"تحركات مريبة".. هل السودان على موعد مع انقلاب عسكري جديد؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 2 أبريل/ نيسان 2020، طالبت الاحتجاجات الشعبية القائمة أمام مقر رئاسة الوزراء بالعاصمة السودانية الخرطوم، برحيل رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، واستلام الجيش للسلطة.

قلق حمدوك من الاحتجاجات، لم يكن بسبب توقيتها فحسب المتزامن مع إجراءات اقتصادية صعبة، وتعثر في عدد من ملفات المرحلة الانتقالية، لكن بسبب مستوى التنظيم الدقيق الذي صاحبها من حيث الحماية للمواكب وفاعليتها، الأمر الذي أربك الأجهزة ووضعها في موضع  المراقب والمتابع خشية حدوث انقلاب عسكري جديد. 

هذه التحركات دفعت أبو بكر عبدالرازق، القيادي في حزب المؤتمر الشعبي (أسسه الزعيم الإسلامي الراحل حسن الترابي عام 1999 بعد انشقاقه عن حزب المؤتمر الوطني بقيادة المشير عمر البشير)، للقول في مؤتمر صحفي: "هناك محاولات تجري لتنصيب الفريق عبدالفتاح البرهان رئيسا للبلاد عن طريق انقلاب عسكري أو عن طريق الانتخابات".

وأضاف: أن "الأمين العام للحزب، علي الحاج، ورئيس مجلس شورى الحزب، إبراهيم السنوسي، رفضا الاستجابة لطرح قدمته قيادات المؤتمر الوطني، داخل السجن بتنفيذ انقلاب عسكري، أو قُبول وحدة الإسلاميين أو التنسيق فيما بينهم".

حادثة مريبة

رغم أن الجيش أعلن التزامه، وعدم وجود أي نية لانقلاب عسكري، لكن إرهاصات الانقلاب بدت تلوح في الأفق، وفق مراقبين، وظهر ذلك في مجموعة من التحركات، والإستراتيجيات التي اعتمدتها قيادة الجيش، في التحركات الأخيرة.

في 6 أبريل/ نيسان 2020، جاءت حادثة تسلم قوة من الجيش، لمركز الإدارة العامة للدراسات ونظم المعلومات التابع لوزارة الري والموارد المائية.

الحادثة تعد تجاوزا غير مسبوق منذ بداية المرحلة الانتقالية في أغسطس/ آب 2019، باعتبار أن المركز وحدة مدنية، ولم يصدر أي توضيح أو تبرير من قيادات الجيش.

وكالة الأنباء السودانية (رسمية) نقلت عن المدير العام للمركز عبدالرحمن صغيرون، قوله: "قوة مسلحة تتبع للمساحة العسكرية بالجيش، دخلت مبنى مركز الإدارة العامة للدراسات ونظم المعلومات في ضاحية سوبا، شرقي الخرطوم، واستلمت إدارته دون إخطار مسبق لوزارة الري".

وأضاف: "قائد القوة أبلغني آنذاك، بأن الخطوة تأتي بتكليف من مجلس السيادة مع السماح للعاملين بالاستمرار في أداء مهامهم. تطور الأمر بعد ذلك، ووضعت القوة العسكرية يدها بشكل كامل على المركز ومنعت العاملين من الدخول إليه".

نزول الجيش

لم تكن تلك الواقعة هي الوحيدة في مؤشرات بداية التحركات الغامضة لقوات الجيش، ففي نفس اليوم 6 أبريل/ نيسان 2020، نشرت القوات المسلحة جنودا وسيارات محملة بالأسلحة الثقيلة حول مقر وزارة الدفاع وسط الخرطوم.

وحسب وكالة فرانس برس الفرنسية، أغلقت القوات كل الطرق المؤدية إلى مقر القيادة العامة بوزارة الدفاع، بآليات وجنود، ثم وضعت على بعض الطرق حواجز أسمنتية وأسلاكا شائكة.

الأمر لم يقف عند هذا الحد، إذ أطلقت الشرطة قنابل غاز مسيل للدموع، لتفريق تظاهرة لإحياء الذكرى الأولى لاعتصام القيادة العامة بالخرطوم، "تحسبا من تفشي فيروس كورونا".

التظاهرة التي تم تفريقها، دعت لها لجنة العمل الميداني لـ"قوى الحرية والتغيير"، إحياء للذكرى الأولى لاعتصام القيادة العامة.

