بين مارشال ومانهاتن.. سيناريوهات الصدمة الأميركية بعد كورونا

محمود سامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين، على خلفية تداعيات جائحة فيروس كورونا (كوفيد 19)، حيث وجهت واشنطن اتهامات لبكين بسوء إدارة الأزمة والتسبب فيها، في مقابل نفي واستنكار صينيّين.

وإزاء تهديد فيروس كورونا أمن واشنطن القومي، دعا وزير الخارجية الأميركي الأسبق والسياسي المخضرم هنري كيسنجر بلاده إلى استخلاص الدروس عبر تطوير "خطة مارشال" و"مشروع مانهاتن"، مشددا على أن الأزمة ستغير العالم إلى الأبد.

وفي المقابل، نفت الحكومة الصينية بشكل قاطع كل الاتهامات المنسوبة إليها بالتعتيم على المعلومات في الأيام الأولى، قائلة: إنها أبلغت منظمة الصحة العالمية على الفور عن تفشي المرض.

وحتى 19 أبريل/ نيسان 2020، تجاوز عدد حالات الإصابة المؤكدة عالميا بالفيروس مليونين اثنين وربع المليون إصابة، فيما تقترب الوفيات من حاجز الـ600 ألف حالة.

رسالة كيسنجر

 أوائل أبريل/نيسان، رأى كيسنجر، أن جائحة كورونا ستغير النظام العالمي إلى الأبد، معتبرا أن على الولايات المتحدة حماية مواطنيها من المرض مع بدء العمل العاجل للتخطيط لعصر جديد.

وفي مقال نشره بصحيفة وول ستريت جورنال، دعا كيسنجر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تدشين مشروع كبير للقضاء على تداعيات أزمة كورونا، محذرا من أن الفشل يمكن أن يحرق العالم، وأن الاضطرابات السياسية والاقتصادية الناجمة عن الوباء ستستمر لأجيال.

وبناء على دروس من تطوير خطة مارشال ومشروع مانهاتن، على الولايات المتحدة بذل جهد كبير في ثلاثة مجالات، تتمثل في "دعم المرونة العالمية حيال الأمراض المعدية" و"السعي إلى تضميد جراح الاقتصاد العالمي"، و"حماية مبادئ النظام العالمي الليبرالي"، وفق كيسنجر.

و"مارشال" هي خطة أميركا لإعادة إعمار أوروبا بعيد الحرب العالمية الثانية (1939: 1945)، وحملت اسم واضعها الجنرال جورج مارشال، رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي، خلال تلك الحرب.

وكانت الخطة وراء إرساء نظام اقتصاد السوق وتحرير المبادلات التجارية ولعبت دورا جوھريا في صیاغة القوانین الوطنیة للدول الأوروبیة المنضوية في الاتفاقیة بعد الحرب العالمیة الثانیة.

أما مانھاتن فهو مشروع أميركي سري جاء للاستحواذ على إنتاج أول الأسلحة النووية خلال الفترة 1942- 1946 وذلك بعد اكتشاف الألمان سنة 1934 أھمیة انشطار ذرة الیورانیوم في تولید طاقة مدمرة مما جعل الرئیس الألماني أدولف ھتلر يتبنى المشروع في كنف السرية.

وتحركت الولايات المتحدة من خلال بعثة أنشئت سنة 1943 كجزء من مشروع مانھاتن، للتحقیق في مشروع الطاقة النووية الألمانیة واعتقال معظم كبار موظفي الأبحاث الألمانیة في المجال. وأنتج المشروع أول قنبلة ذرية خلال الحرب العالمية الثانية.

توظيف سياسي

الباحث المصري أحمد مولانا، ربط بين تصاعد أزمة انتشار كورونا وتداعياته الضخمة على الولايات المتحدة، سواء بشريا من خلال عدد الوفيات والإصابات، أو اقتصاديا بازدياد نسبة البطالة وتأثر العديد من الأنشطة الاقتصادية، ببدء مرحلة التوظيف السياسي للفيروس.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، أوضح مولانا أن واشنطن بدأت باتهام الصين بالمسؤولية عن اخفاء المعلومات حول الفيروس وكيفية انتشاره، في محاولة لممارسة ضغوط على بكين؛ لدفع تعويضات عن آثار انتشاره، فضلا عن تحميلها الجانب الأخلاقي، لإخفاء حقيقة الوباء في البداية.

