كورونا يعمق خلاف أوروبا وأميركا.. هذا ما يجب فعله لتجنب الكارثة

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات من الاتهامات المتبادلة بشأن الإنفاق الدفاعي والتجارة وغيرها، أدت الاستجابات الدولية المتباينة لمحاربة تفشي فيروس كورونا، إلى ظهور مصادر جديدة للتوتر والشكوى بين عدد من الحلفاء، أبرزهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

ففي مواجهة النقص في الإمدادات الطبية، تحولت كل من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الداخل، بدلا من مساعدة الآخرين في الخارج، بحسب تقرير نشرته مجلة فورين أفيرز الأميركية.

وقال التقرير: "أمرت واشنطن شركة 3M بوقف صادراتها من أقنعة N95 وإعادة توجيه إنتاجها في الخارج إلى الولايات المتحدة كجزء من جهد أوسع نطاقا لتلبية الطلب المحلي. كذلك حظر الاتحاد الأوروبي تصدير دروع الوجه والقفازات والأقنعة والملابس الواقية لنفس السبب".

ومن ناحية أخرى، فقد أثار الحظر الذي فرضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جانب واحد على السفر عبر المحيط الأطلسي غضبا بين القادة الأوروبيين الذين أعربوا عن أسفهم لفشل الولايات المتحدة في التشاور معهم أولا، وفق التقرير

وحث التقرير الجميع بالقول: "ينبغي أن يجعل الوباء حقيقة أخرى واضحة بنفس القدر: وهي أن التعاون عبر الأطلسي ضروري لإيجاد حلول فعالة للتحديات المشتركة التي تواجه الولايات المتحدة وأوروبا بل والعالم". 

وبناء على ذلك، حتى مع أن الوباء قد ولّد أحدث جولة من النزاع عبر المحيط الأطلسي، فإنه يمكن - بل ينبغي - أن يوفر للدول حافزا ضروريا لتجاوز النزاعات الجارية والتركيز على مشروع جديد، من شأنه صياغة بروتوكولات تعاونية من أجل مكافحة الوباء". 

وتابع التقرير: "تجلب الأزمة الفرصة لتطوير سياسات أكثر فعالية وبناء شعور متجدد بالتضامن عبر الأطلسي الذي يمكن أن يستمر خلال هذه الحالة الطارئة وما بعدها".

الحاجة للأصدقاء

في مارس/آذار 2020، فرضت نحو ستة عشر دولة قيودا على تصدير المنتجات المهمة مثل أقنعة المستشفيات وملابس الوقاية الطبية وغيرها من معدات الوقاية الشخصية، وفق التقرير

وتابع: "تعد أوروبا المصدر الرئيس لواردات الولايات المتحدة من أقنعة التنفس وأجهزة المسح بالأشعة المقطعية ومعقم اليدين وأجهزة مراقبة المرضى ومعدات الأشعة السينية". 

لذلك، فإن أي دافع، بغرض الحماية، للحد من هذه التجارة يفند نفسه ويهدد الأرواح على جانبي المحيط الأطلسي. وعليه، فإن الخطوة الأولى التي يجب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتخاذها هي رفع الحظر من جميع الصادرات على المعدات الطبية، وفقا للتقرير.

وأضاف التقرير: " أن مثل هذه الحواجز التجارية قد أضرت أيضا التحالفات القائمة". فخلال المراحل الأولى من تفشي الفيروس التاجي، منعت فرنسا وألمانيا تصدير المعدات الطبية اللازمة لأعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين، على الرغم من حقيقة أنه من المفترض أن يكون الاتحاد سوقا واحدة. 

وقال: "فقط، بعد ضغوط المسؤولين السويديين، رفعت الحكومة الفرنسية قيودها على الصادرات على الأقنعة والقفازات المطاطية (كانت شركة سويدية تحاول إرسال هذه المنتجات إلى إيطاليا وإسبانيا من مركز تخزين في فرنسا). 

وذكّرت وزيرة الخارجية السويدية، آن ليند، نظراءها في الاتحاد الأوروبي في تغريدة، بأهمية إظهار "أن السوق الداخلية تعمل حتى في أوقات الأزمات"، وفق التقرير

وفي غضون ذلك، كانت الولايات المتحدة بطيئة في تقديم أي مساعدة لنظرائها، بما في ذلك إيطاليا، حليفها الأوروبي الأكثر تضررا. ويوضح التقرير تبعات مثل هذه التصرفات بالقول: "خلق هذا الواقع القاسي انفتاحا سارعت روسيا والصين إلى استغلاله". 

ففي 22 مارس/آذار، بعد 24 ساعة فقط من التحدث مع رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تسع طائرات محملة بالإمدادات الطبية إلى إيطاليا. 

