مع كورونا.. هذا الثمن تدفعه مصر بسبب الإصرار على إنتاج دراما رمضان

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

تساءل موقع سي إن إن الأميركي عن الثمن الذي تتحدى المسلسلات في مصر، من أجله، جائحة كورونا (كوفيد 19)، حيث يسابق الممثلون الزمن لإنهاء أعمال رمضان الفنية.

وقال تقرير مطول للكاتبتين لينا ورداني وسارة السنجاري: إن "عشرات الممثلين المصريين وأطقم العمل الفنية تجمعوا في صالون صغير للشَعْر في أحد أرقى أحياء القاهرة، حيث كانوا يسابقون الزمن للانتهاء من تصوير أحد المسلسلات التلفزيونية التي سيتم عرضها خلال شهر رمضان المبارك، والذي سيبدأ الأسبوع القادم".

وأضاف التقرير: أن "الشوارع الضيقة في العاصمة المصرية القاهرة، تحولت إلى خلية نحل، حيث يُرى العشرات من أطقم العمل الفنية في المسلسلات يجوبون تلك الشوارع ذهابا وإيابا، أو يستريح البعض منهم على مقاعد بلاستيكية صغيرة على الأرصفة، يلتقطون أنفاسهم من عناء العمل من أجل إنهاء التصوير".

وتطبق الحكومة المصرية إجراءات الحظر الجزئي المسائي حتى في أثناء عطلة نهاية الأسبوع منذ تفشي جائحة كوفيد 19 ،والذي تم تمديد العمل به حتى 23 أبريل/نيسان 2020.

ومما يجدر الإشارة له أنه خلال السنوات الماضية كانت الحشود الفنية أكبر بكثير مما هي عليه الآن، حيث أن وجود 6 شاحنات و 32 سيارة مصطفة في الشوارع المحيطة بمكان التصوير، كان يُعتبر أحد المشاهد المألوفة قبيل رمضان من كل عام، مما كان يجذب انتباه المارة الذين كانوا يحتشدون في محاولة منهم لرؤية نجوم الفن المفضلين لديهم.

موسم الذروة

ويُعتبر هذا الوقت من العام هو موسم الذروة في الدراما التلفزيونية، والذي قد يتواصل العمل فيه لمدة قد تصل إلى 20 ساعة يوميا للحاق بموكب الدراما التلفزيونية خلال هذا الشهر.

إلا أنه في الوقت الذي تلتزم فيه مصر بفرض حظر تجول جزئي للحد من انتشار الفيروس، شعر الجيران بالقلق من رؤية هذا الحشد الكبير الذي يتجاهل المبادئ التوجيهية للتباعد الاجتماعي، واستدعوا الشرطة في أحد المرات.

وبالفعل حضر الضباط إلى مكان العمل سبع مرات، لكن كل ما يفعلونه كان قانونيا تماما، حسبما قال أحمد يحيى "منتج يعمل في أحد المسلسلات" لشبكة CNN".

وتحظر الحكومة التجمعات بشكل أساسي منذ أن فرضت حظر التجوال المسائي، كما أنها تفرض غرامات وعقوبات لمن يخالف قرارات الحظر أو الحشود الجماهيرية، مستثنية الذين يشاركون في محاربة انتشار الفيروس.

وحدث أن وعد رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بدفع تعويضات للعمالة المؤقتة المتضررة من قرارات الإغلاق الجزئي التي فرضتها الحكومة، إلا أنه وفي الوقت نفسه قال في خطاب متلفز إنه لا يريد تطبيق الإغلاق الكامل للقطاعات العاملة في مصر.

ويذكر التقرير أنه منذ انتشار الجائحة في مصر عطلت الحكومة المدارس والجامعات، وأوقفت معظم الرحلات الجوية وأغلقت المساجد والكنائس في محاولة لاحتواء انتشار الفيروس التاجي الجديد، كما نصحت العاملين بالعمل من المنزل لمن استطاع ذلك.

لكنها شجعت الإنتاج في مختلف الصناعات على الاستمرار، بما في ذلك التلفزيون الذي تسيطر عليه في الغالب الشركات المملوكة للقطاع الخاص ذات العلاقات بأجهزة الحكم في الدولة.

