إيطاليا والصين.. أي النموذجين أنجع لمواجهة كورونا وإنقاذ الاقتصاد؟

12

طباعة

مشاركة

قالت مجلة إيكونوميست البريطانية: إن صانعي السياسة في العالم أصبحوا بين خيارين أحلاهما مر في مواجهة جائحة كورونا، الأول يكمن في التعامل مع الوباء وفقا للإحصاءات الرسمية الكارثية أو وفقا للمآسي التي تتعرض لها شعوبهم.

وتطرق تقرير نشرته المجلة إلى تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 30 مارس/آذار 2020، قال فيها: إنه لا يوجد لديه خيار سوى تطبيق نموذج التباعد الاجتماعي كوسيلة وحيدة لإنقاذ أرواح ملايين الأميركيين من تفشي وباء كوفيد 19.

ويشير التقرير إلى أن النماذج الوبائية المتمثلة في التباعد الاجتماعي والإغلاق التام هو الوسيلة الأكثر تطبيقا حول العالم للنجاة من جائحة كوفيد 19، فأغلب الدول قد طبقت هذه السياسة التي ثبت تأثيرها الإيجابي الفعال في الحد من انتشار فيروس كورونا بين الشعوب.

العزل الاجتماعي

وكانت الصين أولى الدول التي طبقت هذا النموذج في بداية تفشي كورونا في مدينة ووهان، منبع الوباء، ثم كان من نتيجة هذا الإغلاق التام في بكين انحسار أعداد الوفيات والإصابات فيها وتخطيها مرحلة صعبة مكنتها من القضاء بشكل جزئي عليه.

بينما على الجانب الآخر، تقول المجلة: "نجد أن الدول التي تهاونت في تطبيق العزل الاجتماعي قد تفشى فيها الوباء بشكل يهدد مستقبلها، ومنها إيطاليا التي بلغت أعداد الوفيات فيها أربعة أضعاف العدد في الصين".

ويؤكد التقرير أن النماذج الوبائية تقدم الحلول إلى صانعي القرار السياسي، حيث أن قوتها تنبع من أنها ترسم صورة للحادث اليوم، تتبعه برسم صورة رقمية لما يمكن أن تكون الصورة عليها في الغد.

يجد السياسيون وصانعو السياسات أنفسهم في حيرة بين فريقين من العلماء، أحدهم يقدم تطبيق نموذج العزل الاجتماعي والإغلاق التام كحل سحري ينقذ آلاف الأرواح كما تم تطبيقه في بلدان أخرى، بينما يرى الفريق الآخر عكس ذلك، في هذا التوقيت الذي يمثل مفترق طرق.

وتوضح المجلة: "لا يجد صانعو السياسة إجابات عند الاقتصاديين، حيث أن نجاح خطة الإغلاق التام والعزل المجتمعي تتطلب معرفة توقيت البدء والنهاية، وحساب التكلفة، ومدى المعونات والتعويضات التي ستمنح للشعوب، وكذا تكلفة خطط الطوارئ الصحية، وتقدير مدى نجاح التدابير، وبالتالي تعود إجابات هذه الأسئلة كلها إلى مجال السياسات الصحية العامة".

إلا أنه ومع مرور الوقت، ومع أي تكلفة، سيكون من السهل التعبير عن فائدة العزل والإغلاق لفظيا، ولكن سيكون من الصعب تطبيقها أو الاستمرار فيها نتيجة الآثار المدمرة التي نتجت عنها سواء من الناحية المجتمعية أو الاقتصادية، نتيجة لذلك سيكون هناك خيارات صعبة لا بد من اتخاذها، وسيتوجب تبريرها اقتصاديا وصحيا، فكيف يتم ذلك؟

النماذج الوبائية

تأتي النماذج الوبائية بنوعين: يسعى الأول إلى التركيز على  الآليات الأساسية التي تنتشر بها الأمراض في مجموعة من المعادلات المترابطة. في النسخة الكلاسيكية من هذا النهج، يعتبر كل شخص إما عرضة للإصابة أو معديا أو يتعافى من المرض، يتطور الرقم في كل مجموعة مع الأرقام في واحدة أو أكثر من المجموعات الأخرى. وهنا يتم تقسيم السكان حسب العمر والجنس والمهنة وما إلى ذلك.

النوع الثاني من النماذج لا يعتمد على تطبيق الديناميكيات الأساسية، وبدلا من ذلك، فإنه يستند في الأساس إلى التنبؤ بالأشياء حول الأسبوع المقبل (مثل عدد الإصابات الجديدة التي ستحدث) وفقا لما حدث في الأسبوع الحالي والماضي. ويستخدم هذا النهج للتنبؤ بمسار الأوبئة مثل الإنفلونزا الموسمية، مما يوفر رؤى أكثر قابلية للتنفيذ من النماذج الميكانيكية.

إلا أنه من المؤكد، حسب المجلة، أن كل النماذج تعاني من عدم كفاية البيانات عند مواجهة كوفيد 19، حيث لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين بشأن مدى انتقال العدوى في الفئات العمرية المختلفة.

