تبنى "مناعة القطيع".. من يخلف جونسون بعد إصابته بكورونا؟

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

استخف بالمرض وتفاخر بأنه "صافح الجميع"، فوجد نفسه طريح الفراش على أسرّة مستشفى "سانت توماس" في العاصمة البريطانية، بعد أن نال منه فيروس "كورونا" المستجد (كوفيد-19).

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تبنى نظرية "مناعة القطيع"، التي نادى بها كأحد الحلول لمكافحة الوباء الذي حصد أرواح 7 آلاف إنجليزي، وأصاب أكثر من 60 ألفا آخرين.

جونسون كان قد نقل العناية المركزة، يوم 6 أبريل/نيسان 2020، ليتلقى دعما بالأكسجين بعد أسبوعين قضاهما في العزل المنزلي، على إثر مضاعفات في أعراض المرض.

وجراء الطريقة التي تعامل فيها مع تفشي المرض في بلاده، تعرض رئيس الوزراء الواصل إلى منصبه قبل أشهر قليلة، لانتقادات غير مسبوقة نتيجة تأخره في فرض إجراءات العزل. 

كما أنه استخف بانتشار الفيروس عبر قوله: إنه "صافح الجميع" بينهم مرضى بكورونا خلال زيارة إلى مستشفى، غير أن إصابته بالفيروس لم تشفع له من سيل الانزعاجات المتكررة.

كل ذلك الجدل الذي نشأ عن سياسته التي لم تجد نفعا، ربما سيعاني جونسون من تبعاته إذا ما نجح جهازه المناعي من لفظ الفيروس خارج جهازه التنفسي.

وجاء نقله إلى المستشفى بعد أن دخل رئيس الوزراء البريطاني مرحلة خطرة، وهو الأمر الذي يدفع إلى تساؤلات حول تأثير إصابته على المشهد السياسي، والوجوه المرشحة لخلافته.

راعٍ مضطرب

بعد تسجيل أول حالة بالفيروس، مطلع مارس/آذار 2020، خرج جونسون على البريطانيين بعد زيارة للمستشفى حيث كان يعتقد بأن "هناك بالفعل عددا قليلا من مرضى فيروس كورونا، وصافحت الجميع".

وما هي إلا أيام قليلة، حتى بدأ جونسون يحس بخطورة الفيروس، فخرج متراجعا عن مفاخرته الأولى، ليصدم مواطنيه بصراحة أرعبت "القطيع".

وقال جونسون آنذاك: "يتعين على العائلات الاستعداد لفقد أحبائها لأن فيروس كورونا سيواصل الانتشار (..) سأكون صريحا معكم، ومع كل الشعب البريطاني؛ عائلات كثيرة، كثيرة جدا ستفقد أحباءها قبل أن يحين وقتهم".

بدأت الجدية تظهر في بريطانيا بعد فرض الإغلاق التام بعد تردد، مع إبداء مرونة في خروج الناس من منازلهم خاصة لممارسة الرياضة. ولا تزال متنزهات لندن مفتوحة وتبدو في بعض الأحيان مزدحمة مع تحسن الطقس.

وفي وقت لوّحت فيه المملكة المتحدة بتطبيق منهج "مناعة القطيع" جاءت الانتقادات في وقت أظهرت فيه الإحصاءات أن ذلك يتطلب أن يُصاب أكثر من 47 مليون شخص، ووفاة أكثر من مليون شخص، وتعافي الباقي.

لكن المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، شككت في جدوى إستراتيجية بريطانيا لمواجهة انتشار  الوباء الفتاك، انطلاقا من هذه الطريقة.

الانتقاد صدر أيضا عن مجموعة مكونة من 229 عالما في جامعات المملكة المتحدة، إذ قالوا: إنه "سيضع خدمات الصحة الوطنية تحت ضغط إضافي، ويخاطر بعدد من الأرواح أكثر من اللازم".

جملة الانتقادات هذه، إضافة إلى تدهور وضع جونسون الصحي، رسمت مشهدا ضبابيا حول شكل المرحلة المقبلة في ظل غياب رئيس الوزراء البريطاني، الذي يقود جهود خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي.

وضعه الصحي

قُبيل دخوله إلى العناية المركزة، وحتى بعدها بأيام، لم يظهر جونسون لوسائل الإعلام المحلية ولا العالمية، في حين ظلت الأخبار تتواتر حول صحته، لكنها لم تعط تفصيلا واضحا حول الحالة.

