كورونا حرم 1.5 مليار طالب من الدراسة.. هل يعيدهم التعليم عن بعد؟

12

طباعة

مشاركة

مليار ونصف هو عدد الطلاب الذين أغلقت في وجوههم حجرات الدراسة بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا، يتوزع هؤلاء بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) على 165 بلدا.

المنظمة أطلقت لصالحهم، تحالفا عالميا للتعليم من أجل دعم الدول في توسيع نطاق حلول التعليم عن بعد والوصول إلى الأطفال والشباب الأكثر عرضة للخطر.

مديرة يونسكو، أودري أزولاي، أفادت بأن الوضع غير مسبوق، قائلة: "لم يسبق لنا أبدا أن شهدنا هذا الحد من الاضطراب في مجال التعليم".

وفي إطار بحثها عن حلول فعالة، أظهرت مديرة المنظمة العالمية أن إقامة الشراكات هي السبيل الوحيد للمضى قدما.

الحلول التي تبحثها المنظمة لا تقتصر على دعم المتعلمين والمدرسين في الوقت الراهن وحسب، بل ستستمر طوال مدة التعافي، بحسب أزولاي، فهل هي إشارة إلى أن العالم سيعتمد التعليم عن بعد حتى بعد الجائحة؟.

"صفّي في بيتي"

تتفاوت مردودية التعليم عن بعد من دولة إلى أخرى، بحسب إمكانيات كل منها، الفكرة ليست وليدة الأزمة الحالية بل بدأ العمل بها للمرة الأولى عام 1892 في جامعة شيكاغو الأميركية عن طريق المراسلة.

وفي 1970 بدأت الجامعات في استخدام الفيديو لتسجيل المحاضرات، وفي عام 1999 بدأت الجامعات البريطانية باستخدام شبكة الإنترنت كوسيلة للتعليم عن بعد.

الإمكانيات التي تحدد نجاح التجربة تتركز في الوسيلة أولا، وهي الإنترنت وتمكن كل المتعلمين من الاتصال بها، بمن فيهم الذين يعيشون في الدول النامية وفي المناطق القروية، ثم تمكن المعلم من أدوات التعليم عن بعد.  

المنظمة العالمية شددت على النقطة الأخيرة معتبرة أنه "ما من بديل عن المعلم الماهر". وقد لقي الدور المحوري الذي يقوم به المعلم لضمان استمرارية العملية التعليمية اهتماما بارزا من قبل المدير العام للمركز الوطني الفرنسي للتعلم عن بعد، ميشيل ريفيرشون بيلوت.

ويمتلك المركز منصة "صفّي في بيتي" للتعلم الرقمي ويستخدمها الناس في جميع أنحاء البلاد، في حين تعمل الحكومة أيضا على توفير المعدات والدعم للطلبة غير المتصلين بالإنترنت والذين تبلغ نسبتهم 5٪. 

من جهته، ركز مستشار وزارة التربية والتعليم الإيطالي، البروفيسور ألبيرتو ميلوني، من وحي خطورة الموقف، على أهمية اتباع نهج مجتمعي شامل، قائلا: "إننا نصارع مأساة حقيقية. ووحدهم المعلمون قادرون على العمل عبر شبكة الإنترنت وخارجها لاستعادة حس الانتماء المجتمعي من جديد". 

ووظفت الدولة، في ظل انقطاع أكثر من 8 ملايين طالب عن المدرسة، مزيجا من المناهج الكفيلة بالوصول إلى هؤلاء الطلبة ودعم أسرهم. وحرصا منها على ضمان مواصلة الجميع لتعليمهم، خصصت وزارة التربية والتعليم مبلغا قدره 85 مليون يورو لتوفير معدات التعلم عن بعد للطلبة الأكثر حرمانا. 

وفي الصين، تكاتفت وزارة التربية والتعليم مع الشركات والمؤسسات التعليمية من أجل تقديم خدمات مجانية ومناهج إلكترونية لطلاب المرحلتين الابتدائية والثانوية والجامعات بالإضافة إلى عامة الشعب.

