"عين كورونا الحمرا".. كيف تغيرت لهجة نظام السيسي وإعلامه عن الأطباء؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع اشتداد جائحة فيروس كورونا في العالم عموما، ظهرت الحاجة الماسة للأطباء، العمود الفقري للقطاع الصحي في أي دولة، وبقدر المكانة التي تضع فيها الدولة، الطبيب، بقدر نجاحها وإنجازها في مواجهة الجائحة الشرسة.

في مصر، وقبل كورونا، ضابط الجيش والشرطة والقاضي فقط هم الثلاثي المحظوظ الذي يستأثر بكل الميزات المادية والتقدير المعنوي من قبل نظام الحكم وأذرعه الإعلامية، أما غيرهم من الأطباء والمعلمين والمهندسين فيأتون في المرتبة الثانية أو الثالثة من حيث الدعم والاهتمام.

بعد كورونا، تبدلت لهجة الإعلام، وبدأ الأطباء تحديدا يحظون بهالة من التقدير الإشادة، عبر عنها الإعلامي عمرو أديب في 12 أبريل/ نيسان 2020، قائلا: "الأطباء والأطقم الطبية فخر مصر لازم نحميهم ونحييهم، الجامعات المصرية وكليات الطب، بعد سنوات تخرج لنا بشوات وبهوات".

رواد مواقع التواصل تداولوا مقطعا مصورا لعمرو أديب قبل سنوات، وهو يقول بطريقة ساخرة: "احنا محتاجين الشرطة، ولا يوجد اختراع بديل، يعني الدكاترة مثلا ممكن نبعت نجيب من (الهند)، وممكن نجيب مهندسين (صينيين)، لكن مش هنجيب شرطة من جواتيمالا، لازم الشرطة تكون موجودة".

وفي 31 يوليو/ تموز 2018، قال الإعلامي محمد الغيطي، خلال برنامجه على قناة LTC، موجها حديثه للأطباء: "عايزين تسيبوا البلد (اتفضل)، مش عاجبكوا امشوا، انتوا بتدبحونا، وكل شوية تغلوا الفزيتا (سعر الكشف)، ومبتطوروش نفسكوا، أنا اتحدى هناك نسبة قليلة جدا من الأطباء هما اللي بيطوروا نفسهم ويتابعوا الأبحاث العالمية، وهو إله في عيادته". 

وأضاف: "أريد من نقابة الأطباء مناقشة (النفسنة) بين الأطباء، اللي بيجربوا فينا، والطب في مصر بقى وجهات نظر". 

الإعلامي أحمد موسى، في 31 يناير/ كانون الثاني 2017، وفي معرض حديثه عن الرسوم الباهظة للمدارس الأجنبية والخاصة في مصر قال: "في النهاية الطالب يحمل شنطته على كتفه، بكم كبير من الكتب، ما يحني ظهره، ومش هيعرف يدخل الكلية الحربية، ولا كلية الشرطة، ومش هيدخل النيابة، وبالتالي خسر كل حاجة، فهيبقى دكتور أو مهندس!". 

ذلك الطرح العجيب، عبر عن حجم الاضطهاد والازدراء من قبل النظام، وأذرعه الإعلامية لمهنة الأطباء والمهندسين، تلك المهن المرموقة في سائر دول العالم.

وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، على شاشة قنوات العاصمة، قال الصحفي ممتاز القط: "أغلب قادة الجماعات المتطرفة أطباء، بسبب غياب تدريس العلوم الإنسانية بالجامعات الحكومية، معظم قادة جماعة الإخوان أطباء بسبب الدراسة العلمية البحتة، خاصة وأنهم يقومون بعمليات تشريح على الجثث، ولا يوجد إثقال لروح أو دراسة أدبية".

إعلام السيسي، في هجومه على الأطباء، اعتمد منهجية رصد الأخطاء، مثل حالات توفيت نتيجة مضاعفات عمليات جراحية كالجيوب الأنفية، أو المرارة، وغيرها، وتصويرها على أنها إهمال متعمد يصل إلى درجة القتل، دون الاستناد إلى حجج قضائية أو مراجعة الطبيب المختص لمعرفة الأبعاد الطبية لتلك المضاعفات.