وتأتي رمزية مقر القيادة العامة للقوى الثورية، انطلاقا من يوم 6 أبريل/نيسان 2019، حيث بدأ الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم، للمطالبة بعزل الرئيس السوداني عمر البشير، واستكمالا للضغط على المجلس العسكري، لتسريع عملية تسليم السلطة إلى مدنيين.

الإجراءات المشددة من قبل القوات المسلحة، والأجهزة الأمنية لمنع المتظاهرين من الوصول إلى المقر للاعتصام، أعطت مؤشرات سلبية أخرى، على الدور الذي بدأ الجيش يلعبه بعيدا عن الأطراف المدنية، وخاصة حكومة حمدوك.

نفي متكرر

في 5 أبريل/ نيسان 2020، صرح المتحدث باسم القوات المسلحة العميد ركن عامر محمد الحسن، لوكالة الأناضول، نافيا "ما تداولته وسائل إعلام عن وجود تحركات لتنفيذ انقلاب عسكري في البلاد، مع الذكرى الأولى للاعتصام بمحيط القيادة العامة".

وأضاف: "لا توجد إرهاصات انقلاب، ولا توجد اعتقالات، والقوات المسلحة تعمل بشكل طبيعي، وكل القوات ترتب حاليا أوضاعها للمساهمة بشكل فعال في مكافحة وباء كورونا".

جاء رد الحسن بعد تداول أخبار نقلتها صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية عن المصادر، أن السلطات قررت "اتخاذ إجراءات احتياطية تتضمن اعتقالات وإنهاء إجازات ضباط وجنود، منحت لهم بدواعي وباء كورونا، وفرض حراسات مشددة على بعض الأماكن الإستراتيجية والشخصيات البارزة".

وفي نفس الوقت، وزع الجيش بيانا على الصحفيين، أكد فيه "لا توجد قرائن أو شبهات لانقلاب وسط القوات المسلحة".

ذلك النفي، لا يثبت العكس، خاصة وأن معظم الانقلابات التي شهدتها المنطقة سبقها نفي من قيادات الجيوش بالنزول إلى الشارع وتنفيذ انقلاب عسكري، ومن أبرز الأمثلة الجارة الشمالية للسودان، مصر، التي قال وزير دفاعها آنذاك عبد الفتاح السيسي في 11 مايو/ آيار 2013، عندما سُئل عن احتمالية نزول الجيش إلى الشارع: "البديل في منتهى الخطورة ومع كل التقدير لكل من يقول للجيش ينزل الشارع.. لو حدث ذلك لن نتكلم عن مصر لمدة 30 أو 40 سنة للأمام"، وبعد أيام معدودة من ذلك التصريح، تحرك الجيش، وأنفذ انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013.

صعود البرهان

منذ فترة واسم عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس الانتقالي يتردد بقوة أنه الحاكم الجديد القادم للسودان، وهو ما أكده تقرير صحيفة العرب اللندنية المنشور في 5 فبراير/ شباط 2020، تحت عنوان "تردد حمدوك يقود البرهان إلى الإمساك بزمام المبادرة في السياسة الخارجية للسودان".

الصحيفة قالت: "أمضى حمدوك وقتا طويلا في استكشاف العالم من حوله، ولم يتخذ مواقف حاسمة في بعض القضايا، اهتزاز الأرض السياسية من تحت أقدام حكومة حمدوك، قدم هدية كبيرة للبرهان، كضامن للأمن والاستقرار في البلاد".

في 3 فبراير/شباط 2020، كان لقاء البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا، مفاجئا وصادما لمختلف الأوساط السياسية والشعبية داخل السودان وخارجه، حيث لم يتم الإعلان عنه مسبقا.

كان اللقاء خطوة استباقية حاسمة لدخول الخرطوم بقوة إلى سياق التطبيع مع تل أبيب، ما أثار العديد من التساؤلات حول مدى صلاحية ونفوذ البرهان، لأخذ قرار ذلك اللقاء بشكل سري وشبه منفرد، بعيدا عن موافقة حكومة حمدوك والمجلس الانتقالي.

جريدة "رأي اليوم" اللندنية كتبت في افتتاحيتها بتاريخ 5 فبراير/ شباط 2020: "سبب الصدمة ليس لأن الفريق البرهان تصرف كديكتاتور عسكري بادر باللقاء من وراء ظهر شركائه في الثورة التي جاءت به إلى الحكم والشعب السوداني مفجرها، وإنما لأن ارتكاب هذه 'الخطيئة، لن يحل أزمات السودان بل سيزيدها تعقيدا".