في امتحان جائحة كورونا.. هكذا نجح المنتخبون ورسب المستبدون

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عرّف عبد الرحمن الكواكبي المستبد بأنه "يود أن تكون رعيته كالغنم درا وطاعة. وعلى الرعية أن تكون كالخيل إن خُدمت خدمت وعليها أن تكون كالصقور لا تُلاعب ولا يُستأثر عليها بالصيد كله".

وفي كتابه الفريد "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، وضع الكواكبي جملته الخالدة في تعريف الاستبداد "الاستبداد أصل لكل فساد".

كان لا بد من استدعاء حديث الكواكبي عن الحاكم والملك والرئيس والأمير المستبد، في ظل ما يحياه العالم مع أزمة جائحة فيروس كورونا، التي اندلعت شرارتها من مدينة ووهان بالصين أحد مواطن الاستبداد في العالم.

وفي رده على سؤال هل كانت الأنظمة الاستبدادية أكثر قدرة على إدارة هذا النوع من الأزمات؟ أجاب رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل ماكرون، "من الواضح أن هناك أشياء حدثت ولا نعرفها".

وشتان بين أنظمة مستبدة شمولية مثل الصين وإيران ومصر، أخفت المعلومات والحقائق بشأن كورونا عن شعوبها وعن العالم أجمع فتسببت في تفشي الوباء وانتشاره كالنار في الهشيم، وبين حكومات ديمقراطية مدنية منتخبة مثل دول أوروبا وأميركا وكوريا الجنوبية وتركيا صارحت شعوبها قبل أن تصارح العالم بكل جديد عن واقعها مع الفيروس فكسبت احترام الجميع.

الريادة الألمانية

في 17 أبريل/ نيسان 2020، أعلن وزير الصحة الألماني ينس سبان، أن "جائحة كورونا في ألمانيا، تحت السيطرة"، مؤكدا أن "إبقاء الناس في منازلهم منذ منتصف مارس/ آذار الماضي، كان ناجحا".

وأردف: "نستعد لتخفيف الإجراءات وزيادة إنتاج الأقنعة الواقية. هناك تراجع في أعداد الإصابات، خاصة الزيادة النسبية يوما بعد يوم، تفشي المرض اليوم أصبح تحت السيطرة".

وتعد ألمانيا من البلاد الرائدة والمتطورة في مجال الرعاية الصحية على مستوى العالم، ولديها 28 ألف سرير للعناية المركزة، وهو أعلى بكثير من المتوسط الأوروبي.

ودون تدخل الجيوش، أو الانسياب في العسكرتارية السائدة في العالم العربي، بدأت ألمانيا يوم 16 مارس/ آذار 2020، بقرار من الحكومة، حظر التجمعات في الكنائس والمساجد والكنس، وأمرت بإغلاق المتاجر غير الضرورية إضافة إلى ملاعب الأطفال.

وأعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، في مؤتمر صحفي "يجب عدم القيام بأي رحلات بهدف الإجازة داخل البلاد أو خارجها". وشددت "لم يسبق أن فرضت إجراءات مثل هذه في بلادنا من قبل، إنها إجراءات واسعة، ولكنها ضرورية في الوقت الحاضر".

ومنذ وصول كورونا إلى ألمانيا، لجأت السلطات لإجراء نحو 300 إلى 500 ألف فحص للكشف عن الفيروس أسبوعيا، وتستهدف بحسب الإعلان الحكومي رفع الحد يوميا، ليصل إلى 200 ألف فحص. 

وفي ذلك الإطار أعلن رئيس ديوان المستشارية هيلغا براون، أن "ألمانيا تريد اتباع نهج كوريا الجنوبية لمواجهة المرض، عبر استخدام GPS والبيانات لتحديد دائرة المصابين بالمرض، لكن مع ضرورة احترام البيانات الشخصية". 

التجربة الكورية

كوريا الجنوبية، التي تتمتع بتجربة ديمقراطية، وحكومات مدنية متعاقبة، أهلتها لنهضة حديثة في جميع المجالات، خاصة المجال الصحي، أصبحت من أفضل التجارب على الإطلاق في مواجهة جائحة كورونا، حتى غدا النموذج الكوري ملهما للعديد من الدول الكبرى، وحسب موقع "وورلد أوميتر" المتخصص في إحصاءات فيروس كورونا عبر العالم، سجلت كوريا الجنوبية 10 آلاف و683 إصابة بالفيروس بينهم 237 وفاة.

