسيلة لتحسين صورتها على المدى القصير أكثر من كونها علامة على رغبة حقيقية في زيادة قيادتها. 

وخلصت المجلة إلى أنه بينما يبدو من غير المحتمل أن تغير هذه الأزمة الصحية العلاقات الخليجية-الصينية بشكل جذري في السنوات القادمة، فإنها تكشف عن مدى هشاشتها وعدم تماثلها.