نزيف اقتصادي وخسائر فادحة.. هل يتحمل نظام السيسي تداعيات كورونا؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

كغيره من اقتصادات العالم، تأثر الاقتصاد المصري بشدة، جراء أزمة كورونا، لكن ما يزيد من حدة تأثر بلد مثل مصر اقتصاديا هو اعتمادها بشكل كبير على التمويل الخارجي، وعائدات السياحة، ودخل قناة السويس، وتصدير البترول والغاز.

التباطؤ الاقتصادي العالمي أثر بشدة على هذه القطاعات التي تعد شريان الحياة في مصر، ما أثار حالة من الاضطراب والقلق في الدولة، التي يعاني غالبية أهلها من الفقر، وترتفع فيها نسبة البطالة.

تلك الحالة المتعثرة، وضعت نظام السيسي أمام اختيارات صعبة للخروج من عنق زجاجة أزمة "كورونا" أحلاها "مر"، فإما أن يتجه النظام نحو فرض العزل وتقليل العمالة لوقف انتشار الجائحة، ما يفاقم الأزمة الاقتصادية، أو أن يستمر دورة العمل والإنتاج بشكل طبيعي، ما يمثل مخاطرة قد تكلف البلاد آلاف الأرواح.

ضربة قاسية

في 8 أبريل/ نيسان 2020، أعلن البنك المركزي "استخدامه حوالي 5.4 مليارات دولار لتغطية احتياجات السوق من النقد الأجنبي وتغطية تراجع استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية"، وأرجع ذلك حسب بيانه "لضمان استيراد سلع إستراتيجية بالإضافة إلى سداد الالتزامات الدولية الخاصة بالمديونية الخارجية للدولة".

وقال البنك: "احتياطيات مصر من النقد الأجنبي قادرة على تغطية الواردات لمدة 8 أشهر، ومكنت البلاد من الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالديون".

احتياطيات النقد الأجنبي في مصر، تراجعت بنسبة 11.9% في مارس/آذار 2020 على أساس شهري، مدفوعة بسحوبات نقدية لضخها في الأسواق، كإحدى التبعات الاقتصادية لجائحة كورونا، ومثلت تلك الخطوات ضربات موجعة للسوق الاقتصادي.

جدير بالذكر أن احتياطات النقد الأجنبي لمصر من عملات دولية، تتمثل في الدولار الأميركي واليورو الأوروبي والجنيه الإسترليني والين الياباني واليوان الصيني.

وشهد الأسبوع الأول من مارس/ آذار 2020، خسائر كبيرة للبورصة المصرية، حيث هبطت بمقدار 5% وخسرت 22.5 مليار جنيه.

وفي 9 مارس/ آذار 2020، سجل المؤشر الرئيسي EGX30 أكبر خسارة يومية منذ 2012، بعد أن أغلق متراجعا بنسبة 7.3% "بعد أن هبط خلال الجلسة حتى 8.2%"، وتوالت الخسائر بعد ذلك حتى بلغ معدل التراجع بالمؤشر منذ بداية العام وحتى 16 مارس/ آذار 2020 ما يزيد عن 33%.

معدل البطالة

في 2 أبريل/ نيسان 2020، قال موقع ستراتفور الأميركي: إن "أزمة كورونا تهدد بزيادة معدل البطالة بعد التراجع الذي شهده خلال الأشهر الأخيرة، مشيرا إلى تباطؤ نمو الأجور في ظل التضخم الذي تشهده البلاد التي يعيش ثلث سكانها في فقر مدقع وفقا لإحصائيات أصدرتها وكالة الإحصاء بالقاهرة في أغسطس/آب 2019".

وأكد الموقع الأميركي أن "تفشي كورونا وعوامل خارجية أخرى، من بينها التراجع الحاد في أسعار النفط والحروب التجارية العالمية المستمرة، باتت تهدد مكاسب مصر الاقتصادية كما تهدد بتقويض قدرة نظام السيسي على الاستمرار في التسويق لنفسه على أنه الركن المنيع للاستقرار الاقتصادي والسياسي بلا منازع".

وتوقع التقرير أن تتخذ التأثيرات المترتبة على العوامل الخارجية تلك مسارا تدريجيا ما لم تحدث بعض التطورات التي قد تزيد المخاطر ومنها "استمرار إغلاق قطاع السياحة حتى عام 2012، وإقدام الحكومة على تطبيق إجراءات تقشف جديدة الأشهر المقبلة وفقا لجدول إصلاحات كان مقررا قبل ظهور كورونا، واستمرار انخفاض الطلب العالمي على الصادرات حتى عام 2021".