الإستراتيجية الكورية ارتكزت على نموذج إتاحة المعلومات، والمشاركة العامة، والفحوصات على نطاق واسع، بحيث يتم الاتصال بجميع الأشخاص الذين اختلط معهم المرضى المصابون بفيروس (كوفيد-19)، وإجراء فحوصات لهم.

ومن خلال رصد تحركات الشخص المصاب في الأيام الـ14 السابقة، بدءا من استخدامه بطاقة الائتمان المصرفية، وصور الكاميرات المغلقة، وتتبع الهاتف الجوال، يتم نشر تلك المعلومات على مواقع حكومية، مع رسائل نصية تحذيرية ترسل إلى الأشخاص، عندما يتم رصد إصابة جديدة في المنطقة التي يعملون أو يعيشون فيها.

كوريا الجنوبية التي لديها أكثر من 500 مختبر متخصص لإجراء مسحات PCR لاكتشاف كورونا، بينها أكثر من 40 مرفقا يمكن الحصول على الخدمة فيها عبر المرور بالسيارة (درايف ثرو) ما يقلل من الاحتكاك بين المرضى والأطقم الصحية، عملت على اختبارات تشخيص بشكل أسرع من أي دولة أخرى، حوالي 10 آلاف فحص يوميا منذ البداية.

وهو ما جعل مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، يقول في 18 مارس/ آذار 2020: إن "فيروس كورونا المستجد عدو للبشرية، داعيا إلى اتخاذ كوريا الجنوبية مثالا يحتذى به في التعامل مع الفيروس الخطير". 

نقل النعوش 

كانت إيطاليا من أكثر الدول تضررا جراء فيروس كورونا، حيث أدى إلى وفاة قرابة 23 ألفا في البلد الأوروبي الذي يبلغ تعداده السكاني 60 مليون نسمة. 

ورغم قسوة الوضع، لكن الجيش الإيطالي لم يتدخل إلا في نطاق مهام محدودة وواضحة، ففي 21 مارس/ آذار 2020، قامت حافلات عسكرية تابعة للجيش الإيطالي بنقل العديد من التوابيت من مدينة بيرغامو، بإقليم لومبارديا، شمالي البلاد، إلى مدن إيطالية أخرى، خارج الأقاليم المنكوبة لحرقها، في مشهد مأساوي لم تعشه إيطاليا منذ فترات طويلة.

ومع ذلك عملت الأطقم الطبية، والعاملون في مجال الرعاية الصحية بقوة هائلة منذ بداية الأزمة، لإيقاف الانتشار الواسع للفيروس، ولاقى العشرات منهم حتفهم جراء الإصابة.

وفي 18 أبريل/ نيسان 2020، أعلن مسؤولو الصحة في إيطاليا انتصارهم على فيروس كورونا في المناطق الفقيرة، جنوبي البلاد، والتي كانت الأقل استعدادا وتجهيزا لمكافحة الجائحة مقارنة بمناطق الشمال المجهزة بشكل أفضل.

ورغم العواقب الصعبة التي واجهتها إيطاليا، لكن دور الجيش كان محدودا جدا، بل خضعت المنظومة العسكرية كغيرها من المنظومات داخل الدولة إلى نظام الرعاية الصحية، وأصيب الجنرال سالفاتوري فارينا، رئيس هيئة أركان الجيش الإيطالي بالفيروس في 8 مارس/ آذار 2020، وذهب إلى الحجر الصحي، ولم تصدر بيانات أنه أصيب أثناء مواجهة كورونا، كما حدث في مصر.

مصارع كورونا

في 22 مارس/ آذار أعلنت القوات المسلحة المصرية وفاة اللواء أركان حرب خالد شلتوت، مدير إدارة المياه بالهيئة الهندسية للقوات المسلحة، نتيجة إصابته بفيروس كورونا خلال اشتراكه في أعمال مكافحة انتشار الفيروس في البلاد.

