أميركا تتدخل في حرب النفط بين روسيا والسعودية.. ما القادم؟

قسم الترجمة - الاستقلال | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

توقعت مجلة أميركية أن يكون الانخفاض في الاستهلاك العالمي للنفط في شهر أبريل/ نيسان 2020 وحده، أكبر بسبع مرات من أكبر انخفاض فصلي بعد الأزمة المالية 2008-2009.

وتأتي هذه التوقعات بعد أن انخفضت أسعار النفط بالفعل بنسبة الثلثين منذ بداية عام 2020 وما زالت تتراجع. وأنه -أي الانخفاض- سيكون أكثر حدة في المناطق التي تفتقر إلى الوصول للتخزين والأسواق، فقد يصل ​​سعر برميل النفط إلى الصفر.

وقالت مجلة فورين أفيرز: "لم ينهار سوق النفط العالمي في التاريخ بشكل سريع مثلما يحدث الآن. صناعة النفط والغاز التي توفر ما يقرب من 60% من الطاقة في العالم، غارقة في أزمة مزدوجة لم يكن من الممكن توقعها مطلع هذا العام".

وتسببت حرب الأسعار بين الدول المنتجة من أجل تأمين حصتها في السوق، في أزمة أكبر من جائحة كورونا؛ مسببة ما قد يكون أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية. وسيكون الانهيار الناتج في الطلب أكبر من أي وقت مضى، وفقا للتقرير.

ويتابع: "سيخلق هذا الانهيار اضطرابات للبلدان المصدرة للنفط ويزيد من اضطراب الأسواق المالية، كما أنه سيضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى الوضع الجيوسياسي المشحون بالفعل عن طريق جذب الولايات المتحدة إلى الخلاف الدولي القائم حول ما يمكن القيام به لتحسين الانهيار، وهو ما حدث بالفعل".

وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان منذ فترة طويلة من المدافعين عن انخفاض أسعار النفط، إلا إنه تدخل بالفعل في هذا النزاع محاولا وقف الانهيار. وقد اتصل مؤخرا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتحدث عما يمكن فعله لوقف الانخفاض "المؤذي".

ثم اتصل أيضا بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ليعلن أن تخفيضا منسقا كبيرا من قبل منتجي النفط الرئيسيين قيد الإعداد.

وأتبع السعوديون ذلك بالدعوة إلى إعادة انعقاد منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك"، إلى جانب الدول الرئيسية الأخرى المنتجة بما في ذلك كندا والمكسيك، وفقا للتقرير.

أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار، على الرغم من أن ملامح الاتفاق المحتمل لا تزال غير واضحة. وكلما كان عدد اللاعبين أكبر، كلما كان تنفيذ الاتفاق أكثر صعوبة.

النظام النفطي

كما هو الحال مع العديد من الصناعات الأخرى، فإن الركود الشديد في أسواق النفط سببه وباء كورونا، ولكن في حالة النفط، اشتعلت أيضا تحولات جيوسياسية.

يوضح التقرير ذلك بالقول: "تشكل النظام النفطي الجديد (أوبك +) في عام 2016 لوضع حد لانهيار أسعار النفط، الذي كان قد بدأ في عام 2014 نتيجة لارتفاع العرض".

كان هذا الاتفاق بين 11 عضوا في منظمة الأوبك و10 دول غير أعضاء لخفض الإنتاج بشكل مشترك من أجل استقرار الأسعار. ويسمى هذا التحالف أحيانا بتحالف فيينا نسبة للمكان الذي تم فيه.

وكانت "أوبك +" في تأسيسها بمثابة تحالف "سعودي - روسي"، أكبر منتجين للنفط في ذلك الوقت (ومتنافسين منذ فترة طويلة)، اللتين احتضنتا هذا التعاون الجديد.

كما أعطت أوبك روسيا فرصة لبناء علاقة إستراتيجية مع أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وجذب الاستثمارات السعودية. أما بالنسبة للرياض، فكانت فرصة لاكتساب حلفاء جدد غير أميركا، وتقوية موقفها في مواجهتها مع إيران، وفقا للتقرير.

ويستدرك: "لكن المرحلة الأولى من أزمة الفيروس التاجي، التي اندلعت في الصين في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2020، كسرت هذا التحالف. فقد أغلقت الصين أكبر سوق للنفط فجأة".