ويؤكد التقرير أنه للتغلب على معضلة نقص البيانات الموثوقة، فلا بد للدول أن تتبادل البيانات عن الوباء. ونجد هنا أن "هولندا وفنزويلا قد نشرتا البيانات التي توصلتا إليها والطرق التي اتبعتاها للتغلب عليه، ومن المفيد أكثر أن يشتبك العلماء في مناظرات علمية لتنقيح هذه البيانات للوصول إلى أفضل النتائج".

ويقول التقرير: إنه "عندما تصبح النماذج أكثر أهمية وتدقيقا، ستظهر التناقضات بين نتائجها المزعومة، وتتمثل إحدى طرق التعامل مع الاختلافات في جمع نتائج النماذج المختلفة ولكن القابلة للمقارنة.

ففي بريطانيا، شكلت الحكومة لجنة من خبراء النمذجة الذين يستخرجون الخلاصات الجماعية من نماذج مختلفة لوباء كوفيد 19، بينما عقدت فرقة العمل الأميركية للوباء مؤخرا اجتماعا لخبراء النمذجة لتقييم نطاق نتائجهم".

وتوضح المجلة: أنه "توجد طريقة أخرى لمحاولة الحصول على الخبرة المشتركة في المجال وهي ببساطة سؤال الممارسين. استخدم نيكولاس رايش من جامعة ماساتشوستس أمهيرست، وزميله توماس مكاندرو استبيانا ليطرحوه على لجنة من الخبراء حول الأوبئة، بما في ذلك العديد من الذين يصنعون النماذج، وكيف يتوقعون تطور الوباء". 

وللتدليل على أهمية النمذجة الوبائية في التعامل مع مثل هذه الكوارث، يذكر التقرير أنه في الدراسات التي تحدثت على الإنفلونزا الموسمية، كانت مثل هذه المجموعة من الخبراء أفضل دائما في التنبؤ بما سيحدث خلال الأسابيع القليلة القادمة، ولكن لسوء حظهم لم يشهدوا تفشيا خطيرا مثل هذه المرة، مما يجعل قيمة تجربتهم موضع شك على الأقل.

لكن من المثير للاهتمام، بالنظر إلى التزام ترامب بشهر آخر من التباعد الاجتماعي، فهم لا يتوقعون ذروة في الوباء في الولايات المتحدة حتى مايو/أيار 2020.

طرق التعامل

ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من اختلاف النماذج في مختلف النواحي، فإن نوع الإجراء الذي جرى اتخاذه بناء على نصيحتهم كان متشابها إلى حد كبير حول العالم.

هذا لا يعني أن السياسات الناتجة كانت حكيمة، يبدو أن الطريقة التي نفذت بها الهند إغلاقها قد أدت إلى تفاقم التهديد المدمر بالفعل الذي يطرحه كوفيد 19 هناك. كما يمكن التطرق إلى "بعض القيم المتطرفة" في التعامل مع الفيروس في دول مثل هولندا والسويد، حيث تكون السياسات أقل صرامة بشكل ملحوظ من البلدان المجاورة.

الأكثر من ذلك أن الحكومة التي تحاول منح الامتياز لصحة اقتصادها على صحة مواطنيها لن ينتعش اقتصادها بأي حال من الأحوال، فحتى في ظل عدم وجود سياسات تخفيف إلزامية، سيقلل العديد من الأشخاص الوقت الذي يقضونه خارج المنزل في العمل والاستهلاك من أجل الحد من تعرضهم للفيروس.

على سبيل المثال، لم يتم إغلاق دور السينما في كوريا الجنوبية، حيث يبدو أن الوباء تحت السيطرة إلى حد ما، من قبل الحكومة. من ناحية أخرى، ستكون هناك آثار على الإنتاج أيضا، حيث يصعب على العديد من الشركات مواصلة أعمالها كالعادة حال مرض بعض العمال، وتطبيق البعض الآخر العزل الاجتماعي طواعية واتقاء للمرض.

وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل مقارنة التكاليف والفوائد تظهر بوضوح في المرحلة الحادة من الوباء في جانب العمل على غرار ما يتم اتخاذه في العديد من البلدان.

وقالت المجلة: "لقد تعرض الاقتصاد لضربة كبيرة لكنه سيتضرر من المرض أيضا، والأكثر من ذلك أن إنقاذ الأرواح ليس جيدا فقط للأشخاص المعنيين وأصدقائهم وعائلاتهم وأصحاب العمل وإحساس مواطنيهم بالقيمة الوطنية، وإنما لها فوائد اقتصادية كبيرة".

يجادل المشككون في تكاليف السياسات الحالية في أنهم يريدون أيضا إنقاذ الأرواح، ولكن  النماذج المستخدمة للتنبؤ بالحصول على الناتج المحلي الإجمالي على أساس الأرقام الاقتصادية وحجم البطالة، ليست أكثر فائدة أو استعدادا بشكل أفضل ل"كوفيد 19" من النماذج الوبائية.

ولكن حتى لو أثبتت التنبؤات خسائر الناتج المحلي الإجمالي السنوية بنسبة 30٪ خلال النصف الأول من هذا العام في بعض الاقتصادات التي تضررت بشدة، إلا أن الركود الاقتصادي الناجم عن تفشي الوباء سيكون غير مسبوق.