ثم جاء الضحية الثانية المعلنة للفيروس داخل صفوف الجيش، وهو اللواء أركان حرب شفيع عبد العليم داود، مدير إدارة المشروعات الكبرى بالقوات المسلحة، والذي أعلن أنه توفي أيضا أثناء أعمال مكافحة الفيروس.

إقحام الجيش في أزمة كورونا، وإعلان وفاة اللواءات أثناء مكافحة الفيروس، أثار التساؤلات في ظل نظام حكم عسكري استبدادي متهم بعدم الشفافية، ويفتقد لمنظومة الرعاية الصحية القوية، في ضوء نقص الإمكانيات وضعف ميزانية  القطاع الطبي.

في 15 أبريل/ نيسان 2020، خلال برنامج "بالورقة والقلم"، استضاف الإعلامي نشأت الديهي، على شاشة "TeN"، الصحفي محمود مسلم، فقال الأخير: "جهود الجيش بالفعل تدعو للفخر لكل المصريين. لواءات الجيش مش بيحطوا العساكر قدامهم ويمشوا وراهم، لا، دول بيتقدموهم". 

محمود مسلم وهو صحفي مؤيد لنظام السيسي تناسى تماما الحديث عن المنظومة الصحية التي تعاني قصورا شديدا، وتواجه كورونا بإمكانيات ضعيفة.

حسب مصادر طبية، فإن أجهزة التنفس الصناعي، تقدر في مستشفيات وزارة الصحة بـ 889 جهازا، ومثلها في المستشفيات الجامعية والخاصة، وهو رقم ضئيل للغاية أمام تعداد السكان في مصر.

فيما تتحفظ وزارة الصحة على الإعلان عن عدد فحوصات فيروس كورونا التي تجريها بشكل دوري، فآخر إعلان تم يوم 27 مارس/ آذار 2020، بالكشف عن إجراء 25 ألف فحص، وهو رقم ضئيل للغاية في بلد يتجاوز تعدادها السكاني 100 مليون نسمة.

سبب النكبة

الصين منبع الجائحة وسبب تفشيها في جميع أنحاء العالم، تعاني هي الأخرى من الحكم الشمولي، وتغلب المنظومة العسكرية على مناحي الحياة، عبر أجهزة رقابية شرسة، تجعل من معيار الشفافية والصدق، بالنسبة لبكين محل شك.

في 17 أبريل/ نيسان 2020، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر تويتر: "أعلنت الصين مضاعفة عدد وفياتهم من العدو غير المرئي. إنها أعلى بكثير من ذلك وأعلى بكثير من وفيات الولايات المتحدة، ليست بأي حال قريبة منها!".

وانضم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، للمشككين ضمنيا في المعطيات التي قدمتها بكين بشأن الجائحة، حيث اعتبر أن هناك فجوات في إدارة الصين لأزمة فيروس كورونا، وقال لصحيفة فايننشال تايمز: "هناك أشياء حدثت ولا نعرفها".

فبعد اختفائها لأسابيع، فجأة أعلنت الصين تسجيل 26 إصابة بالفيروس، ونحو 1300 وفاة إضافية في ووهان بؤرة تفشي كورونا بعد مراجعتها لأعداد الموتى، وذلك للاشتباه في سوء تقدير بحصيلتها الأولية للضحايا.

وفي 2 أبريل/ نيسان 2020، أشارت وكالة بلومبيرغ الألمانية إلى تقرير سري استخباراتي تم تقديمه إلى البيت الأبيض مؤخرا، أكد أن عدد الوفيات والإصابات بفيروس كورونا الذي أعلن في الصين خاطئ وبعيد عن الواقع.

وقال السيناتور الجمهوري بن ساسي: "الحزب الشيوعي الصيني كذب ويكذب وسيواصل الكذب بشأن فيروس كورونا المستجد من أجل حماية النظام". 

كما رأى وليام تيمونز، عضو مجلس النواب أن "الاستخبارات الأميركية أكدت ما نعرفه أساسا.. الصين أخفت خطورة الفيروس لأشهر. العالم يدفع اليوم ثمن خطئهم".