مع تفشي كورونا.. هذه حقيقة أعداد السجناء التي أفرجت عنهم إيران

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دفع تفشي وباء كورونا السريع في إيران، السلطات إلى إعلان الإفراج عن 85 ألف سجين بشكل موقت من أجل الحد من خطر انتشار الفيروس في سجون مكتظة يصل عدد السجناء فيها إلى نحو 250 ألفا، ويشكل أصحاب الرأي والمعارضين نسبة كبيرة منهم.

لكن، رغم حديث رئيس "مصلحة السجون" الحكومية أصغر جهانكير عن تلقي 100 ألف سجين تصريحا بالخروج من السجن، أي نحو 40 بالمئة من السجناء، أكدت تقارير أن "حفنة فقط" من المساجين تلقوا إشعارات بالإفراج، لأن معظمهم لا يستطيع دفع الكلفة العالية للكفالة المالية.

وأظهرت آخر إحصائية رسمية نشرتها إيران في 14 أبريل/نيسان 2020، إصابة 73.303، ووفاة 4585، وتعافي 45984، منذ بداية إعلان تفشي فيروس كورونا بالبلاد في شهر فبراير/ شباط 2020.

مصير مرعب

استثنت سياسة العفو الإيرانية عشرات الآلاف من السجناء السياسيين الذين قد يواجهون على الأرجح مصيرا مرعبا في ظل ظروف السجن المأساوية، إضافة إلى خطورة انتشار الأمراض بسرعة، وفي مقدمتها فيروس كورونا.

ودفع تدهور أوضاع المساجين بعد تفشي كورونا وإصرار السلطات على رفض الإفراج عنهم، جهات حقوقية ومجتمعية إلى إصدار مناشدات تطالب بالإسراع في إطلاق سراح السجناء السياسيين.

وفي بيان نقله موقع "إيران إنترناشيونال" المعارض، حذر ثمانية مخرجين سينمائيين في إيران، في 13 أبريل/ نيسان 2020، من خطورة الظروف في السجون على صحة سجناء الرأي، والسجناء السياسيين، وناشطي البيئة.

وشدد المخرجون السينمائيون على ضرورة الإفراج عن هؤلاء السجناء بسبب الخطر الذي يتهدد حياتهم، بالقول: "ليس من الصواب أن يشهد الشعب وأسر هؤلاء السجناء خطرا يهدد حياة أحبائهم في السجن، بسبب خطأ يرتكبه المسؤولون".

وفي السياق ذاته، دعت منظمة العفو الدولية، السلطات الإيرانية إلى "الإفراج فورا، ودون قيد أو شرط، عن جميع السجناء المحتجزين لمجرد ممارسة حقوقهم سلميا"، حسبما أفاد بيان أصدرته في 9 أبريل/ نيسان 2020.

وقالت المنظمة في بيانها: إنه "على الرغم من بعض عمليات الإفراج الأولية، فقد تقاعست السلطات الإيرانية عن إطلاق سراح الغالبية العظمى من سجناء الرأي، الذين لا يزال المئات منهم رهن السجن. كما ينبغي على السلطات النظر في إطلاق سراح السجناء في الحبس الاحتياطي، أو أولئك الذين قد يكونون أشد عرضة للإصابة بالفيروس".

وسبق أن أعلن المتحدث باسم القضاء الإيراني غلام حسين إسماعيلي عن إطلاق 10 آلاف سجين بمناسبة عيد نوروز (رأس السنة الفارسية) في 21 مارس/ آذار 2020، وأن نصف هذا العدد سيكون من بين "السجناء الأمنيين" وهو مصطلح مستخدم لمن "يمثلون تهديدا للأمن القومي الإيراني" وهي تهمة مشتركة للناشطين المعارضين والمنشقين عن النظام.

قمع بالرصاص

رفض السلطات الإيرانية الإفراج عن معتقلي الرأي والمعارضين السياسيين جراء تفشي كورونا، تسبب باندلاع اضطرابات شديدة في 10 سجون، بدأت في 19 مارس/ آذار 2020، من سجن بارسيلون في خرم آباد عاصمة محافظة لرستان.

انتقلت الاضطرابات سريعا إلى ثمانية سجون وهي: بارسيلون، واليغودرز بمحافظة لرستان، تبريز في أذربيجان الشرقية، وسجن سقز بمحافظة كردستان، ألوند في همدان، وسجن عادل آباد في شيراز، وسبيدار وسجن شيبان في خوزستان.

ردت السلطات الإيرانية على هذه الاحتجاجات التي اندلعت داخل السجون، بنشر أعداد كبيرة من قوات الأمن من محافظات أخرى في إيران لتطويق السجون كتدبير وقائي.

أضرم السجناء اليائسون في سجن سبيدار النار في بطانياتهم وغيرها من الأغراض في 30 مارس/آذار. وكان هدف النيران هو توفير غطاء من الدخان من أجل خفض الرؤية قبل محاولة تسلّق جدران السجن. وردا على ذلك، اقتحمت قوات الأمن الزنزانات وأطلقت الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية.

ونقلت تقارير مشاهد مرعبة مماثلة في سجن شيبان الذي وصل كورونا إليه، بمدينة الأحواز في الأول من نيسان/أبريل 2020، حيث دفع الوباء القاتل ونفي مسؤولي السجن وجود أي عفو أو إطلاق سراح، السجناء إلى استخدام الوسائل نفسها التي لجأ إليها نظراؤهم في سجن سبيدار.

