9 سنوات من الثورة.. كيف عمل الأسد على تغيير ديمغرافية سوريا؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ارتبط التغيير الديمغرافي في سوريا، مع وصول حافظ الأسد للسلطة بانقلاب عسكري في 1971، لكن 9 سنوات من الثورة السورية في ظل حكم ابنه بشار، كانت كفيلة بخلخلة التركيبة السكانية التي كان السُنة يمثلون فيها الأغلبية.

التغيير الحاصل في التركيبة الطائفية بسوريا، يأتي ضمن إستراتيجيات نابعة من نهج طائفي للحرب التي يقودها النظام منذ مارس/آذار 2011، وأدت إلى نزوح وهجرة أعداد كبيرة من السكان الأصليين وإحلال آخرين مكانهم.

إستراتيجية العنف

منذ بدء الثورة في مارس/آذار من العام 2011، لعبت ديناميات القمع وإستراتيجية العنف التي انتهجها نظام بشار والمليشيات المساندة له، دورا أساسيا في عملية الشرخ الطائفي، في المناطق ذات الأغلبية السنية، وفي أقاليم مختلطة، بشكل خاص في محافظتي حمص وحماة والمناطق الساحلية.

الكاتب الفرنسي بيير إيف بايي، أكد في مقال نشره بموقع "أوريان 21" في 2 أبريل/ مارس 2020، أن ما آل إليه الصراع في سوريا بشريا، يعود إلى إستراتيجية طائفية استفادت من الحرب التي قامت على أنقاض الثورة السورية.

وقال الكاتب: إن "قمع نظام بشار الأسد الشديد للمظاهرات في درعا، وما أسفر عنه من قتل عام 2011، كان الشرارة التي أشعلت سوريا لما يقرب من 9 سنوات، مخلفا وراءه انعدام الأمن وانسحاب طائفي، تفاقم وتم استغلاله من المتحاربين.

وأشار إلى أن طهران تستخدم "وكلاء" شيعة من دول المنطقة ومن أفغانستان وباكستان لزيادة عدد المقاتلين، وأيضا لتغيير التركيبة السكانية في مناطق معينة، عبر منحهم إمكانية البقاء في سوريا، وبذلك يعيد النظام تصميم توزيع السكان بما يضمن له وجود مؤيدين للسلطة، أو من يعتمد عليهم في مناطق رئيسية في سوريا.

الكاتب الفرنسي أكد أن الطائفية متأصلة في نظام الدولة الذي بناه الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، حيث أخذ طائفته العلوية عند توليه الرئاسة رهينة وربطها بسلطته وأجهزته الأمنية، وفعل الشيء نفسه مع الأقليات القومية الأخرى، مذكرا إياها بانخفاض وزنها الديموغرافي مقارنة بالأغلبية السنية.

ولفت إلى أن "بشار الأسد اتبع إستراتيجيات والده، بالاعتماد على جزء من البرجوازية السنية دون إهمال طائفته التي يتراوح عددها بين مليونين ومليونين ونصف، أي بين 9 و11 بالمئة من السكان السوريين، وشكلت حضورا قويا في جهاز الدولة ومليشيات الشبيحة، خاصة بعد صعود تنظيم الدولة".

هيكلة البلاد

لم يكتف النظام السوري باتباع أساليب القتل والتهجير القسري في تغيير ديمغرافية البلاد، وإنما أصدر قانونا رقم (10) لعام 2018 بشأن "التجديد الحضري"، أتاح للمؤسسات المحلية بالاستيلاء على الأراضي الخاصة واختيار المناطق التي يجب تجديدها.

القانون الخطير رغم إجراء تعديل عليه تحت الضغوط الدولية، فإن بعض النقاط فيه لا تزال غير واضحة بشكل يسمح للنظام بإعادة رسم التوزيع العرقي الطائفي للبلاد كما يشاء، إذ يتيح له إمكانية سلب ممتلكات اللاجئين والنازحين السوريين في حال لم يُثبتوا ملكيتهم خلال مدة محددة.