في 25 مارس/ آذار 2015، شنت المذيعة ريهام سعيد، التي اشتهرت بحلقات التدليس والشعوذة، وتم إيقاف برنامجها أكثر من مرة، هجوما حادا في إحدى حلقات برنامجها على قناة النهار على الأطباء على خلفية طفلة ماتت من مضاعفات عملية "اللوز"، ورغم محاولات مدير المستشفى شرح الخلفية الطبية، لكنها لم تستمع، وأصرت على التشهير بالأطباء والإساءة لهم.

اعتداءات متكررة 

بسبب تحريض النظام وأذرعه الإعلامية على الأطباء، بدأ المواطنون من أهالي المرضى يتجرؤون على الأطباء، تعددت حوادث الاعتداء عليهم داخل المستشفيات العامة.

أشهر تلك الحوادث، ما شهده مستشفى المطرية بالقاهرة، من قيام أمناء شرطة بضرب طبيبين في الاستقبال، في يناير/ كانون الثاني 2016، ما أدى إلى موجة تصعيد من الأطباء وصلت إلى إغلاق قسم الاستقبال بالمستشفى، واندلاع موجة احتجاجات عارمة.

وقتها صرح الدكتور مأمون الديب نائب مدير المستشفى أن القسم سيظل مغلقا نتيجة شعور الأطباء بالإهانة البالغة، وأن مثل هذه التصرفات والاعتداءات لم تعد مقبولة.

وبعد عام كامل من الواقعة، تم إصدار حكم وصف بالصوري بالحبس 6 أشهر، لتسعة أمناء شرطة في محاولة لإخماد غضب الأطباء.

بعد 3 أعوام من الواقعة، وفي 5 يناير/ كانون الثاني 2019،، مثل 6 أطباء وإداري في مستشفى المطرية، أمام نيابة أمن الدولة بتهمة تعطيل العمل، والدعوة إلى الإضراب.

من أبرز وقائع الاعتداء على الأطباء ما حدث في معهد ناصر بالقاهرة في 24 يوليو/ تموز 2017، عندما هاجم مجموعة أشخاص من أقارب بعض المرضى فريقا طبيا بالمعهد، وأصابوا 3 أطباء، أحدهم أصيب بعاهة مستديمة.

وفي 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أعلنت نقابة أطباء مصر "تعرض 23 طبيبا على الأقل للاعتداء البدني واللفظي داخل المستشفيات خلال الفترة من 11 أكتوبر/تشرين الأول 2019، إلى 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 على خلفية نقص المستلزمات الطبية، والأسرة وأماكن الرعاية".

وقالت النقابة في بيان: "الاعتداءات باتت متكررة على الأطباء، فدائما ما يقع الطبيب في مواجهة غير عادلة مع أهل المريض الذين يظنون أنه الفاعل الوحيد في المنظومة الصحية. دورنا كنقابة هو حماية الطبيب، ولذا تقدمنا بمشروع قانون يُغلظ عقوبة الاعتداء على الأطباء أثناء عملهم".

وفي 24 مارس/ آذار 2019، تم تدمير إحدى غرف "معهد القلب" بإمبابة، إثر اقتحام مجموعة مواطنين لقسم الطوارئ بالمستشفى والاعتداء على الأطباء والممرضين وتحطيم أجهزة طبية تقدر بـ20 مليون جنيه، احتجاجا على وفاة أحد أقاربهم داخل غرفة العمليات.

وفي 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أصدرت النقابة بيان أهابت فيه بكل الجهات المعنية القيام بدورها فى التصدى لهذه الظاهرة وإيقافها سواء الجهات الإدارية وأقسام الشرطة.

النقابة اشتكت في بيانها من معاناة الطبيب فى عمل مذكرة اعتداء باسم المستشفى لاعتبار الاعتداء وقع على منشأة طبية وطبيب أثناء عمله، لكن كثيرا ما تعمل المستشفيات وأقسام الشرطة إلى تكييف الواقعة على أنها مشاجرة وليس اعتداء على طبيب ومنشأة طبية ليترك الطبيب دون حماية في النهاية.

