احتجاجات العراق.. هل تستعيد عافيتها بعد انقضاء فيروس كورونا؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم توقف حركة الاحتجاجات الشعبية في العراق مع تفشي فيروس كورونا، إلا أن دعوات إعادة إحيائها تتردد بقوة بين الناشطين، ولا سيما أن محفزات "ثورة أكتوبر" لا تزال حاضرة على أرض الواقع، وعلى رأسها عودة نظام المحاصصة بتشكيل الحكومة الجديدة.

تلك الدعوات التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام، لاستعادة زخم الثورة الشعبية بعد انتهاء حظر التجوال في البلاد، حظيت بتفاعل كبير بين العراقيين الذين شددوا على ضرورة التمسك بمطالب المتظاهرين التي ذهب ضحيتها نحو 650 قتيلا وأكثر من 27 ألف جريح من المحتجين.

"مليونية جديدة"

حالة الغليان الشعبي التي بدت واضحة على مواقع التواصل، والتفاعل الكبير مع دعوات استئناف المظاهرات من جديد بعد التخلص من الوباء، تعيد إلى الأذهان مرحلة التحشيد الأولى لاندلاع تظاهرات الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019، والتي فاجأت السلطات العراقية بزخمها الشديد.

وأطلق ناشطون حملة #وعد_ترجع_الثورة، التي تصدرت لأيام عدة وسوم العراق على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وفاضت حسابات الناشطين بمقاطع وصور استذكرت قتلى الاحتجاجات، وأثارت شجون العراقيين الذين شددوا على ضرورة استكمال الطريق لتحقيق مطالب الثورة.

وفي حديث لـ"الاستقلال" قال الناشط حميد البغدادي: إن حملة "وعد ترجع الثورة" أحدثت صدى واسعا لدى مختلف فئات الشعب العراقي، وفي جروب يحمل اسم الحملة وصل عدد المشاركين فيه إلى أكثر من 70 ألفا خلال أيام قليلة، وهو ما رآه دليلا على تمسك العراقيين بالثورة الشعبية.

وتوقع البغدادي أن تخرج مظاهرة مليونية بعد الانتهاء من الحظر الذي تفرضه السلطات بشكل كامل في مختلف مدن العراق، لافتا إلى أن العراقيين وصلوا مرحلة اليأس من الطبقة السياسية الحالية، والتي لم تستجب لمطالبهم رغم الدماء التي سالت في ساحات الاحتجاج.

وشدد الناشط على أن المناهضين للثورة من مليشيات موالية لإيران وأفراد في الأجهزة الأمنية، يحاولون بشتى الطرق إجهاض الاحتجاجات، وذلك من خلال الاستمرار في مطاردة الناشطين، وكان آخرها اعتقال علي الإبراهيمي بمدينة الناصرية ومرتضى نعيم بمحافظة القادسية في 20 أبريل/ نيسان 2020.

وفي 5 أبريل/ نيسان 2020، اغتال مسلحون مجهولون الناشطة البارزة أنوار جاسم مهوس المعروفة إعلاميا بـ"أم عباس"، داخل منزلها في مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق)، وذلك بعد أيام قليلة من ظهورها في مقطع فيديو دعت فيه لاستئناف الاحتجاجات وكسر حظر التجول.

"محفزات الثورة"

يبدو أن شيئا لم يتغير بعد ستة أشهر على "ثورة أكتوبر"، الأمر ينذر بعودة الاحتجاجات مجددا، إذ إن المحفزات التي كانت سببا في اندلاعها عام 2019، لا تزال قائمة، ومن أبرزها: الاعتماد على نظام المحاصصة الطائفية في إدارة البلاد، ونقص حاد بالخدمات، وتزايد البطالة، وفساد الطبقة السياسية التي تدير مقاليد الحكم في البلد منذ 17 عاما.

وفي السياق ذاته، قال رئيس مركز "التفكير السياسي" الدكتور إحسان الشمري: إن "الناشطين يمتلكون القدرة على العودة مرة أخرى وبأعداد كبيرة جدا للاحتجاجات، ويحفزهم كثيرا لذلك الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يمر بها العراق، وسوء الخدمات الصحية نتيجة تفشي كورونا وما رافقها من حظر للتجوال".

الشمري أكد في تصريحات صحفية أن "المحفز الأكبر لهذه العودة، هم المتعاطفون الذين ترددوا في السابق من الالتحاق بالاحتجاجات، لأن هذه الطبقة السياسية، ناورت كثيرا في تلبية مطالب المتظاهرين، وتغيير حكومة عادل عبدالمهدي".

