إيران تواصل سياسة التحرش في مياه الخليج.. هكذا سترد واشنطن

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تنذر توترات الولايات المتحدة وإيران الأخيرة في مياه الخليج بفصل جديد من الصراع بين الجانبين، ففيما أعلنت واشنطن تقييمها لأفضل طريقة ترد بها على تحرش قوارب إيرانية بأسطولها الخامس، فإن طهران أكدت أنها سترد "بحزم" على أي خطأ في الحسابات.

التصعيد الأخير بين الجانبين جاء بعد إعلان الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية في 16 أبريل/ نيسان 2020، تحرش 11 قاربا للحرس الثوري بـ6 سفن أميركية في الخليج خلال قيامها بمهام تدريبية. لكن إيران نفت في بداية الأمر ووصفها وزير الدفاع أمير حاتمي بأنها "بلا أساس".

"رواية هوليوودية"

وبعدما بثت البحرية الأميركية مشاهد للزوارق الإيرانية تقترب من قطعها البحرية، أعلن الحرس الثوري الإيراني، 19 أبريل/ نيسان 2020، أن واشنطن قدمت رواية "هوليوودية" غير صحيحة حول "مواجهة" وقعت في 15 أبريل/نيسان 20202، بين سلاحي بحرية البلدين في الخليج.

وقال الحرس الثوري في بيانه: إن البحرية الأميركية قدمت "رواية غير صحيحة حول هذا الحادث، مما يشير إلى أن الأميركيين يرغبون في نسخة هوليوودية للأحداث".

واتهم البيان سفن الولايات المتحدة بـ"اعتراض" سفينة "الشهيد سياوشي" في السادس والسابع من أبريل/نيسان من خلال القيام "بتصرفات عالية المخاطر وتجاهل التحذيرات". وأقر الحرس الثوري بأنه كثف دورياته ردا على ذلك وأرسل 11 زورقا لمواجهة البوارج الأميركية في 15 أبريل/نيسان.

وحسب البيان: "رغم التصرفات غير المهنية والاستفزازية التي يقوم بها الإرهابيون الأميركيون وعدم مبالاتهم بالتحذيرات، ومع التصدي الشجاع وبسالة قواتنا، فقد تم إرغام البوارج الأميركية على الانسحاب من مسار قطع البحرية التابعة للحرس الثوري".

ونقلت وكالة "إرنا" الرسمية عن الحرس الثوري أنه نصح "الأميركيين بالامتثال للقوانين الدولية وبروتوكولات الملاحة البحرية في الخليج وبحر عمان، والامتناع عن أي مغامرة وفبركة روايات مزيفة". وحذر من أن القوات المسلحة الإيرانية "سترد بنحو ساحق على أي خطأ حسابي وسوء تقدير".

"استفزازات خطيرة"

وعلى الجانب الآخر، اعتبرت الولايات المتحدة تحركات إيران بالقرب من قطعها البحرية بأنها أعمال استفزازية خطيرة، متوعدة على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو بالرد المناسب على تلك الأعمال.

في 16 أبريل/ نيسان 2020، نشر الأسطول الخامس الأميركي، مشاهد من لحظة "تحرش" قطع للبحرية الإيرانية بسفن حربية أميركية في الخليج العربي، حسب ما ذكره عبر حسابه في "تويتر".

أما القيادة العسكرية المركزية الأميركية، فأكدت عبر موقعها الإلكتروني، أن 11 سفينة إيرانية تابعة لفيلق الحرس الثوري قامت بالتحرش والمضايقة بشكل متكرر وخطير لنحو ما لا يقل عن 6 سفن ومدمرات للبحرية الأميركية عندما كانت تقوم بعمليات تكامل مشتركة مصحوبة بمروحيات أباتشي في المياه الدولية لشمال الخليج العربي.

وأضافت إن السفن الإيرانية كررت الالتفاف والمناورة بسرعات عالية في مسافة قريبة للغاية من السفن الأميركية، مؤكدة أن لديها الحق الأصيل في الدفاع عن النفس.

وأوضحت القيادة المركزية إلى أن السفن الإيرانية تجاهلت تحذيرات متعددة عبر موجات الراديو من الطائرات، وكذلك تحذير أبواق السفن الأميركية ذات الضوضاء الصوتية بعيدة المدى. ولم تبتعد إلا بعد قرابة ساعة.

وشددت واشنطن على أن "إيران زادت من الإجراءات الخطيرة والاستفزازية دون مراعاة خطر سوء التقدير والاصطدام بالمخالفة للوائح الدولية لمنع التصادم في البحر".

وفي مقابلة مع محطة "فوكس نيوز" التلفزيونية، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ردا على سؤال عما إذا كان قد ناقش الحادث مع وزارة الدفاع (البنتاجون): "تحدثنا كفريق. نعكف على تقييم أفضل طريقة للرد وأفضل طريقة لتوصيل استيائنا مما حدث".