وبدلا من زيادة الطلب العالمي، كما كان متوقعا، انخفض بشكل غير مسبوق بمقدار ستة ملايين برميل يوميا في الربع الأول من عام 2020.

بدأت السعودية وروسيا مناقشات في بداية شهر مارس/آذار 2020، خلال اجتماعات أوبك و"أوبك +" في فيينا، حول كيفية المواجهة، وأصبح من الواضح أن لديهم وجهات نظر مختلفة للغاية، وفق التقرير.

وأوضح بالقول: "اعتمدت الميزانية الروسية على سعر منخفض نسبيا يبلغ حوالي 42 دولارا للبرميل. وفي الوقت نفسه، تحتاج السعودية، وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، إلى أسعار أعلى تبلغ حوالي 80 دولارا للبرميل لموازنة ميزانيتها".

وبناء عليه، أرادت السعودية تخفيضات كبيرة في الإنتاج من أجل محاولة وقف الهبوط في الأسعار. ومن ناحية أخرى أرادت روسيا التمهل قليلا بسبب عدم تأكدها من أن تأثير كورونا على باقي العالم سوف يكون أكثر حدة وأن الطلب على النفط سيتأثر بنفس الطريقة.

لذلك، كانت موسكو ترغب بالإبقاء على الاتفاق السابق إلى شهر يونيو/حزيران 2020. لكن أصرت السعودية على التخفيضات، بينما رفضت روسيا ذلك رفضا قاطعا، وهكذا تفككت "أوبك +".

فتح الصمامات

على الفور بدأت المعركة على الحصة السوقية، فكان رد فعل السعودية الفوري على كسر الوفاق هو الإعلان عن أنه في حالة عدم وجود تخفيضات من قبل جميع المنتجين، فإنها ستفتح الصمامات إلى حدها الأقصى.

وبدأت السعودية في الضخ قدر الإمكان، بهدف الوصول إلى أكثر من 12 مليون برميل يوميا، بزيادة تقدر بـ 2.5 مليون برميل يوميا. كان من المفترض أن يساعد الإنتاج الإضافي في تعويض الانخفاض في الأسعار، يقول التقرير. 

وردت روسيا بالإعلان عن أنها ستنتج أيضا كل ما يمكنها، على الرغم من أن قدرتها على الزيادة أقل بكثير، حوالي 300 ألف برميل يوميا.

ولكن بينما كانت الأسعار تنخفض ​​بالفعل، كان تفشي الفيروس التاجي ينتقل إلى مرحلته الثانية والأكثر تدميرا، مرحلة الجائحة العالمية. 

فقد أدى الإغلاق إلى انهيار الطلب على نطاق لم يشهده العالم من قبل. وقد يصل الانخفاض إلى 20 مليون برميل في اليوم أو أكثر -حوالي 20% من إجمالي الطلب العالمي- خلال الشهر الحالي (أبريل/نيسان)، وفقا للتقرير.

ويتابع: "ومع انهيار الطلب، فإن النفط الزائد المتدفق من الآبار يحتاج إلى التخزين".

وبحسب "IHS Markit"، فإن كل غالون متاح من مساحة التخزين في العالم تقريبا سيكون ممتلئا بحلول أواخر أبريل/نيسان أو أوائل مايو/أيار 2020. عندما يحدث ذلك، سينتج شيئان: ستنخفض الأسعار وسيغلق المنتجون الآبار لأنهم لا يستطيعون التخلص من النفط.

نظرا لطبيعة حقول النفط، فإن روسيا والسعودية قادرتان على إنتاج النفط بتكلفة أقل بكثير من معظم البلدان الأخرى، مما يجعلهما أكثر قدرة على مواكبة انخفاض الأسعار دون خسائر حقيقية، على عكس الكثير من البلدان الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.

نتيجة لذلك، من المرجح أن تتخلى الولايات المتحدة عن حصتها في السوق العالمية، لصالح الآخرين. وكما قال إيجور سيتشين، الرئيس التنفيذي لشركة Rosneft (تنتج 40 بالمائة من النفط الروسي) وأحد منتقدي صفقة أوبك 2016: "إذا تخليت عن حصتك في السوق، فلن تستردها أبدا".

بالنسبة للبعض في موسكو، هذا أمر مرحب به، لأنهم يرون أن نمو النفط الصخري الأميركي أعطى الولايات المتحدة حرية التصرف لفرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي مثل تلك التي وقعت في ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي أوقفت خط أنابيب "نورد ستريم 2" من روسيا إلى ألمانيا قبل استكماله، وفقا للتقرير.