وسبق أن وصف ترامب جائحة كورونا بـ"الفيروس الصيني"، مكررا الوصف نفسه 3 مرات في ظرف ساعة واحدة، لترد خارجية بكين وتعرب عن "سخطها ومعارضتها".

ومنتصف أبريل/نيسان 2020، قالت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية: إنها حصلت على وثائق داخلية من الصين تظهر أنها تأخرت 6 أيام قبل أن تحذر من انتشار كورونا.

من جهتها نفت الحكومة الصينية بشكل قاطع كل الاتهامات المنسوبة إليها بالتعتيم على المعلومات في الأيام الأولى، قائلة: إنها أبلغت منظمة الصحة العالمية على الفور عن تفشي المرض.

واعتبر مولانا أن الموقف الأميركي ينطلق من أرضية قوية، تتمثل في نفي منظمة الصحة العالمية في بداية يناير/ كانون الثاني 2020، بناء على معلومات من الصين انتقال الفيرس من البشر إلى بعضهم البعض.

واستشهد باعتراف الصين في 17 أبريل/نيسان بوفاة 1200 شخص بكورونا في ووهان لم يتم إدراجهم في قائمة الضحايا بالمدينة. وراجعت السلطات الصحية في ووهان باليوم الذي يسبقه إجمالي الوفيات وعدلتها بالزيادة لتدارك ما وصفته بالتقارير الخاطئة والتأخير في الإبلاغ عن الوفيات وغيرها من أوجه التقصير.

وتوقع الباحث المصري أن تزداد الأزمة بين الصين وأميركا تصاعدا على خلفية التنافس بينهما في العديد من الملفات العالمية في ظل تخوف واشنطن من تمدد بكين.

ملء الفراغ

متطرقا إلى دعوة كيسنجر الإدارة الأميركية إلى استخلاص الدروس من كورونا، عبر تطوير خطة مارشال ومشروع مانهاتن، قال مولانا: إن واشنطن اكتسبت ريادتها العالمية من قدرتها على القيادة والتصدي للمشاكل والأزمات مثلما فعلت في الحرب العالمية الثانية، وقادت الحلف المعادي لألمانيا واليابان، ثم كما قادت العالم الغربي في التصدي للاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة.

واستدرك: "لكن الولايات المتحدة في عهد ترامب انكفأت على الداخل ولم تقم بالجهد المطلوب لقيادة العالم في التصدي لأزمة كورونا، ولم تقدم مساعدات للدول الأخرى، وهذا الفراغ حاولت بكين ملأه بتقديم مساعدات للعديد من الدول، وفي حين أعلنت بعض الدول أن المساعدات الصينية كانت منتهية الصلاحية، رحبت دول أخرى بتلك المساعدات".

ومشروع مارشال، وفق مولانا "كان يقوم على إعادة بناء أوروبا بدعم أميركي. الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب لا تفكر في القيام بمشاريع شبيهة إنما بحث الآخرين على دفع الأموال لها دون مقابل حقيقي من الخدمات، مثلما فعلت مع السعودية عموما، والمكسيك لبناء السور الحدودي".

وتابع: أن "تلك العقلية التجارية غير الإستراتيجية (في إشارة إلى ترامب) ستخصم من رصيد القوة الأميركي على المدى المتوسط والطويل في حال التجديد لترامب (في الانتخابات الرئاسية نهاية العام 2020)".

أما عن الصين، أوضح أنها "ستحاول الاستفادة من الانكفاء الأميركي، بتقديم يد العون للمزيد من الدول، ومد نشاطها الاقتصادي وزيادته عبر أنحاء العالم، باعتبار أن هذا يقوض النفوذ الأميركي بمرور الوقت".

واستبعد أن تكون رؤية كسينجر تحمل بعدا عسكريا، قائلا: "لا أظن أن أيا من الدولتين حريصتان على الصدام العسكري حاليا، لأنه سيضر بهما بشدة".

وأوضح أن "الصدام العسكري بين البلدين هو محل جدل بين منظري العلاقات الدولية، مثل جون ميرشماير أحد منظري مدرسة الواقعية الهجومية الذي يرى أن الصدام حتمي"، لكن تداعيات مثل هذا الأمر، وفق مولانا "ستكون كبيرة على البلدين، وهو ما يشير إلى حرصهما على تجنبه قدر الإمكان".

محاسبة مرتقبة

بدوره، قال الباحث المصري أنس القصاص: إن كيسنجر ضرب مثالين في مقاله، متابعا في بوست على "فيسبوك": "بما أن أميركا لن تقدر (حاليا) على مشروع مثل مارشال، فهي دعوة صريحة لمشروع عسكري جديد يسمح بسيادة أميركية في القرن الجديد مثل مشروع مانهاتن".