الحوادث المتكررة جعلت الأطباء يرفعون شعار (مستشفيات آمنة) مطالبين الدولة والأجهزة الحكومية بحمايتهم، واستعادة حقوقهم، فيما يتجاوز الأمر طبيعة الحدث نفسه إلى منابع بعيدة، وحالة تعبئة تتم ضد الأطباء في الإعلام خلقت مناخا مفعما بالكراهية والإيذاء ضدهم. 

عواقب وخيمة 

في ظل هذه الأجواء غير الصحية تماما، اضطرت أعداد كبيرة من الأطباء للهجرة إلى الخارج، وهو ما عبر عنه الدكتور أحمد محيي  مساعد وزيرة الصحة لشؤون المستشفيات، في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 بقوله: "مصر بها 120 ألف طبيب، منهم 60 ألفا خارج مصر يعملون في الدول العربية، و60 ألفا يخدمون 100 مليون مصري".

وأضاف خلال لقاء تليفزيوني: "مرتبات الأطباء في مصر حاليا تتراوح بين 3 آلاف و10 آلاف جنيه".

وخلال جلسة استماع طارئة للجنة الصحة بالبرلمان في 18 سبتمبر/ أيلول 2018، قالت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة: "قرابة 60% من الأطباء المصريين سافروا للعمل بالسعودية، هناك عجز شديد في عدد الأطباء داخل مصر، فهم يقدمون استقالتهم من وزارة الصحة من أجل العمل في الخارج"، 

وأضافت: "لو سرنا بنفس المنهج القديم سنصل إلى نفس النتائج، فنحن أمام تحدي القوى البشرية في ظل أن عدد الأطباء قليل جدا أمام عدد السكان".

وحسب وزارة الصحة، تأتي أزمة نقص عدد الأطباء وأثرها السلبي على عدد كبير من المستشفيات الحكومية، حيث بلغ عدد الأطباء المستقيلين في عام 2016 نحو 1044، وفي عام 2017 نحو 2049، وفي 2018 نحو 2397، الأمر الذي نتج عنه نقص حاد في عدد الأطباء. 

وفي الوقت الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية، أن الحد الأدنى لعدد مقدمي الرعاية الطبية هو 3.4 إلى كل 1000 مواطن، وصل عدد عدد مقدمي الرعاية الطبية في مصر إلى 2.2 إلى كل 1000 مواطن.

ووفق الوزارة، "ما زاد الأمر سوءا بالنسبة للمحافظات الأخرى خاصة المناطق النائية هو سوء توزيع الأطباء حيث بلغت نسبة الأطباء المستقرين في القاهرة 45% من عدد الأطباء، فهناك 450 وحدة صحية بالريف والصعيد (جنوبا) لا يوجد بها طبيب أي هناك نحو 1500 قرية مصرية محرومة من الرعاية الصحية".

وفي 20 ديسمبر/ كانون الأول 2019 أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (حكومي) النشرة السنوية لإحصاءات الخدمات الصحية لعام 2018، مشيرا إلى تراجع عدد الأطباء بنسبة 9.3%، وعدد مراكز الإسعاف بنسبة 17.5% عام 2018، مقارنة بعام 2017.

وبالبحث عن أسباب هروب الكثير من الأطباء إلى الخارج، فإنها تتمثل فيما بين تدني المرتبات وكثرة حالات الاعتداء على الأطباء بالمستشفيات وبيئة العمل غير المؤهلة.

فرق الرواتب خيالي 

حسب تقارير أوردت شهادات الأطباء: "يتقاضى الطبيب المصري نحو 1800 جنيه مصري (نحو 105 دولارات) لدى التحاقه بالمستشفى الحكومي بعد إنهائه الدراسة الجامعية مباشرة".

وسبق أن أعلنت الدكتور منى مينا، عضو مجلس نقابة الأطباء: أن "مرتب الطبيب حديث التخرج في فلسطين، يبلغ حوالي 4 أضعاف نظيره المصري، رغم ما تعاني منه فلسطين من الحصار والاحتلال". 

