"كورونا" يمنح السلطة الفلسطينية ملايين الدولارات.. أين حصة غزة؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كل الطرق المؤدية إلى مبنى "المقاطعة" في رام الله تبدو مغلقة، إلا تلك التي تفتح أمام أموال الدعم الخارجي الذي لم ينقطع عن خزينة السلطة منذ تصدر القضية الفلسطينية أولويات عربية ودولية خلال العقود الماضية.

ففي كل الأزمات، وآخرها جائحة فيروس "كورونا" المستجد، لم يدخر الداعمون جهدا في التبرع بالأموال إلى خزينة السلطة التي يقودها الرئيس محمود عباس، سواء بموجب اتفاقيات دولية أو عبر جهود إقليمية.

لكن هذه الأموال التي تأتي إلى السلطة تبقى في الضفة الغربية المحتلة حيث تُحكم سيطرتها، في حين تبقى غزة "ابنة البطة السوداء" التي بالكاد تنال فتات الخبز من مبالغ تصل إلى ملايين الدولارات.

وبحكم الانقسام السياسي الفلسطيني بين حركتي المقاومة الإسلامية "حماس" التي تدير قطاع غزة، والتحرير الوطني الفلسطيني "فتح" التي تتحكم بالضفة الغربية عبر السلطة، باتت الإشكاليات تتصاعد حول الدعم والحصص المالية.

وفي الأيام الأخيرة وصل إلى السلطة دعم دولي وإقليمي بعشرات ملايين الدولارات، لتوظيفها في الجهود الحكومية الرامية لمكافحة الوباء القاتل، وسط علامات استفهام حول نصيب قطاع غزة.

وعقب إعلان الحكومة في الضفة ارتفاع الحالات المصابة بفيروس كورونا إلى 106 حالات بالأراضي الفلسطينية، قال رئيسها محمد اشتية: إنها "تحتاج إلى 120 مليون دولار لمواجهة الأزمة".

مبالغ ضخمة

موقع محلي فلسطيني نشر معلومات تتحدث عن 133 مليون دولار أميركي وصلت خزينة السلطة في أعقاب دعوتها دول العالم إلى دعمها، لكنه سرعان ما حذف التقرير.

وفي حين لم تعلن السلطة رسميا قيمة التبرعات والمساعدات الخارجية، توصلت "الاستقلال" من خلال مسح أجرته إلى أنها تلقت 114 مليون دولار أميركي، منذ مطلع مارس/آذار 2020 وحتى منتصف أبريل/نيسان الذي أعقبه.

وبنوع من التفصيل، فإن أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قدم مساعدة طبية عاجلة للسلطة بقيمة 10 ملايين دولار، على شكل معدات وأجهزة طبية لاستخدامها في الأزمة.

كما أعلن الاتحاد الأوروبي تخصيصه حزمة مساعدات مالية للسلطة بقيمة تبلغ نحو 71 مليون يورو (77 مليون دولار)، وأتبعها بمبلغ 14.5 مليون يورو (نحو 16 مليون دولار)، لصالح 114 ألف أسرة فلسطينية محتاجة.

بدوره، وافق البنك الدولي على خطة طوارئ بقيمة 5.8 مليون دولار، لدعم سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وفق ما ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية.

عربيا، فقد أعلنت الكويت منح السلطة مبلغ 5.5 ملايين دولار للمساهمة في مساعدتها بمواجهة الوباء، حسب ما أعلن محمد اشتية، خلال اجتماع مع وزراء حكومته بالضفة.

أما المصارف وجمعية البنوك فقدمت مساعدات مالية زادت عن 17 مليون شيكل (نحو 5 ملايين دولار)، لدعم الحكومة والقطاع الصحي، وفق ما أعلن عزام الشوا، محافظ سلطة النقد.

نصيب غزة

الأمين العام للمجلس التشريعي الفلسطيني، نافذ المدهون، أكد لـ "الاستقلال" أن توزيع المعونات بين الضفة وغزة لا بد أن يأتي وفق الأصول القانونية.

وبحسب ما قال، فإن الأصول القانونية في تقسيم الدعم الدولي على المناطق الجغرافية والمحافظات يمكن أن يحدث قياسا بتوزيع الموازنة العامة بين الضفة والقطاع.

بمعنى أدق، فإن نصيب الضفة المحتلة -بما فيها القدس- تأخذ ما نسبته 60٪ من قيمة المعونات، في حين تذهب الـ40% المتبقية إلى قطاع غزة.

