مستقبل الحراك مع كورونا.. ماذا حقق متظاهرو لبنان بعد 6 أشهر؟

خالد كريزم | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

6 أشهر مرت، وما يزال اللبنانيون يتظاهرون احتجاجا على فساد الطبقة الحاكمة وتردي الأوضاع المعيشية والتدهور المالي، رغم تفشي فيروس كورونا القاتل.

في 17 أبريل/نيسان 2020، تظاهر عشرات اللبنانيين، في عدة أماكن أبرزها طرابلس، احتجاجا على تردي الأوضاع المالية وارتفاع سعر الدولار.

وطالب المحتجون الذين احتشدوا في "ساحة النور" بالمدينة (شمالا) بضرورة وضع حد للفساد المستشري في البلاد، وضبط الأسعار التي تشهد ارتفاعا كبيرا ما انعكس على قدرة المواطن الشرائية.

وشدد المحتجون على أن "الاعتصامات ستبقى قائمة" وأن "الثورة لم تنته". في حين تصدر وسم #٦_أشهر_من_الثورة و#راجعين موقع تويتر، حيث أكد ناشطون أن الحراك سيعود إلى القوة التي بدأ فيها.

كما دعا المحتجون وزارة الاقتصاد وحماية المستهلك إلى "التدخل السريع للحد من التلاعب بأسعار المواد الاستهلاكية والغذائية". وبالتزامن مع ذلك، قطع عشرات المحتجين إحدى طرقات منطقة تعلبايا (بمحافظة بقاع لبنان/ شرقا)، احتجاجا على تردي الأوضاع الاجتماعية.

وتجاوزت قيمة العملة اللبنانية عتبة 3 آلاف مقابل الدولار الواحد في السوق غير الرسمية (السوداء)، مقارنة بسعر الصرف الرسمي البالغ نحو 1500 ليرة، وفق مصرفيين.

ومنذ 17 من أكتوبر/تشرين الأول 2019، بدأت مظاهرات شعبية في لبنان، البلد الذي تتعدد فيه الطوائف والأديان والأحزاب، أجبرت حكومة سعد الحريري على الاستقالة واستبدلتها بحسان دياب، الذي تواجه حكومته رفضا بين صفوف المحتجين، بينما يحاول هو الصمود بدعم من حزب الله وحلفائه. 

أولوية حكومة دياب الأساسية تتمثل في معالجة الوضعين الاقتصادي والمالي من خلال إقرار إصلاحات جدّية، على رأسها حل مشكلة الكهرباء المتواصلة منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية قبل 3 عقود، والسعي للحصول على مساعدات خارجية.

إنجازات الحراك

في ظل هذا الجمود، ماذا حقق المتظاهرون من إنجازات بعد 6 أشهر على انطلاق الحراك؟، يجيب على هذا السؤال أستاذ السياسة والفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتور باسل صالح بشيء من التفصيل.

يقول صالح لـ"الاستقلال": "الإنجاز الأهم هو استعادة المبادرة، الشعب صار يتكلم ويقرر، كما أن إرادته تتجلى بأشكال مختلفة، رغم أننا لا نمثل كل فئات الشعب".

ويتابع: "المتظاهرون يقفون الآن ضد ممارسات الطبقة الحاكمة التي أوصلت البلد إلى الانهيار على كل المستويات، مضيفا: "حتى عام 2005 (اغتيل فيه رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري)، كانت هناك أطراف تصمت على نهب الآخرين، بعد هذا التاريخ أصبح الكل مشترك ومستبيح للدولة ومؤسساتها وأموالها، بنسب متفاوتة".

لذلك، فهو يرى أن الانتفاضة تتمثل بصيرورتها واستمراريتها الآن، ولا يمكن الحديث عنها فقط كسبب ونتيجة مباشرة للفساد، قائلا: "في ليلة 17 أكتوبر، الناس بدأت باستعادة المبادرة واتخاذ القرار".

وأضاف: "انتهت قضية تقاذف السلطة والمسؤوليات التي كانت تمارسها الطبقة الحاكمة من أجل إعفاء نفسها عبر رمي التهم على بعضهم، بناء على انقسامات مذهبية وسياسية ومناطقية".

ومن هنا يمكن التطرق إلى أسباب رفض حكومة حسان دياب، وهو وزير سابق للتربية والتعليم العالي في حكومة رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي، في عام 2011، ليس معروفا على الساحة السياسية، ولم تكن له بصمة تُذكر في إدارته حقيبة مهمة.

وبرز نوعان من الاعتراض على تكليف دياب، يرتبط أولهما بإشاعات عن دور للنائب جميل السيّد في التكليف، ويتمثل ثانيهما بأن دياب سبق أن استخدم سلطاته بصفته وزيرا للتربية والتعليم العالي من أجل طباعة كتاب مصوّر عن تجربته السياسية على حساب الخزينة، كما أطلق اسم والدته على مدرسة رسمية، رغم عدم علاقتها بهذا القطاع.