وأكملت "لم نحاول أن نقارن بوضع الطبيب السعودي أو الكويتي، لأن الظروف الاقتصادية للسعودية والكويت تختلف عنا تماما، ولكن أن يكون أجر الطبيب الفلسطيني، الذي تعاني بلاده من الحصار والاحتلال، بكل ما ينتج عنهما من مشاكل اقتصادية واجتماعية رهيبة، حوالي 4 أضعاف الطبيب المصري".

وفي 11 ديسمبر/ كانون الأول عرض الدكتور خالد أمين، عضو مجلس نقابة أطباء الجيزة، مفردات مرتب طبيب بأحد المستشفيات قائلا: "مرتبات الأطباء تتزايد أو تتناقص لكل طبيب عن غيره 100 جنيه، ويصل دخل الطبيب إلى 1800 جنيه مصري ويتمثل المفردات كالتالي:

19 جنيها، مكافأة 2% بما يعادل 3 جنيهات، وإصابة عمل 1% بما يعادل 2 جنيه، وحصة حكومة 15% بما يعادل 27 جنيها، وبدل عيادة 4 جنيهات، وبدل طبيعة عمل حوالي 3 جنيهات، وحافز 2 جنيه، ومنحة عيد العمال 10 جنيهات، وأساسي المرتب للطبيب خريج دفعة 2010، 351 جنيها، وإجمالي الراتب 1800 جنيه.

وبمقارنة رواتب الأطباء، بنظرائهم في الأجهزة الأمنية والقضائية، سنجد تفاوتا كبيرا، حتى مع أقل فئات تلك الأجهزة، وهم أمناء الشرطة، فبحسب ما نشر في الجريدة الرسمية المصرية، في 30 يونيو/ حزيران 2013، عن سلم رواتب أمناء الشرطة بالجنيه المصري كالتالي:

  • أمين شرطة ممتاز أول ارتفعت ماهيته السنوية من (5712 إلى 7872) بعلاوة سنوية 360 جنيها.
  • أمين شرطة ممتاز ثانى ارتفعت ماهيته السنوية من (4562 إلى 6312) بعلاوة سنوية 300 جنيه.
  • أمين شرطة ممتاز ارتفعت ماهيته السنوية من (3442 إلى 4992) بعلاوة سنوية 240 جنيها.
  • أمين شرطة أول ارتفعت ماهيته السنوية من (2976 إلى 4200) بعلاوة سنوية 204 جنيهات.
  • أمين شرطة ثاني ارتفعت ماهيته السنوية من (2662 إلى 3012) بعلاوة سنوية 156جنيها.
  • أمين شرطة ثالث ارتفعت ماهيته السنوية من (1728 إلى 2448) بعلاوة سنوية 120 جنيها.

وفي 17 يونيو/ حزيران 2019، عندما قرر وزير المالية محمد معيط، إصدار قرار طالب فيه جميع أجهزة الدولة بالالتزام بتسديد مستحقات الدولة الضريبية على كافة العاملين، بمن فيهم القضاة، كان يتعدى إجمالي دخل كل مستشار سنويا حاجز 200 ألف جنيه (حوالي 12 ألف دولار)، لذلك تم تصنيف رواتب القضاة وفق التعديلات الأخيرة لقانون الضريبة على الدخل، كشريحة خامسة.

وفي 7 نوفمبر/ كانون الأول 2016، وفي ظل التعتيم الشديد من قبل الدولة، على رواتب ضباط الجيش، كشف موقع "ميدل إيست مونيتور" عن مصادر خاصة، أن "رواتب قيادات الجيش المصري، وأعضاء المجلس العسكري ، تتراوح بين 100 ألف، و500 ألف جنيه مصري".

وكشف التقرير أن "إجمالي الرواتب الشهرية لضباط الجيش، يقدر بنحو مليار و513 مليون جنيها، بمتوسط 200 ألف ضابط ، بينما تقدر مرتبات رتبة "الصول (رتبة أقل من ضابط)"، بنحو 350 مليون جنيه شهريا، بمتوسط 100 ألف صول، ليقترب متوسط إجمالي الرواتب العسكرية من حاجز الـ 2 مليار جنيها".