علي لاريجاني.. سياسي إيراني نافذ وبراغماتي محافظ طاله كورونا

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

سياسي إيراني نافذ، يرأس البرلمان منذ عام 2008، ومن أشد المقربين للمرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي، تولى في السابق قيادة مفاوضات الملف النووي، وشغل أيضا منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، ورئاسة هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية.

علي لاريجاني الذي أعلن في 2 أبريل/ نيسان 2020، إصابته بفيروس كورونا، يعد أرفع مسؤول إيراني يطاله الفيروس القاتل حتى وقت كتابة السطور، بعدما تفشى بين نواب البرلمان وكبار المسؤولين بالبلاد.

وليد المنفى

ولد علي أردشير في مدينة النجف العراقية يوم 3 يونيو/ حزيران عام 1958، وهو الابن الأهم بين أبناء عائلة لاريجاني المعروفة، تربى وعاش سنوات عمره الأولى حين كان والده بالمنفى في العراق خلال عهد الشاه محمد رضا بهلوي.

في 1961 عاد مع أسرته إلى إيران، وتلقى تعليمه الديني بمدينة قم التي تبعد عن العاصمة بنحو (130 كم)، ودرس في جامعة طهران وحصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في الفلسفة الغربية، وكذلك على بكالوريوس في الرياضيات والإعلام من جامعة شريف التكنولوجية.

والده آية الله هاشم آملي، وهو أيضا متزوج من فريدة ابنة منظر "الثورة الإسلامية" في إيران والعالم الديني مرتضى مطهري الذي اغتيل  عام 1980 على يد مجموعة "فرقان" المعارضة.

يؤشر على أن زواجه من ابنة مطهري، كان سببا في صعوده إلى قمم السلطة في البلاد، كون الأخير استمد مكانته العلمية والروحية في إيران من خلال تتلمذه على يد مؤسس "الجمهورية الإسلامية" آية الله روح الله الموسوي الخميني.

براغماتي محافظ

يوصف بأنه براغماتي محافظ، ويُعد من المنظرين الإستراتيجيين للنظام السياسي في إيران، وأحد أكثر الرجال نفوذا في البلاد، نظرا لقربه الشديد من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وتشهد على ذلك سيرته الذاتية الحافلة بالمناصب الرفيعة في الدولة.

وعلى سبيل المثال وليس الحصر توليه منصب وزير الثقافة بين عامي 1992 و1994م، ثم رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون بين عامي 1997 و2004، وبعدها أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في أغسطس/آب 2005 حتى 2007، ثم رئاسة البرلمان الإيراني منذ العام 2008 وحتى الآن.

وخلال رئاسته لهيئة الإذاعة والتلفزيون، بعد ترشيحه من المرشد الأعلى علي خامنئي، حاول أن يحد من تأثير الثقافة الأجنبية على الشباب الإيراني عن طريق عدم إذاعة البرامج المستوردة.

لكن لاريجاني تعرض لانتقادات كبيرة بسبب سياسته في إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون التي اعتبروها مسؤولة عن تحول الشباب الإيراني إلى وسائل الإعلام الخارجية.

وبوصفه أمينا عاما للمجلس الأعلى للأمن القومي في الفترة ما بين 2005-2007 بتعيين من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، كان لاريجاني المفاوض الرئيس باسم الحكومة حول القضايا الرئيسية للسياسة الخارجية.

ارتبط اسمه بمفاوضات البرنامج النووي الإيراني، وأدار لشهور مفاوضات على درجة كبيرة من الحساسية مع منسق السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي خافيير سولانا، لكنه اختلف مع الرئيس أحمدي نجاد، فيما يتعلق بطريقة التعاطي مع مفاوضات الملف النووي.

وعندما تولى رئاسة البرلمان عام 2008، أصبح في عهده أحد مراكز القرار الفعلية في إيران، وكانت المرة الأولى التي يمْثل فيها رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية (أحمدي نجاد) أمام البرلمان، فيما فجّر الأخير في وقتها غضب لاريجاني باتهام عائلته بالفساد.

اكتفاء سياسي

بعد 12 سنة من رئاسته للبرلمان، كشف علي لاريجاني أنه سيكون خارج سباق الانتخابات التشريعية أو الرئاسية، الأمر الذي فسره مراقبون على أنه قد يفتح الباب أمام أفول النفوذ السياسي لعائلة لاريجاني.

وفي مؤتمر صحفي 2 ديسمبر/ كانون الأول 2019، كشف لاريجاني، أنه لا ينوي الترشح للانتخابات البرلمانية والرئاسية، موضحا أنه تكفيه النيابة عن سكان مدينة قم لمدة 12 سنة.

وأكد أنه اتخذ قرارا نهائيا بعدم الترشح لهذه الانتخابات، مع الإشارة إلى أن ترشحه في الانتخابات الماضية جاء بطلب من مرجعيات دينية وسياسية.

كما حسم قراره بشأن عدم الترشح للانتخابات الرئاسية في 2021، قائلا: "لكي أحسم الموضوع، فإنه ليس لدي برنامج للانتخابات الرئاسية في 2021"، إذ سبق أن ترشح في 2005 للانتخابات التي فاز بها الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد.