كما يحصل المعلمون على التدريب اللازم للتأقلم مع البيئة التعليمية الجديدة وإتقان مهارات التعليم الإلكتروني. وأظهرت دراسة حديثة لوزارة التربية والتعليم أن 80٪ من المعلمين جاهزون لتوظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على نحو أوسع في التدريس. 

تبادل الخبرات

في 20 آذار/مارس 2020، عقدت اليونسكو أول ندوة إلكترونية لها بشأن التصدي لاضطراب التعليم الناجم عن فيروس كورونا، بحضور 50 دولة ممثلة بعدد من الشخصيات الحكومية والتربويين والخبراء.

حلقة النقاش خلصت إلى مجموعة من الاستنتاجات، من أبرزها أن تعليم طفل واحد يتطلب تعبئة الجميع، وقد يتطلب الأمر أكثر من ذلك بكثير لا سيما في أوقات التعلم عن بعد ونقل العملية التعليمية إلى العالم الافتراضي.

الأمر بات يتطلب اعتماد نهج مجتمعي متكامل وإقامة شراكات أقوى من أجل توفير تعليم شامل للجميع عن بعد.

ومنذ إغلاق المدارس لاحتواء جائحة كورونا، تعمل الحكومات بدورها، على تعميم حلول التعلم عن بعد، ومحاولة التغلب على الطابع المعقد للعملية، بدءا من تقديم المحتوى ودعم المدرسين وانتهاء بتقديم الإرشادات للأسر ومعالجة صعوبات الاتصال بالإنترنت.

ولفتت يونيسكو إلى أن إغلاق المدارس يُلحق أضرارا متفاوتة بالطلاب المعرضين للخطر والمحرومين والذين يعتمدون على المدارس لضمان مجموعة من الخدمات الاجتماعية، من بينها الصحة والتغذية.

وفى هذا الصدد، قالت أنجلينا جولي، المبعوثة الخاصة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتى أقامت شراكة مع يونسكو لإنشاء هذا التحالف: "يجب علينا تسريع عملية تبادل الخبرات، ومساعدة الفئات الأكثر ضعفا، سواء كان لديهم اتصال بالإنترنت أم لا".

آراء مختلفة

تفاوت الأضرار التي تحدثت عنها المنظمة أظهرها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي عبر تفعيل هاشتاجات عبر فيها الطرفان عن آرائهما في التعليم عن بعد.

ففي الوقت الذي فعّل فيه بعض المدونين وسم "#الدراسة_عن_بعد" للحديث عن المميزات وبعض العراقيل التي تواجههم، ذهب آخرون إلى إطلاق وسم آخر بعنوان "#التعليم_الأونلاين_فاشل"، للتعبير عن رفضهم للأمر. 

"من المنزل"

شركة جوجل أطلقت موقع "التدريس من المنزل" وقناة دروسي على يوتيوب باللغة العربية، وذلك في محاولة منها لدعم المعلمين والطلاب وتوفير إمكانيات التعلم والتعليم عن بعد.

الشركة رأت أن بعض المعلمين يواجهون للمرة الأولى تحديات جديدة أبرزها التعليم عن بُعد، وقد وفرت جوجل خلال الأسبوع الماضي إمكانية الوصول المجاني إلى ميزات مكالمات الفيديو المتقدمة لتطبيق Hangouts Meet لجميع عملاء G Suite و(G Suite للتعليم) على مستوى العالم وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ويوفر موقع "التدريس من المنزل" المعلومات والنصائح والمواد التدريبية والأدوات المفيدة من جميع منتجات وبرامج Google for Education لمساعدة المعلمين على مواصلة التدريس خارج الصفوف الدراسية.

ويسهل الموقع استخدام تقنية التعلم عن بُعد، ويشمل ذلك على سبيل المثال كيفية التعليم على الإنترنت، وكيفية إدارة الوصول إلى الدروس وإتاحتها للطلاب، وكيفية التفاعل مع الطلاب، وكيفية التعاون مع معلمين آخرين، ويتوفر الآن موقع التدريس من المنزل باللغة العربية، ويمكن من خلاله تنزيل مجموعات أدوات متوفرة بلغات متعددة منها العربية.