وأضرم معتقلو "شيبان" في الجناح 6 و7 و9 و10 النار في زنزاناتهم وحاولوا خلع البوابة الأولى للسجن الذي يشتهر بتعذيب و"إخفاء" السجناء السياسيين.

وأتى رد السلطات بإطلاق النار وإرداء خمسة سجناء قتلى من مسافة قريبة، وإصابة الكثير منهم بجروح بالغة. وحصل أمر مشابه في سجن عبادان وراح ضحيته العديد من السجناء أيضا.

وبحسب وسائل إعلام، فإن ذوي السجناء توجهوا إلى السجون بعد سماع خبر اندلاع النيران والتقارير بشأن النيران الكثيفة ليكتشفوا ما حل بأبنائهم.

ولدى وصولهم، تعرضوا للغاز المسيل للدموع والرصاص من الذخيرة الحية أطلقها حراس الأمن المنتشرين في محيط السجن وقوات الحرس الثوري الإيراني، ما أدى إلى تعرض ثلاثة منهم لإصابات خطيرة.

وأظهر مقطع فيديو تداوله ناشطون على موقع "تويتر" إحدى أمهات المعتقلين الأحوازيين المذهولة وهي تصرخ خارج سجن شيبان وتبكي على ابنها، في حين يظهر فيديو آخر نقل جثث سجناء في سيارات إسعاف.

عشرات القتلى

وأدى الرد العنيف من القوات الأمنية على احتجاجات المساجين إلى سقوط عشرات القتلى معظمهم من الأحوازيين، إذ أكدت أسر السجناء وفاة 15 شخصا من معتقلي الأحواز في سجن سبيدار سواء رميا بالرصاص أو حرقا حتى الموت.

ومن بين السجناء القتلى الذين جرى تحديد هويتهم، محمد سلامات (30 عاما) من مدينة الأحواز، وسيد رضا الخرساني وشاهين الزهيري، ومحمد تامولي الطرفي، مجيد الزبيدي، وعلى الخفاجي، بحسب تقرير لمعهد "واشنطن" نشره في 7 أبريل/ نيسان 2020.

وذكرت العائلات أنها تلقت اتصالات من موظفين بالحكومة "للحضور واستلام الجثث"، وطُلب منهم دفن أولادهم بالسر.

كما طلب موظفو النظام أن يدفع أفراد عائلة الرجال المقتولين تكاليف الأضرار التي تسبّبوا بها في السجون خلال محاولاتهم الفرار. وجرى تحذير العوائل من عدم التحدث عن عمليات القتل هذه إلى المنظمات الحقوقية أو المنظمات غير الحكومية.

وأفاد "معهد واشنطن" بأنه "بعد محاولة الفرار من السجن، جرى نقل 14 سجينا سياسيا منهم محمد علي عموري إلى السجن الانفرادي في سجون جهاز استخبارات النظام السرية بعد أن اتهمت الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية عموري بأنه قاد الاحتجاجات في سجن شيبان".

من جهتها، قالت منظمة العفو الدولية، في بيان: إن "قوات الأمن الإيرانية قتلت 36 سجينا خلال احتجاجهم خشية الإصابة بفيروس كورونا"، مؤكدة أن "آلاف السجناء في ثمانية سجون على الأقل بإيران ينفذون احتجاجات مؤخرا خشية الإصابة بالفيروس".

وأكدت أن "الحراس وقوات الأمن تدخلوا بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع ضد المحتجين في بعض السجون وقتلوا 36 سجينا وأصابوا المئات". وأضافت: "كما قامت قوات الأمن في سجن واحد على الأقل بضرب المشاركين في الاحتجاجات، ما أدى إلى مقتل سجين".

ونقل بيان المنظمة عن ديانا الطحاوي، نائبة المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في "العفو الدولية"، قولها: إن "السلطات الإيرانية اختارت مجددا طريق قتل الناس بدل الاستجابة للطلبات المشروعة للسجناء حيال الوقاية من فيروس كورونا".

تبريرات حكومية

السلطات الإيرانية، دافعت عن إجراءاتها ضد السجناء في السجون التي شهدت اضطرابات، وفرار عدد من المسجونين خوفا من كورونا، بأنها "حالات تمرد حدثت في فئة الجرائم الثقيلة، وأن قوات الأمن تمكنت من إخمادها".

ونقلت وكالة "إيسنا" الإيرانية عن رئيس المحاكم في محافظة فارس، كاظم موسوي، قوله: إن "السجن الذي حصل فيه التمرد يضم فئة الجرائم الثقيلة والخاصة وقد اشتبكوا مع حراس السجن"، ويقصد سجن عادل آباد في شيراز، مركز محافظة فارس، وهو من أكبر سجون البلاد، إذ يضم أكثر من 10 آلاف سجين.

وأضاف موسوي خلال تصريحاته أنهم قاموا خلال الاشتباكات بتحطيم بعض الأعمدة وتكسير كاميرات المراقبة، لكن مع دخول قوات الأمن الخاصة والشرطة إلى داخل السجن أصبح الوضع تحت السيطرة. وأكد أنه لم يصب أحد من السجناء أو من الحراس وقوات الأمن خلال الاشتباكات، كما لم يتمكن أي سجين من الهروب.