ولفت إلى أن "جائحة كورونا كانت سببا أساسيا في عدم وجود المحتجين في ساحات الاحتجاج، وهو جزء من الالتزام الصحي، وخارج الفعل الحكومي، لكن ذلك خدم حكومة عبد المهدي تحديدا، لأنها خففت كثيرا من الضغط على الحكومة، كونها كانت تواجه اتهامات بقتل المتظاهرين".

ورجح الشمري أن "يحدث تفاعل كبير جدا مع دعوات عودة الاحتجاجات، ولا سيما إذا طبق عبد المهدي قراره في خفض رواتب الموظفين، نتيجة للأزمة المالية التي يمر بها العراق".

ونوه إلى أن "عودة القوى السياسية إلى عرف المحاصصة في تشكيل حكومة رئيس الوزراء المكلف مصطفى الكاظمي هو جزء من عمليات التحشيد التي يمضي بها قيادات الحركة الاحتجاجية".

وشدد المحلل السياسي العراقي على أن "الاحتجاجات ستعود بكل الأحوال بعد الانتهاء من حظر التجوال المفروض بسبب تفشي جائحة كورونا، إذا لم تنفذ مطالب المتظاهرين".

ورأى أن "المرحلة المقبلة ستتخذ مسارين، الأول: المضي نحو المحافظة على مطالبهم حتى لو كانت تدريجية. والثاني: تبلور الحركة الاحتجاجية من التحشيد تنظيما سياسيا، وهذا يوفر لها نوعا من المساحة على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية إذا ما تحققت الانتخابات المبكرة".

وفي السياق ذاته، قال المحلل السياسي هشام الهاشمي في سلسة تغريدات على "تويتر": إن "تدهور أسعار النفط قد يضطر العراق إلى قبول شروط البنك الدولي التقشفية، وهذا يعني أنه لا وظائف جديدة، وربما كل العقود المفسوخة التي أعيدت قد تتوقف مرة أخرى".

كما قد يؤدي إلى "تعطيل المخصصات الإضافية الخاصة بالطوارئ وتجريد المناصب الخاصة من امتيازاتها المالية، والعودة إلى خصخصة القطاع العام".

وأشار إلى أن "حكومة أزمة بهذه التحديات قد لا تستطيع إرضاء المحتجين بجميع مطالبهم وستركز على انتخابات مبكرة وبقانون منصف ومحاكمة قتلة المتظاهرين وإطلاق سراح المعتقلين".

"أكثر تنظيما"

وبعد تفشي جائحة كورونا، علق الناشطون المظاهرات منذ منتصف مارس/ آذار 2020، في عموم المحافظات التي شهدت احتجاجات شعبية، إلا أن مراقبين أكدوا أن إيقاف المظاهرات لمدة قد يعيدها أكثر تنظيما من ذي قبل.

وقال المحلل السياسي العراقي هشام الهاشمي: إن "الاحتجاجات قد تعود لكن ليس وفق الصفات التي تأسست عليها، ربما كل محافظة من محافظات وسط وجنوب العراق تنتج احتجاجها بما يناسب منطقها وخبرتها التي اكتسبتها من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 وحتى مارس/ آذار 2020، ولن تكون هناك عشوائية".

وأوضح الهاشمي في تغريداته على "تويتر" أن حكومة عبد المهدي تورطت بسبب إصرارها على التعالي وعدم التواضع لفهم ديناميات (سلوكيات) الاحتجاج وكانت تعتمد على القراءات الأمنية لحركة الاحتجاج، ولم تراع أنها ظاهرة اجتماعية، وفي بعض أطرافها هناك وعي يسعى لتحويل الاحتجاج إلى "ثورة" حيث تعجز الحكومة في مواجهتها.

ولفت إلى أن "احتجاج تشرين كحراك اجتماعي شعبي غير مخطط له وليس فعلا معصوما، فهناك عثرات وأخطاء وهناك صواب وإبداع".

وتابع: "هي ردة فعل على فساد النظام السياسي، وكل احتجاج عشوائي سلمي غاضب يحتوي بطبيعته على منطق التحدي والصمود وقابلية التحول إلى اضطرابات وفوضى غير مسيطر عليها، تعرقل يوميات الناس".

ورأى الهاشمي أن هكذا نوع من الاحتجاجات وبسبب تعدد المشارب الثقافية للمنخرطين بها فإنها قد تفضي بعد استئنافها إلى إنتاج فاعلين سياسيين جدد قد يتجاوزن أوزان من بدأ الاحتجاج، بل ويقومون بعزلهم وتهميشهم، وهذا الذي يسمى في أدبيات الثورات بـ"سرقة الثورة" وفي أدبيات ثورات الربيع العربي بأنه "ركوب الموجة".

وأكد أن حركة الاحتجاج ارتبطت بردة الفعل الأمنية في التعامل معها، وقد أهمل قادة الأمن العراقي أن هناك علاقة طردية، بين قمع الجماهير وقوة وانتشار وكثافة الاحتجاج، مبينا أن التحشيد يزداد لتحدي عنف السلطة، والاستنفار يأتي بسبب قوة العلاقات العائلية والمناطقية والعشائرية والحراك الطلابي.

