يني شفق: تدخل تركيا في ليبيا ليس احتلالا.. هذا تاريخ العلاقات

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة تركية أن العلاقات بين أنقرة وطرابلس، تجاوزت مسألة كونها علاقات دبلوماسية بين طرفين تحكمها مصالح متنوعة فقط، خاصة بعد دعم تركيا الحكومة الشرعية في ليبيا  ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وقال الكاتب في صحيفة "يني شفق" زكريا كورشن: إن "العمليات العسكرية التي تشنها قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا مستمرة على قدم وساق مستهدفة قاعدتي ترهونة والوطية، وهما من آخر معاقل حفتر غربي البلاد".

ورغم إعلان قوات حفتر، في 21 مارس/ آذار 2020، الموافقة على هدنة إنسانية دعت إليها الأمم المتحدة، لتركز الحكومة جهودها على مكافحة "كورونا"، إلا أنها تواصل هجوما، بدأته في 4 أبريل/ نيسان 2019، للسيطرة على العاصمة طرابلس (غربا)، مقر الحكومة.

انهيار حفتر

ومن الواضح، بحسب الكاتب، أن الموازين بدأت تختلف بعد تغير القوى لصالح الشرعية وقواتها جراء الدعم التركي تقنيا وعسكريا. 

وبدأ الدعم بناء على مذكرتي تفاهم وقعتهما أنقرة وحكومة الوفاق الوطني الليبي، في 27 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تتضمن الأولى ترسيم الحدود الملاحية في البحر المتوسط، بينما تتناول الثانية التعاون العسكري والأمني بين الطرفين.

وأضاف الكاتب: "بتنا نرى انهيار اللواء التاسع التابع لحفتر في قاعدة ترهونة التي أسسها لتكون مركز انطلاق لهجماته، وتحولت هجماته العسكرية إلى دعائية ونوع من البروباغندا على الرغم من الدعم الكبير والمتواصل الذي يتلقاه من الإمارات". 

وتحدث الكاتب عن مقابلة لقائد اللواء التاسع، في 18 أبريل/نيسان 2020، حيث طُرح عليه سؤال "كيف تقيمون التدخل التركي في ليبيا؟".

كان جوابه كالتالي: "نحن ننظر للقضية كما ينظر لها عموم الليبيين، وهو أن تركيا تريد عبر ذلك إقامة نفوذ لها في المنطقة وتوسيعه. هذه الخطوة تعتبر احتلالا وإعادة لأمجاد الخلافة العثمانية، والسيطرة على موارد ليبيا. وإن جيشنا لن يسمح بعودة الاحتلال العثماني مجددا، ونحارب من أجل إفشال هذا المشروع".

ووصف الكاتب هذه التصريحات بأنها "لا قيمة لها، وهي عبارة عن حملة دعائية تحمل رائحة القرن الأخير، حيث أن تأثيرها ما زال باقيا حتى هذه اللحظة، وهناك أجيال بالكامل تردد هذه المصطلحات وأن الخلافة العثمانية كانت احتلالا، وما زالت تردد ذلك بعضهم عن جهل وآخرين بحسب ما تلقاه من تعليمات من الطبقة العليا".

وأردف الكاتب: "لا شك أن التاريخ يثبت أن فترة الحكم العثماني كانت الأكثر استقرارا بعد الدولتين الأموية والعباسية، وهذا ما زال متوافرا حتى اللحظة بالوثائق والمواد الأرشيفية، وفي الحقيقة الكثير يوقن في قرارة نفسه بذلك، والبعض يتمنى أن تعود تلك الحقبة بالفعل، لكن لا أحد يجرؤ على التعبير عن ذلك خوفا من بطش أنظمة الحكم المستبدة".

الحكم العثماني

وتطرق إلى تاريخ الخلافة بالقول: إن "تركيا لم تذهب إلى هناك بناء على فتوى دينية أو جهادية، بل المصادر تتحدث على أن الليبيين هم من طلبوا ذلك؛ للتخلص من بطش وظلم الإسبان، ومكّن العثمانيون الليبيين من الشعور بالأمن والأمان، ولفترة طويلة امتدت لقرون".