الأمر الذي دفع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والمسؤولين اللبنانيين إلى التحذير من عواقب القانون، وقالوا إنه يمنع اللاجئين السوريين البالغ عددهم 5.6 مليون شخص من العودة لبلدهم.

ووفقا لإحصائيات الأمم المتحدة، فإن "الحرب الدائرة في سوريا أدت إلى فرار أكثر من 5.6 ملايين لاجئ، ونحو 6.6 ملايين نازح داخليا"، معظمهم من العرب السنة الذين هم أكبر الطوائف وأكثرها تأثرا بالحرب والقمع، إضافة إلى أن القتلى منهم فاق عددهم المليون شخص.

الخبير العسكري والأمني خالد المطلق، أشار في مقال نشره بموقع "التلفزيون السوري" المعارض، إلى الوسائل التي اتبعها نظام بشار الأسد في تحقيق التغيير الديمغرافي، ومن أهمها، حرق سجلات المحاكم والنفوس لطمس حقوق الأهالي السنة كما في حمص عام 2013.

وأضاف المطلق: أن "التوغل في تنفيذ المجازر التي طالت مناطق السنة حصرا، مع جرائم الاعتقال والتصفية والنهب والاغتصاب التي مارستها تلك المليشيات على الحواجز العسكرية، كانت سببا في هجرة الناس".

كما أن شراء العقارات وهدم المباني كما فعل النظام فـي بساتين المزة عام 2012م البالغ عدد سكانها 125 ألف نسمة ضمن المرسوم رقم 66 لعام 2012 القاضي بتهجير أهلها بحجة إحداث منطقتين تنظيميتين في محيط دمشق، بحسب الكاتب.

وأكد المطلق أن الحوزات الأمنية تعلب دورا كبيرا في شراء العقارات واستبدالها بملكيات لشيعة وعلويين كما في العمارة والشاغور والصالحية (فنادق البتراء وفينيسيا وغيرها) التي تم شراؤها، وجعلها مقرات لمليشيات أبي الفضل العباس (العراقية).

ومن الوسائل التي اتبعها نظام الأسد أيضا، يضيف الكاتب: "هي إجبار أهالي المدن المحاصرة على توقيع هُدنة مقابل وقف القصف عليها، وإدخال بعض الطعام إليها تمهيدا لإجبار سكانها على مغادرة مدنهم، وقراهم تحت ضغط الجوع والحصار والتي بدأت منذ عام 2013 كحصار الغوطة الشرقية والريف الغربي والشمالي لدمشق ومدينة حمص القديمة وحي الوعر والقصير وأحياء حلب الشرقية".

إبعاد السنة

يشير مقال صحيفة "أوريان 21" الفرنسية إلى أنه بعد 9 سنوات من نشوبها، غيّرت الحرب في سوريا طبيعة التركيبة السكانية للبلاد بشكل كبير، ولم يعد العرب السنة يمثلون سوى نصف السكان بعد أن كانوا الأغلبية.

وحسب الكاتب الفرنسي، فإن "الأرقام المستخدمة في سوريا مجرد تقديرات أعدها الخبراء والمنظمات غير الحكومية، لأن هذا البلد لم يتم فيه إجراء إحصاء جاد منذ فترة طويلة، إلا أن الجميع يتفق على أن الطوائف الأكثر تضررا هي العرب السنة والمسيحيون".

وخلص بيير إيف بايي إلى أن التغييرات الديموغرافية جاءت في النهاية لصالح النظام، لأن انخفاض أعداد العرب السنة يزيد النسب المئوية لتمثيل الأقليات، باستثناء المسيحيين وربما الشركس، مما يعزز وضع النظام.

قبل عام 2011، يعتقد أن السنة كانوا يمثلون نحو 74 بالمئة من سكان سوريا، ويشمل ذلك الأكراد، والتركمان، فيما كان السنة العرب وحدهم يشكلون نحو 61 بالمئة، حسب تقارير صحيفة.

