نيويورك تايمز: أسباب اعتقال الأميرة بسمة.. ماذا عن نجل الملك عبدالله؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تقريرا تحت عنوان "أميرة سعودية معتقلة تصرخ طالبة النجدة لإطلاق سراحها"، سلطت فيه الضوء على بسمة بنت سعود، المعتقلة منذ مارس/ آذار 2019، كاشفة في الوقت ذاته عن طريقة اعتقال الأمير فيصل بن عبدالله.

وقال التقرير الذي أعده مدير مكتب الصحيفة في نيويورك بن هابرد: إن "حملة الاعتقالات التي طالت أفرادا من الأسرة الحاكمة في السعودية قد زادت وتيرتها منذ التبشير بقدوم رجل السعودية القوي وولي عهد ملكها الأمير محمد بن سلمان، ليضمن إطباق قبضته على أركان الحكم كافة في المملكة، مزيلا من أمامه جميع العقبات المحتملة والمستبعدة".

وأوضح أن الأميرة بسمة بنت سعود كانت لسنوات طويلة تنادي في العالم بأسره بانتقادات لاذعة لنظام الحكم في المملكة العربية السعودية، منتقدة المعاملة السيئة التي تعاملها المملكة للمرأة، واصفة تعاليمها الدينية بأنها "خطيرة للغاية"، كما أنها من أشد المناديات بالملكية الدستورية، وتمكنت من الإفلات من العقاب حتى اختفت في مارس/آذار 2019.

وأكد التقرير أنه خلال هذا الأسبوع، أكدت الأميرة بسمة بنت سعود، ابنة الملك الثاني للمملكة العربية السعودية، ما كان يُشتبه به منذ فترة طويلة حيث أفاد بيان على حسابها على "تويتر" بأنها محتجزة في سجن سيئ السمعة في المملكة العربية السعودية بدون تهمة، وأنها بحاجة ماسة للرعاية الطبية.

وكتبت الأميرة بسمه، قائلة: "تم اختطافي أنا وإحدى بناتي دون أي تفسير وإلقائنا في أحد السجون السعودية". وقالت: إنها "توسلت إلى العاهل السعودي وولي عهده للإفراج عنها لأنها لم ترتكب أي خطأ". لكن هذا المنشور تم حذفه يوم الجمعة 17 أبريل/ نيسان 2020.

حملة اعتقالات 

وعرّج تقرير الصحفية الأميركية على أسباب اعتقالها، بالقول: إنه ليس من الواضح أسباب اعتقال الأميرة بسمة، إلا أنه يبدو متسقا مع اتجاه نظام الحكم في السعودية القائم على اعتقال وإسكات المواطنين البارزين في المملكة الذين عارضوا سياسات الحكم فيها.

ولفت إلى أن اعتقال الأميرة بسمة يأتي كواحد من اعتقالين جديدين لأمراء سعوديين خلال حملة الاعتقالات التي تمهد الطريق لحاكم السعودية الفعلي، الأمير محمد بن سلمان، حيث جرى في مارس/ آذار 2020، اعتقال الأمير فيصل بن عبدالله، ابن أحد ملوك السعودية، تاركا أسرته وأبناءه بدون تفسير منطقي لأسباب اعتقاله.

وأشار التقرير إلى أنه منذ اعتلاء الملك سلمان سدة الحكم في السعودية في عام 2015، قام محمد بن سلمان بحملات اعتقالات متكررة وممنهجة لأمراء في العائلة الحاكمة ممن قد يعيقوا طريقه لاعتلاء عرش المملكة بالرغم من كونه الحاكم الفعلي للمملكة في وجود أبيه الملك سلمان.

علاوة على ذلك كان الأمير الشاب الطامح للحكم يسعى للانتقام من المنتقدين لسياساته كافة، ومنهم الناشطون الذين كانوا يجادلون من أجل منح المرأة السعودية حق قيادة السيارات داخل المملكة والذين تم سجنهم. كما جرى اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول على يد مجموعة اغتيال سعودية عام 2018 بعد نشره مقالات تنتقد أسلوب إدارة ولي العهد للحكم في البلاد في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، إلا أن اعتقال شخصيات غير بارزة من العائلة المالكة مثل الأميرة "بسمة" حير خبراء في الشأن السعودي، بحسب التقرير.