كانت المساعدات الروسية مثيرة للجدل - تزعم بعض التقارير أن معظم المعدات كانت قليلة الاستخدام أو معدومة - لكن الإيطاليين، الذين شعروا بأنهم مهملون من قبل حلفائهم التقليديين، قبلوا المساعدة، وفق التقرير.

أيضا كانت الصين أسرع في الاستجابة للوضع الإيطالي، حيث شحنت طاقما طبيا متخصصا، وقفازات، وأقنعة، وأجهزة تهوية. 

وقد أشاد لويجي دي مايو، وزير الخارجية الإيطالي، بالجهد مبتهجا بأن "هناك أشخاصا في العالم يريدون مساعدة إيطاليا". وتابع التقرير: "أيضا أعربت دول أخرى، بما في ذلك جمهورية التشيك وفرنسا واليونان وإسبانيا، عن تقديرها للمساعدة الصينية". 

وأخيرا، في أبريل/نيسان، بدأ الاتحاد الأوروبي في التعبئة، معلنا عن برامج دعم مالي واقتصادي وطبي كبيرة، ولكن تم بالفعل إلحاق ضرر كبير بالتماسك الأوروبي، كما يقول التقرير.

ويتابع: "لقد دافع الأميركيون والأوروبيون عن نظام تجاري مفتوح منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ لذلك لا ينبغي أن يُسمح للفيروس التاجي بالتأثير عليه عن طريق زيادة التوترات التجارية الموجودة بالفعل عبر المحيط الأطلسي".

وبدلا من ذلك، يقول التقرير: "يجب أن يكون هذا الوباء فرصة تعاد فيها التأكيد على المبادئ المشتركة وإعادة الالتزام بها من أجل خدمة المواطنين والحلفاء على حد سواء، بتزويد العاملين في مجال الرعاية الصحية بالمعدات الوقائية التي يحتاجونها، ومساعدة المرضى على التعافي".

وتابع: أن "من شأن رفع الحظر والتعريفات الضارة أن يشكل سياسة جيدة ويحسن البيئة الجيوسياسية عبر الأطلسي".

تهديدات القرن

يقول التقرير: "لا بد أن يكون واضحا الآن لماذا يجب على الولايات المتحدة وأوروبا أيضا توسيع تعريفاتهما للأمن القومي والدولي لتشمل الصحة العامة"، مضيفا: "لقد أوضح فيروس COVID-19 أن الجراثيم يمكن أن تقتل بسهولة مثل الرصاص".

ويتابع: "تحقيقا لهذه الغاية، يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا توسيع قدرة الناتو (حلف شمال الأطلسي). فقد أثبتت المنظمة بالفعل أنها حيوية خلال الوباء الحالي، بما تقدمه من معدات طبية عاجلة، وباستخدام قدرات النقل العسكرية لجهود الإغاثة".

وبالنظر إلى الحاجة الجماعية للإمدادات الطبية التي نشأت خلال أزمة COVID-19، يجب على الناتو تقديم المزيد من المساعدة من خلال إنشاء مخزون للصحة العامة، وفق التقرير. 

وبحسب ما قال، إذا تمكن الناتو من تخزين المعدات العسكرية، فيمكنه أيضا تخزين المعدات الطبية على أساس جماعي، مع ضمان أن جميع الشركاء سيجعلون هذه المستلزمات الطبية متاحة للآخرين عند الحاجة.

لن يسمح هذا التحول فقط بمزيد من التعاون حيث تكون هناك حاجة ماسة إليه، بل سيخفف أيضا من الشقوق في التحالف الأمني ​​عبر الأطلسي.

ويتابع التقرير: "إن التدافع على المعدات الطبية بين أعضاء الناتو يضر بشدة بالتماسك. فقد اشتكى المسؤولون الفرنسيون والألمان، على سبيل المثال، من المزايدة على الإمدادات من قبل المشترين الأميركيين". 

وفي وقت سابق من شهر أبريل/نيسان 2020، اتهمت برلين الولايات المتحدة بمصادرة شحنتها التي تحتوي على 200 ألف قناع في تايلاند. 

ووصف وزير الداخلية في برلين، أندرياس جيزيل، هذا بأنه "عمل قرصنة حديثة"، لكن تراجع جيزيل في وقت لاحق عن ادعائه، لكن هذا لا يغير من حقيقة الأمر، وفق التقرير

ويتابع أيضا: "إن تفويض الناتو بتخزين الإمدادات الطبية سيعيد التأكيد أيضا على أن المنظمة ذات صلة بتهديدات القرن الحادي والعشرين".