الهاشمي شدد على أن استئناف الاحتجاجات بعد انتهاء خطر انتشار فيروس كورونا، لا بد أن يأتي وفق تحول ديمقراطي ناتج عن تطوير وسائل الاحتجاج السلمي وكل منطقة أو محافظة بحسب ظروفها وأسبابها، وعندئذ تفرز هذه الاحتجاجات قيادات اجتماعية وسياسية بإمكانها قيادة مسيرة إصلاح النظام السياسي سلميا.

ونوه إلى "وجود تراجع واضح لدور مشاهير منصات التواصل في قيادة الأنصار والمتابعين، ذلك لقناعتهم بضرورة التزام نصائح المنظمات الطبية والصحية بفض التجمعات وواجب التباعد الاجتماعي"، لافتا إلى أن "الحفاظ على حياة المحتج أهم من استئناف الاحتجاج، وهذه القيادات في أماكن عديدة فقدت قدرتها على ضبط أنصارها".

"الأوضاع بالتحرير"

ولا تزال ساحة التحرير، المكان الأبرز للاحتجاجات في العاصمة بغداد، إذ بقيت خيم المحتجين وعدد من المتظاهرين ماكثة حتى اليوم، رغم تعليق المظاهرات بسبب تفشي كورونا، ودعوات الالتزام بالتعليمات الصحية.

الناشط حميد الزيدي، قال في حديث لـ"الاستقلال": إن ساحة التحرير فيها عشرات المتظاهرين، ويوجدون في الخيم، وهم يحرصون على البقاء فيها خشية سيطرة القوات الأمنية عليها، واستعادة بناية "المطعم التركي" (أشهر مكان لاجتماعات المتظاهرين في بغداد).

لكن الزيدي أشار إلى دخول أتباع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر إلى الساحة قبل أيام، والسيطرة على "المطعم التركي"، الأمر الذي ولد استياء كبيرا بين المحتجين والناشطين بشكل عام، ولا سيما أن الصدر كان قد أعلن في وقت سابق إلى إبعاد أنصاره وحلّ أصحاب القبعات الزرقاء التي تسببت بمقتل متظاهرين في بغداد ومحافظات أخرى.

وبخصوص الحياة اليومية في ساحة التحرير خلال حظر التجوال، قال الناشط حسن عبدالكريم في تصريحات صحفية: إن "بعض الخيام يزيد عدد سكانها على العشرة، وبعضها أقل من ذلك. كل مجموعة لا تغادر خيمتها إلا للضرورة، ونمارس العزل الاجتماعي، ونلبس الكمامات والقفازات، وحين نجتمع لا نصافح أو نعانق، ونطبخ بأيدينا، ولا يدخل الساحة الأشخاص غير المقيمين في الخيام".

عبدالكريم أكد "قيام الناشطين بحملات تعفير يومية للخيام والساحة. وبجهود شخصية، قمنا بتشكيل فريق تطوعي سميناه (المستجيب الأول)، يضم 3 أطباء متطوعين وكوادر طبية أخرى، ويبذل هذا الفريق جهودا كبيرة للمحافظة على نظافة الخيام وتعفيرها، وجميع المواد الطبية نحصل عليها بجهودنا الذاتية".

وفي بيان صادر عن "المجلس السياسي العام لثوار العراق" المتبني لمطالب المتظاهرين، حذر فيه الجهات الحكومية من مغبة "تجاهل مطالبهم المشروعة" بذريعة الانشغال بمكافحة وباء كورونا، محملين إياها مسؤولية اعتقالات في صفوف نشطاء الحراك. 

واتهم البيان الذي صدر في 16 أبريل/ نيسان 2020، من وصفهم بـ"الفاسدين" في السلطة، بممارسة "أساليب الترهيب ضد المتظاهرين في ساحات الاعتصام"، محملا الجهات الرسمية مسؤولية ما سيتعرض له النشطاء خلال حملات الاعتقال، آخرها كان في السماوة وبابل. 

وبحسب قولهم: فإنه "عندما كرس الثوار جهودهم في تفعيل الحملات الخيرية لسد حاجة العوائل المتعففة التي تضررت بسبب حظر التجوال، تنصلت الحكومة من دورها الأساسي في دعم الفئات المستحقة من أبناء الشعب العراقي".

وأشاروا إلى أنهم تعاملوا بـ"وعي منضبط في ترتيب الأولويات وأوقفوا النشاط الثوري ضد الفاسدين، بسبب فيروس كورونا الوبائي، حرصا على الشعب واكتفوا بالاعتصام في الساحات".