وفي حديث للصحيفة الأميركية تساءلت مضاوي الرشيد الأستاذة الزائرة في كلية لندن للعلوم الاقتصادية، والتي تدّرس اقتصاد السعودية، قائلة: "لماذا يتم اعتقال شخصيات مثل الأميرة بسمة؟ وما هو التحدي الذي تمثله للأمير محمد بن سلمان؟". ونوهت "نيويورك تايمز" إلى أن مسؤولين في السفارة السعودية  في واشطن رفضوا التعليق.

ووثّق التقرير حبس ما لا يقل عن 11 أميرا بفندق "ريتز كارلتون" في الرياض عام 2017 بعدما اُتهموا بالفساد، بينما يوجد أمير واحد على الأقل هو الأمير تركي بن عبد الله، لا يزال رهن الاعتقال، وقد وُضع ولي العهد السابق، محمد بن نايف، الذي أزاحه الأمير محمد بن سلمان وأخذ مكانه في ولاية العهد ليصبح وليا للعهد، قيد الإقامة الجبرية قبل اعتقاله الشهر الماضي، إلى جانب أحد أعمام محمد بن سلمان.

ومما يجدر الإشارة إليه أن أغلب هؤلاء الأمراء قد شغلوا مناصب قوية وحساسة داخل المملكة كرؤساء للأجهزة الأمنية أو بصفتهم حكام مقاطعات (منطقة)، مما دفع المحللين إلى استنتاج أن ولي العهد احتجزهم لتحييد التهديدات المحتملة لطريقه إلى العرش.

سابقة جديدة

وما يثير الدهشة، أن كلا من الأميرة بسمة بنت سعود والأمير فيصل بن عبدالله لم يشغلوا أية مواقع حساسة أو قيادية داخل منظومة الحكم السعودية. وقال اثنان من معاوني الأميرة بسمة: إنها محتجزة مع ابنتها في سجن الحائر، وهو سجن سيئ السمعة للمجرمين والمتهمين بالإرهاب، بالقرب من العاصمة الرياض، وهي خطوة لم يسبق لها مثيل، على حد قول مضاوي الرشيد.

وأكد التقرير: من المعروف تاريخيا أنه كان يتم اعتقال أفراد العائلة الحاكمة داخل قصورهم ويُمنع عليهم الخروج منها، ولكن مجرد وضع الأميرة بسمه في سجن الحائر سيئ السمعة يُعد نوعا من أنواع التطرف.

تُعد الأميرة بسمة 57 سنة، هي الابنة الصغرى للملك سعود ثاني عاهل للمملكة العربية السعودية، الذي أنجب 53 ابنا و57 بنتا مع العديد من الزوجات والمحظيات، وأُجبر على التنازل عن العرش في عام 1964 من قبل أفراد آخرين من عائلته.

جدير بالذكر أن الأميرة بسمة عاشت لسنوات طويلة في العاصمة البريطانية لندن، حيث شاركت في الأعمال التجارية وتحدثت عن حقوق الإنسان وضرورة التغيير في المملكة العربية السعودية.

وفي مقابلة لها مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في عام 2012، دعت إلى وضع دستور في المملكة العربية السعودية يعامل جميع الرجال والنساء على قدم المساواة، والذي من شأنه حماية المواطنين في المحكمة من نزوات القضاة الفردية.

وانتقدت الأمير السعودية قوانين الطلاق في المملكة لعدم حمايتها حقوق المرأة، وقالت: إن "نظام التعليم السعودي ترك شبابنا عرضة للأيديولوجيات الأصولية التي أدت إلى الإرهاب".

وأفاد تقرير الصحيفة الأميركية بأنه في حين كانت هذه الانتقادات شائعة بين المنشقين السعوديين والناشطين الحقوقيين، مثلت الأميرة بسمة المنتمية للعائلة الحاكمة حالة نادرة للتعبير عن هذه الأفكار علنا.