وفي خضم التهديدات والتصريحات المتبادلة بين واشنطن التي تتهم بكين بالتضليل وإخفاء المعلومات الحقيقية عن وباء كورونا، والأخيرة التي تتهم الأولى بتسييس الأزمة، خرجت نبؤات بتدهور الأوضاع بين البلدين بعد انتهاء الأزمة.

وفي هذا الصدد، توعد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بمحاسبة بكين، قائلا: "سيأتي الوقت المناسب لمحاسبتها على ذلك". وأعرب عن أسفه الكبير لما وصفه "تكتم" الصين والحزب الشيوعي الحاكم عن الوباء في مدينة ووهان، وعدم تقاسمها مع بقية دول العالم المعلومات المتعلقة به بالسرعة الكافية.

فيما قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر: إن بلاده تتحرى حول مزاعم بشأن إنتاج فيروس كورونا في مختبر صيني، لكنه استدرك قائلا: إنه لم يتم إثبات صحة الادعاء بعد.

واتهم الحكومة الصينية، بـ"تضليل" بلاده منذ ظهور الفيروس لأول مرة، مؤكدا: "لدي ثقة بأن بكين لا تقول لنا الحقيقة، ولا نستطيع أن نتجاهل إخفاءها الحقائق المتعلقة بالفيروس".

كما قدم السيناتور الجمهوري توم كوتون والنائب الجمهوري دان كرينشو تشريعا يسمح للأميركيين بمقاضاة الصين في المحكمة الفيدرالية للحصول على تعويضات الوفاة والإصابة والضرر الاقتصادي الناجم عن فيروس ووهان.

في السياق ذاته، بعث السيناتور الجمهوري ماركو روبيو رسالة إلى ترامب يدعوه فيها لتشكيل تحالف دولي وفتح تحقيق دولي في جهود الصين لإخفاء الفيروس وفشلها في تقديم تحذيرات مناسبة للعالم على أن يشمل التحقيق منظمة الصحة العالمية.

الصين توحد الحزبين

قال الكاتب في السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركي جوش روجين في مقال بصحيفة واشنطن بوست: إن "أزمة الفيروس حولت الأميركيين في كلا الطرفين ضد الصين"، في إشارة منه إلى الحزبين الجمهوري والديموقراطي.

ورأى الكاتب أن هناك توافقا أميركيا على أن "الولايات المتحدة بحاجة إلى إستراتيجية أكثر صرامة وواقعية ضد الصين". وأشار روجين إلى أن من الصعب التنبؤ في منتصف الأزمة كيف تتغير العلاقات بين واشنطن وبكين، لكن الجميع يشعر أنها لن تكون هي نفسها.

ويعتقد الكاتب وجود "أدلة واضحة على أن الصين تخطط لاستخدام الأزمة لصالحها الاقتصادي والسياسي في جميع أنحاء العالم".

ودخلت منظمة الصحة العالمية، دائرة أزمة كورونا، إذ اتهمها ترامب بالانحياز إلى بكين والتركيز عليها خلال الأزمة. وأعلن ترامب مؤخرا تعليق بلاده إسهاماتها في تمويل المنظمة حتى تراجع واشنطن دورها "في سوء الإدارة البالغ والتستر على انتشار فيروس كورونا".

وواجه قرار ترامب انتقادات واسعة من قبل العديد من الدول بما فيها روسيا كما انتقدته رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي معتبرة أن القرار غير عقلاني وخطير.

وأكد مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية أن الولايات المتحدة قد تعيد توجيه نحو 400 مليون دولار كانت ستدفعها للمنظمة هذا العام، إلى جماعات إغاثة أخرى.

وقال المسؤولون: إن "واشنطن دفعت 58 مليون دولار هذا العام للمنظمة التي تتخذ من جنيف مقرا لها، وهو ما يمثل نصف المبلغ المقرر دفعه لعام 2020 تحت بند المساهمة المقدرة". وأضافوا: "سنوقف الدفعة الثانية، يمكننا بسهولة منح هذه الأموال للصليب الأحمر أو أي منظمة مماثلة".

وعادة ما تقدم الولايات المتحدة، تمويلا طوعيا لبرامج محددة لمنظمة الصحة العالمية تشمل عمليات التلقيح، ومكافحة الإيدز والالتهاب الكبدي، والسل، ورعاية الخدج، وصحة المراهقين.