وأفاد تقرير سابق لوزارة الخارجية الأميركية للحريات الدينية، بأن نسبة المسلمين السنة في سوريا تبلغ 77 بالمئة (بما فيهم الأكراد والتركمان).

لكن تقديرات أخرى تشير إلى أنه وفقا لآخر إحصائية رسمية في عام 2013، والتي قدرت عدد السكان بـ 22 مليونا و850 ألف نسمة من جميع الطوائف، فإن السنة العرب وحدهم يقدرون بنحو 14 مليونا و305 آلاف أي ما نسبته 63 بالمئة من العدد الكلي، دون حساب الأكراد والتركمان.

أما باقي الطوائف فعددهم يقارب الـ8 ملايين ونصف المليون. لكن من الباحثين من يشكك في دقة هذه النسب، ويرى أن نسبة السنة في سوريا لا تقل عن 80 بالمئة، وتصل إلى 85 بالمئة إذا أضيفت إليها نسبة السنة الأكراد.

تكثير الشيعة

يمثل الإسماعيليون والشيعة الاثنا عشرية في سوريا، نحو 2 أو 3 بالمئة من السكان، شارك بعض الإسماعيليين في مظاهرات ضد النظام، لكن الخوف المتزايد من الإسلاميين، قادهم في النهاية إلى موقف الحياد، بل والتعاطف مع دمشق، كما يقول الكاتب بايي.

أما الشيعة الاثنا عشرية الذين ظلوا بعيدين عن السياسية حتى عام 1990، فانضموا إلى النظام في وقت مبكر جدا، "لكونهم من بين الضحايا الأوائل للجهاديين"، وهم -حسب الكاتب- "أحد الأسباب التي دفعت حزب الله اللبناني للتدخل في سوريا قبل أمر طهران".

وبخصوص العلويين الذين ينتمي إليهم رئيس النظام السوري بشار الأسد وأغلب قادة الأجهزة الأمنية، أفادت تقارير بأن نسبتهم تتراوح بين 9 و10 بالمئة، يضاف إليهم 2 إلى 3 بالمئة من الإسماعيليين والشيعة الاثنا عشرية.

ومنذ بداية الثورة السورية، تشير تقارير صحفية إلى أن إيران تقوم بعمليات التغيير الديمغرافي الممنهج في دمشق، وأماكن أخرى من سوريا، غير أن للعاصمة دمشق أهمية خاصة للمشروع الإيراني، نظرا لمكانتها الدينية.

وتشكل مناطق الأغلبية السنية، هدفا لعمليات التغيير الديمغرافي من النظام السوري وحليفته إيران، إذ يُستغل العديد من السوريين، ومعظمهم من السنة، أصبحوا فقراء للغاية، بسبب الحرب. وتعرض عليهم أسعار مرتفعة، مقابل ممتلكاتهم ولا يمكنهم رفضها"، بحسب موقع "فويس أوف أميركا".

التغيير الديمغرافي بداريا في ريف دمشق، تمثل في نقل أكثر من 300 عائلة عراقية شيعية بعد إبعاد 700 مسلح إلى إدلب. أما منطقة السيدة زينب في ريف دمشق فباتت مقرا لعناصر مليشيات "حزب الله" وعائلاتهم منذ عام 2012، بحسب التقارير.

كما أن منطقة الجامع الأموي باتت منطقة أمنية للإيرانيين رغم أنها منطقة سنية. واشترى عناصر من "حزب الله" اللبناني في القصير على الحدود مع لبنان الأراضي والمنازل وهم يقطنون فيها.

ويجري التغيير الديموغرافي عبر طرد الأهالي من منازلهم ومناطقهم وأراضيهم، وإحراق مكاتب السجل العقاري وأي أوراق تثبت ملكيتهم للمنازل والأراضي، وإسكان عائلات ومقاتلين شيعة في هذه المناطق ومنح الجنسية للإيرانيين، وفق معهد "ميمري" ومقره واشنطن.