ضد الفساد

انعكست هذه الاتهامات سلبيا على دياب وحكومته، لا سيما أن أحد المطالب الأساسية للحراك هو مكافحة الفساد واستغلال الوظيفة العامة، حيث أنه من المفترض أن تتولى هذه الحكومة تنفيذ هذا المطلب واستعادة الأموال المنهوبة ووقْف منابع الفساد والهدر.

لذلك، يقول أستاذ السياسة والفلسفة في الجامعة اللبنانية الدكتور باسل صالح: "استمرار المظاهرات بحد ذاته هو إنجاز، انعكس على بقية الإنجازات والمعارك الفرعية على مستوى النقابات وإدارات الدولة".

وتابع: "بمعنى أنه أصبحنا نرى ممثلين وناسا تترشح في النقابات على اختلافها، وهي مبارزة مع السلطة وأحزابها بقلب النقابات التي كانوا يأخذونها معهم ويتقاسمونها لتبقى معهم ولا تشكل أي تحرك أو مواجهة ضدهم".

ويضيف: "ما يجري هي معركة طويلة لن تنتهي بيوم وليلة. نحن نواجه واحدا من أخطر الأنظمة بالعالم العربي مترسخ منذ 1943، ولكن بعد الحرب الأهلية في التسعينيات جن جنون السلطة، وبدأت عملية مراكمة الفساد بشكله الصلب والمباشر ومصادرة أموال الناس".

وذكر أن مراكمة ذلك الفساد أوصل لبنان إلى هذه المرحلة، حيث استباحت الطبقة الحاكمة الدولة ووظفت الكثيرين وبشكل مخيف في إدارات الدولة دون حاجة وكفاءة، مضيفا: "وصلنا لدولة شبه مفلسة في مصارفها التي هي جزء من الطبقة الحاكمة".

وتعهد لبنان الذي يمر بأسوأ أزمة مالية منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، بتنفيذ إصلاحات عاجلة على أمل إقناع المانحين بتقديم نحو 11 مليار دولار تعهدوا بها في 2018، لكن ذلك لم ير طريق النجاح.

في المقابل، ارتفع الدين العام الإجمالي في لبنان بنحو 2.6 مليار دولار، خلال عام واحد حتى نهاية أغسطس/آب 2019، لتستقر قيمة الدين العام عند 86.29 مليار دولار، وفق بيانات شبه رسمية.

ويرجع اللبنانيون أسباب الأزمتين الاقتصادية والمالية إلى ما يقولون إنه فساد مستشر في إدارات الدولة منذ عقود، وعدم التأسيس لاقتصاد منتج يساهم في تطوير البلد.

كورونا والمظاهرات

وعن مستقبل المظاهرات في ظل انتشار فيروس كورونا، قال صالح: "الطبقة الحاكمة تحاول أن تستغل الجائحة لصالحها، لكن رغم ذلك، الناس ما تزال تنزل إلى الشوارع، بل وتشير إلى الخلل الموجود في القطاع الصحي".

وتابع في السياق: "السياسة الصحية المتبعة في لبنان كارثية، مرتبطة بالضمان الاجتماعي ومن ليس لديهم أموال للعلاج، ومن يموتون على أبواب المستشفيات، إذا كانت المنظومة الحاكمة تخيرنا بين الموت بالجوع أو بكورونا، فالكل يفضل الموت من أجل حقوقه".

ووفق آخر إحصائية في 18 أبريل/نيسان 2020، بلغ عدد الإصابات بفيروس كورونا في لبنان 672، توفي منهم 21، وتعافى 94.

صالح أكد أن "الانتفاضة لم تنته بفعل كورونا، حتما ستصعد وتهبط مثل أي فعل سياسي بالعالم، لكن خلال عملية المراكمة، سنصل إلى نتيجة مرضية تمكننا من تغيير النظام فعليا، لأن الانهيار الذي نعيشه يؤشر إلى أن الأمور لن تعود إلى سابق عهدها".

ويقول صالح: "كل يوم في تحرك وبمناطق مختلفة، وبالتالي لم تنته المظاهرات، وهذه الأزمة ستفرز أزمات جديدة، سياسات مالية واقتصادية سيئة، حتى بالقطاع الصحي، هناك علامات استفهام على استيراد الأدوية والمحروقات".

وشدد على أن انخفاض منسوب المظاهرات لا يعني أن الانتفاضة انتهت، مبينا أن "الحكومة تمدد مسألة الحجر والحظر من أجل تفادي مسألة الصدام مع الشارع".

ويطالب المحتجون بإنهاء كل مظاهر الطائفية خاصة في نظام الحكم، حيث توجد في لبنان 3 رئاسات، هي: رئاسة الجمهورية ويتولاها مسيحي ماروني، ورئاسة الحكومة ويتولاها مسلم سُني، ورئاسة مجلس النواب (برلمان) ويتولاها مسلم شيعي.

وعاصر لبنان 11 حكومة تكنوقراط، لم تدم أغلبها إلا بضعة أشهر، وهو ما يمكن أن يتنبأ بمستقبل أي حكومة قادمة، في ظل الاختلاف السياسي والحزبي العميق على شكلها وطريقة إدارتها لأزمات البلاد.