دراسة إسرائيلية: لهذا قد ينهار اتفاق أوبك بلس بشأن النفط مجددا

12

طباعة

مشاركة

في محاولة لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمي، أجريت في الأسابيع الأخيرة اتصالات محمومة بين كل من الولايات المتحدة وروسيا والسعودية، أسفرت عن اتفاقية تاريخية لخفض إنتاج 10 ملايين برميل من النفط بحلول نهاية يونيو/حزيران 2020 من قبل منظمة أوبك بلس.

ومن المتوقع أيضا أن يستمر الخفض بعد ذلك (إلى أن يصل لـ8 ملايين برميل يوميا بحلول نهاية عام 2020، و6 ملايين برميل يوميا بحلول أبريل/نيسان 2022).

كما من المقرر أن تتحمل روسيا والسعودية الجزء الأكبر من العملية، حيث ستنتج كل منهما 8.5 مليون برميل فقط، مقارنة بنحو 10 ملايين برميل في فبراير/شباط من 2020. 

ويرى معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب: "لقد تفاجأت أوبك بلس من رفض روسيا في 5 مارس/آذار 2020 الموافقة على خفض الإنتاج، ما أدى إلى جر السعودية لحرب أسعار وانهيار أسعار النفط بنسبة 50 في المائة في أقل من أسبوعين، محققة أقل سعر لها في 18 عاما".

انخفاض أسعار النفط، إلى جانب التشكك الذي تسببت به الأزمة الطبية والاقتصادية جراء انتشار وباء كورونا في جميع أنحاء العالم، أدى إلى حالة من الذعر في الأسواق المالية، مسجلة أشد الانخفاضات حدة منذ الأزمة المالية في عام 2008. 

كواليس الاتفاق

أوضح الروس أن سبب رفضهم هو تقييد إنتاج أوبك بلس الذي بدوره يتيح للشركات الأميركية توسيع حصتها في سوق النفط، والخفض الحاد في الأسعار كان يهدف إلى ضرب هذه الشريحة. معظم الإنتاج ومصدره الولايات المتحدة يتم باستخدام تقنيات مبتكرة، بمساعدتها ينتج النفط من الصخر الزيتي.

ويقول المعهد: "هذه التقنيات أغلى بكثير من تكلفة إنتاج النفط في السعودية وروسيا، وتتطلب سعرا أعلى من خمسين دولارا للبرميل لمنع إفلاس الشركات الأميركية".

وهكذا، مع انخفاض الأسعار عانت شركات الطاقة الأميركية من إصابة بالغة سواء من حيث الربح أو تآكل قيمة أسهمها. ونتيجة لذلك، ضغطوا على إدارة ترامب للمطالبة بأن توقف السعودية وروسيا حرب الأسعار وفرض عقوبات على كليهما.

وشارك الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مباشر في الاتصالات مع كلا الطرفين السعودي والروسي، بل ساهم في حل نزاع بين المكسيك ودول أخرى أعضاء في منظمة أوبك بلس حول نطاق التخفيض، والذي يعتمد على الاتفاقية بأكملها.

الولايات المتحدة نفسها رفضت الالتزام بخفض مباشر، مدعية أن قوى السوق خفضت بالفعل حجم الإنتاج في شركات النفط الأميركية، لكنها تدعم اتفاقية من "الخارج".

شغلت هذه القضية حيزا في قلب المناقشات 10 أبريل/نيسان 2020 لوزراء الطاقة لمجموعة 20 G، الذين أصدروا بيانا عاما بالالتزام ببذل كل ما هو ممكن لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة (كما يُزعم أيضا في سوق الغاز)، وإنشاء مجموعة عمل "طوعية" لمراقبة التطورات.

وأعلن منتجو النفط الرئيسيون الآخرون عن خطط للحد من الإنتاج، لذلك من المتوقع أن يخفض الإنتاج إلى 20-15 مليون برميل يوميا.