لم يقف الأمر عند هذا الحد، بحسب الكاتب الذي يقول: "بل امتد لنسج أواصر القرابة والنسب بين الطرفين التركي والليبي، وباتوا كعائلة واحدة، وحتى الآن يدرك الليبيون هذا الأمر وهم غير منزعجين في المجمل من الوجود التركي الراهن على أرضهم".

وتكرر الأمر مرة أخرى في ليبيا ولكن هذه المرة لمقارعة الاحتلال الإيطالي عام 1911، وكان في مقدمة تلك القوات كل من أنور باشا ومصطفى كمال، وما زال الاسمان يترددان في القصص والقصائد الصحراوية الليبية، ويقترن الاسمان باسم أحمد السنوسي الذي في المقابل قدم من ليبيا لدعم الكفاح الوطني في تركيا، وفق الكاتب.

وتابع: "كما هب الجنرال العثماني أحمد أكسولي الطالب في المدرسة الحربية للدفاع عن وطنه الثاني كما وصف طرابلس بذلك، ولا يمكن نسيان أيضا الأمير عثمان فؤادي الذي كان يدير قيادة الجبهة في ليبيا عند انهيار الدولة العثمانية".

واستطرد في الحديث عن التاريخ قائلا: "واصلت الحكاية نسج خيوطها بعد انسحاب الطليان من ليبيا، حيث تأسست المملكة السنوسية، وكان الملك إدريس قد توجه إلى تركيا في أول زيارة خارجية له، ورغب في أن يكون أول رئيس للوزراء في بلاده من تركيا، وكان وقتها سعد الله كول أوغلو، حيث شغل أول رئيس وزراء في المملكة (الليبية أنذاك)".

كانت هذه الخطوة بمثابة بذرة لعلاقة ممتدة بين الطرفين التركي والليبي، يتابع الكاتب: "ولا يمكن أن تنقطع وقد بدا ذلك واضحا حين دعم (معمر) القذافي (الرئيس المخلوع الراحل) وبدون تردد الخطوة التركية في قبرص شمالا عام 1974 رغم أنه هو نفسه من أطاح بالحكم الملكي في بلاده قبل ذلك بسنوات قليلة".

وذكر الكاتب أن القذافي، وبرغم الفتور في العلاقات، أبقي على عمل "جمعية الصداقة التركية الليبية"، كما تم منحها قسما في بناء تم تشييده في عهد السلطان عبد الحميد الثاني في طرابلس، تحت اسم "مكتبة الفنون"، بينما حظر عمل جميع المنظمات غير الحكومية في عهده.

وقال: "هل تعرفون من هو الاسم الذي كان الأكثر حبا من قبل الناس في عهد القذافي، والذي كان تتم دعوته باستمرار للمؤتمرات حتى تلك التي كان يحضرها أرفع مستوى في البلاد؟. إنه أورهان كول أوغلو، الذي انتقل إلى رحمة ربه الأسبوع الماضي (منتصف أبريل/نيسان 2020)، الصحفي والمؤرخ الشهير وصديقي العزيز، ابن رئيس وزراء المملكة الليبية الأول سعد الله بك".

وتابع: "أورهان أوغلو علمنا أن التاريخ الحديث يمكنه أن ينصف أولئك الذين سادوا في الزمن الغابر ولا سيما في التاريخ الشعبي. إنه القلم الذي أضفى الطابع المؤسساتي على التأريخ الليبي، ومهد الطريق أمام الليبيين بعد فترة طويلة للاطلاع على التاريخ العثماني واكتشافه من جديد".

أروهان أوغلو باعتباره أيضا ممثل الإعلام التركي في ليبيا لسنوات، ساهم عبر دراساته واهتمامه بالوثائق العثمانية، في تشكيل الأرشيف الليبي الحالي بشكل كبير، يقول الكاتب.

وختم مقاله بالتأكيد على أن العلاقات التركية-الليبية، لا يمكن لمن يريد دفن رأسه في الرمال أن يفهمها، ولا حتى أصحاب العقول الضيقة من أتباع حفتر وجنوده، وفق تعبيره.