كواليس جديدة.. مجلة فرنسية تكشف عن تواصل دول عربية مع الأسد

12

طباعة

مشاركة

قالت مجلة فرنسية: إن الاتصال الأخير بين ولي عهد الإمارات محمد بن زايد ورئيس النظام السوري بشار الأسد، لفتة تؤكد عودة تدريجية للعلاقات بين دول المنطقة ودمشق، لكنها تبقى مشروطة بسياسات الولايات المتحدة الأميركية.

وأضافت مجلة "أوريان 21" الفرنسية: أن "تقارب الإمارات والسعودية مع سوريا ليس جديدا لكن أبوظبي حرصت هذه المرة على كشف الاتصال الذي جرى في 27 مارس/ آذار 2020، والعلني لأول مرة بين الجانبين منذ نحو تسع سنوات".

وأكد ابن زايد للأسد أن "سوريا دولة عربية شقيقة ولن تكون وحيدة في هذه الظروف الخاصة والحرجة لمكافحة وباء فيروس كورنا المستجد". وعلقت المجلة أنه "ما لم تكن السياسة قادرة على فعله، ها هو فيروس كورونا يوفر للسياسيين الذريعة والحافز لفعله".

وأشارت المجلة الفرنسية إلى أنه "لم يكن الاتصال بين الزعيمين هو الحدث، بل الإعلان الرسمي من قبل أبوظبي، على عودة العلاقة مع سوريا، سواء من خلال تغريدة لمحمد بن زايد عبر حسابه الرسمي بتويتر أو عبر خبر نقلته وكالة الأنباء الإماراتية، أي أن الشكل تفوق هذه المرة على المضمون".

دبلوماسية كورونا

وذكرت أن مراقبا لبنانيا مطلعا على ملف العلاقات السورية الإماراتية وصف هذا الاتصال بـ "دبلوماسية كورونا"، وأكد أن هذا التطور هو جزء من "سياق سياسي وزمني، بدأ منذ أكثر من عام ونصف على عدة مراحل".  

ولفتت المجلة إلى أن الجانب الإماراتي كان أول من أخذ زمام المبادرة بعودة العلاقات مع دمشق، وبالتحديد، جرى ذلك عبر التنسيق بين الإمارات ومصر، في وقت كانت المملكة العربية السعودية تقف في المشهد الخلفي، في موقع التحفيز لكل من أبوظبي والقاهرة، بانتظار الضوء الأخضر الأميركي. 

ونوهت بأن الاتصال الجديد لم يكن أول قرار من الإماراتيين لرفع مستوى الاتصالات مع النظام السوري.

ففي يوليو/ تموز 2018، أرسل محمد بن زايد، نائب رئيس المخابرات الإماراتية محمد بن حماد الشامسي إلى دمشق واجتمع برئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك الذي كان قد زار الرياض في وقت سابق، والتقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 

وأكدت أن اللواء حسام لوقا، رئيس جهاز المخابرات العامة في سوريا، شارك أيضا في هذا المسار حيث زار العاصمة السعودية، في 2019، في إطار تبادل الرسائل بين قيادات البلدين.

ونوهت بأن المسار الدافئ في العلاقات بين الرياض وأبوظبي من جهة ودمشق من جهة أخرى، استكمله الجانب المصري ولكن بحماس سياسي أكبر، مشيرة إلى أن التواصل موجود منذ ما يقرب من خمس سنوات بين القادة المصريين ونظرائهم السوريين.

كما أن القنوات الأمنية بين الجانبين ظلت مفتوحة، رغم كل شيء، وعلى عكس العديد من الدول العربية الأخرى، لم تغلق القاهرة أبواب سفارتها في دمشق على الإطلاق، حيث تولى القنصل المصري طلال الفضلي ومن بعده القنصل محمد ثروت إدارة السفارة وملفات العلاقات الثنائية في العاصمة السورية.

وبحسب المجلة الفرنسية، أراد السوريون منذ نهاية عام 2015 تعميم النموذج المصري، وأبلغوا الوسطاء اللبنانيين والعرب والأجانب أن أي مبادرة على المسرح السوري مثل "إطلاق سراح الرهائن، معلومات عن مصير بعضهم، أو تسليم قوائم الجماعات الإرهابية، وغيرها" لن تكون مجانية وسيعتمد ذلك على التواصل الرسمي وعودة البعثات الدبلوماسية إلى دمشق.