"انعكاس البوصلة"

وعلى الرغم من انتقاداتها العلنية اللاذعة، لم تواجه أي عواقب حينها، وعادت إلى السعودية بعد تولي الملك سلمان الحكم، وفي عام 2017، أثنت عليه في مقابلة مع الألمانية "دويتشه فيله" قائلة: إنها تتوقع منه تحسين سجل حقوق الإنسان في المملكة. وأضافت: "هناك تقدم في السعودية وفي قضية حقوق الإنسان في السعودية، يتم النظر في الأمر بجدية أكبر مما كان عليه من قبل".

وأشار التقرير إلى انعكاس توجه بوصلة الأميرة بسمة حينما تحدثت إلى "بي بي سي" في العام التالي 2018، حيث وجهت انتقادات قوية للأمير محمد بن سلمان، الذي بدأ خطة شاملة تسمى رؤية 2030 التي سعت لتنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن النفط وفتح المجتمع السعودي، حيث قالت: "لديه رؤية ، رؤية 2030، وأرى أنه في تلك الرؤية، هناك اتجاه نحو نوع من العزلة لجميع أولئك الذين لا يتفقون مع تلك الرؤية".

وفي محاولة من كاتب التقرير لكشف أسباب اعتقال الأميرة بسمه، نقل عن أحد معاوني الأميرة بسمة قولها: إن "مسؤولي البلاط الملكي أخبروها أنها قد تواجه مشاكل إذا لم تشيد بالأمير محمد في مثل هذه المقابلات".

وأكد التقرير أن "الأميرة بسمة تعاني من مشاكل صحية بما في ذلك مشاكل في القلب وهشاشة العظام، وفي أوائل عام 2019 كانت تخطط للحصول على رعاية طبية في سويسرا، إلا أنه وفي الأول من مارس/ آذار 2019، قبل مغادرتها، اعتقلها ضباط الأمن من منزلها في جدة على ساحل البحر الأحمر السعودي مع ابنتها سهود، 27 عاما"، على حد قول معاوني الأميرة. يُذكر أنه لم يتم توجيه أية تهم لهما بشكل علني.

وقال مساعدو الأميرة للصحيفة الأميركية: إنه مع استمرار احتجازها، تدهورت صحتها وهي الآن تكافح من أجل النهوض من الفراش، وأنه خلال هذا الأسبوع، بدافع اليأس، طلبت من موظفيها نشر الالتماس على حسابها على "تويتر"، حيث ناشدت الملك سلمان والأمير محمد، واصفة حالتها الصحية بأنها حرجة للغاية، وقالت: إنها لم تتلق أي رعاية طبية. بينما قال مساعدوها: إنهم لا يعلمون كيف تم مسح المنشور، يوم الجمعة 17 أبريل/ نيسان 2020 من حسابها على "تويتر".

"ذريعة كورونا"

على الجانب الآخر، كان الأمير فيصل، الذي أصبح الآن في منتصف الأربعينيات من عمره، رئيسا للهلال الأحمر السعودي في عهد والده الملك عبد الله، الذي توفي في عام 2015 ،لكنه لم يفعل شيئا يذكر.

ونقلت التقرير عن أحد مساعديه، قوله: إنه احتجز لفترة وجيزة في فندق "ريتز كارلتون" في 2017 وسلم بعض ممتلكاته للحكومة، وكان يعيش بهدوء على الجزء المتبقي من ثروته منذ ذلك الحين.

وأفاد اثنان من أصدقائه في حديث للصحيفة بأن ضباط الأمن جاؤوا إلى منزله بالقرب من الرياض في 27 مارس / آذار 2020، واتهموه بأنه مصاب بفيروس كورونا (كوفيد 19)، بينما نفى الأمير فيصل أنه مصاب بالمرض، وقال: إنه يعيش في عزلة، ومع ذلك تم اعتقاله، بينما قال شركاؤه الثلاثة: إن أسرته لم تسمع منه منذ ذلك الحين ولا تعرف سبب احتجازه أو مكان احتجازه.