في الوقت نفسه حذر المطلعون في صناعة الدراما التلفزيونية،التي تقدر بملايين الدولارات، من أن استمرار العمل في مجموعات مزدحمة على مدار ساعات طويلة قد يكون مميتا.

لكن، قالت كاتبة السيناريو مريم ناعوم في منشور لها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بتاريخ 22 مارس/آذار 2020: "كيف نكسب أرزاقنا إذا متنا نحن وأحباؤنا؟".

ويُذكر أنه حتى تاريخ كتابة هذا المنشور كان الفيروس قد أودى بحياة 14 شخصا بشكل رسمي، بما في ذلك جنرالين عسكريين، بينما بلغت الحالات المؤكد إصابتها في البلاد 327 مصابا، وأضافت ناعوم أن المنتجين كانوا يمارسون ضغوطا على الممثلين لاستكمال العمل.

وعلى الرغم من أنها كانت قادرة على العمل من المنزل ككاتبة سيناريو، إلا أنها شعرت أنها لو أقدمت على ذلك فإنها بذلك ستشجع على العمل في مجموعات مزدحمة. وأضافت: "أشعر أنه مع كل مشهد أقوم بكتابته وإرساله، أتسبب في أذية ناس أحبهم كثيرا".

وينتظر الملايين في مصر والعالم العربي شهر رمضان المبارك من كل عام كي يتجمعوا حول التلفزيون لمتابعة الأعمال الفنية والدراما التلفزيونية، التي يُعتبر الشهر هو موسمها الأَشهر. كما تسيطر مناقشات الحبكات الدرامية وأحداث المسلسلات على التجمعات العائلية التقليدية بعد الصيام طوال اليوم. 

يُذكر أنه في السنوات الجيدة، يمكن لمصر إنتاج ما يصل إلى 80 مسلسلا لذلك الشهر وحده، يتم عرضها على القنوات العربية المحلية والدولية التي تبيع الشرائح الإعلانية للشركات التي تتنافس على النجوم الكبيرة والإنتاج الباهظ الثمن. وحسب قول المخرج السينمائي تامر مهدي عن صناعة الإعلان "رمضان هو الموسم السوبر لدينا".

ويُشير التقرير إلى أن هناك صراعا محتدما في كل دول العالم بين حماية حياة الناس، وبين الآثار الاقتصادية الكارثية للإغلاق الإجباري التي يتوجب على الحكومات فرضه للحفاظ على حياة مواطنيها.

ويبلغ عدد سكان مصر حوالي 100 مليون نسمة يعيشون في المدن والقرى المكتظة بالسكان، في الوقت الذي يعاني قطاع الرعاية الصحية الهش من تعمد الإهمال في ظل تخفيضات كارثية في موازنته، كما يُنظر إلى قيادتها السياسية على نطاق واسع على أنها تفتقر إلى الشفافية.

ويعيش ثلث السكان في مصر، في فقر، ونصف الاقتصاد على الأقل يتكون من العمال الذين يعتمدون على الأجور اليومية للبقاء أحياء.

تدهور صحي

وقال الدكتور "محمد حسن" وهو عضو في نقابة الأطباء المصرية سابقا لشبكة CNN: "لا توجد معدات واقية، ولهذا السبب يتعرض الأطباء لخطر كبير"، ولكن بالنسبة لسكان بحجم مصر، فإن الخبراء قلقون بشأن قدرة البلاد من محاربة الفيروس، مع وجود 346 جهاز تنفس صناعي فقط لعلاج مرضى الفيروسات التاجية.

ومن الجدير بالذكر هنا أن مسؤولي الصحة والحكومة لم يستجيبوا لطلبات CNN المتعددة للتعليق على مدى أسبوع. 

وأشارت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد، مرارا وتكرارا إلى العدد المنخفض للحالات المؤكدة في مصر كمصدر فخر للحكومة، وأشادت منظمة الصحة العالمية بتدخلات القاهرة المبكرة لاحتواء الفيروس.

لكن الخبراء يحذرون من أن القطاع الصحي غير مجهز للتعامل مع تفشي المرض مثل الذي نشهده في أوروبا، وأن نقص المعدات يؤثر على المستشفيات في جميع أنحاء البلاد.