الدور المصري

وأضافت: "كان واضحا أن التقارب بين الإماراتيين والسوريين يتقدم بسرعة، وهذا يؤكد أن محمد بن زايد لديه مجال للمناورة وينفذ خطوات، في بعض الأحيان، تبدو غير مفهومة سياسيا، خاصة إذا تم وضعها في سياق الإجراءات الأميركية في المنطقة".

ولفتت "أوريان 21" أن "مساحة المناورة هذه تضيق أو تتسع، اعتمادا على السياق، وكدليل على ذلك، في ديسمبر/ كانون أول 2019، بعد عام تقريبا من إعادة فتح سفارة الإمارات في دمشق، كان الاحتفال بالعيد الوطني الإماراتي فرصة لتوضيح هذا المناخ الجديد".

ففي خطابه، وصف القائم بالأعمال الإماراتي عبد الحكيم إبراهيم النعيمي النظام السوري بـ "القيادة الحكيمة".

وأكدت أنه في هذا السياق توجه علي مملوك إلى العاصمة المصرية نهاية 2018 للقاء نظيره المصري عباس كامل الذي زار العاصمة السورية عام 2019.

وهو لقاء كان ينبغي أن يتوج إما بزيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى القاهرة أو بزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدمشق، لكن إشارة أميركية ربما أوقفت هذه العملية في الأشهر الأخيرة. 

وبينت المجلة أن الأمانة العامة للجامعة العربية أصبحت بدورها أيضا جزءا من هذا المناخ الإيجابي، وقد انعكس ذلك في تفاعل أمينها العام أحمد أبو الغيط، بشكل إيجابي مع الوفد السوري برئاسة وليد المعلم خلال الاجتماعات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.

فرملة أميركية

وبحسب المجلة فإن الأميركيين أبلغوا العديد من العواصم العربية أوائل عام 2020 بأنه من الضروري إنهاء عملية التطبيع مع دمشق، وتزامن هذا الطلب مع التوترات بين واشنطن وطهران في أعقاب اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني 3 يناير/ كانون ثاني في غارة أميركية بالعراق. 

كما فرملت واشنطن هذه الدوافع وسحبت مسألة عودة سوريا للجامعة العربية من التداول، بعد ضغط من القيادة الفلسطينية لوضعها على جدول الأعمال، ولم يستكمل المصريون والسوريون مسارهم الذي كان يمكن أن يؤدي إلى قمة مصرية - سورية في دمشق أو القاهرة. 

لكن "أوريان 21" لم تستبعد إعادة تفعيل هذه العملية إذا استمر المسار الإيجابي الذي أعاده الاتصال بين ابن زايد والأسد، خاصة أن هذه الخطوة رافقها إرسال أبوظبي وفدا أمنيا إلى طهران، بالإضافة إلى تأكيد نيتها الانسحاب من حرب اليمن، بيد أن الضغوط السعودية الأميركية أدت لكبح هذا الأمر. 

وأوضحت أن "هناك عنصرين يلعبان دورا مهما في هذه التطورات، نقطة مشتركة بين دمشق وأبوظبي (وهي مهمة بالضرورة للرياض)، وهي العداء المشترك، ليس تجاه تركيا في شخص رئيسها رجب طيب أردوغان، ولكن ضد مشروع الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة". 

هذا القاسم المشترك ساعد في بناء الجسور وتقريب المواقف، تواصل المجلة: "وهذا ينطبق أيضا على دعم القاهرة ودمشق (وإن كان بدرجة أقل) لموقف دول الخليج تجاه قطر، التي شكلت رأس الحربة في مشروع الإخوان، قبل أن تنتقل الراية فيما بعد إلى الأتراك"، وفق اعتقادها.

ورأت أن هناك رهانا سعوديا إماراتيا تقوم فكرته على أنه "كلما فتحت الدول العربية أبوابها لدمشق، كلما سمحوا لسوريا بالانفصال عن طهران وتوسيع هوامشها السياسية تجاه الإيرانيين، خاصة وأن القادة السوريين لن يتمكنوا من خوض معركة إعادة بناء البلاد وحدهم".  

وأكدت أنه "في هذا الإطار، يحاول الإماراتيون الاستفادة من بعض التناقضات، دون استفزاز الإيرانيين، فهم لا يضيعون أي فرصة لإطلاق مبادرات تجاه طهران، كما حدث مع إرسال مساعدات ومعدات طبية للتعامل مع أزمة كورونا، أو المكالمة الهاتفية لوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، لطمأنة طهران بعد المناورات العسكرية الإماراتية- الأميركية التي جرت نهاية مارس/ آذار 2020، في قاعدة الحمرا وراقبتها إيران بقلق".