"إستراتيجية الإزعاج"

وتفسيرا لتوقيت التصعيد بين واشنطن وطهران، رأى هشام العلي خبير الدفاع والتسلح في "المركز الأوروبي العربي لدراسات مكافحة الإرهاب"، أن "الصراع الأميركي الإيراني تحول إلى صراع إستراتيجيات".

وأشار العلي في تصريحات صحفية أن "طهران تعوّل على إستراتيجية الإزعاج الروتيني الذي مارسته ضد القوات الأميركية في العراق بعد عام 2003، من خلال توجيه ضربات مستمرة على يد حلفائها في العراق بالمناطق الشيعية والسنية، مما اضطر الولايات المتحدة إلى سحب قواتها من العراق عام 2011".

وأوضح خبير الدفاع والتسلح: "بعد أن كثفت الولايات المتحدة من وجودها العسكري في العراق لمحاربة الإرهاب، وفي الخليج للضغط على إيران وحماية المصالح الأميركية، نجد أن طهران تمارس نفس الإستراتيجية ضد واشنطن من خلال دفع حلفائها لتوجيه ضربات ضد قواعدها المنتشرة في العراق، إضافة إلى القيام بأعمال استفزاز وازعاج للقطع البحرية الأميركية في الخليج على غرار ما جرى قبل أيام".

ونوه العلي إلى أن "هذا الأمر يذكرنا بحادث إسقاط الطائرة المسيرة الأميركية من قبل الدفاعات الجوية الإيرانية منتصف 2019، ومن ثم قصف قاعدتي عين الأسد وأربيل الأميركيتين في العراق بالصواريخ الباليستية الإيرانية بداية 2020، ردا على اغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد الحرس الثوري وأبو مهدي المهندس قائد الحشد الشعبي العراقي".

واتساقا مع هذا الطرح، رأى الكاتب عبدالحميد توفيق أن "عملية التحرش الإيرانية لا تخرج عن إطار الإستراتيجية الإيرانية التي تعمل بها طهران ضد واشنطن، فمثل هكذا عملية لا يجري تنفيذها بردات فعل فردية، ولا هي وليدة الصدفة المحضة، ذلك أن قطع الأسطول الأميركي منتشرة جهارا نهارا في مياه الخليج وغيرها من الأماكن على امتداد العالم، وعلى مرأى عدسات المراقبة الإيرانية منذ أمد بعيد، فلماذا تجاهلتها الزوارق العسكرية الإيرانية طيلة تلك الفترة؟".

وأشار توفيق في مقال نشره بموقع "العين" الإماراتي في 20 أبريل/ نيسان 2020، إلى أنه رغم انهماك واشنطن وطهران في غمار المواجهة مع جائحة كورونا إلا أن تحديات الفيروس لم تؤثر كما يبدو على خطط إيران في المضي قدما بجدول أعمالها المرسوم ضد الأميركيين، وتحديدا إستراتيجيتها بعيدة المدى التي أطلقتها في خضم حالة الهيجان التي انتابتها بعد مقتل قاسم سليماني، والرامية من حيث النتيجة إلى إنهاء الوجود العسكري الأميركي بالمنطقة.

وعلى الصعيد ذاته، رأى رئيس مؤسسة "راهبرد بجوهان جهان معاصر" للدراسات الإستراتيجية شعيب بهمن أن "الاحتكاك الجديد بين القوات الإيرانية والأميركية يأتي في سياق التوتر المتصاعد منذ نحو عام بين واشنطن وطهران".

وأضاف بهمن في تصريحات صحفية: أن "الزوارق الإيرانية لم تقترب من أي سفينة أجنبية إلا عندما تراها تقترب من مياهها الإقليمية". نافيا أي علاقة بين الإصرار الأميركي على إبقاء العقوبات على إيران في الظروف الراهنة والاحتكاك بالسفن الأميركية في هذا التوقيت.

وحسب الخبير الإيراني، فإنه رغم تفادي إيران الانخراط في أي حرب مع الولايات المتحدة الأميركية، فإن الأخيرة تسعى لتوريط طهران في ضوء تفشي فيروس كورونا.

وفي ظل ديمومة عوامل التوتر بين واشنطن وطهران، توقع شعيب بهمن أن تشهد المرحلة المقبلة احتكاكات مشابهة بين القوات الأميركية والإيرانية في الشرق الأوسط.

خيارات واشنطن

وفي ظل التوترات المتصاعدة والتهديدات الأميركية بالرد على الاستفزازات الإيرانية، تدور تساؤلات حول خيارات واشنطن في التعامل مع طهران، وما هي السيناريوهات المطروحة حاليا.

خبير الدفاع والتسلح هشام العلي رأى أن "الولايات المتحدة تراهن على عامل الوقت في تعاملها مع طهران، حيث تتجنب الرد الفوري، وتبقى على تعويلها على العقوبات الاقتصادية وبعض الإجراءات الدبلوماسية من خلال الانفتاح على بعض الأطراف السنية والكردية والشيعية الليبرالية في العراق، لكبح نفوذ طهران فيه".

