عبدالسلام عارف.. ضابط مغامر نجا من الإعدام وأصبح رئيسا للعراق

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ضابط مغامر، يعتز بعروبته وإسلامه، صاحب مواقف مشهودة تركت أثرا في ذاكرة من عاصره، تسلم أرفع المناصب، ثم أقصي منها وحكم عليه بالإعدام بتهمة الانقلاب، ثم وضع تحت الإقامة الجبرية، ليتسلم بعدها قيادة العراق، ويصبح ثاني رئيس للبلاد في العهد الجمهوري.

وبعد ثلاثة أعوام من حكمه ومسيرة حافلة بالأحداث، لقي الرئيس العراقي عبد السلام عارف مصرعه في ظروف غامضة في 13 أبريل/ نيسان 1966 عن عمر ناهر الـ45 عاما، لينتقل البلد بعد ذلك إلى حقبة جديدة تولى فيها حزب البعث العربي الاشتراكي قيادة العراق.

"ضابط مغامر"

ولد عبد السلام محمد عارف في 26 مارس/آذار 1921 ونشأ في كنف أسرة مرموقة اشتهرت بتجارة الأقمشة، قدمت من منطقة خان ضاري غرب بغداد وحطت رحالها في محلة سوق حمادة في جانب الكرخ القديمة.

جده لأبيه هو شيخ لعشيرة الجميلة المعروفة بالعراق، وخاله ضاري المحمود شيخ قبيلة زوبع، وأحد أبرز قادة "ثورة العشرين" ضد الاستعمار البريطاني أنذاك.

أكمل عبد السلام عارف مراحله الدراسية وتخرج من ثانوية الكرخ عام 1938 شاقا طريقه بمزيد من الإصرار والتحدي، ثم التحق بالكلية العسكرية التي تخرج منها برتبة ملازم ثان عام 1941.

شارك في ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941 التي عرفت بثورة مايو/أيار التحررية، ونقل إلى البصرة بعد الإطاحة بحكومة الثورة حتى 1944 ثم إلى الناصرية واختير عام 1946 مدربا في الكلية العسكرية ثم نقل إلى كركوك عام 1948 ومنها إلى فلسطين.

وشارك في حرب فلسطين في 1948، وبعد عودته منها أصبح عضوا في القيادة العامة للقوات المسلحة. وفي 1951 التحق بدورة عسكرية في دسلدورف بألمانيا حتى عام 1956 وعاد من هناك ليلتحق باللواء التاسع عشر في 1956.

انضم عبد السلام عارف إلى تنظيم "الضباط الوطنيين" في 1958 وضم إلى خليته عبدالكريم قاسم، وكان من المساهمين الفاعلين في التحضير والقيام بـ"حركة 14 يوليو/ تموز 1958"، التي أطاحت بالعهد الملكي.

يصنفه المؤرخون على أنه من جيل الضباط الثوريين الذين تصدوا لعمليات التغيير باستخدام الجيش على غرار ما جرى في سوريا من انقلاب حسني الزعيم، أو على شاكلة الضباط الأحرار الذين أطاحوا بالملك فاروق في مصر.

ويطلق عليه أستاذ العلوم السياسية مؤيد الونداوي لقب "الضابط المغامر الذي لا يأبه بالخواتيم" مستشهدا بقيادته لقطعات الجيش عندما كان آمرا للواء العشرين، وإطاحته بالنظام الملكي القائم حينذاك.

محكوم بالإعدام

بعد الانقلاب على العهد الملكي في العراق الذي قاده زميله عبد الكريم قاسم، أذاع عارف بنفسه البيان الأول من مقر الإذاعة صبيحة 14 يوليو/تموز 1958، ليعلن بذلك إقامة نظام جمهوري بقي قائما حتى يومنا هذا.

تسلم بعدها منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وأصبح الرجل الثاني بعد عبد الكريم قاسم الذي تسلم رئاسة الوزراء، إلا أن الخلافات سرعان ما دبت بينهما بعد دخولهما معترك السياسة والسلطة.

فالتوجه القومي الإسلامي لدى عارف لم يكن متسقا مع قطب اليسار الذي يمثله عبد الكريم قاسم، فأبعده الأخير عن مؤسسة الحكم في بغداد وعيّنه سفيرا في برلين.

لكن عارف رفض الذهاب إلى ألمانيا، ما جعله تحت طائلة الاتهام بالتخطيط لقلب النظام، وقبض عليه وأصدر حكم الإعدام بحقه، بيد أن قاسم لم يكن حازما في تطبيق الحكم فأفرج عنه بعد حين ووضعه تحت الإقامة الجبرية حتى انتهاء حكمه عام 1963.

بقي تحت الإقامة الجبرية، حتى أطيح برفيق دربه السابق عبد الكريم قاسم بانقلاب قاده حزب البعث على 8 شباط/ فبراير 1963، وتنصيب عبد السلام رئيسا لجمهورية العراق.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 1963، قام عارف بحركة أطلق عليها "التصحيحية"، أطاح فيها بالبعثيين وعزل فيها رئيس الوزراء أحمد حسن البكر عن منصبه (الذي أصبح فيما بعد رئيسا للعراق)، واستبدل بعض الضباط بآخرين قريبين منه.