وبإسقاط المبلغ الذي توصلت إليه "الاستقلال" على النسب المذكورة، فإن غزة يُفترض أن تحصل على 54.2 مليون دولار أميركي، والمبلغ المتبقي 67.8 يكون من نصيب الضفة والقدس.

وهنا يُطرح سؤال "ماذا وصل غزة من المبلغ المستحق؟"، في وقت تغيب فيه التصريحات الرسمية سواء من السلطة أو حركة "حماس" حول الموضوع.

"الاستقلال" تواصلت مع مسؤولين في السلطة والجهات المتخصصة بغزة للإجابة على السؤال، لكنها لم تتلق ردا، في حين لم تتحدث حكومة اشتية حول إرسال أموال إلى غزة، كما أن "حماس" لم تفصح.

لكن رئيس اللجنة القانونية بالمجلس التشريعي، النائب المستشار محمد فرج الغول، قال: إن قطاع غزة لم يصله "سوى أربعة آلاف دولار"، وهو -إن صح- مبلغ ضئيل جدا مقارنة بحاجة القطاع.

وتقول وزارة الصحة الفلسطينية في غزة: إنها تحتاج إلى توفير 23 مليون دولار من أجل مواجهة تفشي الفيروس، محذرة من "منعطف خطير".

ليست حكرا

الأمين العام للمجلس التشريعي، قال في حديثه: إن المخصصات الدولية التي وصلت للسلطة لمكافحة فيروس كورونا "هي للشعب الفلسطيني بجميع مكوناته".

وأشار النائب المدهون إلى أن غزة محاطة بأكثر من بيئة ينتشر فيها كورونا، بدءا بمصر ومرورا بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يجعل القطاع عرضة لتفشي الوباء، وبالتالي فهو بحاجة إلى مبالغ مالية كبيرة.

بدوره، قال رئيس اللجنة القانونية بالمجلس التشريعي: إن الإعانات الدولية التي وصلت لمواجهة جائحة كورونا كلها "حق لكل الفلسطينيين وليست حكرا للسلطة في رام الله".

واستنكر المستشار الغول في بيان اطلعت عليه "الاستقلال"، ما سماه "ممارسة السلطة في رام الله سياسة وجريمة التمييز العنصري بحق أبناء الشعب الفلسطيني، بحرمان غزة من حصتها من الإعانات".

كما طالبت "زهيرة كمال"، الأمين العام السابق لحزب فدا، السلطة بتحويل نصيب غزة من المساعدات الدولية التي تصلها، "للحيلولة دون تفشي الوباء فيه وتلافي وقوع أي كارثة محققة بحقه"

وفي تصريح لصحيفة "الرسالة" التابعة لحركة "حماس" في غزة، دعت إلى ضرورة تعزيز القطاع الصحي في غزة وتزويده بالأجهزة المختصة وتحديدا أجهزة التنفس، من المنح والمساعدات التي تصل للسلطة.

تعزيز للانقسام

التنصل من مد قطاع غزة بالمتطلبات اللازمة من طرف السلطة، يزيد من تبعات الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 2007 في أعقاب أسر الجندي "جلعاد شاليط".

كما أنه يعزز الانقسام الواقع بين الحركتين، والمتواصل منذ صيف 2006، بعد أن فازت حركة "حماس" الإسلامية بانتخابات المجلس التشريعي باكتساح، مما أدخل القضية الفلسطينية في وضع معقد بسبب تلكؤ سلطة رام الله.

وعدم إعطاء غزة نصيبها من المستحقات يضاف إلى جملة "الإجراءات العقابية" التي اتخذها الرئيس "أبو مازن" في أبريل/ نيسان 2017.

عقوبات السلطة شملت وقف الموازنات التشغيلية للمرافق الحكومية، وإغلاق بعض الأقسام، مما رفع احتمالية الاضطرار بالأقسام الطبية الأخرى وغرف العمليات ومراكز غسيل الكلى، والتأثير المباشر على أقسام الطوارئ.

كما أوقفت التحويلات الطبية التي لا يتوفر لها العلاج داخل غزة إلى مشافي مصر والضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة والأردن، وهو ما ترتب عليه عدة حالات وفاة وتدهور بالغ لدى المواطنين.

وسجلت وزارة الصحة في غزة 13 إصابة بالوباء القاتل، قبل أن تعلن تعافي تسع حالة بشكل كامل، فيما الحالات الباقية لا تزال تخضع للحجر الصحي.