وشدد العلي على أن "واشنطن تعول على عامل الوقت والعقوبات الاقتصادية الخانقة على إيران وحلفائها، بالمقابل تجد طهران أن الاستسلام لعامل الوقت ليس في صالحها، ولذلك تعول طهران على إستراتيجية الازعاج الروتيني لما له من مردودات في مجال الرأي العام يخص هيبة واشنطن".

وأضاف خبير الدفاع والتسلح: "من بين أعمال الإزعاج توجيه ضربات نحو القوات الأميركية من حلفاء إيران في العراق والمنطقة، إضافة إلى أعمال الاستفزاز في الخليج".

وبخصوص امتناع واشنطن عن الرد، رأى العلي، أن "الأخيرة تخشى المردودات السيئة من جانب الرأي العام الشيعي خصوصا في العراق حيث تتجنب واشنطن استفزازه، كما أن أعمال الاستفزاز الإيرانية سوف تتكرر لكن على فترات متفاوتة، وهي مسألة تشكل خطورة، وربما تؤدي إلى مواجهة تسببها أية مفاجآت أو أخطاء".

وشدد خبير الدفاع والتسلح على أن واشنطن سوف تحاول أن تواجه تلك الاستفزازات بأكبر قدر ممكن من ضبط النفس كون عامل الوقت الذي تعول عليه سوف تكون نتائجه أفضل بكثير من المواجهة.

من جهته، رأى الخبير الإيراني شعيب بهمن أن "الطرفين الإيراني والأميركي لا يرغبان في خوض الحرب، لكن الإدارة الأميركية -لا سيما بعد قتلها قاسم سليماني- ترى الخيار العسكري المحدود لكسر هيمنة طهران يصب في صالحها".

ولفت شعيب بهمن إلى أن "أي تحرك عسكري ضد المصالح الإيرانية سيقابل برد إيراني، ما يرفع احتمالات الحرب بين إيران والولايات المتحدة خلال المرحلة المقبلة".

أما الكاتب عبدالحميد توفيق، فرأى أن "قرارات الحرب في حالتي الدفاع أو الهجوم تخضع، في جميع دساتير الدول، لاعتبارات الأمن القومي وحماية مصالح البلاد العليا فقط بصرف النظر عن أي استحقاقات انتخابية أو أحداث طارئة، وهو ما تتجاهله إيران".

وتابع: "الموقف الأميركي الذي اتسم بضبط النفس واكتفى بما قاله وزير الخارجية مايك بومبيو عن تقييم أفضل طريقة للرد، لا يعني طي هذه الصفحة الإضافية من صفحات دفتر الاستفزاز الذي تمارسه طهران بين الحين والآخر، مما يرشح إمكانية التصعيد ثانية في مياه الخليج، خاصة في حال كررت الزوارق الحربية الإيرانية تحرشاتها المباشرة كما حدث، وغير المباشرة عبر وكلائها من المليشيات العراقية التابعة لها.

رسائل إيرانية

لم تخل التحركات الإيرانية الأخيرة ضد الوجود الأميركي في مياه الخليج من رسائل أرادت طهران إيصالها إلى داخل البلاد وخارجها، ولا سيما أنها تمر بظروف خانقة في ظل عقوبات شديدة وانتشار خطير لفيروس كورونا.

وفي هذه النقطة تحديدا، قال الكاتب عبد الحميد توفيق: إنه "يمكن التكهن بأن ما جرى في مياه الخليج لا يبتعد في جانب منه عن كونه رسالة إلى الداخل الإيراني أيضا، فالنظام مأزوم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا قبل جائحة كورونا بزمن بعيد، واستعادة نهج وشعارات المواجهة مع أميركا يمكن أن تُبقي دائرة التحديات الداخلية في أضيق نطاق".

وأردف: "يضاف إلى ذلك سعي طهران لزيادة الضغط على الأميركيين وابتزازهم بالتزامن مع تعرض مواقع عدد من قواعدهم العسكرية في العراق لقصف صاروخي تكرر أكثر من مرة، قابله رد أميركي في بعض الحالات استهدف مواقع بعض المليشيات التابعة لإيران في العراق وعلى الحدود العراقية السورية".

ورأى توفيق أن "لجوء طهران مجددا إلى سياسة التحرش بالأميركيين واستفزازهم في مياه الخليج تندرج في سياقين؛ الأول: التلويح لإدارة ترامب بأنها مستعدة للاستمرار في سياسة المواجهة المباشرة وغير المباشرة بالتوازي مع التلويح باستعدادها للجلوس على طاولة التفاوض".

أما السياق الثاني، بحسب الكاتب، فهو "سعي إيران للتذكير بأنها لاعب مهم في تلك المنطقة أصالة عن نفسها ونيابة عبر أدواتها ومليشياتها، ولا بد لواشنطن، بحسب وجهة نظر طهران، أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار إذا ما أرادت أن تصون مصالحها في عموم المنطقة".