9 سنوات من الحرب.. هكذا جعل الأسد سوريا بيئة لتفشي الأوبئة

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

آثار الحرب في سوريا لا تقتصر على الوضع السياسي أو الاقتصادي فقط، بل يمتد أثرها إلى باقي القطاعات، وعلى رأسها المنظومة الصحية، التي انكشفت عورتها مع وصول جائحة فيروس كورونا إلى سوريا.

على مدار أكثر من 9 سنوات، وفرت الحرب في سوريا بيئة خصبة لانتشار الأوبئة والأمراض، مع عجز المنظومة الصحية على المواجهة أو السيطرة والعلاج، في ظل انعدام الأمن الغذائي كأحد أسلحة مواجهة الأمراض والأوبئة.

المنظومة الصحية

9 سنوات من الحرب في سوريا، كانت كفيلة بتدمير البنى التحتية، وتردي الوضع الصحي، بسبب الغارات الجوية التي تشنها طائرات الأسد والطائرات الروسية على المستشفيات والمراكز الصحية، بالإضافة إلى هجرة العقول والكفاءات الطبية من سوريا، كلها عوامل ضاعفت من تداعيات انتشار فيروس كورونا.

علاوة على ذلك، فإن طبيعة الوجود الإيراني في سوريا، واستمرار الرحلات الجوية بين البلدين حتى مع انتشار الفيروس، زادت من فرص انتشار الجائحة وانتقالها من  المدن الإيرانية التي تعد بؤرة للفيروس في الشرق الأوسط.

في دراسة لمعهد الشرق الأوسط، بعنوان الحرب الأهلية في الشرق الأوسط، يقول الباحث روس هاريسون: "سوريا ستعاني من تفشي الفيروس بصورة أكبر من غيرها، وذلك نتيجة تراجع القطاع الصحي خلال فترة الحرب، والهجمات التي تشنها مقاتلات النظام السوري وروسيا على المشافي والمراكز الصحية".

مضيفا: "فضلا عن الاستعانة بإيران التي تمثل بؤرة للوباء في منطقة الشرق الأوسط، والسماح لعناصرها بالتجول في مختلف المحافظات السورية، واستمرار الرحلات بين طهران ودمشق، الأمر الذي سيجعل من سوريا في الفترة المقبلة مركزا جديدا لانتشار العدوى في المنطقة".

وأضاف الباحث: "رغم الحاجة الملحة للتعاون بين الأطراف الدولية في مواجهة تفشي الفيروس، إلا أن القوى الفاعلة لا تظهر أي قدر من التعاون في البلدان التي تمزقها الحروب، حيث تغيب الإرادة والقدرة معا على العمل المشترك للتصدي للفيروس، أو لتوفير المساعدات الدولية لمكافحة انتشار المرض في تلك البلدان، ناهيك عن العمل على إنهاء الحروب المشتعلة فيها".

سجون سوريا

تمتد تداعيات انتشار فيروس كورونا إلى السجون، حيث تعد السجون السورية أكثر الأماكن تأثرا بانتشار الفيروس، وذلك لاكتظاظها بآلاف المعتقلين وافتقارها لأدنى شروط النظافة والسلامة، وعدم توفيرها لشروط التباعد الاجتماعي، وهي الشروط اللازمة لعدم انتقال العدوى.

منظمات حقوقية حذرت من "كارثة" محتملة في حال تفشي فيروس كورونا المستجد في السجون السورية، في ظل الاكتظاظ وانعدام الخدمات الطبية، حيث تتعرض حياة عشرات الآلاف لخطر داهم.

الباحثة في منظمة العفو الدولية ديانا سمعان قالت: "إذا تفشى الفيروس في الأفرع الأمنية أو في السجون المدنية سيؤدي إلى كارثة إنسانية كبيرة".

وأضافت: "تبين في السنوات التسع الأخيرة أن القوى الأمنية ورؤساء الأفرع الأمنية لا يقدمون أي نوع من الرعاية الصحية لأمراض تعد بسيطة مقارنة مع كورونا".

ووفق منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، فإن السجون ومراكز الاعتقال التي يشرف عليها النظام السوري تضيق بعشرات الآلاف، كثيرون منهم اعتقلوا بسبب مشاركتهم في مظاهرات احتجاجية أو لإبدائهم رأيا سياسيا معارضا للنظام.

خطر العدوى

وفي حين أفرجت بعض الدول عن عدد كبير من السجناء، بينهم إيران التي أفرجت عن 85 ألف سجين، يستمر نظام بشار القمعي وأجهزته الأمنية باعتقال أكثر من 130 ألفا حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وتعريض حياتهم لخطر العدوى بالفيروس.

حسب الشبكة، فإن نظام الأسد أصدر 17 عفوا عاما، حسب زعمه، منذ عام 2012، حتى 2020، وأنه لم يفرج سوى عن 232 شخصا منذ آخر عفو أصدره في أيلول عام 2019، وحتى إصدار المرسوم الجديد في 22 مارس/ آذار 2020.