وفي تقرير نشرته صحيفة "لاراثون" الإسبانية عام 2018، فإن سوريا قبل الثورة في 2011، كانت تضم حوالي 16 مليون سني، ونحو 9 ملايين شخص بين علويين ومسيحيين وأكراد ودروز، وغيرهم من الأقليات الأخرى.

ونوهت إلى أنه "في المستقبل القريب، قد تتحول هذه الطائفة السنية إلى أقلية، للمرة الأولى في بلد عربي منذ قرون". وأردفت: بعد 7 سنوات من الصراع، لم يتبق سوى 8 ملايين سني في سوريا، حيث اضطر النصف الآخر إلى اللجوء لبلدان أخرى من منطقة الشرق الأوسط وأوروبا.

وخلال الأشهر الأخيرة من 2019، ذكرت تقارير إعلامية أن النظام السوري أقام الآلاف من الإيرانيين، وعشرات من أعضاء المليشيات المدعومة من إيران، التي تقاتل إلى الجانب السوري.

وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، ظهرت وثيقة مرسلة من رئيس المخابرات العامة السورية إلى وزير الداخلية، تضمنت قائمة الإيرانيين الذين سيتم منحهم الجنسية السورية، في محافظات دمشق وريف دمشق وحلب ودير الزور.

وأفاد معهد "ميمري" بأن الهدف من تجنيس عناصر حزب الله، المنتشرين في جنوب سوريا، على طول الحدود مع إسرائيل، هو إخفاء وجود هذه المليشيات في المنطقة.

الأكراد والأقليات

ومع أن الأكراد لا يمثلون إلا نحو 11 بالمئة من السكان، سعى النظام إلى إيجاد أرضية مشتركة معهم، وعقد اتفاقا مع حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي بعد فشل الأحزاب الكردية في التوصل إلى اتفاق مع المعارضة السورية الممثلة في المجلس الوطني السوري.

أما الدروز فيعيشون بشكل رئيسي في محافظة السويداء، ويمثلون نحو 3 بالمئة من السكان، وانضم جزء منهم في بداية الانتفاضة إلى المتظاهرين للمطالبة بمزيد من الحريات، إلا أن إستراتيجيات الحكومة السورية والتهديد المتزايد لما تسميه "التطرف السني" وضعت حدا لمطالبهم، كما يقول الكاتب بايي.

وبالفعل انضم الدروز والمسيحيون في منطقتي جرمانا وشانيا في دمشق إلى قوات الأسد لمحاربة الثوار بين عامي 2012 و2013، كما نشط الدروز في جهاز الدولة، وشكلوا مليشيات لحماية طائفتهم، باستثناء الدروز المقيمين شمال إدلب، الذين يدعمون الثورة، لكنهم لا يحملون السلاح.

وبخصوص المسيحيين - الذين يبلغ عددهم نحو مليونين وتختلط فيهم الأعراق - فهم نشيطون جدا في حزب البعث، ولديهم علاقة وثيقة مع آل الأسد، حتى أن رئيس أساقفة حلب الملكيين المونسنيور جانبرت، يقول: إنه "قلق للغاية على المسيحيين من عواقب الإطاحة بنظام الأسد".

وحسب الكاتب الفرنسي، فإن هناك مجتمعين صغيرين آخرين في سوريا: هما التركمان (نحو 150 ألفا) والشركس من القوقاز (بين 65 و150 ألفا)، وبفضل هويتهم المرتبطة بالترك، حافظ التركمان على صلة في أنقرة.

لكن ينقسم الشركس إلى فئتين: إحداهما إلى جانب النظام في الأجهزة الأمنية، والأخرى ترغب في العودة إلى وطنها القوقاز، وطلبوا من روسيا حق العودة،  كما توجد أيضا أقلية يزيدية في منطقة جبل سنجار على الحدود مع العراق.