علاقته بالإخوان

أثارت وساطته لدى الرئيس المصري الراحل جمال جمال الناصر، والتي أدت إلى الإفراج عن منظر جماعة الإخوان المسلمين آنذاك سيد قطب عام 1964، الكثير من التكهنات عن علاقة عبد السلام عارف الذي عرف عنه تدينه، بالجماعة.

وفي هذه النقطة يقول الكاتب العراقي رشيد خيون في مقاله بموقع "نبراس" في 13 أغسطس/ آب 2012: "قرأت شيئا أرابني وأثار اهتمامي في الوقت نفسه، وهو أن عبد السلام عارف، الشريك في ثورة 14 يوليو/تموز 1958، كان إخوانيا حتى قبل الثَّورة بسنتين، هذا ما جاء في شهادة الفلسطيني صالح سرية (أعدم 1974)، الذي لجأ إلى العراق بعد حرب 1948 بفلسطين".

وأشار خيون إلى أن عبد السلام عارف، بشهادة الكثيرين، متدين، وحاول إنقاذ سيد قطب (أعدم 1966) من حبل المشنقة، بل طلب من قطب، عن طريق السفير العراقي، أن يتولى الإشراف على التربية والتعليم بالعراق. ونقل عن عبد السلام بأن تفسير "في ظلال القرآن" كان أنيسه في السجن أيام عبد الكريم قاسم.

ونقل الكاتب عن مذكرات رئيس الحزب الإسلامي العراقي (انبثق عن إخوان العراق) في بداية الستينيات، الشيخ نعمان السامرائي، وهو من المعاشرين لعبد السلام ثم شقيقه عبد الرحمن عارف، ما يفيد أن الرئيس كان ملتصقا بالإخوان، ومنه: أن عبد السلام كان قد دعا الإخوان لمشاركته في الثورة ضد عبد الكريم قاسم، لكن المبعوث، وهو عديل الرئيس، لم يبلغ الإخوان.

ومما يذكره السامرائي، بحسب خيون، أنه بعد مقتل عبد السلام قدمت الحكومة المصرية الإخوان المصريين إلى المحكمة، فلما نقل نعمان السامرائي الخبر إلى الرئيس الجديد عبد الرحمن عارف (تولى الرئاسة بعد شقيقه) علق على الخبر قائلا: "هذا صاحبكم مات والعوض عليه تعالى". في إشارة إلى شقيقه عبد السلام.

لكن الكاتب قال في مقاله: إنه التقى بالشيخ نعمان عبد الرزاق السامرائي، خلال معرض الرياض للكتاب، عام 2012، واستفسر منه عن إخوانية عبد السلام، فإذا لم يكن منتظما معه لا بد أن سمع بخبره، فنفى تلك الصلة، أو قال: "لا علم لي بالأمر، لكنه أكد تدينه وبثقة عالية".

رحيل غامض

في 13 أبريل/نيسان 1966، أعلن عن وفاة عبد السلام عارف بعد سقوط طائرته الخاصة في منطقة القرنة أثناء عودته من زيارة لمحافظة البصرة جنوب العراق حيث أمضى يومه كاملا في ضيافة المدينة، وقرر العودة عند المساء.

رغم أن التحقيقات كشفت في حينها أن الحادث سببه عاصفة رملية، إلا أن فريق تحقيق أرسلته الشركة الروسية المصنعة للطائرة الرئاسية أكد خلوها من أي عطل فني ليسدل الستار على حادثة لا تزال غامضة حتى اليوم.

ووري الثرى قرب ضريح والده في جامع بني لهذا الغرض في مسقط رأس العشيرة قرب مدينة الفلوجة، وأعلن الحداد في العراق وأغلب الدول العربية وبعض الدول الصديقة.

وخرجت المسيرات في جميع محافظات العراق وبعض الدول العربية منها مصر وتونس ولبنان واليمن والجزائر وأطلق اسمه على عدد من الشوارع والمراكز والساحات العامة في العديد من تلك الدول والتي ما زال بعضها قائما حتى الآن.

وبوفاته توقف مشروع الوحدة الثلاثية ومشروع القيادة الموحدة للجيوش العربية لدول المواجهة مع إسرائيل والذي استبدل بالقيادة المشتركة التي كانت تفتقر للتنسيق السوقي والتعبوي. وبعد عام على وفاته خسر العرب في حرب يونيو / حزيران 1967.

وكان شقيقه الأكبر عبد الرحمن عارف، قد تسلم منصب الرئاسة لمدة عام، ثم نفذ حزب البعث عملية انقلاب أبيض لم ترق فيها الدماء، لأن الرئيس وافق على تسليم رئاسة البلاد طواعية.