وأكدت الشبكة في تقريرها، أن مراسيم العفو التي يصدرها الأسد غير فعالة، وتشمل بشكل أساسي المجرمين الجنائيين ومرتكبي الجنح والمخالفات ولا تشمل نشطاء الحراك الشعبي ومن اعتقلوا على خلفيته.

وقالت الشبكة المعنية بالتوثيق الحقوقي والإنساني في سوريا: إنه بناء على مسار العفو الرئاسي العام الذي يصدره الأسد منذ 2012 وحتى الآن، فإنه يحتاج إلى  325 سنة للإفراج عن 130 ألف معتقل في سجونه، في حال توقفت حملات الاعتقال الذي مازال يمارسها حتى اللحظة.

إنكار وتحايل

درج نظام الأسد على حالة الإنكار والتحايل منذ تولى الحكم، طالت حالة الإنكار هذه وجود أي إصابات بكورونا، رغم صدور عدة تصريحات طبية وتقارير حقوقية تؤكد تسجيل حالات إصابة ووفيات، من بينها حالتا وفاة في مستشفى الحوراني بحماة وسط سوريا، تم تصنيف حالتهما كالتهاب رئوي.

وفي الوقت الذي كان النظام السوري يصر على عدم وجود أي إصابة، كان المرصد السوري لحقوق الإنسان يؤكد وجود عشرات الإصابات بكورونا، في محافظات سورية عديدة، لافتا إلى وجود إصابات بين بعض عناصر المليشيات الإيرانية.

وبمجرد إعلان الدكتور سامر الخضر مدير مستشفى "المجتهد" بدمشق عن تسجيل أول حالة إصابة بكورونا، تم اعتقاله، ليظهر بعد ذلك في وسائل إعلامية تابعة لنظام الأسد، ويعلن أنه أخطأ في التشخيص وأن ذلك كان مجرد اشتباه.

لكن حالة الإنكار لم تدم طويلا لدى أجهزة النظام السوري، وتدرجت من الإنكار بالكلية، ثم الاعتراف الجزئي، ورغم تأكيد أوساط طبية وحقوقية انتشار الفيروس في سوريا، إلا أن نظام الأسد لا يعترف إلا بـ42 إصابة، بينهم وفاتان، و6 حالات تعافي، حتى كتابة هذا التقرير.

ويبدو أن نظام الأسد يهدف من خلال حالة الإنكار إلى التنصل من أي تبعات أو ضغوط دولية، تطالبه بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، وتعليق العملية العسكرية وتركيز الجهود على مكافحة الفيروس والحد من انتشاره.

أزمة الخبز

مع ظهور كورونا، وفي حين يصارع المواطنون في أغلب دول العالم للحصول على المواد الثانوية، تكمن المشكلة في سوريا في عدم قدرة المواطن على تأمين الاحتياجات الأساسية، ومنها الخبز.

ففي المدن الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، يعاني المواطنون من شح الغذاء، وضاعف انتشار كورونا من حدة تلك الأزمة في أوساط السوريين.

الإجراءات الاحترازية لاحتواء تفشي الفيروس، منذ منتصف مارس/آذار 2020 ساهمت في تفاقم أزمة الخبز، وصلت إلى حد التشابك بالأيدي بين المواطنين، كما عم الازدحام والفوضى حول موزعي الخبز المعتمدين إلى المستوى الذي اضطرت بعض المخابز لتوزيعه رميا فوق الرؤوس.

أزمة الخبز هي نتاج طبيعي ومنطقي لسنوات انشغل فيها نظام الأسد بتسويق انتصاراته العسكرية على حساب الوضع الاقتصادي والصحي، الذي كان يشهد تراجعا ملحوظا إزاء كل حديث عن انتصار أو تقدم عسكري، حتى غدت سوريا من أشد البلدان احتياجا للمساعدات الغذائية وتم تصنيفها من بلدان العجز الغذائي.

تقارير منظمة "فاو"، كشفت في أيلول/سبتمبر 2019، عمق الأزمة السورية، حيث تحدثت أن هناك "حوالي 6.5 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بالإضافة إلى 2.5 مليون شخص معرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي في حال عدم وجود دعم مناسب لسبل العيش، رغم أن زيادة إنتاج محصول القمح في 2019 قد حسّنت من توافر الحبوب في البلاد".

جائحة كورونا كشفت مدى العجز الذي يعانيه نظام الأسد في تأمين أبسط الاحتياجات الأساسية للمواطنين، في الغذاء والدواء.

وزير الصحة نزار يازجي اعترف في مؤتمر صحفي بوجود "صعوبات كبيرة في تأمين البلاد ضد الفيروس نتيجة الإجراءات القسرية أحادية الجانب المفروضة على سوريا منذ 9 سنوات".

وقال: "يتم العمل على تخطيها بشكل سريع وتباعا من خلال التواصل مع الجانب الصيني لتأمين كل الاحتياجات. لا يمكن إعطاء تطمينات لمجرد أن عدد الإصابات المسجلة حتى اليوم قليل" حد قوله.