على مدى العقد الماضي، انخفض الحماس العام للتحالف. فوفقا لبيانات مركز بِيُو-Pew للأبحاث، انخفضت وجهات النظر المؤيدة للناتو 16 نقطة مئوية في ألمانيا، و22 نقطة مئوية في فرنسا.

ويتابع: "إن توسيع قدرة الناتو التخزينية لتشمل معدات الحماية الشخصية، وغيرها من الإمدادات الطبية، سيسمح للمنظمة بتكثيف مساعدتها خلال الوباء".

وذكر أن ذلك "سيوضح أيضا أن التحالف على استعداد لحماية أعضائه من التهديدات الوجودية الأكثر إلحاحا اليوم، سواء من روسيا العدوانية، شرق أوسط غير مستقر، أو جائحة".

المراقبة الديمقراطية

وأخيرا يقدم التقرير بعض الاقتراحات لتحسين قدرة العالم على مواجهة الأوبئة، بالقول: "يجب على الأميركيين والأوروبيين الاستعداد للأوبئة الدولية المستقبلية من خلال إنشاء نظام مشترك للمراقبة الطبية العالمية".

عندما يكتشف الحلفاء عبر الأطلسي تفشي مرض يتجه نحو وباء على المستوى المحلي أو الدولي، يجب أن يكونوا مستعدين لإرسال "فرق استجابة طبية سريعة" لتقييم مدى التهديد وتقديم الاستجابة اللازمة. 

ولذلك، يرى أنه يجب أن تستند هذه السياسة إلى إستراتيجية مكافحة أوبئة متفق عليها عبر الأطلسي: تحدد ما يشكل الجائحة، وتشرح بروتوكولات الاحتواء المبكر والتخفيف، وتفصل كيفية إدارة التفشي بشكل جماعي إذا انتشرت عالميا. 

كما أنه "يجري إنشاء هذا النظام للمراقبة الطبية، بجهود مشتركة لمساعدة البلدان الأخرى على احتواء أي تفشيات وبائية في المستقبل". 

ويشير التقرير إلى أن "منظمة الصحة العالمية تفتقر حاليا إلى القوة والموارد لتشغيل مثل هذا النظام، وقرار ترامب الأخير بتعليق تمويل منظمة الصحة العالمية سيزيد الأمور سوءا".

وبدلا من ذلك، تعتقد المجلة الأميركية أنه على الولايات المتحدة وأوروبا أن تسعى جاهدة لتعزيز دور منظمة الصحة العالمية من خلال مبادرات مثل "مسؤولية الإبلاغ" العالمية الشاملة – وهي التزام بالإنذار المبكر لا تتعهد به الحكومات الوطنية فحسب، بل أيضا سلطات الصحة الإقليمية، ومختبرات الأبحاث، والشركات، للإبلاغ عن تفشي الأمراض الوبائية.

وبين التقرير أيضا أنه "مع انتشار أزمة الفيروس التاجي، كان المواطنون على قدر المسؤولية. فعندما طلبت الحكومة البريطانية متطوعين لمساعدة الخدمة الصحية الوطنية في محاربة COVID-19، شارك أكثر من 750،000 شخص في غضون أربعة أيام، مما يمثل أكبر عدد للمتطوعين منذ الحرب العالمية الثانية". 

الكثير من المليارديرات يؤدون دورهم، مثل الرئيس التنفيذي لشركة تويتر جاك دورسي الذي تعهد بتقديم مليار دولار للإغاثة من الوباء. لكن لا شيء من هذا يمكن أن يعوض الفراغ الذي خلفته الحكومات، وفق التقرير.

كما يؤكد أن: "الآن هو الوقت المناسب للولايات المتحدة للاستفادة من إمكاناتها القيادية العالمية الهائلة. فيمكنها إلى جانب حلفائها في أوروبا، أن تشكل مركزا للاستجابة العالمية للوباء ودفع الآخرين للعمل معا أيضا".

ويوضح التقرير: "يدرك المواطنون على جانبي المحيط الأطلسي بشكل متزايد أنهم بحاجة إلى تعاون دولي أكثر وليس أقل. كما يتوقع المواطنون من حكوماتهم حمايتهم، ولكن يشعر الكثيرون بأن قادتهم قد خذلوهم خلال الوباء الحالي".

لكنه يرى أن "هذه المبادرات المقترحة هي إحدى الطرق للتعبير عن التضامن عبر الأطلسي عندما يكون الحلفاء في حاجة ماسة، كما هو الحال الآن، كما أنها آلية لضمان أن العالم لن يواجه تفشيا جديدا لـ COVID-19، وأن الحلفاء لن يحاربوا الوباء التالي وحدهم".