وقال طبيب للقلب في إحدى المستشفيات العامة المصرية لشبكة CNN: "تمكنا من جمع التبرعات وشراء المستلزمات الطبية الأساسية"، مضيفا أن وزارة الصحة تبذل قصارى جهدها ولكن "النظام الفاسد والفقير لا يمكن إصلاحه خلال جائحة". وتحدث طبيب القلب بشرط عدم الكشف عن هويته لتجنب أي تدابير عقابية.

نقابة الأطباء من جهتها قالت: إن ثلاثة أطباء على الأقل لقوا حتفهم بسبب كوفيد 19، و43 عاملا صحيا اختبرت نتائجهم إيجابية.

وأدى ه٫ا إلى إغلاق جزئي للمستشفيات العامة التي تقدم رعاية صحية مجانية لآلاف الأشخاص الأكثر ضعفا، والتي من بينها المعهد القومي للسرطان وهو أحد المستشفيات التي اضطرت إلى تقليل قدرتها، في الوقت الذي قالت فيه منظمة الصحة العالمية: إن 13٪ من الحالات المؤكدة في مصر هم من العاملين في المجال الصحي.

حتى في الحالات التي لا تزال فيها السعة موجودة، يقول بعض المرضى: إنهم لا يشعرون بالأمان.

وقال عمرو أسعد وهو مريض بالسرطان، لشبكة CNN: إنه يشعر بعدم رغبته في استئناف العلاج الكيميائي، وهو يرى كيف أن بعض الأطباء والممرضات لا يستخدمون معدات الحماية الأساسية، أو يلاحظون التباعد الاجتماعي في مستشفى عام.

وبالعودة إلى سياق الأعمال الدرامية، قال محمد جمال الدين، منتج خط في دراما رمضانية مقبلة لشبكة CNN: "إن تأجيل التصوير أو عدمه ليس خيارا".

وأضاف: "نحن عمال مستقلون ولسنا نجوما أغنياء، هناك المئات من الأشخاص الذين يعملون في هذه الصناعة وقد يبقى معظمنا في المنزل بدون عمل أو مال من سنة إلى أخرى، قد تكون الفرصة الوحيدة التي لدينا".

وعلى الرغم من هذه المناشدات والمخاوف التي عبر عنها الطاقم والممثلون إلا أن سهام النقد قد طالت الإنتاجات التي كانت متأخرة جدا في جدولهم بحيث لم يكن بمقدورهم الوفاء بالمواعيد النهائية أثناء العمل تحت حظر التجول.

ووفقا للعديد من المطلعين على الصناعة الذين تحدثوا للشبكة الأميركية، فإن أولئك الذين أنهوا 70٪ من تصوير التصاريح المكتسبة للعمل من خلال حظر التجول، خفضوا الإنتاج وقسموا عدد أطقم العمل إلى مجموعات معقمة حديثا كما أنهم استعانوا بأطباء في مواقع التصوير.

وقال أشرف زكي، رئيس نقابة الممثلين في أوائل أبريل/نيسان 2020: إن 25٪ فقط من المسلسلات المخطط لها ستصل إلى الشاشات في رمضان.

"يحيى" منتج قال: إن الحكومة تريد منا أن ننهي المسلسل حتى يتمكن الناس من إيجاد شيء للترفيه عنهم خلال فترة الإغلاق، وأن شركات الإنتاج ستضطر إلى دفع غرامات كبيرة للقنوات التلفزيونية حال عدم تقديمها العمل للعرض.

إلا أنه وبالمخالفة للتوجيهات والإرشادات الصحية، انتقل طاقم يحيى بعد أسبوع إلى فندق لتصوير عدد من المشاهد الأخرى، أحدها مشهد تبادل لإطلاق النار في استقبال الفندق في حضور 130 شخصا والمشهد التالي جرى تصويره في غرفة فندق، مع ما لا يقل عن 20 شخصا.

وقال يحيى لشبكة CNN في حوار هاتفي من الفندق: "في الوقت الحالي، أرتدي قناعا وقفازات، ولكن في غضون ساعتين - مثل كل يوم - سأنشغل أو أتعب وأرميهم. نحن جميعا محاصرون في مكان واحد، لا توجد طريقة يمكن أن نحصل بها على تباعد اجتماعي".