واختتم ستراتفور التقرير بأن "تلك العوامل مجتمعة من شأنها إضعاف قبضة السيسي على السلطة، وحمل الشعب الذي يعاني من مشاعر الإحباط والضغوط الاقتصادية على الخروج للتعبير عن معارضته، مرجحا أن يساهم العدد المتزايد من الضباط المتقاعدين والحاليين المنخرطين في القطاع الخاص بمرور الوقت في تسريع هذا السيناريو".

قلق السيسي

التقارير التي تحدثت عن قلق النظام، ورصدت غضب الشارع، لم تأت من فراغ، ففي 7 أبريل/ نيسان 2020، قال السيسي: "أضرار استمرار توقف النشاط الاقتصادي أخطر من أضرار الإصابة بالفيروس"، مشيرا إلى "اتخاذ كافة الإجراءات للتخفيف عن القطاع الخاص".

حديث السيسي، تزامن مع تصريح رجل الأعمال نجيب ساويرس "عايزين قرار ثوري بعودة العمل، وإنهم يشتغلوا ويناموا في المصانع وميرجعوش لأهاليهم، وإن الناس دي ممكن شهر ولا اتنين ونلاقيهم انتحروا بسبب عدم وجود الرواتب".

كما تزامن أيضا مع تصريح رجل الأعمال حسين صبور، رئيس نادي الصيد "مش هتبرع لكورونا، ومش مسؤول عن دخل الشعب، ورجعوا الناس للشغل فورا.. شوية يموتوا أحسن ما البلد تفلس".

وفي 25 مارس/ آذار 2020، توقعت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية بمصر، الدكتورة هالة السعيد، أن تتأثر معدلات نمو الاقتصاد المصري خلال الربعين الثالث والرابع من العام المالي الحالي، في ضوء تفشي فيروس كورونا.

وذكرت أن معدلات البطالة في مصر سوف تتأثر بالسلب في حال استمرار الأزمة، منوهة إلى أنه من المستهدف خفض معدل البطالة إلى 8.5% بنهاية 2020 / 2021 في حال انتهاء الأزمة بنهاية العام المالي الحالي.

سيناريوهات كارثية

الإقتصادي المصري الدكتور مصطفى شاهين، أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية، قال لـ"الاستقلال": "أزمة كورونا لها تبعات شديدة جدا على الاقتصاد، فمصر حرمت من موارد كثيرة كانت تأتيها، خاصة موارد السياحة، وموارد العاملين بالخارج، والأخيرة تحديدا، كانت تدر على الاقتصاد حوالي 25 مليار دولار".

وأضاف: "هناك بعض الدول أوقفت عمل المصريين، وكثيرين منهم سوف يعودون، أما عوائد السياحة فانخفضت بشكل حاد، وتكاد تصل إلى صفر، وكانت عوائدها في السنة الأخيرة قد وصلت إلى قرابة 12 مليار دولار، وبناء عليه، تتعرض الفنادق والمطاعم والمنتجعات وشركات السياحة، وغيرها إلى خسائر فادحة، فكل قطاع مرتبط بأزمة كورونا، حدث له تراجع أولي، ونستطيع أن نقول انهيارا".

وتابع شاهين: "هناك أثر آخر تمثل في سحب كثير من المستثمرين الأجانب لأموالهم، وتم رصد قرابة 23 مليار دولار تم سحبهم من السوق المصرية، حسب تقرير لوزير المالية (الدكتور محمد معيط)". 

وقال شاهين: "ترتب على ذلك قيام البنك المركزي بسحب 5.4 مليار دولار من الاحتياطي النقدي، حتى يستطيع تعويض خروج كم الأموال الهائلة من السوق، وبطبيعة الحال لو استمر الحال بهذه الطريقة، من سحب المستثمرين الأجانب لأموالهم، فمن الممكن أن تلجأ الحكومة لأخذ قروض جديدة، أو ترفع سعر الدولار، وغالبا سترجح خيار الاستدانة، حتى يظل سعر الدولار ثابتا".

واختتم حديثه: "إذا استفحل الأمر لفترات طويلة، فهناك تداعيات سلبية أخرى، أخطرها نفاد الاحتياطي الدولاري للدولة، ووقتها سيدخل الاقتصاد إلى منحى كارثي، من الصعب تحمله، مع عدد السكان الكبير الذي يصل إلى 100 مليون مواطن".