لكن تأكيدات لاريجاني بشأن عدم اعتزامه خوض هذه الانتخابات كمرشح لا تعني أنه يعتزم اعتزال السياسة نهائيا. وقال: "لن ألتزم البيت، وأي مسؤولية توكل إلي سأقوم بها كما عملت خلال الأربعين عاما الماضية، سواء أيام الحرب (الإيرانية العراقية) أو بعدها".

قرار لاريجاني، بمغادرة حلبة الانتخابات، قد يكون مرده إلى أفول نجم عائلة لاريجاني في عالم السياسة الإيرانية، بعد عقود من الوجود في الواجهة.

عائلة نافذة

يتمتع أفراد عائلة لاريجاني بأعلى مناصب تشريعية وقضائية على الإطلاق، فضلا عن عدد من المناصب الرفيعة الأخرى لأفراد العائلة التي أسسها آية الله ميرزا ​​هاشم آملي، أبرز رجال الدين في عهدي رضا خان بهلوي، وولده الشاه محمد رضا بهلوي.

وفي إيران ما بعد "الثورة الإسلامية" تعتبر عائلة لاريجاني هي واحدة من أهم عائلات إيران حاليا، وكثيرا ما يشار إليها كونها أسرة تحكم إيران من الباطن، كونها تضم كبار الشخصيات بالبلد.

لاريجاني له 4 من الأخوة (صادق، محمد جواد، باقر، فاضل)، يمثلون إحدى العائلات النافذة سياسيا واقتصاديا في إيران، وتيارا يطلق عليه "تيار لاريجاني" من رجال الدين والسياسة والمستثمرين.

وإذا ما تحدثنا عن آية الله صادق لاريجاني، فإنه الضلع الثاني والمهم في عائلة لاريجاني، ولد أيضا في النجف بالعراق عام 1961، لكنه سلك التعليم الديني في الحوزة، وتدرج في العلم الشيعي حتى وصل إلى مرتبة آية الله، وهى مرتبة رفيعة لا يحصل عليها الباحث إلا بصعوبة بالغة.

بعدها انتقل من الحوزة إلى السياسة، ومارس كل أعمال الدولة، بدءا من العام 1988م، حين ترشح لشغل مقعد نائب محافظة مازندران في مجلس خبراء القيادة، ثم أصبح عضوا في جامعة مدرسي الحوزة العلمية، وقام بالتدريس على مستوى الماجستير والدكتوراه في مجال علم الكلام والفلسفة التطبيقية.

وفي عام 2001 اختاره البرلمان بتوصية من رئيس السلطة القضائية لیكون أحد أعضاء مجلس صيانة الدستور، وفي أغسطس/ آب 2009، عينه المرشد الإيراني علي خامنئي، رئيسا للسلطة القضائية، تلك التي تخول له حق تعيين رؤساء الهيئات العليا بالجمهورية، ثم غادرها في مارس/آذار 2019.

أما محمد جواد لاريجاني أمين لجنة حقوق الإنسان، فهو الشقيق الأكبر لإخوته ونظرا لأنه مثلهم جميعا ولد وتربى وتلقى جانبا من تعليمه بالنجف في العراق، فقد أتقن العربية تماما إلى جانب إتقانه الإنجليزية، ويتحدث بكلتا اللغتين بطلاقة.

بدأ حياته السياسية نائبا بالبرلمان في دوراته الثانية والرابعة والخامسة، ومنه انتقل إلى السلطة القضائية كمستشار أعلى، إضافة إلى أنه كان عضوا من 3 أعضاء يشرفون على إدارة مؤسسة الإذاعة والتلفزيون أثناء إدارة محمد هاشمي (شقيق رئيس إيران السابق هاشمي رفسنجاني).

ويتولى محمد جواد الآن منصب أمين عام لجنة حقوق الإنسان، ورغم تبعيتها للسلطة القضائية، إلا أنها تمارس عملا من نوع خاص يتركز على 3 محاور: الأول هو الدفاع عن النظام الإيراني في المحافل الدولية من الحوارات التي يدلي بها لوسائل إعلام أوروبية حول حقوق المرأة والسجناء في إيران.

المهمة الثانية، هي تقديم أوراق في السياسة الإستراتيجية، إلى مؤسسة المرشد الأعلى علي خامنئي ذاته، إلى جانب تدعيم منصب شقيقه الأصغر صادق لاريجاني عندما كان رئيسا للسلطة القضائية والتنظير لصالح النظام داخليا، وعليه يعد محمد جواد لاريجاني أخطر أشقائه وإن كان يعمل في الظل، ولا يتم تسليط الأضواء عليه إلا قليلا.

أما شقيقه الرابع، الدكتور باقر لاريجاني، فدخل مجال الطب وابتعد عن السياسة، وأصبح مساعدا لوزير الصحة، ونائبا لرئيس الجامعة الحرة، ورئيسا لكلية إيران الطبية.

أخيرا الشقيق الخامس فاضل لاريجاني، فيُعرف بنشاطه الاقتصادي المثير للجدل، حيث سبق أن بث الرئيس السابق أحمدي نجاد مقطع فيديو يظهر فيه فاضل مع أحد مديري الحكومة وهو يطلب منه مبالغ كبيرة مقابل تسهيل أموره في القضاء وفي التجارة.

وفي 15 يوليو/ تموز 2019، أعلن اعتقال فاضل لاريجاني على خلفية اتهامات بملفات فساد مالي، قيل أن شقيقه آية الله صادق تورط فيها أيضا، لكن موقع "سحام نيوز" الإيراني كشف عن هروبه إلى خارج البلاد.