سوق مرتبك

ولتحقيق الاستقرار في السوق العالمية، يوضح التقرير: "أن إنهاء المعركة على الحصة السوقية سيقلل من تدفق الفائض إلى السوق، ويخفف بعض الضغط على التخزين، ويكون له تأثير إيجابي على سيكولوجية السوق، وهو أحد العوامل التي تشكل الأسعار. سيعالج هذا جزءا مهما من المشكلة".

أما عن كيفية تحقيق الاستقرار الكامل فهذه مسألة أخرى، يستدرك التقرير: "لكن لدى السعودية منصة فريدة لتسهيل اتخاذ القرار، تترأسها مجموعة العشرين هذا العام، وهي منتدى يضم أكبر اقتصادات العالم لتحديد المشاكل الاقتصادية الدولية ومعالجتها".

ويرى التقرير أن دور الولايات المتحدة محدود، رغم محاولات الضغط على الرياض لخفض الإنتاج. وقد يؤدي ذلك إلى تغيير في العلاقات الأميركية السعودية وربطها بسياسة النفط الدولية كما يريد أعضاء الكونغرس الذين يدعمون عادة صفقات الأسلحة مع الرياض. 

فقد كتب 13 عضوا جمهوريا عن الولايات المنتجة للنفط إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان معربين عن فزعهم بالسياسة السعودية لخفض أسعار النفط الخام وتعزيز الطاقة الإنتاجية.

6 من هؤلاء أعضاء في مجلس الشيوخ، بما في ذلك رئيس لجنة القوات المسلحة في المجلس. تبعت تلك الرسالة، واحدة أخرى أكثر وضوحا، تفيد بأن العلاقة الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية "سيكون من الصعب الحفاظ عليها إذا استمر الإضرار عن عمد بالشركات الأميركية الصغيرة والمتوسطة الحجم".

وأشار وزير الخارجية مايك بومبيو بوضوح إلى فرصة المملكة العربية السعودية الفريدة "لطمأنة أسواق الطاقة والمال العالمية"، وفقا للتقرير.

وتابع التقرير: "على الصعيد الداخلي لا تمتلك الحكومة الكثير من الأدوات. على عكس الرياض وموسكو، لا تستطيع واشنطن أن تتحكم في إنتاج شركات النفط".

وبين أن أحد الخيارات المتاحة هو إضافة ما يقرب من 700 ألف برميل يوميا إلى الاحتياطي النفطي الإستراتيجي، لكنها ستحتاج إلى إذن من الكونجرس لإنفاق الأموال للقيام بذلك.

وتقدر الموازنة المطلوبة لتنفيذ هذه الفكرة بـ3 مليارات دولار (كان من المحتمل أن تكون استثمارا جيدا جدا للحكومة، فسوف تتضاعف قيمتها عندما تتعافى أسعار النفط في غضون بضع سنوات).

وأردف التقرير: "تقع سلطة تنظيم إنتاج النفط على عاتق الولايات، وبالأخص لجنة سكك الحديد في تكساس، التي تنظم إنتاج النفط في تلك الولاية، والتي تمثل 40% من إجمالي الإنتاج الأميركي".

تتمتع اللجنة بالقدرة على الحد من إنتاج الآبار بحجة "منع الهدر"، ولكن آخر مرة مارست فيها هذه السلطة كانت منذ نصف قرن. بالتأكيد مثل هذا الإجراء ستدعمه بعض الشركات وتعارضه شركات أخرى، والأهم أنه سيتم قراءته خارج الولايات المتحدة كإشارة إلى الدول الأخرى لتخفيض الإنتاج.

ويضيف التقرير: "مع الركود المتصاعد للاقتصاد العالمي، ستزداد أزمة النفط سوءا في الأسابيع المقبلة، وستتعدى الأضرار صناعة النفط نفسها. مع انخفاض الأسعار وتزايد التخزين، سينخفض ​​الإنتاج في جميع أنحاء العالم بشكل كبير". 

قد يكون بعض ذلك نتيجة لتعطيل فيروس كورونا أجزاء مختلفة من العالم، وقد يكون بعضها نتيجة لقرارات اتخذتها دول في عصر السياسات العالمية المتصدعة، وفق التقرير.


المصادر