آخر ما ورد عن رئاسة الحكومة البريطانية حول الأمر، كان يشير إلى مغادرة رئيس الوزراء وحدة العناية المركزة، دون الحديث أيضا عن الوضع الصحي لجونسون.

قبلها بساعات نشر موقع صحيفة "تليغراف"، واسعة الانتشار في بريطانيا، خبرا أشار فيه إلى عدم قدرته على أداء مهامه بشكل كامل لعدة أشهر بسبب إصابته، لكنه سرعان ما عدل الخبر بعدها بدقائق.

موقع الصحيفة نقل عن خبير في مجال العناية المركزة (لم تذكر اسمه)، قوله: إن "جونسون قد لا يتمكن من أداء عمله بشكل كامل لعدة أشهر بعد تعافيه".

وعموما فإن الأخبار تشير إلى تحسن طفيف يطرأ على حالة الرجل، مما يضعه في "وضع مستقر" يمكنه من "الجلوس في الفراش والتجاوب مع أطبائه".

لكن إن صحت رواية الصحيفة، وتعذر على رئيس الوزراء المصاب أداء مهامه، فإن بريطانيا ستدخل في مرحلة معقدة المعطيات، انطلاقا من تأثير إصابته على المشهد السياسي في البلاد.

تبعات سياسية

المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، أكد أن إصابة جونسون وما سيتبعها من سيناريوهات "ستؤثر على الواقع السياسي في بريطانيا".

واستند بركات في حديثه مع "الاستقلال"، إلى أن رئيس الوزراء الحالي "أحد الأشخاص المتحمسين لخروج بلاده من الاتحاد الأوروبي"، وهو "الوحيد الذي نجح في إخراج بريطانيا ولو مؤقتا".

وقال: "حتى الآن عمليا عملية الخروج من الاتحاد جارية، لكن بسبب الأزمة (كورونا) لا ندري ما سيكون مستقبلها"، مشيرا إلى أن غيابه سيغير من الواقع السياسي في مرحلة ما بعد انتهاء الفيروس.

وأضاف بركات: أن هذا الأمر "قد يجعل السياسيين البريطانيين يشعرون بضرورة وجود تعاون على كافة المستويات السياسية والاقتصادية مع دول الاتحاد الأوروبي".

وأوضح أن المرحلة المقبلة قياسا بسيطرة الصين والولايات المتحدة على الساحة الدولية، يجعل من دول الاتحاد غير قادرة على الوقوف في وجه "العملاقين"، مؤكدا أن "من مصلحة الاتحاد أن يكون متماسكا".

العودة للاتحاد

وأكد المحلل والخبير في الشأن الأوروبي أن "غيابه قد يسهل وقوع سيناريو تراجع بريطانيا عن الخروج من الاتحاد، إلى جانب تكثيف التعاون بين الدول الأعضاء".

وأعرب عن اعتقاده بأن هذا السيناريو "محتمل ومن المتوقع أن يحصل في حال استمرت الأزمة"، لأن دول الاتحاد وشعوبه يشعرون بالعجز في المجالات الاقتصادية والتنموية والتكنولوجية التي أثبت الفيروس ضعفها.

ولفت إلى أن "بوريس أول من نادي بعزل القطيع لكنه ذهب ضحيتها ودفع الثمن"، مشيرا إلى أن المسؤولين والشعب البريطاني وحتى "معسكر جونسون" قد يذهبون إلى انتقاد هذه السياسة الخاطئة.

وعلى صعيد الأسماء المطروحة، رأى بركات أنه "من الصعب التكهن بقدومه (البديل) حاليا، خاصة أن جونسون أقصى الكثير من الشخصيات من المشهد السياسي بعد تقلده رئاسة الوزراء".

وأشار إلى أن "وزير الخارجية (دومينيك راب) الذي ينوب عنه في رئاسة الحكومة، ليس معروفا على الساحة السياسية الأوروبية"، ولا حتى الدولية، لكنه ربما "يكون الأكثر حظا".

واستطرد: "بالتالي غيابه سيؤدي إلى بروز شخصيات أخرى من المحافظين، وربما أيضا من (حزب) العمال، وقد يكون بإمكانهم إعادة السياسة البريطانية إلى الخط الأوروبي".