ويمكن للمعلمين الاستفادة من هذا الموقع المقدم من جوجل من خلال تعلم كيفية إنشاء (صف دراسي)، ووضع جدول زمني لمكالمات الفيديو على تطبيق Google Meet، ودعوة الطلاب إلى المشاركة في أول صف دراسي ينضمون إليه على الإنترنت، وإنشاء اختبارات وعروض تقديمية على الإنترنت، وتحديد المهام الدراسية في Google Classroom، والتعاون مع الطلاب باستخدام Jamboard، وبث الدروس مباشرة في جلسات تعليمية على يوتيوب.

أما قناة "دروسي" على يوتيوب من جوجل، فهي مصممة لمساعدة الطلاب على تعلم محتوى عالي الجودة باللغة العربية، لمختلف المواد والصفوف المدرسية، وتعرض القناة محتوى تعليميا من العديد من شركاء يوتيوب في الوطن العربي عن طريق قوائم مرتبة وفقا للبلد والصف والمادة الدراسية. 

ووعدت جوجل بالاستمرار في تحسين منتجاتها والسعي لإيجاد المزيد من الفرص بهدف مساعدة المعلمين والطلاب على الاستفادة من التكنولوجيا ومتابعة التعلم عن بعد.

التعليم للجميع

وفي دراسة أجراها "مركز الجزيرة للتدريب والتطوير"، خلص إلى أن معايير الطلاب للتعليم المناسب تغيرت، فالطلاب الأكبر سنا - الذين يتطلعون للحصول على مؤهلات دراسية عليا- يريدون أن يكون تعليمهم أكثر قيمة، مع ضرورة أن يتّصف بالمرونة الكافية ليتناسب مع التزاماتهم ومسؤولياتهم الحالية.

كما اختفى دور الجامعات في إعداد الطلاب لسوق العمل. فحتى بعد تخرج الطلاب بأعلى التقديرات، تصبح هناك حاجة متزايدة وضغط مستمر عليهم للاستمرار في التعليم.

وأفادت الدراسة بأن عدد الطلاب الدوليين زاد بشكل كبير في جامعات المملكة المتحدة والولايات المتحدة. لكن مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعدم الترحيب بنظام التأشيرات، بدأت هذه الأرقام تتراجع خلال الآونة الأخيرة. 

وبالنظر إلى المشاكل السياسية وتزايد الصعوبات التي يواجهها الطلاب الدوليون في الحصول على التأشيرات، ثمة حل واحد قد يغيّر طريقة الحصول على التعليم بالفعل.

وما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أصبح يُنظر للتعليم عبر الإنترنت على أنه أداة هامة للطلاب الدوليين من أجل المضي قدما في مسارهم التعليمي.

كما يمكن أن يساعدهم أيضا في الحصول على درجة دراسية من إحدى الجامعات البريطانية، دون معاناة الانتقال من أوطانهم.

برامج التعليم عبر الإنترنت المصممة بعناية، سوف توفر الخبرة العالمية للطلاب، والأهم من ذلك أنه يمكن أن توفر هذه البرامج أيضا خبرة للطلاب، وتمنحهم مهارات في حياتهم العملية المستقبلية.

وفق الدراسة، فإن الفصول الدراسية عبر الإنترنت، وحسن التعاون بين مختلف الدول والثقافات الأخرى، سوف تعكس بيئة العمل التي يوجد فيها هؤلاء الطلاب، أو التي يتطلعون للعمل فيها.

الدراسة أيضا تؤكد أن التعليم عبر الإنترنت يستطيع تحطيم الحواجز التي يصعب التغلب عليها، ويساعد في تبادل المعرفة بين شتى أطراف العالم، وهو ما يوفر للطلاب المعرفة الجديدة التي تزداد ثراء بمختلف الآراء الدولية والوعي الثقافي.

التعليم عبر الإنترنت يضمن أيضا إمكانية استكمال الدراسات العليا من جميع أنحاء العالم، لكن، لكي يحدث ذلك، لا بد لمؤسسات التعليم العالي أن تواصل توفير وتطوير سبل جديدة لإيصال برامجها التعليمية. وسيضمن ذلك تطبيقها لأحدث الاتجاهات والتطورات العالمية، ويجعل التعليم في متناول الجميع بالفعل.