الهدف الفوري للاتفاقية هو منع هبوط الأسعار إلى 10 دولارات للبرميل، وقد تؤدي هذه الخطوة إلى ارتفاع الأسعار، حيث يظهر الاقتصاد العالمي علامات على الانتعاش. الغريب أنه منذ أن تم التوصل إلى الاتفاق في 12 أبريل/نيسان، انخفضت أسعار النفط مرة أخرى.

ويوضح المعهد: "سيقوم السوق بعملية تسعير الاتفاقية قبل التوقيع عليها، وفي الواقع أدت تغريدة الرئيس ترامب حول الاتفاقية الناشئة (30 مارس/آذار) إلى ارتفاع سعر برميل برنت بنحو 50 بالمائة في أربعة أيام - من حوالي 23 دولارا إلى 34 دولارا".

ويبدو أن انخفاض السعر بعد الاتفاقية ترجع إلى التقديرات التي تفضي إلى أن خفض الإنتاج أقل بكثير من انخفاض الطلب (انخفاض قدره 29 مليون برميل يوميا مقارنة بشهر أبريل/نيسان 2019، وفقا لوكالة الطاقة الدولية)، أضف إلى ذلك توقعات صندوق النقد الدولي القاتمة لمعدل الانتعاش الاقتصاد العالمي.

ملاحظات عامة

تشكل الاتفاقية حلا وسطا من قبل جميع الأطراف، وتعزز التقدير بأن روسيا والسعودية أدركتا خلال شهر مارس/آذار 2020، أن استعمال القوة لانهيار أسعار النفط اتضح أنه خطأ إستراتيجي، أصابهما بضرر ليس أقل مما أصيبت به الصناعة الأميركية.

في غضون ذلك، تعتبر واشنطن وموسكو والرياض الاتفاق (لكل منهما أسبابه) إنجازا سياسيا مهما يتجاوز المستوى الاقتصادي.

ويوضح المعهد الإسرائيلي: "توضح تحركات ترامب أن منع حدوث تذبذبات حادة في الوضع الاقتصادي، خاصة في ضوء أزمة كورونا، أمر بالغ الأهمية لنجاحه في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020".

من خلال تحركاته، يهدف ترامب إلى أن يثبت للناخب الأميركي أنه هو نفسه كان بطلا في صفقة أنقذت عشرات الآلاف من الوظائف في الولايات المتحدة، دون الالتزام بخفض الإنتاج.

من ناحية أخرى، قد يجد قطاع صناعة النفط الأميركي صعوبة في التعافي من الضربة، كما أنه من المحتمل أن يتطلب مشروع "استقلال الطاقة" للولايات المتحدة من الإدارة استثمار الموارد للمساعدة في استعادة هذا القطاع.

وفي الوقت نفسه، ربما كانت الأهمية التي أعطتها الإدارة لإنقاذ القطاع قد دفعتها للعمل عكس اهتماماتها الأساسية، إلى تعزيز زيادات الأسعار في الكارتل ( اتفاق أو تحالف بين عدة شركات) بعد سعيها لخفضه في السنوات الأخيرة.

ويقول المعهد: "يرفض الروس الاعتراف بأنهم كانوا على خطأ عندما حطموا اتفاقية التعاون السابقة مع أوبك في أوائل مارس/آذار 2020".

على الرغم من أنه مطلوب منهم الآن خفض أكبر بكثير مما كان مطلوبا منهم في مارس، إلا أنهم كانوا سيضطرون إلى الوصول لأرقام مماثلة على الأقل في ضوء انخفاض الطلب.

من وجهة نظر الكرملين، صادقت روسيا على مركزيتها في الاقتصاد العالمي، وربما تكون قد وضعت دعامة أولية على هدفها طويل الأجل المتمثل في توسيع نطاق التكتلات في سوق النفط والغاز.

يمثل الاتفاق الجديد رقما قياسيا في تبادل الإيماءات بين موسكو وواشنطن، وسيسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تآكل العزلة والعقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا. وتترك الدعاية الباهتة حول فحوى المحادثات بين ترامب وبوتين انطباعا بأنه ربما تم التوصل إلى المزيد من التفاهمات بينهما.

الصدع المشترك

تعمل الصورة التي يصدرها بوتين وترامب معا لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي ضد العدو المشترك، فيروس كورونا، مما يساهم في الحفاظ على صورة روسيا كقوة عالمية رائدة.

وأخيرا، فإن استعادة أوبك بلس واستقرار أسعار النفط (في الوقت الحالي) أنهى الصدع الروسي السعودي، مذكرا قادة دول المنطقة بأن روسيا لها تأثير على استقرار اقتصادها.

الرياض "لم تتراجع أمام الخداع الروسي"، يواصل المعهد: "أظهرت للعالم قدرتها على التعامل مع الضرر. يبدو أن المملكة، التي ترأس منظمة 20G هذا العام، قد منعت أيضا انهيارا آخر في أسواق رأس المال، والذي كان متوقعا لو لم توافق على خفض الإنتاج".

من ناحية أخرى، على الرغم من مديح الرئيس ترامب للسعوديين، عززت الأزمة - على الأقل في أجزاء من الحكومة والكونغرس -، علامة سؤال حول القدرة على الاعتماد على حكم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، استفادت من حرب الأسعار والاتفاقية. ساعد انخفاض أسعار النفط قبل الاتفاقية بكين على ملء الخزانات الإستراتيجية، الأمر الذي سيساعد على انتعاش الاقتصاد الصيني المتعثر بالفعل في طريقه عبر "إستراتيجية الخروج" من وباء كورونا.

حتى بعد الاتفاق، لا يزال سعر النفط مواتيا، وقد أعطت السعودية خصومات كبيرة للصينيين على سعر السهم، في محاولة لاستغلال الأزمة لزيادة حصتها في السوق. 

ويؤكد المعهد الإسرائيلي: "لا تزال هناك العديد من العوامل التي من الممكن أن تعرض تحقيق الاتفاقية للخطر: الثقة بين الطرفين منخفضة، والاتفاقات ليست حازمة، وهناك إغراء كبير للانتهاكات والخفض ليس كافيا، خاصة إذا استمر الطلب في التقلص".

ومع ذلك، في حين أن دول العالم تقترب وتعتني ببعضها البعض، كان هذا السعي واحدا من أهم التحركات متعددة الأطراف لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي منذ بدء الأزمة.

وهو أيضا حدث تاريخي في تاريخ قطاع النفط، حيث يقول المعهد: إنه "اتفاق لديه القدرة على تعزيز صياغة آلية تنسيق أكثر مؤسسية، بالذات إذا كانت الأزمة سوف تطول وتؤثر على الاقتصادات بشكل أكبر".

ويرى أن التطورات في سوق النفط منذ بداية شهر مارس/آذار 2020، توضح أن الأزمة تدفع البلدان إلى إجراء تغييرات إستراتيجية فيما يتعلق بسياساتها السابقة.

ويعتقد أن "التقارب النسبي بين موسكو وواشنطن، خاصة إذا تعمق، سيكون له آثار على إسرائيل، سواء على صعيد التحديات أو الفرص الجديدة".

فإذا تم تحقيق الحاجز الأميركي - الروسي جزئيا، يمكن لإسرائيل أن تحاول جلب القضية الإيرانية، بأبعادها المختلفة، إلى مكان مركزي في الأجندة بين الإمبراطوريتين والتأثير عليها من خلال التحركات السياسية والعسكرية، خاصة في الجبهة الشمالية.

على النقيض، قد يمنح تمركز إدارة ترامب في الانتخابات الرئاسية، موسكو قدرا أكبر من الأمن في الشرق الأوسط، بطريقة تتحدى حرية إسرائيل في العمل في الجبهة الشمالية.